المقدمة
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
إنّ علم الأخلاق من العلوم ذات البُعد العمليّ، والّتي يهدف من خلالها إلى بناء الشخصيّة الإنسانيّة المثاليّة، والّتي لا ترتبط بمجتمع دون آخر، ولا بدين دون دين، وإنّما هي عامّة لكلّ النوع البشريّ، وأمّا الفلسفة, فمن العلوم العقليّة الّتي تهدف لجلاء الشكّ وبروز اليقين، وإلى دحض السفسطة وسطوع الحقّ من خلال العقل والفكر، ومن خلال الدليل والبرهان.
وأمّا فلسفة الأخلاق، فهو العلم الّذي يؤّمن الطرق السليمة في الحياة الإنسانية، ويبيّن ملاكات هذه الطرق ويضيء عليها بنور العقل، وبتعبير آخر هو العلم الّذي يعقلن الأخلاق ويجعل الاختيار الإنسانيّ للسلوك العمليّ معتمداً على أُسس العقل والمعرفة، لتجعله ثابتاً أمام زعزعة العواصف وأمواج الشكّ والانحراف والتحلّل.
وبعد أن لاحظ مركز نون للتأليف والترجمة أهميّة هذا الكتاب، ومكانته العلميّة في بعض الجامعات في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، والركن الّذي ملأه هذا الكتاب في المكتبة الإسلاميّة، قام بنقله إلى اللغة العربيّة، وحاول قدر الإمكان المحافظة على التعابير والاصطلاحات العلميّة
9
5
المقدمة
التخصصيّة، ليبقى الكتاب مالئاً مكانته العلميّة والمعرفيّة عند أهله.
نسأل الله سبحانه أن يتقبّل عمل كلّ من ساهم في إخراج هذا السفر إلى حيّز الوجود، إنّه نِعم المولى ونِعم المجيب.
مزكز نون للتأليف والترجمة
10
6
المقدمة
مقدّمة المؤلّف
تُعتبر الأخلاق من العلوم العمليّة، حيث إنّ الإطلاع عليها وتعلّمها يعتبر مقدّمة للعمل. ورغم أنّ الإنسان، وبسبب اختياره التكوينيّ، قد لا يعمل بما يعلم، إلّا أنّ هذا العلم ينفع في الحقيقة أولئك الساعين إلى الحياة السعيدة. ولقد سعى علماء الأخلاق وبشكل دائم إلى هداية الباحثين عن السعادة والكمال، وبالتالي وضعوا لهم هذا العلم لنيل مبتغاهم. وكذلك فقد اعتُبِرَ القادة الدينيّون – الّذين سعوا إلى تحقيق أهمّ أهداف الرسالات الدينيّة السماويّة أيّ هداية الإنسان إلى السعادة الحقيقيّة – من أعظم دعاة الأخلاق.
لقد واجهت هذه الهداية الكثير من العوائق والموانع كالتشكيك والنسبيّة اللّتين أثّرتا في مختلف مجالات الفكر البشريّ. وبطبيعة الحال لم تسلم منهما دائرة القيم الأخلاقيّّة. إلّا أنّه وفي القرون الأخيرة ظهر العديد من الاتجاهات الفكريّة، وبالتالي ظهرت في دائرة الأخلاق قيمٌ جديدة كالنزعة الإنسانية والليبرالية والتساهل والتسامح والإباحيّة. ومن جهة ثانية فإنّ التطور التكنولوجي جذب عامة الناس إلى اللذة وتأمين الرفاه المادي والربح الدنيويّ، ودفع القوى العظمى إلى بسط نفوذها العالمي، وبالتالي فقد اعتبرت هذه الاتجاهات من القضايا الإنسانية المعاصرة، ومن ثمّ ومن جهة أخرى فإنّ البلبلة والفراغ المعنويّ الناتج عن البعد الدنيويّ دفع بالعديد من الفرق إلى المذاهب الوضعيّة البشريّة لتحصيل الاطمئنان، وسدّ الفراغ. ولذا فقد سعت هذه
11
7
المقدمة
الفرق والنحل إلى البحث عن القضايا الأخلاقيّّة والدعوة إليها في خطوة نوعية للابتعاد عن الأمور الدنيويّة.
وحيث إنّ الطبيعة البشريّة تميل نوعاً ما إلى كلّ تلك القضايا، فقد وجدت المذاهب الأخلاقيّّة أتباعاً لها ومريدين وجذبت إليها العديد من طوائف الإنسانية.
وعليه فقد اقترحت هذه المذاهب العديد من الطرق لتحصيل الحياة المطلوبة لأتباعها.
إلّا أنّ تأمين هذه الميول سيكون معقولاً إذا لم يقابل الفهم الصريح والواضح للعقل، ولذا فإنّ الساعين إلى الطرق المعقولة للحياة سيدركون بكل بساطة أنّ إرضاء هذه الميول بشكل غير معقول لن يكون أخلاقيّاً. ومن ثمّ فقد ترافقت هذه الميول، وفي الكثير من الموارد، مع الوساوس الذهنية، والتي أخذت أحياناً طابعاً فلسفياً. وفي هذه الحال فقد تعرضت مباني علم الأخلاق لنوع من الاضطراب والاختلال. وها هنا يسيطر على العقل غبار الأوهام ويضلّ أولئك الساعون في الاهتداء إلى طريق السعادة المنشودة. وبناءً عليه إذا خف نور العقل وامتلأ الفضاء بالغبار والضباب كيف لنا أنّ نهتدي إلى الحقيقة؟
إن هدف “الفلسفة” وبشكل عام هو جلاء غبار السفسطة والأوهام عن العقل. وأما هدف “فلسفة الأخلاق” بشكل خاص فهو جلاء الغبار الّذي يغطّي طريق العلم في مسير هذه الحياة. ولذا يُنتظَر من فلسفة الأخلاق، مضافاً إلى تأمين الطرق السليمة من أجل الحياة المنشودة، أنّ تؤمّن ملاكات اختيار هذه الطرق وأن تضيئها بنور العقل.
وبلا شكٍّ فإنّ وجود المباني المحكمة والاستدلالية في الأخلاق تعتبر خطوة أساسية للانتخاب الصحيح والمعقول من بين المذاهب الأخلاقيّّة.
إن وجود هذه المباني الصحيحة والمعقولة والمتقنة هي الّتي تمكّن الإنسان من الثبات أمام العواصف والأخطار الموجودة، أو الّتي يمكن حصولها، والتي ستهدّد القيم الأخلاقيّّة، وبالتالي ستدعوه إلى السير في الصراط المستقيم بكل عزمٍ واطمئنان.
12
8
المقدمة
إنّ علم الأخلاق مقدّمة لسعادة الإنسان. وإنّ فلسفة الأخلاق تهدي العقل إلى المذهب الأخلاقيّ الّذي يؤمّن هذه السعادة ويبني الإنسان ويربيه.
إنّ هذا الكتاب الماثل بين يديك هدفه المعرفة الإجمالية لموضوع فلسفة الأخلاق وتعيين النطاق الكلّي للمذهب الأخلاقيّ الّذي يُرشد الإنسان إلى سعادته الحقيقيّة.
ومن ثمّ فإنّ المنهج المتّبع في هذه البحوث لأجل إيجاد ملاكات القيم الأخلاقيّّة والتحكيم بين مختلف نظريات المذاهب الأخلاقيّّة المتعدّدة في هذا المجال هو المنهج العقلي. وسوف نتعرّض عند اللزوم إلى توصيف هذه النظريات، إلّا أنّه لما كان توصيف كلّ النظريات الّتي ترتبط بشكل ما بفلسفة الأخلاق لا يتلاءم مع هدف وضع هذا الكتاب بشكل مباشر، فلن نلزم أنفسنا بذلك، ولهذا السبب سوف نعرض كليات هذه المذاهب في ثلاثة فصول وسنشير في الفصل الأخير إلى النطاق الكلي أيضاً للمذهب الأخلاقيّ في الإسلام.
إنّ أسلوب عرض الكتاب علمي وُضع للتدريس في وحدتين من الوحدات الجامعية. وأما المذكّرات الواردة في أواخر الفصول فالغرض منها التوضيح والتذكير والإرجاع إلى المصادر، وكذلك نقد بعض الآراء الواردة في المتن مع الإشارة إليها، وكذلك فإنّ هذه المذكّرات مفيدة للساعين إلى مزيدٍ من بزيادة الاطلاع والمعرفة حول المواضيع المذكورة. كما أنّنا نقترح على الأساتذة المحترمين الراغبين بتدريس هذه الفصول مطالعة الهوامش الملحقة بها مسبقاً.
وكذلك فإنّ قسم “الخلاصة” و”أكمل” قد وضعا بشكلٍ يسهل فيه تدوين الخلاصات وتجميعها نظراً للارتباط المنطقي بينها.
وأمّا “الأسئلة” فالغرض منها أيضاً التذكير بالموضوعات الّتي تم درسها وكذلك الإجابة عنها والاستفادة منها في بعض الأحايين.
وأخيراً فإنّ قسم “للبحث” يطرح موضوعات يمكن بحثها وتحليلها داخل الصف بمعونة الأستاذ، وفي بعض الموارد ربما تشكّل موضوعاً مستقلاً للتحقيق والبحث.
13
9
المقدمة
وأرجو من القراء الكرام أنّ يتفضلوا علينا بإبداء آرائهم المفيدة وانتقاداتهم البنّاءة سواء لجهة الأسلوب والمنهج أو محتوى الكتاب ومضمونه.
وكذلك أقدّم الشكّر لكلّ من ساهم في تهيئة وتدوين هذا الكتاب، وأخصّ بالذكر الأستاذ العلامة آية الله مصباح اليزدي، إذ إنّه مضافاً إلى توجيهاته الكلية فقد قام بمطالعة أغلب ما في هذا الكتاب ونقده، وكذلك أشكر الأساتذة المحترمين حجة الإسلام والمسلمين محمود فتحعلي، وحجة الإسلام والمسلمين محمّد حسين زاده، والأستاذ عبد الرسول عبوديت والذين لهم الحقّ الكبير عليّ لمطالعتهم هذا الأثر وإبداء الملاحظات عليه.
كما وأتقدم بالشكر لفريق فلسفة الأخلاق في “مؤسسة الإمام الخميني (قدس سره) التعليمية والتحقيقية” والذين ساهموا في تهيئة المقالات المرتبطة بموضوع الكتاب ووضعها في اختيارنا.
وأخص بالشكر الكبير أيضاً السيد علي رضا تاجيك، الّذي تقبّل تنظيم هذا الكتاب.
وفي الختام أشكر الله تعالى على كلّ نعمة. وأقدم هذا الأثر المتواضع في محضر مولاي صاحب العصر والزمان بقية الله الأعظم أرواحنا له الفداء راجياً منه دوام عنايته ولطفه.
مجتبى مصباح خرداد 1382هـ.ش
14
10
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
ربما يكون مصطلح “فلسفة الأخلاق” غريباً على من لم يطّلع مسبقاً على مسائل هذا العلم رغم معرفته بمصطلح “الفلسفة” ومصطلح “الأخلاق” كلاًّ على حدة.
إنّ مصطلح “الفلسفة” لوحده يشير إلى بيان العلوم النظرية الّتي تبين خصائص الوجود الكلية بالأسلوب العقلي.
وأمّا مصطلح “الأخلاق” فإنّه يحكي الصفات الفاضلة والمذمومة في الإنسان، وكذلك العلم الّذي يتكلم عن الصفات والسلوكيات القبيحة والحسنة.
لكن ما هو المراد من المصطلح التركيبي “فلسفة الأخلاق”؟ جواباً عن ذلك نقول إنّنا في هذا الفصل، ومع توضيح الأحكام القيميّة، وتقديم تصوّرٍ كاملٍ عن علم الأخلاق وأهميّته، سوف نتعرّف إلى فلسفة الأخلاق ومكانة هذا العلم بالمقايسة بعلم الأخلاق، وكذلك ضرورة التعرّض لمثل هذه البحوث.
1 ـ العلاقة بين الأحكام القيميّة والصفات النفسانية مع الهدف من الحياة.
1 – 1. الأحكام القيميّة
لطالما حكمنا وقضينا على سلوكنا وسلوك الآخرين مراراً وتكراراً. ومثالاً على ذلك قلنا: “إنّ ما قمت به بالأمس ليس صحيحاً” و”بدلاً من أن أخاف من توبيخ
15
11
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
صديقي سأقول له الحقيقة”. وكذلك من الممكن أنّ نقدّر الشجاع، الغيور، صاحب المروءة والكريم وفي المقابل نوبخ الحاقد، الحسود، والغافل، وغير ذلك الكثير الكثير من الأحكام الّتي نصورها يومياً والتي لها تأثيرٌ كبيرٌ في حياتنا العمليّة, إذ إنّه بناءً على هذه الأحكام نقوم بانتخاب الأصدقاء وتعيين طريقة عيشنا، وبالتالي ندرك أيضاً كيفية تنظيم سلوكنا وتقويمه ومع أيّ جماعة أو طائفة نتعامل دينياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً، وفي الواقع إن مثل هذه الأحكام تقع في نطاق “ما يجب” في سلوكنا.
ومع أنّنا نحكم بمثل هذه الأحكام عشرات المرات يومياً أو نتكلم بها مع الآخرين إلّا أنّه لربما لم نفكر دائماً في أهميّتها وفائدتها.
وفي الحقيقة هل يمكننا أنّ نعيش من دون وجود مثل هذه الأحكام؟ وما الّذي يلزمنا أنّ نفكر بها ونبحث حولها؟
لنتصور مجيء ذلك اليوم الّذي تُحذف فيه كلّ هذه الأحكام من حياتنا، أيّ أنّه عندما نريد أنّ نقوم بأي فعل في ذلك اليوم الفرضي لن نعرف “ما يجب” علينا فعله.
مثلاً أنا أقوم الآن كلّ يوم من نومي وأذهب إلى الدراسة أو العمل، وبالتالي سأتصور أني في ذلك اليوم الافتراضي لا أعرف شيئاً عمّا يجب فعله يومياً، بل أكثر من ذلك أنّني لا أحكم عمّا لا يجب عليَّ فعله أيضاً، نعم من الممكن حينها أنّ أفكر في نفسي أنّه هل اللازم عليَّ أنّ أدرس أو أعمل لتنظيم أمور المجتمع أو خدمة الآخرين أو أيّ هدف آخر، لكن لا بد أنّ لا ننسى أنّه في ذلك اليوم الافتراضي لا يوجد أيّ هدفٍ من الأهداف المذكورة بل وحتى أضداد تلك الأهداف قابل للتقسيم في رأيي، أيّ أنني لا أعرف أنّ إدارة أمور المجتمع أو خدمة الآخرين أو أيّ هدف آخر هل هو “حسن” أو “قبيح” أو هل “يجب” أنّ أقوم به أم “لا يجب” عليَّ ذلك.
وبناءً على ذلك فليس لي حينها أيّ هدفٍ مشخص ينبغي عليَّ أو لا ينبغي عليَّ القيام به أو أيّ هدف منها أنتخب. وهذا التحير والحيرة يشمل كلّ الأفعال الّتي ترتبط باختياري في فعلها أو تركها، وفي ذلك اليوم العجيب لن أستطيع أنّ أستفيد وبشكل
16
12
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
مطلوب من إرادتي وكأنني مسلوب الاختيار والإرادة، ولهذا سأكون حينها أشبه بخشبة فاقدة للاختيار ولست بإنسان أصلاً.
وفي الحقيقة فإنّ مثل هذه الأحكام الّتي أشرنا إليها تشير إلى ماهية الأهداف المنظورة في حياتنا وبالتالي توجب علينا أنّ نختار منها ما يتناسب مع أهدافنا القيمة فنقوم بها بملء إرادتنا.
وبشكل مختصر يمكن القول إنّ هذه الأحكام والقرارات ستصوّب حياتنا باتجاه هدف معيّن ومخصوص، وستؤثر حتماً في تقييم وانتخاب السلوك المناسب مع هذا الهدف. وبناءً على ذلك إذا كان هدف حياتنا مهماً لا بد أنّ يكون مهماً لنا أيضاً أنّ نعرف الأحكام والقرارات القيميّة لكي نوفق بينها وبين أفعالنا الاختيارية، حيث إنّ معرفة ما يجب فعله تعتبر الخطوة الأولى لاختيار العمل المناسب لهدفنا في الحياة.
1 ـ 2. الصفات النفسانية
من المقطوع به وجود عوامل أخرى غير “المعرفة” – والتي هي نوع من العلم – تؤثّر في اختيارنا وقيامنا بالأعمال المفيدة، ويمكن تقسيم هذه العوامل إلى قسمين: داخلية وخارجية.
من جملة العوامل الخارجية يمكن الإشارة إلى الثقافة والآداب والتقاليد الاجتماعية، وكذلك أقوال وسلوك الّذين نعاشرهم غالباً سواء في العائلة أو الأصدقاء والأساتذة ووسائل الإعلام.
ومن جملة العوامل الداخلية يمكن الإشارة إلى بعض الصفات كالعفّة والغيرة والشجاعة أو الحسد والبخل والتكبّر.
ويشترك كلٌّ من العوامل الداخلية والخارجية في بحثنا وتحريكنا للاختيار والقيام بأفعال وسلوكيات خاصّة أو تتناسب معها، ومثالاً على ذلك لو عاشر الإنسان بعض الأفراد المتواضعين سيحرّكه ذلك ويشوّقه إلى التواضع، وكذلك من كان في طبعه الحسد وكانت هذه الصفة فعالة في نفسه فإنّه سيحسد في العادة، إلّا إنّهما يفترقان
17
13
الفصل الأول: تعريف فلسفة الأخلاق ومكانتها
في التأثير المباشر وعدمه، فالعوامل المحركة الخارجية يمكنها التأثير بشكل غير مباشر في اختيارنا وبالتالي تحريكنا ودفعنا للقيام ببعض الأعمال الخاصّة، وأما العوامل الداخلية فإنّها تؤثّر فينا بشكل مباشر لكن يمكن ترويضها والسيطرة عليها بالمعرفة والتمرين وبالتالي إيجاد التغيير فيها وتقويتها أو تضعيفها، وزيادة تأثيرها أو تقليله، وتفعيلها أو تحجيمها [1].
وبناءً عليه إذا استطعنا التعرّف بدقّة إلى الصفات المثبتة والإيجابية من بين الصفات الداخلية فسوف نعمل على تقويتها والتقليل من تأثير الصفات السلبية، وسوف نطمئن على صوابية أعمالنا وسلوكنا في الاتجاه الصحيح.
وفي الواقع فإنّ امتلاك الصفات النفسانية الفاضلة والحسنة عاملٌ محرك للقيام بالأعمال الحسنة وفي النتيجة تحصيل الهدف من حياتنا.
ومضافاً على ذلك وبناءً على الرؤية المعرفية للإنسان في الإسلام فإنّ حقيقة وجود الإنسان هي روحه المجردة والباقية بعد موته وأنّ الإنسان سيحشر مع صفاته النفسية. إذاً بناءً على ذلك فإنّ الصفات النفسية علاوة على تأثيرها في اختيار الأفعال والقيام بها فإنّها تؤثّر أيضاً في تكوين حقيقة وجود الإنسان.
إلّا أنّ السؤال المهم هو كيفية تشخيص الحسَن من القبيح في هذه الصفات، وبأي سلوكٍ يمكن تغييرها وتصحيحها.
وبعبارة أخرى ما هو العلم الّذي نحتاجه في سبيل الوصول إلى الهدف من الحياة المنشودة, أولاً لتعيين ما ينبغي أو لا ينبغي فعله من الأعمال والسلوكيات الحسنة أو القبيحة، وثانياً ليعرف لنا الصفات الداخلية الموجبة والسالبة والّتي من طرفٍ ما تؤثّر في سلوكنا بشكل مباشر ومن طرف آخر تتغير بناءً على ما نقوم به، وبالتالي تُكوِّن حقيقة وجودنا؟ وجواباً على ذلك نقول إنّ العلم المتكفّل بهذا الأمر هو “علم الأخلاق” [2] [3].
18