وسورة الجمعة بين ( الاميين والأخرين منهم )
نستكمل في هذا المقال بإذن الله ماسبق أن كتبناه من تأملات وتفكر وتدبر في سورة الجمعة المباركة ، وفي هذا المقال سنقارن بين الأيات الثلاثة المتشابهة في كلماتها ، والمتحدثة عن موضوع واحد هو المبعث النبوي الشريف ، ونبحث عن من هم القوم الذي بعث فيهم الرسول صلوات الله عليه وأله وهو منهم …؟
فلقد تم وصفهم بثلاث أوصاف :،
1 ـ انهم من ( الأميين )
2 ـ أنهم من ( انفسهم )
3 ـ أنهم من ( المؤمنين )
وإستنتجنا من ذلك أن الأميين هم المؤمنين الذين مَنَ الله عليهم ، وهم ذرية إبراهيم وإسماعيل ، ومحل دعوتهما المباركة .
ولمزيد من الشرح ، نذكر مقارنة بين الأيات الثلاثة :
1 ـ الأية الأولي وهي موضوع البحث ، من سورة الجمعة ،من قوله تعالي :
هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) الجمعة )
2 ـ ثم الأية الثانية الخاصة بدعوة إبراهيم ( ع ) :
وهى التى وصفت المبعوث فيهم بأنه منهم ولكنها حددت أيضاَ أنهم من ذرية (إبراهيم وإسماعيل ) ، والمعروف أن ذرية إبراهيم وإسماعيل في هذه الأمة المسلمة هم ( محمد وأل محمد ) صلوات الله عليهم أجمعين
كما ورد في سورة البقرة :
وذلك في الأيات الأتية :
وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) البقرة )
الأية الثالثة :
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ
وصف المبعوث فيهم بالمؤمنين وأن الرسول من ( أنفسهم ) ،
وذلك في قوله تعالي :
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. 164 أل عمران
ونحاول هنا ان نبحث في الفروق اللفظية بين الايات الثلاثة مع مراعاة السياق الذى وردت فيه .
1 ـ بدأ التبشير ببعثة الرسول الاعظم صلوات الله عليه واله (بدعوة ) إبراهيم ( عليه السلام ) الله عز وجل بأن يبعث في ( ذريتهما ) أي ذرية إبراهيم وإسماعيل رسولاَ ( منهم ) أى من ( ذريتهما ) …. تقول (دعوة إبراهيم ( ع ) بعد ذكر رفع إبراهيم وإسماعيل القواعد من البيت داعياَ لذريتهما :
رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ َ
فالرسول هو من ذرية إبراهيم وإسماعيل ( عليهما السلام )
والمرسل إليهم هم أيضاَ من ذرية إبراهيم وإسماعيل ( عليهما السلام )
ولولم تذكر الأية الكريمة إسماعيل مع إبراهيم ، وذكرت إبراهيم ( عليه السلام ) وحده ، لدخل في الدعوة ذرية إسحاق ويعقوب وإسماعيل ، وكانوا هم المقصودين بالدعاء الإبراهيمى و إختلط الأمر …!!
ولذلك يقول الرسول الأعظم صلوات الله عليه وأله :
( أنا دعوة أبي إبراهيم )
النتيجة :
أنه طبقاَ لدعوة إبراهيم عليه السلام ، يكون :
ــــ سيدنا محمد صلوات الله عليه وأله هو المقصود بالرسول المبعوث في دعاء إبراهيم عليه السلام
ــــ وأن أهل بيته ( عليهم السلام ) هم المقصودون ( بالمرسل فيهم ) ، ويشهد على ذلك :
1 ـ وصف الرسول بأنه منهم ، ولقد ثبت في كثير من الروايات نسبة الرسول وأهل بيته عليهم صلوات الله جميعاَ بعضهم من بعض ..
كقول الرسول صلوات الله عليه وأله :
(حسين منى وأنا من حسين )
( فاطمة بضع مني ………..)
( لاحظ الترابط بين عبارة رسولا منهم وبين الحديثين الشريفين )
2 ـــ ويشهد لذلك أيضاَ أية سورة أل عمران :
( رسولاَ من أنفسهم ) وعلاقتها بأية المباهلة : (وأنفسنا وأنفسكم )
أوكما ورد في بعض التفسيرات أنفسهم من الشئ ( النفيس ) ، فيكون ال محمد هم أنفس الخلق بعد الرسول صلوات الله عليه وأله
…
ثم نختم هذه الجزء من البحث في معاني المؤمنين التي ذكرت في القران :
المؤمنون والأميون
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ــــ لقد وصف الله عز وجل هؤلاء الأميون الذين بُعث فيهم رسول الله صلوات الله عليه وأله ، كما ورد في سورة الجمعة المباركة ، وصفهم في سورة أل عمران بأنهم ( المؤمنين ) الذين مَنَ الله عليهم ، وتم وصفهم بنفس الصفات ، وهي :
1 ـ ان الرسول بُعث فيهم
2 ـ أنه من أنفسهم
3 ـ أن الرسول يتلوا عليهم ـ أي علي المؤمنين ) أياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة
4 ـ أنهم كانوا من قبل لفي ضلال مبين
وهذا هو نص أيات سورة أل عمران ، يقول الله تعالي :
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.
164
واضح من المقارنة مع سورة الجمعة أن المقصود بالأميين في سورة الجمعة ، هم ( المؤمنين ) في سورة أل عمران .
ولنا أن نتساءل بعد ذلك :
فلو كان المقصود بالأميين هم أهل مكة أو العرب الذين كانوا يعبدون الأصنام ، أو الذين لم يسبق أن نزل عليهم كتاب سماوى أي العرب ، فهل يطلق عليهم في هذه الأية لفظ ( المؤمنين ) …؟!!
إن كلمة المؤمنين هي إسم من أسماء الله الحسنى ( المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر )
ثم لنرجع للقرأن الكريم لنرى كيف تحدث عن بعض الدرجات العليا للمؤمنين :
1 ـ المؤمنون المفلحون
ـــــــــــــــــــــــــ
بل الاحرى ان يطلق هذا اللفظ علي من كمل إيمانه ، يقول تعالي :
(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ {1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ {2} وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ {3} وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ {4} وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5}
2 ـ المؤمنون شهداء الأعمال
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله تعالي عن مقام شهداء الاعمال :
( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون )
ولقد ورد في مرويات أهل البيت عليهم السلام أن المقصود بالمؤمنين في الأية الكريمة هم ألأئمة من أهل البيت عليهم السلام
والمؤمنون في هذه الأية الكريمة هم شهداء الأعمال الذين تعرض عليهم أعمال اممهم فيشهدون عليهم ، وكل نبى أو إمام شهيد على أمته ، وكذلك الأئمة من اهل بيت النبوة صلوات الله عليهم هم شهداء علي أهل زمانهم ، والرسول صلوات الله عليه وأله هو الشهيد علي الشهداء :
( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا )
والمعلوم أن الشاهد علي أعمال الأمة لابد ان يكون عند من العلم الخاص مايؤهله للإطلاع علي أعمال من سيشهد عليهم ، وهذا لا ينطبق إلا علي الائمة من ذرية إبراهيم عليه السلام ـــ أي محمد وأل محمد صلوات الله عليهم ــ حسب ماورد في أخر سورة الحج ، من قوله تعالي :
(هو إجتباكم ماجعل عليكم في الدين من حرج ملة ابيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ، وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم ، وتكونوا شهداء علي الناس )
واضح أن المخاطبين في الاية هم ذرية إبراهيم ( ع ) لقوله تعالي : ( ابيكم إبراهيم ، أي محمد وأل محمد صلوات الله عليهم
>>>>>>>>>>>>>>>>>>
يتبقي لنا موضوع هام جدا ويحتاج إلي التوضيح ، وهو قوله تعالي في سورة الجمعة ( وأخرين منهم لما يلحقوا بهم ) ….
والسؤال هنا :
فمن هم هؤلاء الأخرين منهم ـ أي من الأميين ـ لأنها معطوفة عليهم ، وهم غير متصلين بالأميين الذين بعث فيهم الرسول صلوات الله عليه وأله ، بدليل قوله تعالي : ( لما يلحقوا بهم ) …. وما علاقة ذلك بالأحداث التي تجري علي الساحة الأن …؟!!
بإذن الله سوف يكون الإجابة علي السؤال موضوع مقالا الخامس في سلسلة مقالات عن التدبر في هذه الأيات من سورة الجمعة المباركة ..