23- 2 ـ البلوغ بالسن :تقرر كافة المذاهب الإسلامية ( عدى المالكية ) بأن وصول الصبي
إلى مرحلة خاصة من العمر هو : البلوغ ولكنهم إختلفوا في الحد المقررة من السن لكل من الذكر والأنثى.
لذلك لا بد من بحث ذلك للذكر أولاً ، والأنثى ثانياً.
السن للذكر :
وقد تعددت أقوال المذاهب في ذلك.
1 ـ البلوغ بالخمس عشرة سنة ، وإلى هذا ذهب معظم الامامية . وهو المجمع عليه عندهم ، والمشهور فيما بينهم .
وبه قال الشافعية ، والحنابلة ، وهو القول المشهور لاصحاب مالك، وبه قال كثير من فقهاء العامة غير أصحاب المذاهب.
2 ـ البلوغ سبعة عشرة سنة ، أو ثمانية عشرة وهو المنقول عن أبي حنيفة.
3 ـ القول بالاكتفاء بما بين أربعة عشرة سنة إلى ستة عشرة وإلى هذا ذهب بعض فقهاء الامامية.
4 ـ أنه لا حد للبلوغ بالسن ، وإلى هذا القول ذهب مالك ، وداود الظاهري .
وهناك أقوال أخرى قد لا تكون مهمة.
السن لبلوغ الأنثى :
وكما اختلفت كلمة الفقهاء بالنسبة للسن لبلوغ الذكر كذلك اختلفت كلمة الفقهاء بالنسبة لبلوغ الأنثى من ناحية السن.
فالقول السائد عند الامامية ، والمجمع عليه عندهم هو : اكمال التسع سنوات ، ويذهب البعض منهم إلى بلوغها بكمال العشر . أما
الشافعية ، والحنابلة فقد ذهبوا إلى بلوغها باستكمال الخامسة عشرة سنة .
أما الاحناف فقد نقل عن أبي حنيفة رأيه في البلوغ ، وأنه سبعة عشرة سنة برواية ، وبرواية أخرى خمسة عشرة سنة .
3 ـ البلوغ بالاحتلام :
والاحتلام في اللغة هو الجماع، أو يرى في منامه رؤيا وتكون من نتائج ذلك هو خروج المادة المنوية منه من الطريق المعهود. وعند الفقهاء : هو خروج المني ، وهو الماء الدافق الذي يخلق منه الذكر ، والانثى.
هذا كله في أسباب البلوغ المشتركة بين الذكور والاناث . أما الاسباب المختصة بالاناث فقد تقدم أن قلنا أنها : الحيض ، والحمل.
1 ـ الحيض :
وتتفق كافة المذاهب على أن الحيض علامة على بلوغ الأنثى ، وانها بذلك تكون مكلفة بكافة الأحكام الشرعية سواءً منها المشتركة بينها ، وبين الذكر البالغ ، أو الأحكام المختصة بها كأنثى مما لا يكلف بها الذكور.
ولسنا في صدد معرفة أن حيض المرأة هل هو البلوغ بنفسه ، أو أنه علامة على سبق البلوغ عليه ، فهذا النزاع ليس له كثير أهمية في موضوعنا بعد أن نعلم أن الانثى اليتيمة إذا حاضت ، فقد وصلت إلى السن الذي تصلح لأن يسلم إليها ما لها لو حصل الشرط الثاني ، وهو الرشد.
2 ـ الحمل :
وقد اتفقت كلمة المذاهب الاسلامية على كون الحمل علامة على بلوغ المرأة مقربين وجهة نظرهم بأن الحمل لا يكون إلا بعد حصول الانزال من المرأة ، والذي هو خروج المني حيث اقتضت الحكمة الإلهية ان يخلق الجنين مكوناً من مائي الرجل والمرأة ، وهذا معناه أن الحمل إنما يكون بعد تكون الماء عند المرأة ونضوجها البدني ، وإنزالها إلى الرحم ليختلط به ماء الرجل فيتكون من المائين الجنين.
ولم تختلف وجهة نظر كافة المذاهب في هذه الجهة.
3 ـ الرشد :
وهو ـ كما قلنا ـ الشرط الثاني في عملية تسليم أموال اليتيم إليه .
وقد عرفه اللغويون بأنه : نقيض الغي ، ونقيض الضلال.
ويقولون : رشد إذا أصاب وجه الأمر ، والطريق.
أما الرشد عند الفقهاء فهو :
1 ـ القول بأنه إصلاح المال ، وتدبيره.
وإلى هذا القول ذهب معظم الامامية ، والاحناف ، والمالكية والحنابلة.
2 ـ القول بأنه صلاح الدين لا غير.
وإلى هذا القول ذهب الظاهرية ، والزيدية.
3 ـ القول بأنه إصلاح المال ، والدين معاً.
وإلى هذا القول ذهب الشافعي ، وبعض فقهاء الامامية.
هل للرشد سن معينة ؟ :
لم يحدد الفقهاء سناً معينة للرشد على العكس مما فعلوه في البحث عن البلوغ بالسن.
وعدم التحديد بالنسبة إلى السن لحصول الرشد يعتبر من الامور الطبيعية بعد أن أوضح تعريفه بما يلي :
أنه : كيفية نفسانية مانعة من تبذير المال ، وصرفه في غير الوجوه اللائقة بأفعال العقلاء.
وهذا الايضاح للتعريف مما تتفق عليه كافة المذاهب من حيث المضمون.
وبناءً على هذا التعريف ، وشبهه فليس من البعيد أن تحصل هذه الكيفية النفسانية قبل بلوغ الصبي السن المقررة للبلوغ ، وقد تحصل بعده حيث لا يحصل للانسان مثل هذا الاستعداد ، والتدبير حتى يتقدم في السن ، ويطعن فيه . وعليه : فان حصول هذه الحالة تتبع الظروف الإجتماعية والنفسية للشخص قرب إنسان يكون محاطاً بأشخاص لهم تجاربهم العديدة ، والتي تضفي على الطفل المعلومات الكافية لتدبير حاله ، وإنعاش حياته كفرد مدبر ، ومعتدل في صرفه للأموال بينما يفقد الآخر هذا النوع بينما يفقد الآخر هذا النوع من الحنو من الآخرين.
يضاف إلى ذلك : إستعداد الطفل ، وثقافته ، وذكائه وتربيته الخاصة لذلك نرى الآية الكريمة لم تحدد ذلك بسن معينة ، بل خاطبت الاولياء بقوله تعالى :
« فان أنستم منهم رشداً ».
ومن هذا المنطلق إذاً لم يكن بعيداً على بعض فقهاء الامامية وغيرهم من بقية المذاهب أن يقول في هذا الصدد.
لو بلغ الصبي غير رشيد لم يدفع إليه ماله ، وان صار شيخاً كبيراً ، وطعن في السن.
وإذا ففي هذه الحالة يبقى الولي محافظاً على مال اليتيم ولم يسلمه إليه نظراً لعدم تحقق الشرطين المأخوذين كأساس لعملية التسليم لأموال اليتامى : الرشد ، والبلوغ . إذ من المفروض أن البلوغ حصل ولكن الرشد لم يحصل والبلوغ لوحده لا يكفي لتسليم المال إليه وإمضاء تصرفاته المالية .
وينفرد أبو حنيفة برأي يقول فيه : أنه لو بلغ خمساً وعشرين سنة وهو باق على سفهه ، وعدم رشده سلم المال إليه ولم ينتظر بأكثر من هذا السن محجوراً عليه من هذه الجهة.
وقد رد هذا الرأي من طرف بقية فقهاء المذاهب ولم يأخذوا به .
كيف يثبت الرشد ؟ :
يثبت الرشد ـ كما يقرره الفقهاء ـ بأحد طريقين :
1 ـ الإختبار.
2 ـ الشهادة .
1 ـ كيفية الإختيار :
لم يحدد الفقهاء كيفية خاصة لإختبار الصبي ذكراً كان أم أنثى ، بل أوكلوا الأمر إلى ما تقتضيه طبيعة الطفل الاجتماعية . ـ وعلى سبيل المثال ـ فقد ذكروا بأن أولاد التجار يكون إختبارهم بالبيع ، والشراء ، فان أحسنوا التصرف علم رشدهم .
أما لو كانوا من أولاد الطبقات غير التجارية دفع إليهم مقدار من
المال، ويراقبون في صرفه فإن أحسنوا التصرف في ذلك المال دلٌ ذلك على نضوجهم العقلي ، وتحولهم من عالم الطفولة إلى مراحل التكليف الشرعي.
وهكذا المرأه تختبر فيما يعود إلى تدبيرها المنزلي ، وتصرفها الإجتماعي وإن قامت بدورها على النحو الذي تقوم به غيرها من الأهل، ومتعلقيها دل ذلك على تحولها من طفلة إلى ربة بيت، وحينئذٍ تسلم إليها أموالها كما تسلم إلى البالغ الرشيد.
وتجمع المذاهب الإسلامية على إعتبار هذا كقاعدة أساسية لبيان كيفية الإختبار من غير فرض مثالٍ خاص لذلك سواءً في الذكر ، أو الانثى.
وفي الحقيقة أن هذه القاعدة مستوحاة من قوله تعالى : في الآية المتقدمة « فإن أنستم منهم رشداً ».
حيث تركت الآية الكريمة إيناس الرشد من دون تقييده بكيفية خاصة تبعاً لطبيعة الظروف الاجتماعية المحيطة بالطفل سواءً كان الطفل ذكراً ، أم أنثى.
2 ـ ثبوت الرشد بالشهادة
وكبقية الموارد التي تقبل فيها الشهادة نرى موردنا ، وهو حصول الرشد ، فيثبت بشهادة رجلين ، أو رجل وإمرأتان.
يقول تعالى :
« وإستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى » (1).
____________
(1) ـ سورة البقرة : آية (281).
3 ـ الإشهاد على تسليم أموال اليتامى :
وكما أوصى الله باليتيم ، ورعى له مصالحه لاحظ في الوقت نفسه جانب الولي من حيث تسليم أموال اليتيم.
إن مرحلة تسليم أموال اليتامى بعد وصولهم إلى سن الرشد والنضج العقلي ليس إلا وضع الحد النهائي لسلطة الولي أو الوصي ، وبدء مرحلة السلطة لاصحاب الاموال أنفسهم حيث كان بإمكانهم في تلك المرحلة من القيام بإدارة أنفسهم من دون أن يكون في البين ولي ، أو وصي يقوم بذلك.
وفي هذه المرحلة نبٌه الشارع المقدس الاولياء لنقطة قد تحصل نتيجة معاكسات، ومشاكسات تلازم هذه المرحلة الدقيقة ، وهي حصول إتهام الولي في المستقبل، وتوجيه اللوم له من جهة اليتيم يرميه بالاختلاس، أو التقصير، وعدم القيام بما يلزم من التصرف ، أو المحافظة على المال على نحو يكون قد وصل إليه حقه.
واليتيم بعد كل هذا بشر ، ومهما يكن فقد يشك بالولي كأي إنسان آخر تحصل له الشكوك من بعض الملابسات، والقضايا الخارجية ، فبدلاً من أن يقوم بما يمليه عليه الواجب من أداء فروض الشكر لمن رعاه طيلة هذه المدة نراه يتهمه بما بيٌناه من الإختلاس ، وعدم وصول حقه كاملاً إليه.
لذلك كانت الآية الكريمة تدفع بالأولياء ، وتهيب بهم أن يلتزموا جانب الحيطة ، والتدبير لانفسهم بالإشهاد وإطلاع الغير على عملية تسليم المال إلى ذوي العلاقة فراداً مما قد يقع فيه من محذور الإتهام نتيجة إحسانه وأتعابه.
« فاذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيباً » (1).
____________
(1) سورة النساء : آية (6).
فكما كانت الشريعة تحافظ على حقوق الضعفاء من تلاعب الاقوياء كذلك تقضي الرحمة الإلهية أن تحمي الاقوياء من اتهام الضعفاء ، والتنكر لهم، فرعاية المصلحة العامة، وملاحظة الصالح العام تأخذ بنظر الاعتبار كل الجوانب . والافراد بنظر القانون سواسية فهو يحمي جميع الطبقات فلا يتجاوز قوي على ضعيف ـ وفي الوقت نفسه ـ لا يسمح بأن يتطاول ضعيف على قوي ، فلا أثرة لفئة على فئة بل كلهم عباد الله ، وفي نظر الشريعة سواسية.