الوقت- يكثر الحديث عن حكومة التكنوقراط في لبنان. لا شكّ أن ما يحصل فرصة كبيرة لمكافحة الفساد، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل حكومة التكنوقراط هي المخرج؟ وهل هذا التوقيت هو المناسب. بعبارة أخرى، حتى ولو سلّمنا بفائدة حكومة التكنوقراط، فهل الظروف القائمة تسمح لهذه الحكومة بأن تكون بوابةً لانفراج الازمة في لبنان.
لم يخفِ حزب الله معارضته لتشكيل حكومة التكنوقراط، قد ذكر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعضاً من أسباب هذه المعارضة، وسنحاول في ثنايا هذا المقال شرح هذه الأسباب بشكل مفصّل. لذلك، هنا من يسعى أن يشير إلى حزب الله بأصابع الاتهام بتعطيل تشكيل الحكومة في لبنان، رغم أن الحزب شرح أسباب المعارضة، وقدّم البديل أي الحكومة الـ”تكنو-سياسيّة”، وهنا نذكر التالي:
أوّلاً: لا يمكن تشكيل حكومة سياسيّة في لبنان، ففي ظل الواقع الطائفي في لبنان، تكاد لا توجد شخصيّة لبنانية لا تنتسب أو بالأحرى لا تميل إلى الأحزاب السياسيّة الموجودة في البلد. لقد أثبتت التجارب السابقة هذا الأمر، فبعض الوزراء الذين تمّ انتخابهم على أساس كونهم “تكنوقراط” في الحكومات السابقة، ما لبثوا أن تحولوا إلى حزبيين.
ثانياً: بعيداً عن الهوى السياسي لهؤلاء، فهم من المفترض أن يكونا خلاصاً لهذا البلد، ولكن ماذا تقول لنا التجارب السابقة؟ إن رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة قد دخل المعترك الحكومي في التسعينيات، أي في حكومة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، على أساس أنّه تكنوقراط. السنيورة هو المتّهم الأبرز اليوم على الاطلاق في الفساد العمدي، وغير العمدي أي السياسات الفاشلة في هذا البلد. فإذا كان التكنوقراط هم على شاكلة الرئيس فؤاد السنيورة، فلماذا يوافق حزب الله على ذلك. نعم، قد يقول قائل ان ليس كل الشخصيات التكنوقراطية على شاكلة السنيورة، الإجابة نعم، ولكن الأسباب الأخرى سنذكرها تباعاً
ثالثاً: ألا نريد حكومة تكنوقرط لمكافحة الفساد والنهوض بهذا البلد؟ اذا كان الأمر كذلك، أليس من المفترض أن تعمد هذه الحكومة إلى اتخاذ قرارات جريئة جدّاً؟ كيف لحكومة التكنوقراط ان تفعل ذلك، دون جود غطاء نيابي لها في المجلس، بعبارة أوضح، اذا اتخذت هذه الحكومة قراراً يستهدف مافيات اقتصادية محسوبة على هذا الزعيم أو ذاك، كيف يمكن تصديق هذا القرار في المجلس النيابي؟ ألن تعترض هذه الكتلة على هذا الأمر، ألن تؤازرها الكتل الأخرى المرتبطة بمافيات أخرى سيصل لها الدور تباعاً؟
رابعاً: تمارس واشنطن ضغوطات كبيرة على أي شخصية قد تلتقي مع حزب الله، حتّى وإن كان الأمر على مصلحة لبنان. وتهدد الشخصيات بفرض العقوبات عليها وحجز أموالها في الخارج، فاذا ما طُرح أي ما يخص حزب الله وكان قرار وزراء التكنوقراط بخلاف الهوى الأمريكي، فهل يجرؤ هؤلاء على التصويت، وتعريض مصالحهم في لبنان والخارج إلى الخطر؟ ألا يسقط شعار التكنوقراط في ظل هذا الظرف؟
خامساً: هناك هاجس حقيقي لدى حزب الله بأن الهدف من طرح مثل هذا الأمر هو استهداف الحزب وسلاحه، لاسيّما أنّ هذا الطرح مشبوه في الشكل والمضمون والتوقيت. بطبيعة الحال لا يرفض حزب الله حكومة تتضمن بعض الشخصيات المحسوبة على التكنوقراط، ولكن يدرك جيداً أن أي شخصية تلتقي مع الحزب بنسبة 10 بالمئة ستُتهم بانها سياسية، في حين إذا كانت هذه الشخصية تلتقي بنسبة 40 بالمئة مع تيارات اخرى، ستٌقدم على أنها تكنوقراط، ناهيك عن الشخصيات المرتبطة بحيتان المال، الذين هم بدورهم يرتبطون بالزعامات السياسية في لبنان، لا بل يعملون معهم. أي ما هي الضمانة لأن يمتلك هؤلاء الجرأة اللازمة لمعارضة أي قرار أمريكي لا يصب في مصلحة لبنان؟
سادساً: قدّم حزب الله البديل أي “تكنوسياسي”. فمن خلال مثل هذا التوجه، يمكن معالجة نقاط الضعف السابقة. هذه الحكومة ستكون قوية، متخصصة.طبعاً تحتاج هذه الحكومة لصراحة كبيرة من كافّة الأفرقاء، فوضع البلد لم يعد يحتمل استمرار السياسات السابقة، ولا بدّ من حل جذري وعلى الجميع التعاون لإخراج لبنان وشعبه من هذه الأزمة، التي يتحمّل حزب الله أقلّ أوزارها.
باختصار، هناك هواجس حقيقة وواقعية لحزب الله فيما يتعلّق بحكومة التكنوقراط. قد رؤيته ديموقراطياً، في حين أن الأطراف التي تعترض على رؤية الحزب، لم تقدّم الأسباب ولم تطرح البديل.