الوقت- تُعدّ مقرّات وأجهزة الاستخبارات من بين أكثر الأماكن غموضاً وربما الأكثر تطوّراً التي يمكن تخيّلها في عالمنا اليوم وذلك لأن تلك المقرات تمتلك العديد من التقنيات المتطوّرة والاستراتيجيات المبتكرة.
وبالطبع، في القرنين العشرين والحادي والعشرين، شهد العالم زيادة في استخدام هذه المقرات الخاصة لتنفيذ العديد من العمليات الاستخباراتية، وخلال العقود الماضية قامت أجهزة الاستخبارات المختلفة حول العالم باستخدام طرق مختلفة لتحديد وكشف الجواسيس ومن ثم إلقاء القبض عليهم، ولكن هذه العمليات الاستخباراتية تحتاج إلى خطط متطوّرة ومتعددة الطبقات قد تصل مدة تنفيذها في بعض الأحيان إلى عدة سنوات ولهذا فإن هذه العمليات الاستخباراتية تتطلب قدراً كبيراً من الصبر الاستراتيجي.
ولقد أثارت حادثة القبض على “نيما زم” رئيس شبكة “آمد نيوز” المعادية للثورة الإسلامية، مسألة إمكانية التغلب على أجهزة المخابرات المهمة في العالم، وخاصة أجهزة المخابرات الأوروبية والأمريكية عند الرأي العام ووسائل الإعلام العالمية، ولهذا فإننا سوف نسلط الضوء أكثر فيما يلي على العمليات الاستخباراتية الأكثر شهرة التي تم تنفيذها خلال العقود الماضية والمشابهة لهذه العملية الناجحة التي قام بها مؤخراً جهاز المخابرات التابع للحرس الثوري الإيراني.
إلقاء القبض على “عبد الله اوجلان”
نفّذ جهاز المخابرات التركي في عام 1999 عملية اعتقال في غاية الأهمية خارج حدود البلاد، وكان الشخص المستهدف هو “عبد الله أوجلان” زعيم تنظيم “بي كي كي” الإرهابي.
وفيما يتعلق بهذه العملية كشف البروفيسور “حسن إيشغوزار” الذي كان يشغل إبان العملية منصب مستشار لدى وزارة المواصلات التركية، وكان من بين المشاركين في العملية، عن تفاصيل القبض على “أوجلان” وكيفية التخطيط للعملية وما تعرضوا له من مخاطر خلال تنفيذها، حيث قال: إن “الأمر بدأ مع قدوم مسؤولين من جهاز الاستخبارات التركية وإبلاغي بحاجتهم لي في توفير عدد من الوثائق اللازمة لطائرة ستغادر تركيا للقبض على أوجلان واقتياده إلى البلاد”، موضحاً وجود معلومات وصلت إلى جهاز الاستخبارات تفيد بتأجير اليونان طائرة لنقل أوجلان من كينيا التي كان متوارياً فيها إلى هولندا.
وأضاف “إيشغوزار” أنه تم البدء بتجهيز طائرة من نفس الطراز، وتحمل نفس اللون ومواصفات الطائرة المستأجرة لأوجلان، لاستخدامها في خطفه ونقله إلى تركيا، مبيناً أنهم لم يجدوا في البلاد طائرة تحمل المواصفات المطلوبة إلا لدى رجل أعمال تركي واحد، وتم التفاهم معه واستئجارها منه، دون إبلاغه بأي معلومات عن العملية.
وبعد إتمام كل الإجراءات اللازمة وتغيير معالم الطائرة، وجعلها مطابقة لنظيرتها الهولندية، غادرت تركيا وعلى متنها طياران و4 أو 5 أشخاص من المخابرات التركية، حيث تم إبلاغ الطيارين في البداية بأن وجهة الطائرة ستكون إلى مصر وبعدها أوغندا، وتم إرسال بيانات الركاب إلى الإدارة العامة للطيران المدني، لكنها كانت مزيّفة وتؤكد أنهم تجّار موز.
وبعد الإقلاع من مطار أوغندا، عقب وصول معلومات مؤكدة عن مغادرة الطائرة الحقيقية الهولندية، هبطت طائرة الاستخبارات التركية في مطار كينيا قبل وصول الطائرة الهولندية بساعتين تماماً، حيث دخلت سيارة “أوجلان” قبل بقية السيارات، وكان هو في غاية الراحة والاطمئنان، وفي صورة أنيقة يرتدي بدلة رسمية وربطة عنق وفي غضون 60 ثانية، فُتح باب الطائرة وألقي القبض على “أوجلان” حال دخوله، وسرعان ما أغلق الباب، ثم غادرت الطائرة على الفور قبل وصول سيارات عناصر “بي كي كي” المرافقة لـ”أوجلان”.
الموساد الإسرائيلي يلقي القبض على الرجل الذي كشف الأسرار النووية
عمل العالم النووي “مردخاي فعنونو” في المفاعل النووي الإسرائيلي في “ديمونا” قبل 30 عاماً، وجرى اعتقاله ووجّهت له تهمة التجسس لمصلحة دولة أجنبية وتمّت محاكمته وأمضى في السجن الانفرادي سنوات طويلة، وجرى الإفراج عنه ضمن شروط محددة وضعها جهاز “الشاباك” والذي يتابع تحرك “فعنونو” حتى اليوم ، ويبدو بأن “الشاباك” هو من طلب من الشرطة الإسرائيلية التحقيق معه.
يذكر أن “مردخاي فعنونو”، كشف للعديد من وسائل الإعلام عن وجود البرنامج النووي العسكري الإسرائيلي، وقبل حتى أن ينشر كل تفاصيل الخبر، تم اختطافه من إيطاليا من قبل الموساد الإسرائيلي في الوقت الذي كان على اتصال بصحافيين بريطانيين، وتم الحكم عليه بالسجن لمدة 18عاماً.
وبالرغم من كونه ممنوعاً من الاتصال بالصحافيين، إلا أنه استطاع الرد على أسئلة “سيلفيا كاتوري” خصيصاً لشبكة “فولتير”، حيث قال: “الانتقام ما زال أمراً نافذاً في دولة “إسرائيل” ولقد تحدثت باللغة العبرية فقاموا باعتقالي وبعد كل عمل أقوم به يتم اعتقالي، كل ما يقومون به هو إساءة، الإساءة لفعنونو مستمرة، جواسيس كبار وجواسيس شيوعيون اعتقلوا وأفرج عنهم وفعنونو ما زال هنا. الإساءة والانتقام من قبل الشاباك والموساد وشاي نيتسان، هذا الرجل الذي يسيء لفعنونو ما زال حيّاً، نيتسان يسيء لي منذ أفرج عني وحتى يومنا هذا”.
إلقاء القبض على “روح الله زم”
روح الله زم، إيراني ولد في طهران عام 1973 وكانت نقطة التحول في علاقته بالحكومة الإيرانية في 2009، عندما اندلعت احتجاجات في إيران أثناء الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ولقد انشق “روح الله” عن الحكومة، وتمكّن من الهرب إلى فرنسا وطلب اللجوء واستقر بالعاصمة باريس، كان له موقع إلكتروني اسمه “آمدنوز ميديا” وهي قناة على تطبيق “تلغرام” تتهمها السلطات الإيرانية بأنها لعبت دوراً أساسيا في موجة الاحتجاجات التي هزّت إيران في ديسمبر 2017، ولقد حرص روح الله، عبر موقعه المتوافر على أكثر من 1.4 مليون متابع، على نشر أشرطة فيديو وأخبار مفبركة أثارت الفتنة والاحتجاجات داخل الشارع الإيراني.
وقبل عدة أيام أعلن الحرس الثوري الإيراني، أن جهازه الاستخباراتي أوقف “زم” المناهض للثورة الإسلامية والذي كان يعمل تحت إشراف الاستخبارات الفرنسية ويتلقّى الدعم من أجهزة استخبارات أمريكا والكيان الصهيوني، وعلى صلة بأجهزة استخبارات أخرى، وكان يحظى بالحماية على مدار الساعة بصورة خفية وعلنية وفي أطر مختلفة ومتعددة الحلقات.
وأضاف الحرس الثوري أن العملية “المهنية والذكية” استخدمت أساليب “حديثة ومبتكرة” لخداع أجهزة الاستخبارات الأجنبية من أجل استدراج “روح الله زم” إلى البلاد والقبض عليه بصفته رئيس الموقع الإلكتروني “آمد نيوز“.
.