بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة الناشر
لقد منيت السنة النبوية الشريفة منذ بدء تاريخ الإسلام بالمنع والتحريف والوضع
والدس ، بل كان الوضع مما منيت به في عهد الرسالة ، ولقد ورد عن الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) :
( لقد كثرت القالة علي . . . ) .
ومما زاد الوضع أزمة منع تدوين الحديث زهاء قرن أو أكثر . ومن هنا فقد حاول
جمع كثير من المؤلفين تنقيح الحديث من الموضوعات والمدسوسات ، وممن ادعى ذلك
البخاري ومسلم ، وقد سمي كتاباهما بالصحيحين ، وحظي الكتابان بالقبول من عامة
علماء أهل السنة وعامتهم حتى عدا تلو القرآن العظيم ، ولم يجترئ أحد على رمي
حديث مما ورد فيهما بالضعف ، ولكن حدثت أخيرا محاولات لتحطيم هذه الأسطورة
فكتب في ذلك المؤلفات ونشرت المقالات في الصحف والمناشير لإثبات أن ما كل ما في
البخاري ومسلم صحيح .
ومما كتب في هذا المضمار كتاب أضواء على الصحيحين الذي ألف أصله
باللغة الفارسية العلامة البحاثة الفذ الشيخ محمد صادق النجمي حفظه الله ، وقد بحث
فيه عن موارد التناقض وما لا يمكن قبوله من أحاديثهما لمخالفته الكتاب أو السنة
القطعية أو العقل القطعي . وهو كتاب جليل في موضوعه ، وترجمه صاحب الفضيلة الشيخ
يحيى كمالي البحراني .
ومؤسسة المعارف الإسلامية إذ تنشر هذا السفر الجليل تشكر المؤلف والمترجم
وتتمنى لهما دوام التوفيق والعز والتأييد .
كما تشكر المؤسسة الإخوة الذين ساهموا في إنجاز هذا الكتاب وتخص بالذكر
الأفاضل : محمود البدري وفارس حسون كريم لما بذلاه من جهد في إصدار الكتاب .
والحمد لله أولا وآخرا ، والصلاة على رسوله والأئمة الميامين من آله .
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلاته وسلامه على خاتم رسله وعلى آله الطاهرين .
وبعد :
فإن كل متتبع يعلم ضرورة أن من ألطاف الله جل شأنه على البشرية أن أرسل إليهم
الأنبياء والمرسلين هداة للناس ، وخص هذه الأمة المرحومة بأشرف أنبيائه وخاتم
سفرائه سيدنا محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، إذ أرسله برسالة خالدة وبكتاب مجيد فيه تبيان كل شئ
، فمن تمسك به هدى ومن ضل عنه غوى وهوى .
ولما كان هذا الكتاب المعجزة النبوية الخالدة يحتوي على الكليات والعمومات
والاطلاقات والمحكمات والمتشابهات ما لا يفهمه ولا يدرك مغزاه إلا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومن
غره النبي بالعلم غرا وعنده علم الكتاب ، فقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) بتفسيره وبيانه وتخصيص
عموماته وتقييد محكماته عملا وقولا .
فكان عمل النبي وقوله وتقريره – السنة النبوية – ركيزة ودعامة ثانية اعتمد عليها
المسلمون في فهم دينهم ، ومعرفة الإسلام الذي أتى به النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وعندما افترقت الأمة علنا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما كانوا فئات مختلفة في حياته رأى
زعماء كل فرقة أهمية الحديث النبوي ودوره في استمرارية الدين وديمومته ومكانته
الاجتماعية والثقافية والتوعوية ، فمنهم من أحضر التحديث عن النبي رواية وكتابة حتى
آل الأمر إلى ضرب رواة الحديث وإقصائهم ومنعوا تدوينه ، ومنهم من أكد على ضرورة
روايته وكتابته ، واعتبر أن أقوال النبي ( صلى الله عليه وآله ) كالقرآن ، وأنه قال : إنما أوتيت القرآن ومثله
معه ، وأقواله بل أعماله وتقريراته كلها مبتنية على أساس الوحي الإلهي ( وما ينطق عن
الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) ( 1 ) .
وبعد فتور زمني طويل يزيد على قرن واحد أحس بعض أتباع المانعين من
التدوين والرواية بضرورة حفظ سنة النبي ( صلى الله عليه وآله ) القولية والعملية ، فأمروا شيعتهم بذلك
فظهرت من بعد هذا الأمر الخليفي مدونات ومصنفات صغيرة وكبيرة ملأت الدنيا
ودورها ، فيها مرويات وأحاديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه رواها الناس على فآتهم .
ولما كانت الغايات في رواية أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) مختلفة سطع نجم هوى الخليفة
وكسب عطاياه في صدارة الغايات بعد أن أفلت الغايات الأخرى وخاصة الخالصة لوجه
الله عز وجل ، فظهر المكذبون والمزورون والمدلسون والوضاعون ولبسوا لباس راوية
الحديث والمحدث والمفسر وغيرهم ، ودونت كلمات في الكتب والمجاميع والسنن مما
أتعبت فيما بعد علماء الرجال والتراجم وأئمة الحديث .
ومن المدونات التي فاق صيتها واسمها الآفاق ، ونالت من المديح والاطراء
الكثير : الجامع الصحيح لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه
البخاري 194 – 256 ه ، والجامع الصحيح لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري
النيسابوري 206 – 261 ه .
وقد اعتبر علماء أهل السنة هذين الكتابين أصح الكتب وأتقنها وأضبطها بعد
القرآن ، واعتمدوا عليهما تمام الاعتماد ، واهتموا بهما غاية الاهتمام ، حتى غالوا في
إطرائهم عليهما وصححوا جميع ما ورد فيهما . والبعض أنزل صحيح البخاري منزلة
العصمة ، كالقرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا يجوز نقده متنا وسندا .
فأما المتن قالوا : إنه خرج من شفتي النبي .
وأما سنده فقالوا : من أخرج له البخاري فقد جاز القنطرة .
ولكن بعض الحفاظ لما أمعنوا النظر ودققوا البصر في الصحيحين رأوا ما هو مبائن
لهذه الإطراءات والمدائح ، فكتبوا كتبا مستقلة أو ضمنا في النقد والرد على صحيح
البخاري ومسلم ، كالدارقطني ( 1 ) وابن حجر ( 2 ) وغيرهما .
وما أحوجنا نحن المسلمون في هذا العصر إلى الخروج عن الانطباع على حالة
التعبدية والصنمية ، والانفتاح الصحيح على القيم والموازين الدينية الأصيلة التي تسوقنا
إلى معرفة السنة النبوية الصحيحة الصافية عن الترهات ، والمهذبة من الشطحات ،
وتنقيحها حتى لا تتسنى الفرص لأعداء الدين الألداء بالنيل من الإسلام والرسول
ورسالته .وهذا الكتاب على إجماله واختصاره قد تكفل مؤلفه العلامة الشيخ محمد صادق
النجمي بيان نقاط الضعف والسقم في الصحيحين بأسلوب علمي مبسط ، وقد حاولنا في
تعريبه رعاية هذا الأسلوب المبسط ليقرأه العالم وغيره . وأرجو من العلي القدير أن يكون
هذا الكتاب نافذة تطل على تنقيح السنة النبوية الشريفة من أدران الوضاعين والكذابين .
ولا يسعني هنا إلا أن أمد يد الشكر والامتنان إلى أخي وصديقي الأستاذ الفاضل
السيد محمد جواد المهري الذي شوقني بأمره بترجمة الكتاب الذي بين يديك – عزيزي
القارئ – وله الفضل والمنة ، وأقدم كذلك فائق تقديري للإخوة المسؤولين في مؤسسة
المعارف الإسلامية حيث كانوا هم المشوقين لي في هذا العمل المتواضع .
وأخيرا إليك يا زهرة المصطفى ، ويا بضعة النبي المجتبى ، يا سيدتي يا فاطمة ، يا
أيتها العزيزة ، قد مسنا وأهلنا الضر وجئناك ببضاعة مزجاة فأوفي لنا الكيل من الولاية ،
وتصدقي علينا بالشفاعة ، إن الله يجزي المتصدقين ، واجعلي يا مولاتي سقاية ودك
ومحبتك في رحل قلبي وفؤادي ، ثم خذيني إليك عبدا قنا .
وإليكم يا قادتي وأئمتي وشفعائي ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ، إلا من أتى الله
بقلب سليم ، بولاية أبيكم أمير المؤمنين وسيد الأوصياء ، وصي رسول الله حقا ، وخليفته
نصا ، ووارثه وحيا ، علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وولاية أبنائه الأحد عشر الأئمة الهداة
المعصومين ( عليهم السلام ) .
وإليك يا سليل الأطهار ، ووارث الأبرار ، وصي الأوصياء ، وصفي الأصفياء ،
قامع أهل الضلالة والعتاة المردة ، ومنجي البشرية من براثن النفاق والكفرة ، بقية الله
الأعظم الحجة ابن الحسن روحي وأرواح العالمين له الفداء .
أهدي إليكم جميعا هذا العمل المتواضع فتقبلوه مني بأحسن القبول .
وأهدي أيضا إلى جدي المرحومين المغفورين الحاج زاير علي كمالي والحاج
غلام عباس درويش اللذين زرعا حب الولاء لعلي ( عليه السلام ) في قلوب أحفادهما فأسكنهما
الله فسيح جنانه في زمرة أوليائه وبجوار النبي وآله .
ومن الله سبحانه وتعالى استمد العون وأسأله أن يجعل عملي هذا خالصا لوجهه
الكريم ، وأن يمن علي وعلى والدي بالمغفرة والرحمة وشفاعة محمد وآله الطاهرين في
يوم الدين .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
يحيى كمالي البحراني
مولد الزهراء ( عليها السلام )
20 جمادى الثانية 1419 ه
قم المقدسة