بين النبي والرسول
أولو العزم من الرسل
وظائف الأنبياء:
صفات النبي
الأدلة على عصمة الأنبياء والرسل
الطريق لمعرفة النبي أو الرسول
تعريف النبوة والنبي:
النبوة في اللغة: مأخوذة من النبأ، وهو خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب([1]).
والنبوة شرعاً: سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده لإزاحة علتهم في أمر معادهم ومعاشهم([2]).
أمّا النبي شرعاً هو الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر([3]).
بين النبي والرسول([4]):
إن النبي والرسول كلاهما مرسلان إلى الناس غير أن النبي بعث لينبىء الناس بما عنده من نبأ الغيب لكونه خبيراً بما عند الله والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة على أصل نبأ النبوة كما يشعر به أمثال قوله تعالى: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً). الإسراء / 15
وعلى هذا فالنبي هو الذي يبين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه على ما إقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على إتمام حجة يستتبع مخالفته هلاكاً أو عذاباً، قال تعالى: (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل). النساء / 165
أولو العزم من الرسل([5]):
إن العزم إمّا بمعنى القصد الجازم أو الصبر أو الثبات ويؤيده ما رواه القمي في تفسير الآية: (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلاّ ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلاّ القوم الفاسقون). الأحقاف / 35
حيث قال: وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم (عليهم السلام) ومحمد (صلى الله عليه وآله)، ومعنى أولو العزم أنهم سبقوا الأنبياء إلى الإقرار بالله وأقروا بكل نبي قبلهم وبعدهم وعزموا على الصبر مع التكذيب والأذى، وهذا أقرب الأقوال، ويؤيده أن الآية بسبب تحريض النبي محمد (صلى الله عليه وآله) على تحمل المشاق في طريق دعوته ورسالته.
وظائف الأنبياء:
الأنبياء والرسل قادة أقوياء متعلمين من الله ومرسلين من جانبه لقيادة الناس وهدايتهم لما خلقهم الله تعالى من أجله لذا كانت عليهم مهام أو وظائف كبيرة نذكر منها:
1 ـ الدعوة إلى الله تعالى: قال تعالى: (قال موسى يا فرعون إنّي رسول رب العالمين). آل عمران / 58
ويقول الإمام علي (عليه السلام): فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسي نعمته ويحتجوا عليهم بالتبليغ([6]).
2 ـ تربية الناس وتعليهم: قال تعالى: (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين). الجمعة / 2
والمراد بالتربية هو تطهير النفوس من الرذائل وتحليتها بالفضائل، والمراد بالتعليم هو تعريفهم الأحكام الإلهية من الواجبات والمحرمات والمستحبات والمكروهات.
3 ـ الرد على الشبهات: والتهم الموجهة لهم ولرسالتهم ولأتباعهم وذلك بإتباع أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة كما ورد في بعض الحوارات القرآنية: (ألم ترَ إلى الذي حاجَّ إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربّي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فإت بها من المغرب فبهت الذي كفر). البقرة / 258
4 ـ تخليص الناس من عبودية الطاغوت: قال تعالى مخاطباً النبي موسى (عليه السلام): (إذهب إلى فرعون إنه طغى). طه / 24
وذلك بالتوسل بمختلف الأساليب أولها النصح والإرشاد وإلقاء الحجة وآخرها الثورة المسلحة لتقويض وجود الطاغوت.
5 ـ إقامة حكومة العدل الإلهي: قال تعالى: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق). ص / 26
6 ـ مبشرين ومنذرين: إنهم يبشرون الناس بسعادة الدنيا والآخرة في حالة إلتزامهم بالأحكام الإلهية كما يحذرونهم من الآثار المدمرة لحياتهم الدنيا ومستقبلهم الأخروي في حالة تمردهم على الأحكام الإلهية وتحكيمهم لغير ما أنزل الله تعالى، قال تعالى: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً). الأحزاب / 45
صفات النبي([7]):
لما كان النبي أو الرسول ممثلاً عن الله تعالى أمام خلقه وهادياً لهم، لذا كان من الضروري أن يكون الأكمل والأفضل في كل الصفات، والتي تشمل:
1 ـ طهارة المولد: من حيث عدم دناءة الآباء وعهر الأمهات.
2 ـ الخلو من العيوب الجسمية المنفرة: كالبرص والجذام وما شابه ذلك.
3 ـ سلامة العقل: وكماله وقوة الذكاء والفطنة.
4 ـ الخلق العظيم: كالشجاعة والكرم والعفة والإيثار والغيرة وغيرهما.
5 ـ العلم: بأن يكون أعلم الناس فيما يحتاجون إليه في مختلف مجالات حياتهم.
ويستدل على ضرورة توفر تلكم الصفات في شخص النبي والرسول:
أ ـ العقل والوجدان: لأن العقل يستقبح تقديم الناقص على الكامل، والنفوس لا تميل لمن كانت فيه بعض المنفرات.
ب ـ النصوص الشرعية: قال تعالى: (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف تحكمون). يونس / 34، وقوله مخاطباً النبي محمداً (صلى الله عليه وآله): (ولو كنت فظاً غليظ القلب لإنفضوا من حولك). آل عمران / 159، وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام) في وصف الأنبياء: إستودعهم في أفضل مستودع وأقرهم في خير مستقر تناسلتهم كرائم الأصلاب إلى مطهرات الأرحام([8]).
6 ـ العصمة:
والحديث عنها من خلال([9]):
تعريف العصمة: العصمة هي التنزه والإبتعاد عن المعاصي صغيرها وكبيرها، وعن الخطأ والنسيان وعن كل ما ينافى الإستقامة سواء أكان على مستوى الفكر أم العاطفة أم السلوك مع الوعي والإختيار.
هل العصمة موهبة إلهية أم أمر إكتسابي؟
إن الله سبحانه وقف على ضمائر الأنبياء ونياتهم ومستقبل أمرهم ومصير حالهم وعلم أنهم ذوات مقدسة لو أفيضت إليهم تلك الموهبة لإستعانوا بها في طريق الطاعة وترك المعصية بحرية وإختيار، وبهذا فالعصمة لها طرفان:
الأول: إرادة العبد في سعيه والتزامه.
الثاني: إرادة الله بتسديده ورعايته، قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). العنكبوت / 69
هل العصمة تسلب الإختيار؟
إن النبي المعصوم قادر على إقتراف المعاصي وإرتكاب الخطايا، حسب ما أُعطي من القدرة والحرية غير أنه لأجل حصوله على الدرجة العليا من المعرفة والتقوى يتجنب عن إقترافها وإكتسابها ولا يكون فاعلاً لها مع قدرته وإقتداره عليها.
الحاجة إلى العصمة:
إن الغاية المتوخاة من بعثة الأنبياء هي هداية الناس إلى الكمال والسعادة، ولا تحصل هذه الغاية إلاّ بكسب إعتمادهم وثقتهم المطلقة بصحة ما يقوله الأنبياء ويحكونه عن الله تعالى، وإلاّ بإستقامة سلوكهم، ولو شاهد الناس أن نبيهم يفعل المنكرات أو يسهو في تطبيق الشريعة التي أمرهم بها أو يغلط في أموره الفردية والإجتماعية فلا شك أن ثقتهم وإعتمادهم عليه سوف يتزلزل وسوف تنفقد هذه الثقة وبالتالي تنتفي الغاية المطلوبة من بعثة النبي.
الأدلة على عصمة الأنبياء والرسل:
أ ـ الدليل العقلي: إنه لو جاز أن يفعل النبي أو الرسول المعصية أو يخطأ وينسى وصدر منه شيء من هذا القبيل، فأمّا أن يجب اتباعه في فعله الصادر منه عصياناً أو خطأ أو لا يجب، فإن وجب إتباعه فقد جوزنا فعل المعاصي برخصة من الله تعالى بل أوجبنا ذلك، وهذا باطل بضرورة الدين والعقل، وإن لم يجب إتباعه فذلك ينافي النبوة التي لابد أن تقترن بوجوب الطاعة أبداً، على أن كل شيء يقع منه من فعل أو قول فنحن نحتمل فيه المعصية أو الخطأ فلا يجب إتباعه في شيء من الأشياء فتذهب فائدة البعثة، بل يصبح النبي كسائر الناس ليس لكلامهم ولا لعملهم تلك القيمة العالية التي يعتمد عليها دائماً، كما لا تبقى طاعة حتمية لأوامره ولا ثقة مطلقة بأقواله وأفعاله.
ب ـ النصوص الشرعية:
1 ـ قال تعالى: (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله). النساء / 80، وقوله تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلاّ ليطاع بإذن الله). النساء / 63، وقوله: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا). الحشر / 7
فالحكم بإتباع النبي أو الرسول على وجة الإطلاق، يكشف عن أن دعواته وأوامره قولاً وفعلاً حليفة الواقع، وقرينه الحقيقة ولا تختلف عنه قدر شعرة.
2 ـ قوله تعالى حكاية عن الشيطان: (فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين). ص / 83
إن الغي تارة يستعمل في خلاف الرشد وأخرى في فساد الشيء، وعلى ذلك فسواء فسرت الآية بالمعنى الأول كما هو أقرب أو بالمعنى الثاني فالعباد المخلصون منزهون عن أن تغشاهم الغبرة والظلمة في حياتهم أو أن يرتكبوا أمراً فاسداً، ونفي كلا الأمرين يستلزم العصمة.
وأمّا عصمة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) فبالإضافة إلى الأدلة العامة فهناك العديد من النصوص على عصمته منها: قوله تعالى: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى). النجم / 3، ومنها قوله تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً). الأحزاب / 33
ويقول الإمام علي (عليه السلام) في الخطبة القاصعة: ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره([10]).
توجيه ما ينافي العصمة([11]):
كيف نوفق بين القول بعصمة الأنبياء والرسل وبين النصوص التي تنسب إليهم ما ينافي العصمة؟
هناك جملة من النصوص نخص بالذكر منها ما ورد في القرآن ظاهرها نسبة المعصية أو الذنب أو الظلم أو الخطأ أو النسيان أو التوبة لبعض الأنبياء والرسل، وإذا صح مضمون هذه النصوص فإنه يتنافى مع العصمة التي نذهب إليها؟
والحقيقة لدى التدبر في هذه النصوص والوقوف عند معانيها البعيدة نجد أنها تنفي المعاني الظاهرية التي تتنافى مع العصمة، وفيما يأتي عرض لجملة من هذه النصوص:
1 ـ قوله تعالى في آدم (عليه السلام): (وعصى آدم ربه فغوى). طه / 121
إن المراد من المعصية هنا في ترك آدم (عليه السلام) للأمر الإرشادي وهو المعبر عنه بترك الأولى والأفضل، كما أن المراد بالغواية هي خسران آدم (عليه السلام)وحرمانه من العيش الرغيد الذي كان مجرداً عن الظمأ والعرى بل من المنغصات والمشقات، فإن العيش في الجنّة لا يقاس بالعيش في عالم المادة الذي هو دار الفساد والإنحلال.
2 ـ وقوله تعالى: (قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكوننن من الخاسرين). الأعراف / 23
إن الظلم ليس إلاّ بمعنى وضع الشيء في غير موضعه، فهو لا يلزم أن يكون كل ظلم ذنباً بل يشمل غيره فمن لم يسمع قول الناصح المشفق وعمل لخلاف قوله قد وضع عمله في غير موضعه، والظلم هنا من هذا الباب أي هو مخالفة للأمر الإرشادي، والمغفرة بمعنى ستر العيب والرحمة أي بإخراجه من الخسران الذي عرض له.
3 ـ وقوله تعالى: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم). البقرة / 37
إن التوبة بمعنى الرجوع، فيكون معنى الآية أن الله رجع على آدم بالرحمة فلا دلالة على وقوع الذنب وصدوره من آدم (عليه السلام)، وقد قلنا بأن الذنب أو المعصية التي صدرت من آدم (عليه السلام) لم تكن مخالفة للأمر المولوي وإنما هي ترك للأمر الإرشادي.
4 ـ وقوله في نوح (عليه السلام): (ونادى نوح ربه فقال إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين * قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين). هود / 45 ـ 46
فإن ظاهر قوله تعالى: (إنه ليس من أهلك) تكذيب لقول نوح (عليه السلام): (إن ابني من أهلي) وهو خلاف العصمة، وقوله: (فلا تسألني ما ليس لك به علم إنّي أعظك أن تكون من الجاهلين) فإن ظاهره صدور سؤال منه غير لائق بساحة الأنبياء.
والجواب هو أنه لما وعد الله نوحاً (عليه السلام) بنجاة الأهل بقوله: (إلاّ من سبق عليه القول)، ولم يكن نوح (عليه السلام) مطلعاً على باطن إبنه بل كان معتقداً بظاهر الحال أنه مؤمن، بقى متمسكاً بصيغة العموم الإلهية ولم يعارضه يقين ولا شك بالنسبة إلى إيمان إبنه فلذلك نادى ربه.
وأمّا قوله: (فلا تسألني ما ليس لك به علم) بتفريع النهي على ما تقدم مخبراً نوحاً (عليه السلام) بأن إبنك ليس من أهلك لكونه عملاً غير صالح فلا سبيل لك إلى العلم به فإياك أن تبادر إلى سؤال تجاهه لأنه سؤال ما ليس لك به علم، والنهي عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقق السؤال منه، والنهي عن الشىء لا يستلزم الإرتكاب قبلاً وإنما يتوقف على أن يكون الفعل إختيارياً ومورداً لإبتلاء المكلف فإن من العصمة والتسديد أن يراقبهم الله سبحانه في أعمالهم وكلما إقتربوا مما من شأنه أن يزل فيه الإنسان نبههم الله لوجه الصواب ودعاهم إلى السداد وإلتزام طريق العبودية.
5 ـ قوله تعالى في إبراهيم (عليه السلام): (فنظر نظرة إلى النجوم فقال إنّي سقيم). الصافات / 37 ـ 38
حيث إستدل بقوله: (إنّي سقيم) بأنه لم يكن سقيماً وإنما ذكر عذراً لترك مصاحبتهم في الخروج عند البلد، أضف إلى ذلك قوله: (فنظر في النجوم)يشبه ما يفعله المنجمون حيث يستكشفون من الأوضاع الفلكية الأحداث الأرضية.
والجواب أمّا قوله: (فنظر نظرة في النجوم) فإنه يريد يوهم قومه أنه يبحث عن رب العالمين، وأمّا قوله: (فقال إنّي سقيم) إنه في شك وحيرة من أجل قومه وهدايتهم.
6 ـ قوله تعالى في يوسف (عليه السلام): (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه). يوسف / 24
في البداية ينبغي أن نتذكر معاني بعض كلمات الآية، منها الهم ومعناه: العزم والإرادة، ومنها برهان ربه: وهو العلم المكشوف واليقين بنتائج المآثم وعواقب المخالفة علماً لا يغلب وإنكشافاً لا يقهر.
واللام في قوله: (ولقد همت به) للقَسم والمعنى: والله لقد همت إمرأة العزيز به ووالله لولا أن رأى يوسف برهان ربه لهمّ بها، ولكنه لأجل رؤية البرهان وإعتصامه صرف عنه سبحانه السوء والفحشاء فإذا به (عليه السلام) لم يهم بشيء ولم يفعل شيئاً لأجل تلك الرؤية.
7 ـ وقوله في أيوب (عليه السلام): (واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أنّي مسني الشيطان بنصب وعذاب). ص / 41
فقد تصور البعض أن مس الشيطان يستلزم صدور الذنب، كما ظنوا أن العذاب عبارة عن العقوبة الإلهية.
وقد جاء في شرح هذه الآية المباركة أن المراد من مس الشيطان بالنصب والعذاب، هو وسوسة الشيطان إلى الناس عندما إشتد مرض أيوب (عليه السلام) حيث حثهم على أن يجتنبوه ويهجروه فكان التعيير من الناس والتكلم منهم بوسوسة من الشيطان، ونفس هذا التعيير كان نصباً وعذاباً على أيوب (عليه السلام)، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): إن أيوب (عليه السلام) مع جميع ما إبتلى به لم تنتن له رائحة ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح ولا إستقذره أحد رآه ولا إستوحش منه أحد شاهده ولا تدود شيء من جسده.
8 ـ قوله تعالى في يونس (عليه السلام): (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلاّ أنتَ سبحانك إنّي كنت من الظالمين * فإستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين). الأنبياء / 87 ـ 88
فقد زعم البعض نفي العصمة عن النبي يونس (عليه السلام) بدعوى أنه خرج مغاضباً لربه من حيث أنه لم ينزل العذاب وأن النبي كان من الظالمين ويرد عليهم بأن النبي كان غضبه على قومه لمقامهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من توبتهم فخرج من بينهم، وقد كانت مفارقته قومه بلا إذن منه سبحانه تمثل حالة من يظن أن لا يضيق مولاه عليه، إبتلاه الله بالحوت الذي لقمه، وقد أدرك النبي أنه ترك ما هو الأولى فعلاً، فندم على عمله، وليس الظلم إلاّ وضع الشيء في غير محله، إذ كان الأليق بالنبي أن يصبر على قومه وأن لا يتعجل بعذابهم.
9 ـ قوله تعالى مخاطباً النبي محمداً (صلى الله عليه وآله)(إنا فتحنا لك فتحاً * مبيناً ليغفر
الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطاً مستقيماً * وينصرك الله نصراً عزيزاً). الفتح / 1 ـ 3
فقد ذهب البعض إلى نفي العصمة عن النبي محمد (صلى الله عليه وآله) بهذه الآية التي تنسب الذنب إلى النبي (صلى الله عليه وآله) متوهماً بأن المراد بالذنب هو إرتكاب ما نهى عنه الله تعالى، ولكن للذنب إستعمالات أخرى تجمعها المخالفة، فقد تكون هذه المخالفة لواجب شرعي أو مستحب شرعي أو مخالفة لعرف إجتماعي، ويبدو أن مخالفة النبي (صلى الله عليه وآله) هنا لم تكن لأمر شرعي وإنما هي مخالفة لما كانت عليه قريش من عبادة الأصنام، وهذا ما ورد في جواب الإمام الرضا (عليه السلام) عن مفاد هذه الآية عندما سأله المأمون حيث أجابه: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكة أعظم ذنباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمائة وستين صنماً، فلما جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، قال تعالى: (وقالوا أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب). ص / 5.
فلما فتح الله تعالى على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) مكة قال له: (إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر)، عند مشركي أهل مكة، بدعائك إلى توحيد الله عزوجل فيما تقدم وما تأخر، لأن مشركي مكة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة، ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.
10 ـ ما ورد في النصوص الشرعية وخاصة الأدعية على لسان النبي (صلى الله عليه وآله)والأئمة (عليهم السلام) من ألفاظ تعبر عن الذنب والمعصية أو طلب العفو والتوبة فإنها تحمل أماّ أنها من باب التعليم للناس: إياك أعني وإسمعي يا جارة، وأمّا على قاعدة: حسنات الأبرار سيئات المقربين، وتوضيحها: أن الأنبياء والأئمة تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى وقلوبهم مملوءة وخواطرهم متعلقة بالمبدأ، فهم أبداً متوجهون إليه ومقبلون بكلهم عليه، فمتى إنحطوا عن تلك المرتبة العالية والمزلة الرفيعة إلى الإشتغال بالأكل والشرب وغيرهما من المباحات عدوه ذنباً وإعتقدوه خطيئة وإستغفروا منه.
الطريق لمعرفة النبي أو الرسول([12]):
هناك عدّة طرق للإستدلال على نبوة النبي أو رسالة الرسول، وهي:
1 ـ إتيانه بالمعجزة.
2 ـ نص النبي أو الرسول المتقدم على نبوته أو رسالته كما حصل بالنسبة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله) بشهادة القرآن وعلى لسان النبي عيسى (عليه السلام): (ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد). الصف / 6
3 ـ السيرة المميزة لهم عن سائر الناس، كالصدق والأمانة والإجتناب عن الخبائث.
ولنتحدث عن المعجزة من حيث:
أ ـ تعريف المعجزة: هي عبارة عن الأمر الخارق للعادة، يأتي بها مدعي النبوة بإرادة الله تعالى، وتكون دليلاً على صدق دعواه.
ب ـ الحاجة إلى المعجزة: كونها ضرورة للدلالة على صدق النبوة، وبالمعجزة يقطع دابر المتنبئين إذ أن الناس تطالبهم بمجرد إدعائهم النبوة فيسقط في أيديهم ويظهر زيف إدعائهم وكذب مزاعمهم.
ج ـ أنواع المعجزة: للمعجزة نوعان:
الأول: المعجزة الوقتية: وهي المختصة بمن شاهدها كناقة صالح (عليه السلام)وعصا موسى (عليه السلام) ومائدة عيسى (عليه السلام).
الثاني: المعجزة الخالدة الدائمة: وهي المستمرة الوجود ما دامت السماوات والأرض كالقرآن الكريم.
د ـ طبيعة المعجزة: وهي أن تناسب ما يشتهر في عصر النبي من العلوم والفنون ولأجل هذا وجدنا أن معجزة موسى (عليه السلام) هي العصا التي تلقف السحر إذ كان السحر في عصره فناً شائعاً، فلما جاءت العصا بطل ما كانوا يعملون وعلموا أنها فوق مقدورهم وأعلى من فنهم وإنها مما يعجز من مثلها البشر ويتضاءل عندها الفن والعلم، وكذلك معجزة عيسى (عليه السلام) وهي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى إذ جاءت في وقت كان فن الطب هو السائد بين الناس وفيه علماء وأطباء لهم المكانة العليا فعجزوا عن مجاراة ما جاء به عيسى (عليه السلام).
ومعجزة نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) الخالدة هي القرآن الكريم المعجز ببلاغته في وقت كان فن البلاغة معروفاً وكلن البلغاء هم المتقدمين عند الناس بحسن بيانهم وسمو فصاحتهم، فجاء القرآن كالصاعقة اذهلهم وادهشهم وافهمهم انهم لا قبل لهم به، ولا يزال القرآن معجزة تتحدى كل الناس وفي جوانب متعددة من الإعجاز.
—————————————————————–
([1]) الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن: 500.
([2]) الراغب الأصفهاني، معجم مفردات ألفاظ القرآن: 501.
([3]) شرح الباب الحادي عشر: 58.
([4]) الطباطبائي، الميزان: 2 / 139 ـ 140.
([5]) سبحاني، معالم النبوة في القرآن: 113.
([6]) صبحي الصالح، نهج البلاغة: 43.
([7]) شرح الباب الحادي عشر: 64 ـ 65.
([8]) نهج البلاغة، الخطبة: 94.
([9]) سبحاني، الإلهيات: 1 / 144 ـ 188.
المظفر، عقائد الأمامية: 75 ـ 76.
([10]) نهج البلاغة، الخطبة: 187.
([11]) سبحاني، مفاهيم النبوة في القرآن: ج 5.
الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن: ج 2.
مغنية، التفسير المبين.
السيد مرتضى: تنزيه الأنبياء.
([12]) سبحاني، الإلهيات: 2 / 62 ـ 109.
المظفر، عقائد الإمامية: 73 ـ 75.
اليزدي، دروس في العقيدة الإسلامية: 2 / 76.
العطار، موجز علوم القرآن: 150 ـ 51.
..