وصية الإمام الخميني(قده) إلى السالكين
20 ديسمبر,2023
زاد الاخرة
138 زيارة
إبنتي:
نظرةً قصيرة إلى ما ورد في غيبة المؤمنين وأذاهم والبحث عن عيوبهم وكشف سرهم واتهامهم تجعل القلوب التي لم تُختم بختم الشيطان ترتجف وتجعل الحياة للإنسان علقماً.. وها أنذا ولعلاقتي بك وبأحمد أوصيك باجتناب الآفات الشيطانية خصوصا الآفات الكثيرة للّسان، واهتمي بحفظه..
طبعا في البداية سيكون ذلك صعبا نوعا ما لكنّه بالعزم والإرادة والتفكير في عواقبه يصبح سهلا..
اعتبري من العبارة المعبرة جداً للقرآن الكريم حيث يقول:
{..وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ..}(الحجرات/12). لعلّها إخبار عن صورة العمل البرزخية ولعل الحديث المنقول عن حضرة سيد الموحدين في مواعظه الكثيرة التي وعظ بها نوف البكالي إشارةٌ إلى هذا الأمر بحسب أحد الاحتمالات.. وفي ذلك الحديث طلب من المولى موعظة فقال له: “اجتنب الغيبة فإنها أدام كلاب النار” ثم قال ” يانوف كذب من زعم أنه ولد من حلال وهو يأكل لحوم الناس بالغيبة”(26-بحار الأنوار 75/ 248 سفينة البحار مادة (نوف).).
ونقل عن رسول الله صلى الله عليه وآله:”وهل يكبّ الناس في النار يوم القيامة إلاّ حصائد ألسنتهم”(27-أصول الكافي كتاب الإيمان والكفر باب الصمت وحفظ اللسان ج14 باختلاف يسير.).
من هذا الحديث ومن الأحاديث التي ليست قليلةً يُستفاد أن جهنم هي الصورة الباطنية لأعمالنا.
اللهم ارحمنا بنجاتنا وهذه النسوة والعوائل المرتبطة بنا(28-ورد الدعاء للأقارب عن العظماء والأولياء في موارد مختلفة كما جاء في القرآن الكريم {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي..}(إبراهيم/40).{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا..}(البقرة/128).وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه أوصى المصلين بالدعاء لأقاربهم -البحار 82/209.) من الآفات الشيطانية ولا تجعلنا ممن يؤذون المسلمين بلسانهم وعملهم.
هذه الصفحات كتبتها بناء لطلب فاطمة وأنا أعترف أني لم أستطع الهرب من مكايد الشيطان. . الأمل أن توفق فاطمة لذلك وهي تنعم بالشباب.
والسلام على عباد الله الصالحين
12شهر رمضان المبارك 1403 هـ
روح الله الموسوي الخميني
سـبيل المحبـة
إلى السيدة فاطمة
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي فاطمة
أخيراً فرضتِ علي كتابة عدة أسطر، ولم تقبلي عذر الشيخوخة والتألم والابتلاءات.. الآن أبدأ الحديث عن آفات الشيخوخة والشباب، حيث أني أدركت المرحلتين، أو فقولي طويتهما. وأنا الآن في منحدر البرزخ أو النار وجهاً لوجه مع أعوان حضرة ملك الموت، وهذا تعرض علي صحيفة أعمالي السوداء، ويطلبون مني حساب عمري الضائع، ولا جواب لديّ سوى الأمل برحمة من وسعت رحمته كل شيء، الذي أنزل على من هو رحمةٌ للعالمين{..لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا..}(الزمر/53)، عسى أن أصبح مشمولا لهذا النحو من الآيات الكريمة.
لكن ما العمل بالنسبة للعروج إلى حريم الكبرياء، والصعود إلى جوار المحبوب والورود إلى ضيافة الله التي يجب الوصول إليها بسعينا(1-يشير رضوان الله عليه إلى أن العمل مع الأمل برحمة الله تعالى هو المطلوب.. أما ترك العمل والإكتفاء بالأمل برحمة من وسعت رحمته كل شيء فهو مرفوض.. فإذا خلط المسلم بين عملٍ صالح وآخر سيئ لضعفه واعتمد على الأمل برحمة الله تعالي فإن هذه الرحمة إذا شملته تنقذه من العذاب.. لكنها لا تؤمن له الدرجات العلى مثل العروج إلى حريم الكبرياء والصعود إلى جوار المحبوب والورود إلى ضيافة الله فإن ذلك متوقف على العمل ولا يؤمنه الأمل وحده.)..
في (مرحلة) الشباب(2-يؤكد الإمام كثيراً على مرحلة الشباب كما تري في رسائله هذه ويعتبر أن الشباب ربيع التوبة.. فعندما يهرم الإنسان أو يذهب شبابه تضعف إرادته كما تضعف قواه البدنية. فلا يعود قادراً على العزم على ترك المعصية.. ولا قادراً على تدارك ما فات بالسهولة التي كانت متاحة له في شبابه. والسبب في ضعف القوى المعنوية ومنها -الإرادة- هو تمكن جذور شجرة حب الدنيا من قلبه.. حيث تضرب في أعماقه بعيدا مما يجعل اقتلاعها عصياً..)، حيث كان النشاط والاستطاعة، وبمكائد الشيطان انشغلت بالمفاهيم والاصطلاحات المنمّقة والمبهرجة.. ولم يحصل لي منها جمعية ولا حال، ولم أحاول أبدا الحصول على روحها ولا إرجاع ظاهرها إلى باطنها وملكها إلى ملكوتها وقلنا:
“لم يتحصل من قيل المدرسة وقالها إلا الكلام المحزن بعد كل ذلك الجهد والتوثب”(3-مضمون بيت.).
وقد غصت في عمق الاصطلاحات والاعتبارات وانشغلت بدلاً من رفع الحجب بجمع الكتب وكأنه ليس في الكون والمكان وجود لغير حفنةٍ من ورق ممزق سمّيت باسم العلوم الإنسانية والمعارف الإلهية والحقائق الفلسفية.. مع أنها تحول بين الطالب المفطور بفطرة الله وبين الوصول إلى المقصد وتغرقه في الحجاب الأكبر.
الأسفار الأربعة (4-الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، وقد اشتهر باسم: “الأسفار الأربعة” لصدر المتألهين صدر الدين الشيرازي رضوان الله عليه.) بطولها وعرضها منعتني من السفر إلى المحبوب. لا من الفتوحات(5-الفتوحات المكية للعارف الكبير محي الدين بن عربي رحمه الله.) حصل لي فتح.. ولا من “فصوص”(6-فصوص الحكم لابن عربي أيضا ويعتبر أهم كتبه على الإطلاق) الحكم” حصلتُ على حكمة.. فضلا عن غيرهما الذي له قصة محزنة..
وأصبحت في كل خطوة مني مبتلىً بالاستدراج إلى أن بلغت الكهولة وما فوقها التي أكابدها الآن{..وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا..}(النحل/70).
ولأنك يا ابنتي بعيدة عن هذه المرحلة عدة فراسخ ولم تتذوقي طعمها أوصلك الله إليها، فإنك -ودون الوقوع في آفاتها- تتوقعين مني الكتابة والحديث، وتمزجين أيضا بين النظم والنثر.. ولا تعلمين أنني لست كاتبا ولا شاعرا ولاخطيبا. وأنتِ يا ابنتي العزيزة التي (لم تخبري الحياة بعد)، ( أصبحت حلوى قبل أن تصبح حصرما)(7-مثل. . يقال لمن لم يخبر الحياة.) اعلمي أنك سوف تحملين على ظهرك يوما حمل التأسف الثقيل
على الشباب الذي تضيعينه بهذه المشاغل أو بما هو أفضل منها كما أحمله أنا (وسوف ترين) أن قافلة العشاق المحبين لله فاتتك لا سمح الله.. إذن اسمعي من هذا الهرم البائس الذي يحمل هذا الحمل وقد انحنى تحته.
لا تكتفي بهذه الاصطلاحات التي هي الفخ الكبير لإبليس وكوني بصدد البحث عنه جل وعلا..
أيام الشباب وأنسها وملذاتها سريعة الزوال.. وأنا قد طويت جميع مراحلها وأصارع الآن عذابها الجهنمي. والشيطان الداخلي مصرٌ على إبقاء روحي في قبضته كي -والعياذ بالله تعالى- يسدد الضربة الأخيرة ولكنّ اليأس من رحمة الله الواسعة هو في حد ذاته من الكبائر العظيمة ولا قدّر الله أن يبتلى العاصي به. يقال أن الحجاج بن يوسف مجرم التاريخ قال في آخر عمره: اللهم اغفر لي رغم أني أعلم أن الجميع يقولون إنك لا تغفر لي. وعندما سمع الشافعي ذلك قال: إذا كان قال ذلك فلعلّ.. وأنا لا أعلم هل وفّق ذلك الشقي لهذا الأمر أم لا ولكنني أعلم أن الأسوأ من كل شيء هو اليأس..
وأنتِ يا بنيتي لا تغترّي بالرحمة فتغفلي عن المحبوب ولا تيأسي فتخسري الدنيا والآخرة..
حفظ الله بحق أصحاب الكساء الخمسة أحمد وفاطمة وحسن ورضا وعلي -الذين هم من سلالة الرسول العزيز ووصيَّة وبهذا أفتخر ويفتخرون -من الشرور الشيطانية والأهواء النفسانية..
انتهى هنا كلامي وحجة الله تامةٌ عليّ و السلام..
2023-12-20