18) (منطق الرَسُول(ص)):قلت: صِف لي منطقه. قال: كان رَسُول اللَّه(ص) متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت، يفتتح الكلام، ويختمه بأشداقه، ويتكلم بجوامع الكلم فصلاً لافضول فيه (ولا تقصير،
ودمثاً)(75) وليس بالجافي ولا المهين، يعظّم النعمة وإذا دقّت، لا يذم منها شيئاً. لم يكن يذم ذوّاقاً ولا يمدحه(76)، ولا يقوم ولا يقام لغضبه إذا تُعُرض للحق بشيء حتى ينتصر له، لا يغضبب لنفسه ولا ينتصر لها، إذا أشار أشار بكفّه كلها، وإذا تعجب قلبهَا، وإذا تحدث أفضل لها فضرب بإبهامه اليمنى باطن راحته اليسرى،
وإذا غضب أعرض وأشاح(77)، وإذا فرح غض طرفه، جُلّ ضحكه التبسّم، ويفتر عن مثل حب الغمام(78).
قال(79): فكتمتها الحُسَين بن علي زماناً، ثم حدّثته بها فوجدته قد سبقني إليه، وسأل أباه عن مدخل رَسُول اللَّه(ص) ومخرجه ومجلسه وشكله فلم يدع منه شيئاً.
قال الحُسَين: سألت أبي(ع) عن دخول رَسُول اللَّه(ص).
فقال: كان دخوله لنفسه مأذون له في ذلك، فكان إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء: جزءاً للَّه تبارك وتعالى، وجزءاً لنفسه، وجزءاً لأهله. ثم جزّء جزءه بينه وبين الناس(80)، فيردّ ذلك على العامة بالخاصة لا يدّخر عنهم شيئاً.
فكان من سيرته من جزء الأمة إيثار أهل الفضل بإذنه، وقسمه على قدر فضلهم في الدين: منهم ذو الحاجة، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذو الحوائج؛ يتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم،
ويقول: «ليبلّغ الشاهد الغائب» و «أبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغي حاجته» ممّن فاته «من أبلغ سلطاناً حاجة مَن لا يستطيع إبلاغها، ثبّت اللَّه تعالى قدميه يوم القيامة». لا يذكر عنده إلّا ذلك،
ولا يقبل من أحد غيره. يدخلون رُوَّاداً(81)، ولا يتفرقون إلّا عن ذواق(82)، ويخرجون أدلّة(83) – يعني فقهاء-.