الوقت- قال موقع ميدل ايست البريطاني في مقال للكاتب البريطاني البارز ديفيد هيرست إن الملك محمد بن سلمان بات اليوم عبئاً على أمريكا التي قد تسعى للتخلّص من حكمه .
وبيّن الكاتب في مقاله: ” قام ولي عهد أبوظبي بتدريب تلميذه السعودي على تجاهل مشاعر المسلمين وتجاهل الإرث السعودي، إلا أن هذه ملفات ثقيلة يصعب على الدولة السعودية التخلي عنها، ولو حصل ذلك، فإن تكلفة ذلك في العالمين العربي والإسلامي ستكون باهظة جداً، ولن يتم دفع هذه التكلفة من قبل مشروع تجاري صغير مثل الإمارات وإنما ستدفعها دولة مثل السعودية، التي تزداد ضعفاً عاماً بعد عام في ظل الحكم الحالي”.
وأردف الكاتب بالقول: ” لا يوجد شك في أن محمد بن سلمان سينتهي في اللحظة التي تستفيق فيها أمريكا وتدرك أنه بات عبئاً كبيراً على مصالحها العسكرية والاستراتيجية في الخليج الفارسي حيث يعتقد بعض السعوديين المقربين من العائلة الملكية الحاكمة، أن ذلك قد يحدث قبل أن يتوّج ملكاً على البلاد، وحينها ستخسر الإمارات كل رهاناتها، وقد تعود الأمور بين الرياض وأبوظبي إلى ما كانت عليه من قبل، في وقت أقرب بكثير مما يظن محمد بن زايد”.
وتابع الكاتب بالقول: لطالما تنافس السعوديون والإماراتيون على مدى عقود وتخاصموا، والآن عادت التوترات بين الطرفين من جديد بسبب اليمن، فقط بعد أسبوعين من إصداره مرسوماً يجرد فيه كشمير من وضع الحكم الذاتي فيها، سيصل رئيس الوزراء الهندي نارندرا مودي إلى أبوظبي يوم الجمعة ليتسلّم جائزة تعرف باسم وسام زايد، وهو الوسام المدني الأعلى في البلاد، حيث ينسجم ذلك تماماً مع طموحات أسبرطة الصغيرة في الخليج، التي تسعى بكل ما أوتيت من عزم لإقامة امبراطورية عائمة، تمتد من موانئ اليمن إلى القرن الإفريقي والمحيط الهندي وما بعده.
وأردف الكاتب القول: تعدّ الهند ثالث أكبر زبون مستهلك للطاقة في العالم، بينما تعدّ الإمارات، ثاني أكبر شريك تجاري لها، ولذا، ما الذي عساه يجعل الإماراتيين يأبهون بسبعة ملايين كشميري في كشمير الخاضعة للإدارة الهندية، التي بات نزاعها ذو الأبعاد الدولية المتعارف عليها، يعامل الآن كما لو كان “شأناً داخلياً” يخص الهند وحدها، ينبغي على السعودية، حليفتها وسيدتها ووليتها، أن تأبه لذلك. ليست هذه مسألة تبعث على المرح بالنسبة لآل سعود، الذين ما فتئوا يؤسسون شرعيتهم على اعتبار أنهم صوت المسلمين بمن فيهم الملايين الأربعة الذين يعيشون في وادي كشمير.
وتابع الكاتب: تتناثر في طريق الإمارات نحو الأسواق اللامحدودة مصائد الفيلة التي نصبت لجيرانهم في السعودية، وأول هذه المصائد تقع في الحديقة الخلفية للرياض، في اليمن.
وأضاف: لم يعدّ ثمة شك في تباين الاستراتيجيات الإماراتية والسعودية للتعامل مع بلد ساهمت الدولتان في تدميره، من خلال تدخلهما فيه ضد الحوثيين، كلاهما يدرّبان ويمولان المليشيات المحلية، إلا أن السعوديين يرغبون في توجيه الجهد نحو الشمال، الذي تنطلق منه كل الهجمات على القواعد الجوية وعلى المطارات والمرافق النفطية داخل السعودية، أما الإماراتيون، فلديهم استراتيجية أخرى، وخاصة بعد إخفاقهم في إعادة إحياء النظام البائد للدكتاتور اليميني السابق علي عبد الله صالح من خلال تنصيب ابنه زعيما للبلاد، وفي خضم إعادة انتشار واسع النطاق لقواتها، تقوم الإمارات بكل وضوح بدعم الانفصاليين الجنوبيين،
فبمساندة من قبل الإماراتيين، قامت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي بالاستيلاء على ميناء عدن، وها هي الآن تزحف باتجاه عدد من المواقع العسكرية في محافظة أبين المجاورة، التي توالي الرئيس المنفي عبد ربه منصور هادي، لم يعد هناك أدنى شك بشأن ما الذي يجري في عدن، حتى مع دخان الحرب الذي يلف المنطقة وبالرغم مما تشهده من تنقلات وتحولات مستمرة في الولاءات العشائرية والقبلية. قبيل “ترحيله” من عدن، كما عبّر عنه وزير الداخلية في حكومة هادي أحمد الميسري، نشر مقطع فيديو يهنّئ فيه أشقاءه في الإمارات على “هذا النصر المبين علينا”.
وقال: “نغادر ولكن لكي نعود ثانية، نتحدث معكم من عدن قبيل توجهنا نحو المطار خلال ساعة أو ساعتين حتى يتسنّى لهم “ترحيلنا” إلى الرياض، شكراً (للمجلس الانتقالي الجنوبي) على نهب بيوتنا وممتلكاتنا والعبث بحاجاتنا الشخصية، شكراً لكم على سرقة ما في منازلنا وسياراتنا”، وقال الميسري: إن الاستيلاء الانفصالي على عدن نفّذته قوة من أربعمئة عربة مدرعة، يقودها مرتزقة ينفذون التعليمات الصادرة لهم عن الإمارات.
وأردف الكاتب: قد لا يكون ميناء عدن هو الميناء اليمني الوحيد الذي يسقط في أيدي الدولة الجنوبية الانفصالية التي تموّلها الإمارات، في هذه الأثناء، كتب المحلل السياسي الكويتي الدكتور محمد الرميحي في صحيفة الشرق الأوسط المملوكة للسعودية، يقترح بأن تقسيم اليمن شيء جيد لأن دولة اليمن في حالة دائمة من الحرب، ومضى يقول:
“ولكنّ جنوباً جمهورياً حقيقياً يؤهل لبناء دولة حديثة هو المعنيُّ؛ فهو أولاً يسمح بوجود سلطة على كلٍّ من الداخل الجنوبي وأمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وهما القضيتان اللتان تهمّان العالم من جهة أمن المسارات البحرية الدولية، وثانياً، يقضي على إمكانية استغلال الفراغ السياسي لظهور التطرف مثل «القاعدة» أو «داعش» وسط رخاوة السلطة”، وتشجيعاً على مشروع تقسيم اليمن، وضع الرميحي عينيه على ميناء الحديدة الشمالي باعتباره الجائزة التالية التي يستحقها الانفصاليون الجنوبيون، وعن ذلك قال: “وإن أُلحقت بها الحديدة وما جاورها يُترك الشمال، كي تقوم آليات الضبط فيه، ولو على سنوات،
لاستتباب أمن معقول يتناسب مع ما يرغب فيه أهل اليمن الجبلي من سلمٍ وحياة أفضل”، ما يمكن أن تتمخض عنه مثل هذه السياسة، هو ترك شمال اليمن الذي سلم من الغزو يتعفن، فهل يخدم ذلك مصالح الرياض التي بات شغلها الشاغل السعي لحماية مطاراتها وقواعدها العسكرية من الطائرات السيارة والصواريخ، التي يطلقها الحوثيون لضرب أهداف في عمق السعودية؟ وبالمناسبة، من الذي أرسل قواته “في مهمة تدريبية واستشارية” لحراسة العائلة الملكية الحاكمة في السعودية؟ إنها الباكستان.
واختتم بالقول: إن الثقة التي يبديها الإماراتيون في انتهاج استراتيجيات تشذّ بشكل مكشوف عن تلك التي تتبناها الرياض، لهو ظاهرة جديدة نسبياً في العلاقة بين هاتين الدولتين في شبه جزيرة العرب، وكما كتب هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية ببيروت، لطالما قامت بين السعودية والإمارات، وعلى مدى عقود، عداوات بسبب نزاعات برية وبحرية وبسبب التنافس بين آل زايد وآل سعود. ومضى خشان يقول: “عندما ولدت الإمارات في كانون الأول من عام 1971، حققت الرياض هدفها بإقصاء كل من قطر والبحرين عن الدولة الفيدرالية الجديدة، ومارست السعودية ضغوطاً هائلة على الإمارات لإجبارها على التوقيع على معاهدة جدة في عام 1974 التي تم بموجبها التنازل عن الحقوق في “خور العديد”
التي تربطها بقطر. ورفضت الرياض الاعتراف باستقلال الإمارات إلى أن وقع رئيسها زايد بن سلطان على المعاهدة تحت الإكراه، رغم أن الإمارات لم تكن قد صادقت على المعاهدة بعد، وعندما استلم رئيس الإمارات خليفة بن زايد مقاليد الأمور في عام 2004 قام بزيارة إلى الرياض وطالب بإلغاء المعاهدة، ما فجّر أزمة عميقة بين الدولتين استمرت لما يقرب من ستة أعوام قبل أن تبدأ حدتها في التراجع”، وعندما بزغ نجم محمد بن سلمان، الأمير السعودي الشاب المتعطش للسلطة، لم يتردد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد الأكبر سناً والأرجح عقلاً في اغتنام الفرصة، – وكان هو وسفيره في واشنطن يوسف العتيبة، وليس المؤسسة الحاكمة في السعودية – من شق الطريق باتجاه باب المكتب البيضاوي في البيت الأبيض للترويج لمحمد بن سلمان، كما كنت ذكرت في تقارير سابقة لي.
ليس المقصود من ذلك تبرئة ولي العهد السعودي من المسؤولية عن حالة الرعب التي أوجدها في بلده، إذ لم يكفّ منذ أن جاء إلى السلطة عن اعتقال وتعذيب المعارضين السياسيين والتنكيل بهم وبمن يناصبه العداء أو ينافسه من أفراد عائلته، وكل ذلك بحجة مكافحة الفساد وباسم التحديث، لم يغب عن بقية أفراد العائلة الحاكمة في السعودية أن محمد بن سلمان بات الآن محاطاً بعصابة ممن يدينون بالولاء، أولاً وقبل كل شيء لولي عهد أبوظبي، وحتى بعد أن أصبح أميرهم المطواع يهيمن بشكل تام على العائلة الحاكمة داخل السعودية، لا يفتر الإماراتيون عن تتبع شؤون الرياض ومراقبة ما يجري فيها ورصد أي انحراف يمنة أو يسرة، مهما كان ضئيلاً، يشير تقرير شهري محدود التوزيع حول السعودية، يعدّه مركز الدراسات الإماراتي، وهو مركز بحث وتفكير على ارتباط وثيق بالحكومة في الإمارات وبالأجهزة الاستخباراتية فيها، إلى حالة من التبعية التامة لدى السعوديين للسياسة الأمريكية المتذبذبة تجاه إيران، يقول التقرير: “على الرغم من أن السعودية نجحت في استضافة ثلاث قمم خلال شهر أيار، كانت هناك درجة من الضبابية في حساباتهم فيما يخص إيران، وما ذلك إلا بسبب اعتماد الرياض على الموقف الأمريكي، غدا الموقف السعودي قوياً وصلباً عندما كان الأمريكيون يستخدمون لهجة قوية ضد إيران، ولكن السعوديين ما لبثوا أن خففوا من حدّة لهجتهم عندما راح الأمريكيون يؤكدون النهج الدبلوماسي، حينها انتهج السعوديون خطأ شديداً في التنديد بإيران وتهديدها كما كان واضحاً خلال القمم.”