الرئيسية / القرآن الكريم / هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 07

هدى القرآن – تفسير قصار السور بأسلوب تعليمي 07

الدرس السابع: تفسير سورة العَلَقْ

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ * كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾

 

 

 

تعريف بالسورة ومحاورها

يوجد تسميات عدّة مشهورة بين المسلمين لهذه السورة المباركة، هي: “العلق”، و “إقرأ”، و”القلم”، ولعلّ تسميتها بهذه الأسماء, لورودها في سياق آياتها، وكونها من المواضيع المهمّة التي تتعرّض لها السورة وتريد التنبيه إليها. وهذه السورة إحدى سور العزائم الأربع التي يجب على المكلّف السجود عند قرائته لآية السجدة فيها أو سماعه لها مباشرة، ويحرم على الحائض والجنب قرائتها. ولا يجوز قرائتها في الصلاة.

 

وتتضمّن هذه السورة 19 آية, تحوي مجموعة من المحاور المهمّة، وهي:

1- أهمّيّة القراءة والعلم وضرورتهما في حياة الإنسان.

2- عِظَم خِلْقَة الإنسان.

3- العناية الإلهيّة بتكامل الإنسان.

4- طغيان الإنسان وعاقبة طغيانه.

5- تقوى الإنسان وعاقبة تقواه.

6- السجود لله تعالى مظهر للإقرار بالعبوديّة لله تعالى.

7- القرب من الله تعالى أثر وجوديّ مطّرد مع الهداية والتقوى.

 

فضيلة السورة

  • ما رواه أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: “من قرأها فكأنّما قرأ المفصّل كلّه”[1].

 

  • ما رواه محمد بن حسان، عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام: “من قرأ في يومه أو في ليلته ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾، ثمّ مات في يومه، أو في ليلته, مات شهيداً، وبعثه الله

 

شهيداً، وأحياه كمن ضرب بسيفه في سبيل الله، مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”[2].

 

خصائص النزول

المشهور بين المفسِّرين أنّ هذه السورة هي أوّل ما نزل من القرآن، مع إجماعهم على نزول الآيات الخمس الأوائل في بداية نزول الوحي على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم, وهو ما يؤيّده مضمون الآيات[3].

 

وممّا ورد من الروايات في بيان حادثة النزول: ما روي عن الإمام العسكري عليه السلام: “فلمّا استكمل أربعين سنة، نظر الله عزّ وجلّ إلى قلبه، فوجده أفضل القلوب، وأجلّها، وأطوعها، وأخشعها، وأخضعها، فأذن لأبواب السماء ففُتحت، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليها، وأذن للملائكة فنزلوا ومحمدصلى الله عليه وآله وسلم ينظر إليهم، وأمر بالرحمة، فأُنزلت عليه من لدن ساق العرش إلى رأس محمد وغمرته، ونظر إلى جبرئيل الروح الأمين المطوّق بالنور، طاووس الملائكة هبط إليه، وأخذ بضبعه وهزّه، وقال: يا محمد اقرأ. قال: وما أقرأ؟ قال: يا محمد ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾، ثمّ أوحى (إليه) ما أوحى إليه ربّه عزّ وجلّ”[4].

 

وقد وردت مجموعة من الروايات في بيان أثر النزول الأوّل للوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم, من أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم خاف واغتمّ كثيراً! وخشي أن يكون ذلك من إلقاءات الشيطان! وهمَّ مرّات بأن يُلقي بنفسه من أعلى الجبل! وفزع إلى زوجه خديجة لتخفّف من روعه بابن عمّها ورقة بن نوفل الذي بشّره بأنّه نبي![5].

 

وأمثال هذه الافتراءات يبطلها القرآن الكريم[6] والروايات[7] والسيرة القطعيّة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم التي تكشف عن رجاحة عقله، وعظيم صبره، وسعة صدره، وبالغ يقينه، ومنتهى ثقته بالله تعالى، وبأنّه نبيّ من أنبياء الله تعالى.

 

ويرجع وجود هذه المرويّات في التراث الحديثيّ الإسلاميّ إلى عمليّة الدسّ والتزوير التي انتهجها أعداء الإسلام، عبر ما يُسمّى في اصطلاح المحدّثين “بالإسرائيليّات”, بهدف النيل من الإسلام ورسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

 

شرح المفردات

  • عَلَقٍ: “العين واللام والقاف أصل صحيح يرجع إلى معنى واحد, وهو أن يُناط الشيء بالشيء العالي، ثمّ يتّسع الكلام فيه. والمرجع كلّه إلى الأصل… والعلق الدم الجامد. وقياسه صحيح, لأنّه يعلق بالشيء. والقطعة منه علقة”[8]، وهي “التي يكون منها الولد. قال تعالى: ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾[9][10].

 

  • يَطْغَى: “الطاء والغين والحرف المعتل أصل صحيح منقاس, وهو مجاوزة الحدّ في العصيان”[11].

 

  • لَنَسْفَعاً: “السين والفاء والعين أصلان، أحدهما: لون من الألوان، والآخر: تناول شيء باليد، فالأوّل السفعة, وهي السواد… وأمّا الأصل الآخر، فقولهم سفعت الفرس إذا أخذت بمقدّم رأسه وهي ناصيته. قال الله جلّ ثناؤه: ﴿لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾[12][13].

 

  • النَّاصِيَةِ: “النون والصاد والحرف المعتلّ, وهذا المعتل أكثره واو، أصل صحيح يدلّ على تخيّر وخطر في الشيء وعلوّ… ومنه الناصية سُمّيت لارتفاع منبتها. والناصية قصاص الشعر”[14].

 

  • الزَّبَانِيَةَ: “الزاء والباء والنون أصل واحد يدلّ على الدفع… والزبانية سمّوا بذلك لأنّهم يدفعون أهل النار إلى النار”[15].

 

تفسير الآيات

الآية (1): ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾:

الأمر في الآية ﴿اقْرَأْ﴾ لا يُراد به الأمر التشريعيّ, لأنّ الأمر التشريعي لأمِّيّ لا يقدر على القراءة تكليف بما لا يُطاق, وذلك قبيح من المولى الحكيم. بل هو أمر تكوينيّ له نظائره في القرآن, كقوله تعالى للنار: ﴿كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾[16], فصارت برداً وسلاماً. وكقوله تعالى للسموات والأرض: ﴿اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾[17].

 

وكقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾[18]. فهذا القادر المتعال يأمر نبيّهصلى الله عليه وآله وسلم بالقراءة بأمر تكوينيّ, فيكون قارئاً.

 

وأمّا معنى الباء في ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ فهي للابتداء أو للاستعانة, فعلى الابتداء يكون المعنى:

 

أنّ مبدأ قدرتك على الأشياء كلّها – ومنها: القراءة – هو الله تعالى، ويكون المعنى على الاستعانة: أنّ قدرتك على القراءة، مع أنّك رجل أمّي، تتحقّق بالاستعانة باسم ربّك. والمعنى الأوّل يناسب مقام الإخلاص في التوحيد الأفعالي, وأنّه لا مؤثّر في الوجود إلا الله.

 

وأمّا الربّ: فله معانٍ, فإنْ كان بمعنى المتعال والثابت والسيد, فهو من الأسماء الذاتيّة، وإنْ كان بمعنى المالك والصاحب والغالب والقاهر, فهو من الأسماء الصفاتيّة، وإنْ كان بمعنى المربّي والمنعم والمتمّم, فهو من الأسماء الأفعاليّة.

 

وفي الآية إشارة إلى قصر الربوبيّة في الله عزّ اسمه, وهو توحيد الربوبيّة المقتضية لقصر العبادة فيه, فإنّ المشركين كانوا يقولون: إنّ الله سبحانه ليس له إلا الخلق والإيجاد، وأمّا الربوبيّة, وهي الملك والتدبير, فلمقرّبي خلقه, من الملائكة والجنّ والإنس، فدفعه الله بقوله: ﴿رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ الناصّ على أنّ الربوبيّة والخلق له وحده.

 

وعلى هذا، يختلف معنى الآية, باختلاف معاني الربّ. وبالنسبة إلى المعنى المعروف, وهو المربّي والمنعم, الذي هو من الأسماء الأفعاليّة, فالمعنى: اقرأ مبتدأً باسم من ربّاك وأعطاك هذه اللياقة وهذا الاستعداد[19].

 

الآية (2): ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾:

هذه الآية من قبيل ذِكْر الخاصّ بعد العامّ, فإنّ الآية الأولى، وإنْ كانت تشتمل على أنّ الله سبحانه هو الخالق لجميع الموجودات، ولكنّ الإنسان, لأهمّيّته خُصَّ بالذِّكْر ثانياً. فكأنّ خَلْق الإنسان يُعدّ عملاً مستقلّاً في مقابل خَلْق غيره, فَخُصَّ بالذكر.

 

وممّا يُستفاد – أيضاً – أنّ الآية الأولى تشتمل على معنى الخِلْقَة مِنَ العدم. وهذه الآية على خَلْق شيء من شيء آخر.

 

والمراد بالإنسان في الآية هو: جنس الإنسان المتناسل. والمراد بالعلق, هو: الدم المنجمد, الذي تستحيل إليه النطفة في الرحم.

 

ففي الآية إشارة إلى التدبير الإلهيّ الوارد على الإنسان, من حين كان علقة، إلى حين يصير إنساناً تامّاً كاملاً، له من أعاجيب الصفات والأفعال ما تتحيّر فيه العقول، فلم يتمّ الإنسان إنساناً، ولم يكمل, إلا بتدبير متعاقب منه تعالى, وهو بعينه خَلْق بعد خَلْق, فهو تعالى ربّ مدبّر لأمر الإنسان بعين أنّه خالق له, فليس للإنسان إلا أن يتّخذه وحده ربّاً, ففي الكلام احتجاج على توحيد الربوبيّة[20].

 

الآية (3): ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾:

لعلّ الوجه في تكرار اقرأ والأمر بالقراءة ثانياً التأكيد على الأمر الأوّل, وفاءً لظاهر سياق إطلاق الأمر في الموردين.

 

والواو في وربّك: إمّا حاليّة وإمّا استئنافيّة، فتكون الجملة حاليّة على الأوّل، واستئنافيّة على الثاني. وعلى أيّ تقدير، فالمراد من قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾, أي الذي يفوق عطاؤه عطاء ما سواه, فهو تعالى يُعطي لا عن استحقاق، وما من نعمة, إلا وينتهي إيتاؤها إليه تعالى[21].

 

الآية (4): ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾:

الباء للسببيّة, والمراد أنّه علّم الإنسان القراءة أو الكتابة والقراءة, بواسطة القلم. والجملة حالية أو استئنافية، والكلام فيها مسوق لتقوية نفس النبيصلى الله عليه وآله وسلم، وإزالة القلق والاضطراب عنها, حيث أُمِرَ بالقراءة, وهو أمّيّ لا يكتب ولا يقرأ, كأنّه قيل: اقرأ كتاب ربّك

 

الذي يوحيه إليك، ولا تخف، والحال أنّ ربّك الأكرم الذي علّم الإنسان القراءة, بواسطة القلم الذي يخطّ به, فهو قادر على أن يُعلّمك قراءة كتابه, وأنت أمّيّ، وقد أمرك بالقراءة، ولو لم يُقْدِرَك عليها لم يأمرك بها[22].

 

وقد بيّن الله تعالى بهذا البيان أهمّيّة القلم، وأنّه الوسيلة لنشر العلوم وبقائها, كما جعله محلّاً لقسمه في كتابه الكريم بقوله: ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾[23].

 

الآية (5): ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾:

عمّم سبحانه النعمة في هذه الآية، فذكر تعليمه للإنسان ما لم يعلم. وفي الآية مزيد تقوية لقلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتطييب لنفسه. والمراد بالإنسان: جنس الإنسان, وفاءً لظاهر سياق إطلاق اللفظ[24].

 

الآية (6): ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى﴾:

قوله تعالى: ﴿كَلَّا﴾ فيه ردع عمّا يُستفاد من الآيات السابقة, من أنّه تعالى أنعم على الإنسان بعظائم النعم، من قبيل: التعليم بالقلم، وسائر ما علم، والتعليم من طريق الوحي. فعلى الإنسان أن يشكره على ذلك، لكنّه يكفر بنعمته تعالى ويطغى[25].

 

وقوله: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى﴾, إخبار بما في طبع الإنسان من تجاوز للحدّ وخروج عن

 

الاعتدال, كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾[26]،[27].

 

الآية (7): ﴿أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾:

اظلم قصود من ﴿رَّآه﴾ هو الرأي دون الرؤية البصريّة. والرائي والمرئي هو الإنسان نفسه، فالآية في مقام التعليل, أي ليطغى, لأنّه يعتقد نفسه مستغنياً عن ربّه المنعم عليه، فيكفر به, وذلك أنّه يشتغل بنفسه والأسباب الظاهريّة التي يتوصّل بها إلى مقاصده، فيغفل عن ربّه من غير أن يرى حاجة منه إليه تبعثه إلى ذكره وشكره على نعمه، فينساه ويطغى[28].

 

الآية (8): ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾:

الرجعى هو الرجوع. والظاهر من سياق الوعيد الآتي: ﴿كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾, أنّه وعيد وتهديد بالموت والبعث، والخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل: الخطاب للإنسان, بطريق الالتفات للتشديد، والأوّل أظهر، حيث يستفاد من الآية تأسّي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ما أصابه من الأذى من عدوّه الذي نهاه عن الصلاة وعن المناجاة مع مولاه, بأنّ مرجعه إلى الله, بصفته

 

الربوبيّة لك، فيجزيه الربّ تعالى جزاء من أساء الأدب بجنابك.

 

الآية (9): ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى﴾[29]:

قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ﴾, بمعنى أخبرني، والاستفهام, للتعجيب. والإتيان بصيغة الفعل المضارع للدلالة على الاستمرار, إشارة إلى أنّ الإتيان بالأعمال القبيحة إذا كانت مستمرّة, فهي موجبة للوم والعتاب والعقاب، وأمّا إذا صدر عمل ما من أحد غفلة، أو ارتكب معصية ثمّ تاب ورجع, فإنّه موضع للغفران.

 

الآية (10): ﴿عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾:

جاء بالاسم الظاهر دون ضمير المخاطب، مع أنّ المخاطب هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فلم يقل: (ينهاك), لعلّه للإشارة إلى أمور:

1- لإفادة العموم, وأنّ نهي أيّ عبد من العباد عن الصلاة وعن العبادة أمر قبيح ومذموم, ولو قال أرأيت الذي ينهاك, ربما يستفاد أنّ نهي النبي بالخصوص كان مذموماً, لأنّه نبيّ، وأمّا الآخرون فلا بأس بمنعهم عن الصلاة.

 

2- إنّ العبد مشتقّ من العبوديّة، والعابد من العبادة، فالإتيان بهذه الكلمة للإشعار بأنّ منشأ النهي للناهي هو الإتيان بوظيفة العبوديّة.

 

3- لفظ العبد، وإنْ كان نكرة ومطلقاً، إلا أنّ تنكيره لا يؤثّر في المقام, بل يفيد التفخيم والتعظيم في العبوديّة: فكأنّه يقول: لا يمكن لأحد وصف عبوديّة هذا الفرد وإخلاصه في العبوديّة.

 

وقوله تعالى: ﴿إِذَا صَلَّى﴾, ربما يُستفاد منه أنّ للصلاة خصوصيّة بين الوظائف العبوديّة وأنّها من أهمّها, فإنّ النهي والمنع عن وظيفة العبوديّة قد استفدناه من لفظ ﴿عَبْدًا﴾, بحكم مبدئيّة الاشتقاق، وبعد ذلك الإتيان بجملة ﴿إِذَا صَلَّى﴾ يعطي مزيد خصوصيّة للصلاة من بين الوظائف.

 

الآية (11): ﴿أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾:

الضمير في قوله تعالى: ﴿كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾ راجع إلى العبد المصلّي. ومعنى الآية بذلك: أخبرني عن هذا الناهي إنْ كان ذاك العبد المصلّي على الهدى، كيف يكون حال هذا الناهي, وهو يعلم أنّ الله يرى؟!

 

ويمكن أن يكون الضمير راجعاً، في هذه الآية وما يلحقها من آيات في سياقها, إلى خصوص الناهي, فيكون المعنى بذلك: أليس برأيك أنّ الناهي لو كان صالحاً وكان على الهدى أو أمر بالتقوى فما أحسنه! وفي مقابل ذلك إنْ كذّب وتولّى, كما هو حاله الآن، فماذا يضرّنا؟ وإنّما ضرر فعله وخسرانه على نفسه.

 

ولكن لا بأس بالتفكيك بين مرجع الضمائر, وخصوصاً أنّ السياق والقرائن تساعد عليه[30].

 

الآية (12): ﴿أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى﴾:

مفاد الآية: أخبرني عن هذا الناهي إنْ كان ذاك العبد المصلّي آمراً بالتقوى، كيف يكون حال هذا الناهي, وهو يعلم أنّ الله يرى؟![31].

 

الآية (13): ﴿أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى﴾:

مفاد الآية: أخبرني عن هذا الناهي إنْ تلبّس بالتكذيب للحقّ والتولّي عن الإيمان به، ونهى العبد المصلّي عن الصلاة, وهو يعلم أنّ الله يرى! هل يستحقّ إلا العذاب؟![32]

 

الآية (14): ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾:

 

المراد بالعلم خصوص العلم الحاصل عن طريق الاستلزام, فإنّ لازم الاعتقاد بأنّ الله خالق كلّ شيء, هو الاعتقاد بأنّ له علماً بكلّ شيء, وإنْ غَفِلَ عنه. وقد كان الناهي وثنياً مشركاً. وأتباع الوثنيّة يعترفون بأنّ الله هو خالق كلّ شيء، وينزّهونه عن صفات النقص، فيرون أنّه تعالى لا يجهل شيئاً، ولا يعجز عن شيء، وهكذا.

 

فقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾: توجيه للمعتدي والناهي إلى الفطرة الإلهيّة المودعة فيه، التي تنير له طريق معرفة الله وصفاته على نحو الإجمال، وتدعوه إلى أن يتناهى عمّا يفعل, بما من شأنه أن يعيقه في سيره نحو الكمال، ولكنّ حكم الفطرة قد تعطّل بكثرة المعاصي، وحجاب الذنوب, الذي وقع على القلب، فلا يبالي بما يفعل وما يصدر منه[33].

 

الآية (15): ﴿كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾:

السفع هو الجذب الشديد. وفي الآية ردع وتهديد شديد. والمعنى: ليس الأمر كما يقول ويريد الناهي، أو ليس له ذلك. أقسم لإنْ لم يكفَّ عنه نهيه، ولم ينصرف, لنأخذنّ بناصيته أخذ الذليل المهان، ونجذبنّه إلى العذاب[34].

 

الآية (16): ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾:

توصيف من الله تعالى لهذه الناصية المستحقّة للتعذيب بالنار, بقوله: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾. ومن المعلوم أنّ الكذب والخطأ صفتان لصاحب الناصية، لا الناصية نفسها، وإنّما أُطلقتا عليها مجازاً، أو كما احتمله بعض المفسِّرين من أنّ الناصية التي تُطلق على مقدّم الرأس – أيضاً – لا على الشعر الموجود عليها, من الأعضاء التي يُعرَف منها: الغرور والكبر والإعجاب بالنفس, فتُصبح نسبة الكذب والخطأ إليها حقيقة, كاللسان الكاذب، مع أنّ الكاذب حقيقة هو صاحب اللسان.

 

وقيل: إنّ في قوله تعالى: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ من الجزالة ما ليس في قولك ناصية كاذب خاطىء، فكأنّ الكافر بلغ في الكذب قولاً وفي الخطأ فعلاً إلى حيث أنّ كلّاً من الكذب والخطأ ظهر من ناصيته.

 

الآية (17): ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَه﴾[35]:

أي قومه وعشيرته وأعوانه الذين يجتمعون في النادي. والأمر تعجيزيّ. والنادي المجلس، والمراد به أهل المجلس, كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾[36]. وقيل: الجليس[37].

 

الآية (18): ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾:

والزبانية الملائكة الموكلون بالنار. والمعنى فليدع هذا الناهي جمعه لينجّوه منها، سندع الزبانية الغلاظ الشداد الذين لا ينفع معهم نصر ناصر[38].

 

الآية (20): ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾:

تكرار الردع, للتأكيد، وقوله: ﴿لَا تُطِعْهُ﴾, أي لا تطعه في النهي عن الصلاة, وهي القرينة على أنّ المراد بالسجود الصلاة، ولعلّ الصلاة التي كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأتي بها يومئذ كانت تسبيحه تعالى والسجود له. وقيل: المراد به السجود لقراءة هذه السورة التي هي إحدى العزائم الأربع في القرآن.

 

والمراد بقوله تعالى: ﴿وَاقْتَرِبْ﴾: الاقتراب والتقرّب إلى الله. وقيل: الاقتراب من ثواب الله تعالى[39].

 

بحث تفسيريّ: الخَلْق والأمر[40]

1- معنى الخَلْق:

الخَلْقُ أصله: التقدير المستقيم، ويُستَعمل في إبداع الشّيء من غير أصل ولا احتذاء, قال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾[41], أي: أبدعهما, بدلالة قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾[42]، ويُستعمل في إيجاد الشيء من الشيء, نحو: ﴿خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾[43]، ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ﴾[44]، ﴿خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾[45]، ﴿وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾[46].

 

وليس الخَلْقُ, الذي هو الإبداع, إلَّا للَّه تعالى، ولهذا قال في الفصل بينه تعالى وبين غيره: ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾[47]، وأمّا الذي يكون بالاستحالة، فقد جعله اللَّه تعالى لغيره في بعض الأحوال, كعيسى عليه السلام, حيث قال: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي﴾[48].

 

والخلق لا يستعمل في كافّة النّاس, إلا على وجهين:

أحدهما: في معنى التّقدير…

الثاني: في الكذب نحو قوله: ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾[49].

 

2- الفرق بين الخَلْق والأمر:

الأمر, هو الإيجاد, سواء أتعلّق بذات الشيء أم بنظام صفاته وأفعاله, فأمر ذوات الأشياء

 

إلى الله، وأمر نظام وجودها إلى الله, لأنّها لا تملك لنفسها شيئاً البتّة، والخلق هو الإيجاد عن تقدير وتأليف, سواء أكان ذلك بنحو ضمّ شيء إلى شيء, كضمّ أجزاء النطفة بعضها إلى بعض، وضم نطفة الذكور إلى نطفة الإناث، ثمّ ضمّ الأجزاء الغذائيّة إليها, في شرائط خاصّة, حتّى يخلق بدن إنسان مثلاً، أم من غير أجزاء مؤلّفة, كتقدير ذات الشيء البسيط، وضمّ ما له من درجة الوجود وحده، وما له من الآثار والروابط التي له مع غيره، فالأصول الأوّليّة مقدّرة مخلوقة, كما أنّ المركّبات مقدّرة مخلوقة, قال الله تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[50]، ﴿الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾[51]، ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾[52], فعمّم خلقه كلّ شيء. فقد اعتبر في معنى الخلق, تقدير جهات وجود الشيء وتنظيمها, سواء أكانت متمايزة منفصلاً بعضها عن بعض، أم لا, بخلاف الأمر. ولذا كان الخلق يقبل التدريج, كما قال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾[53], بخلاف الأمر, قال تعالى: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ﴾[54]، ولذلك – أيضا ً- نسب في كلامه إلى غيره, الخلق, كقوله: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا﴾[55]، ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾[56]. وأمّا الأمر بهذا المعنى, فلم ينسبه إلى غيره، بل خصّه بنفسه، جعله بينه وبين ما يريد حدوثه وكينونته, كالروح الذي يحيى به الجسد, قال تعالى: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾[57]، ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ﴾[58]، ﴿يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ﴾[59]، ﴿وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾[60], إلى غير ذلك من الآيات, حيث تجد أنّه تعالى

 

يجعل ظهور هذه الأشياء بسببيّة أمره أو بمصاحبة أمره.

 

وخلاصة الكلام: إنّ الخلق والأمر يرجعان بالآخرة إلى معنى واحد، وإنْ كانا مختلفين بحسب الاعتبار. فإذا انفرد كلّ من الخلق والأمر صحّ أن يتعلّق بكلّ شيء, كلّ بالعناية الخاصّة به، وإذا اجتمعا كان الخلق أحرى بأن يتعلّق بالذوات, بما أنّها أُوجِدَت بعد تقدير ذواتها وآثارها، ويتعلّق الأمر بآثارها والنظام الجاري فيها, بالتفاعل العام بينها, لما أنّ الآثار هي التي قُدِّرت للذوات، ولا وجه لتقدير المقدَّر. ولذلك قال تعالى: ﴿أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ﴾[61], فأتى بالعطف المُشعِر بالمغايرة بوجه, وكأنّ المُراد بالخلق, ما يتعلّق من الإيجاد بذوات الأشياء، وبالأمر ما يتعلّق بآثارها والأوضاع الحاصلة فيها والنظام الجاري بينها, كما ميّز بين الجهتين في أوّل الآية, حيث قال: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾, وهذا هو إيجاد الذوات، ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ﴾[62], وهو إيجاد النظام الأحسن بينها, بإيقاع الأمر تلو الأمر، والإتيان بالواحد منه بعد الواحد.

 

الأفكار الرئيسة

1- هذه السورة مكّيّة, ويوجد تسميات عدّة مشهورة لها، هي: “العلق”، و “إقرأ”، و”القلم”. وهذه السورة إحدى سور العزائم الخمس، وتتضمّن 19 آية, تحوي مجموعة من المحاور: القراءة والعلم/ خلق الإنسان/ العناية الإلهيّة/ طغيان الإنسان/ تقوى الإنسان/ العبوديّة/ القرب/…

 

2- ورد في فضل قراءة هذه السورة المباركة والعمل بها ثواب كثير.

 

3- في تفسير السورة: اقرأ يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مبتدئاً أو مستعيناً بالله ربّك, الذي خلق الإنسان, فأحسن خلقه وأتقنه, فالله كريم يفوق عطاؤه ما سواه وإليه منتهى كلّ نعمة, فهو الذي علّم الإنسان القراءة أو الكتابة, وهو قادر على أن يُعلّمك. إنّ الإنسان لظلوم كفّار, بما يتعدّاه عن حدّ العبوديّة لله تعالى, مستغنياً عن الله، غافلاً عنه وعن الرجوع إليه تعالى، متعلّقاً بالأسباب الظاهرية من دون الله. أرأيت يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي ينهاك عن الصلاة ويُصدّك عنها بطغواه, ألا يعلم بأنّك على الهدى، فلولا التزم بالتقوى وأعرض عن نهيه وصدّه إياك لينجو من عذاب الله، ألا يعلم بأنّ الله يراه, فإنْ لم ينتهِ عن ذلك لنأخذنّه بشدّة، ولنجذبنّه إلى العذاب بهوان وذلّ, فلا يغني عنه أحد من دون الله. فلا تطعه يا محمد صلى الله عليه وآله وسلم واسجد لربّك وتقرّب إليه.

 

4- إنّ الخلق والأمر يرجعان إلى معنى واحد, وهو الإيجاد، وإنْ كانا مختلفين بحسب الاعتبار. فإذا انفرد كلّ من الخلق والأمر صحّ أن يتعلّق بكلّ شيء, كلّ بالعناية الخاصّة به، وإذا اجتمعا كان الخلق أحرى بأن يتعلّق بالذوات, بما أنّها أُوجِدَت بعد تقدير ذواتها وآثارها، ويتعلّق الأمر بآثارها والنظام الجاري فيها, بالتفاعل العام بينها, لما أنّ الآثار هي التي قُدِّرت للذوات، ولا وجه لتقدير المقدَّر.

 

فكّر وأجب

1- أَجِبْ بـ ü أو û:

– مَنْ قرأ هذه السورة, فكأنّما قرأ القرآن.

– معنى “الزبانية”: أهل النار.

– المراد بـ “العلق”: النطفة.

 

2- أَجِبْ باختصار:

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾؟

—————————————————————-

 

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى﴾؟

—————————————————————-

 

– بيّن معنى قوله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾؟

—————————

[1] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص396.

[2] الطبرسي، مجمع البيان، م.س، ج10، ص396.

[3] انظر: م.ن، ص398.

[4] تفسير الإمام العسكري عليه السلام، تحقيق مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ط1، قم المقدّسة، نشر مدرسة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف, مطبعة مهر، 1409 هـ.ق، ح78، ص156-157.

[5] انظر: ابن جرير الطبري، محمد: تاريخ الطبري، لا.ط، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، لا.ت، ج2، ص47, ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد، لا.ط، بيروت، دار صادر، لا.ت، ج6، ص233.

 

[6] قوله تعالى: ﴿وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى﴾ (سورة النجم، الآيات 3-5), ﴿إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ (سورة النمل، الآية 10), ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ﴾ (سورة الإسراء، الآية 65).

[7] روي عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه سُئل عليه السلام: كيف عَلمت الرسُل أنَّها رسُل؟ قال: “كُشِفَ عنهم الغطاء” (البرقي، المحاسن، م.س، كتاب العلل، ح85، ص328), عن الإمام عليعليه السلام: “ولقد قرَنَ الله به من لدُن أن كان فطيماً أعظم مَلك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم, ليله ونهاره..” (العلوي، علي (الشريف الرضي): نهج البلاغة (الجامع لخطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله وحكمه)، شرح: محمد عبده، ط1، قم المقدّسة، دار الذخائر, مطبعة النهضة، 1412هـ.ق/ 1370هـ.ش، ج1، الخطبة 192(القاصعة)، ص157, عن زرارة بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: كيف لم يخفْ رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم في ما يأتيه من قِبل الله أن يكون ممّا ينزغ به الشيطان؟ فقالعليه السلام: “إنّ الله إذا اتّخذ عبداً رسولاً أنزل عليه السكينة والوقار، فكان الذي يأتيه من قِبل الله مثل الذي يراه بعينه” (العياشي، محمد بن مسعود: تفسير العياشي، تحقيق وتصحيح وتعليق هاشم الرسولي المحلاتي، لاط، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية، لات، ج2، ح106، ص201).

[8] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج4، مادّة “عَلَقَ”، ص125.

[9] سورة العلق، الآية 2.

[10] الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “عَلَقَ”، ص579-580.

[11] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة “طَغَى”، ص412. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “طَغَى”، ص520.

[12]  سورة العلق، الآية 15.

[13] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة “سَفَعَ”، ص84. وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “سَفَعَ”، ص413.

[14] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج5، مادّة “نَصَا”، ص433, وانظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “نَصَا”، ص810.

[15] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، م.س، ج3، مادّة “زَبَنَ”، ص46.

[16] سورة الأنبياء، الآية 69.

[17] سورة فصّلت، الآية 11.

[18] سورة يس، الآية 82.

[19] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص323, الخميني، روح الله: تفسير سورة الحمد، تفسير آية: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

تفسير بالمصداق: روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: “نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: يا محمد إقرأ. قال: وما أقرأ؟ قال: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾, يعني خلق نورك الأقدم قبل الأشياء…” (القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص430).

[20] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص323-324.

تفسير بالمصداق: روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: “نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: …. ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾, يعني خلقك من نطفة (علقة) وشقّ منك عليّاً” (القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص430).

تَدَبُّر: لا بدّ أن يكون للعَلَق خصوصيّة تخصّه بالذِّكْر، وإلّا فالأفضل أن يُذكَر المبدأ الأوّل, وهو التراب، أو المبدأ للنشء الآدميّ, وهو النطفة, لكونهما أدلّ على كمال القدرة من العلقة, ولأنّهما أبعد من العَلَقة بالنسبة إلى الإنسانيّة. وتشير الدراسات العلميّة والطبّيّة أنّ المادّة الأوّليّة لخَلْق الإنسان، أشبه ما تكون بهذه الدويبة، على ما جاءت صورتها مكبّرة في بعض الدراسات الطبّيّة. فلو كان هذا المعنى صحيحاً, لكانت هذه الآية من المعجزات العلميّة القطعيّة للقرآن الكريم.

[21] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص324.

تفسير بالمصداق: روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : “نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾, يعني علّم علي بن أبي طالب عليه السلام” (القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص430).

[22] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص324.

تَدَبُّر: اللافت للنظر في هذه الآيات هو تنظيم الكلمات، وكيفيّة تقدّمها وتأخّرها: فإنّ القراءة قُدِّمت على الكتابة، وكرّرت القراءة, لأنّ حدوث اللسان والبيان قبل الكتابة. والقراءة مقدّمة على الكتابة زماناً، ومن حيث المقام والأهمّيّة أيضاً, لأنّه لو لم تكن القراءة، فالكتابة لم تُوجد، مضافاً إلى أنّ كلّ كتابة للقراءة، وليست كلّ قراءة للكتابة.

[23] سورة القلم، الآية 1.

[24] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص324.

تفسير بالمصداق: روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: “نزل جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: … ﴿عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾, يعني علّم عليّاً ما لم يعلم قبل ذلك” (القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص430).

تَدَبُّر: من لطائف هذه الآيات تكرار لفظ العلم. وهذا مضافاً إلى إفادته تعظيم العلم وتجليله، يمكن أن يكون إشارة إلى نوعين من العلم: الاكتسابيّ والإلهاميّ. فإنّ فعل “عَلَّمَ” في المرّة الأولى قُيّد بالقلم الظاهر في العلم الذي يتعلّمه أفراد البشر بعضهم من بعضهم الآخر. وبالجملة، يُستفاد من تقييد الفعل في الآية الأولى بالقلم أنّها تنظر إلى العلم الاكتسابيّ، وفعل “علّم” في الآية الثانية يكون إشارة إلى العلم الذي يحصل بوسيلة الوحي والإلهام من الله سبحانه، ويكون على هذا المعنى: ﴿مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾, أي علّم الإنسان ما لم يقدر أن يعلم، ولم يكن له طريق إلى ذلك, غير طريق الوحي والإلهام. وهذا قبيل قوله تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ﴾ (سورة البقرة، الآية 151).

[25] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص324-325.

[26] سورة إبراهيم، الآية 34.

[27] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص325.

[28]  انظر: م.ن.

تَدَبُّر: لا بدّ من النظر في معنى الاستغناء حتى يعلم أنّه في أي مورد مذموم، وفي أيّ منه غير مذموم. فبالتوجّه إلى موارد الاستعمال ومعاني باب استفعال، تستفاد هذه المعاني لهذا الفعل:

الأوّل: أن يكون الاستغناء بمعنى الاكتفاء, وعلى هذا يكون المستغني, مَنْ يكتفي بماله ويراه كافياً لنفسه، ولا يشتغل بالأمور المهمّة الأخرى من وظائفه الدينيّة والأخلاقيّة، والأمور المعنويّة والأخرويّة.

الثاني: أن يكون بمعنى الاغتناء, أي كونه غنيّاً، ومقابله الافتقار, أي كون الإنسان فقيراً، فيكون معنى الآية على هذا أنّ الإنسان إذا تلبّس بالغنى وصار غنيّاً يطغى ويتعدّى طوره. وهذا إخبار بما في طبع الإنسان.

الثالث: أن يكون الاستغناء بمعنى طلب الغنى. كما أنّ هذا المعنى لا يستقيم في ما نحن فيه, لأنّه لا معنى لأنْ نقول: إنّ الإنسان ليطغى أنْ رآه يطلب الغنى, فإنّه من البديهي أنّ الطغيان ليس معلولاً لطلب المال والثروة والغنى. فلا بدّ أن يفسّر في المقام بمعنى أنّه يطغى إذا رأى نفسه ذات مال وارتفعت حاجتها.

النتيجة: إنّ توجيهات القرآن المتكرّرة في هذا الصدد تنبّه البشر إلى أنّ الثروة والمال من أعظم مصائد إبليس. وقد وقع في فخّه هذا كثير من الناس, فمنهم من صرف أكثر عمره في جمع المال وآثره على كلّ شيء من أمور الآخرة، حتّى على راحة نفسه وعياله، ولم يستفد من ماله في حياته الشخصيّة أيضاً، فبقي العناء له واللذّة لغيره, وهذا من أكبر الخسائر. ومنهم من أخذه الاستكبار والغرور واتّكل على نفسه وغفل عن فضل الله وعنايته، كما فعل قارون. ومنهم من أوقعته كثرة المال في الشهوات والطغيان والعصيان، وهذا الخطر عظيم جدّاً وكثير في الناس عدداً، ولا سيّما في سِنِيّ الشباب.

[29] سبب النزول: كان الوليد بن المغيرة ينهى الناس عن الصلاة وأن يُطاع الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى﴾، ثمّ قال الله تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾، ثمّ قال: ﴿كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ﴾. (القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص430-431).

[30] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص326.

[31] انظر: م.ن.

[32]  م.ن.

تَدَبُّر: لم يُذكَر اسم الناهي في هذه الآية والآيات السابقة, لعلّه للتنبيه على أنّ العناية إنّما هي على العمل نفسه، وأنّه هو الذي يتّصف بالقبح والحسن، ليس للعامل فيه دخل سواء أكان العامل عظيماً أم حقيراً، وسواء أكان صالحاً أم غير صالح، فربّما صدرت أعمال حسنة من غير الصالحين، وبالعكس ربّما صدرت أعمال قبيحة من الصلحاء, فالحسن من الكلّ حسن، والقبح من الكلّ قبيح، وإنْ كان من بعض أحسن ومن بعض أقبح, وهذا الأصل التربويّ المهمّ في الإسلام قد روي في كثير من الموارد، وأُيّد بقول الأئمّة عليهم السلام وهداة الدين وعلمائه وبفعلهم, بأنّه لا بدّ أن يكون الأصل المذكور مورداً للتوجّه, كي لا يغترّ المتظاهرون بالصلاة، ولا ييأس المشتهرون بالسوء.

[33] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص326.

تّدَبُّر: منشأ الطغيان أمران: الأوّل: اعتقاد الإنسان أنّه غني. والثاني: أن لا يرى الله ويظنّ بأنّ الله لا يراه.

[34] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص326.

[35] سبب النزول: لمّا مات أبو طالب عليه السلام، فنادى أبو جهل والوليد عليهما لعائن الله: هلمّوا، فاقتلوا محمّداً، فقد مات الذي كان ناصراً، فقال الله: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾، ثمّ قال: ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾, أي لا يطيعون لما دعاهم إليه, لأنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجاره مطعم بن عدي بن نوفل ابن عبد مناف، ولم يجسر عليه أحد. (القمي، تفسير القمي، م.س، ج2، ص431).

[36] سورة يوسف، الآية 82.

[37] انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج20، ص327.

[38]  انظر: م.ن.

[39] انظر: م.ن.

تَدَبُّر: ضرورة البراءة أولاً من كلّ شيء من دون الله، ثمّ التولّي لله تعالى بالعبادة والطاعة.

السجود أفضل وسيلة للتقرّب إلى الله تعالى.

[40] انظر: الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، م.س، مادّة “خَلَقَ”، ص296, الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج7، ص170-172, ج8، ص151-153.

[41] سورة الأنعام، الآية 1.

[42] سورة البقرة، الآية 117.

[43] سورة النساء، الآية 1.

[44] سورة النحل، الآية 4.

[45] سورة المؤمنون، الآية 12.

[46] سورة الرحمن، الآية 15.

[47] سورة النحل، الآية 17.

[48] سورة المائدة، الآية 110.

[49] سورة العنكبوت، الآية 17.

[50] سورة الفرقان، الآية 2.

[51] سورة طه، الآية 50.

[52] سورة الزمر، الآية 62.

[53] سورة الأعراف، الآية 54.

[54] سورة القمر، الآية 50.

[55] سورة المائدة، الآية 110.

[56] سورة المؤمنون، الآية 14.

[57] سورة الأعراف، الآية 54.

[58] سورة الروم، الآية 46.

[59] سورة النحل، الآية 2.

[60] سورة الأنبياء، الآية 27.

[61] سورة الأعراف، الآية 54.

[62] سورة يونس، الآية 3.

شاهد أيضاً

اليمن – رمز الشرف والتضامن العربي مع غزة فتحي الذاري

  ان الحشد المليوني للشعب اليمني بكافة قواه الفاعلة والاصطفاف الرشيد بقيادة السيد القائد عبدالملك ...