الطريق إلى الله تعالى للشيخ البحراني 18
6 فبراير,2023
الاسلام والحياة, زاد الاخرة
1,514 زيارة
18
وهذا كله على تقدير تحقق الإساءة إليك من الغير ، وإلا فعلى تقدير أنك ظالم أو تتظلم كما هو المشاهد في أحوال غالب الخلق ، فالأمر أجلى وأوضح ، فإنا ما رأينا أحداً من الناس إلا وهو يشتكي ويتظلم ، ولم نر إلى الآن متنازعين ومتخاصمين من الأخيار ولا من الأشرار ، وأحدهما يقرّ للآخر : أني ظالمٌ لك ومتعدّ عليك.
بل لم نزل نرى الأخيار وأهل الصلاح والتقوى يتخاصمون ، وكلّ يدعي المظلومية من الآخر ، وأنه صاحب الإحسان عليه ، والتحمل منه ، وهم ممن لا يتعمدون الكذب ولا يتجرؤون عليه ، فاعلم أن ذلك من مكائد النفس الأمّارة ، وتلبيسها الباطل بصورة الحق حتى تشبّه الأمر على صاحبها.
ولهذا ردّ الشارع الحكيم شهادة العدل لنفسه ، ولم يجز التعويل في ذلك على عدالته ، فوجب على العاقل المنصف أن يتهم نفسه في حق نفسه ، ولا يقبل شهادته لنفسه ، كما لا يقبله الشارع.
فهذا غير الذي تعاشره وتباشره ، إن كان أصل معاشرتك أن تنفعه لا لأجل أن تنتفع منه ، فقد أرحت قلبك أولاً بقطع الآمال من الناس ، وقطع الطمع عنهم ، وهذا هو الغنى الأكبر الذي هو غنى النفس.
ثم أن أول صدقة منك عليهم أن تكفّ الأذى عنهم ، وأول ذلك أن ترفع أذاك عنهم ، فلا تتعرّض لهم بما يؤذيهم ، ثم توطن نفسك على تحمل الأذى منهم ، ثم اجعل همك إيصال الإحسان إليهم.
فإذا توطّنت نفسك على ذلك ، فإن وصل إليك مكافأة بإحسان فهذه نعمة غير مترقبة ، فتكون أوقع في النفس وألذ.
وإن رأيت أنهم قد قطعوا النظر عنها ، وتعلّقت نفوسهم بأن تقبلها منهم فاقبلها منهم ، فإن قبولها الإحسان عليهم ولو لم تكن محتاجاً إليها ، فإنّ ردّها يكدّر خواطرهم ، وهو إساءة إليهم وقد وطنت نفسك على ترك الإساءة إليهم ، وأنت مأمور بذلك. (3)
(3) هذه صورةٌ أخرى من صور الواقعية في نهج المؤلف ، فإنّ الرقة ودماثة الأخلاق ، من الصفات الأساسية في السالك ، ولطالما رأينا غير ذوي البصيرة في هذا الطريق يلحقون الأذى بالغير بقولٍ أو فعلٍ .. او يوجبون لهم الوهن ، أو يدخلون عليه الهمّ والغمّ ، بدعوى الترفع عن الدنيا والإعراض عن الخلق ، غافلين عن حقيقة أنّ من كسر مؤمناً فعليه جبره ( الكافي 2-45 ) .. ومن دون هذا الجبر قد يكسر الله منه ، ما لا جبر له في الدنيا ولا في الآخرة ..( المحقق )
الاسلام والحياة اية الله بحوث اسلامية حركات الدجالين في العراق 2023-02-06