الرئيسية / كتب اسلامية pdf / سبيل الصالحين

سبيل الصالحين

سبيل الصالحين

﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.

قال -تعالى-: ﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾([1]).

في دعاء السحر الشريف للإمام زين العابدين%: «اللهمّ، ألحقني بصالحِ من مضى، واجعلني من صالحِ من بقي، وخُذْ بي سبيلَ الصالحين، وأعنّي على نفسي بما تُعين به الصالحينَ على أنفسِهم»([2]).

«وخُذْ بي سبيلَ الصالحين»؛ أي اذهب بي في سبيلهم وسيّرني فيه. «وأعنّي على نفسي» في دفع هواها وترك مشتهاها، «بما تعين به الصالحين على أنفسهم» من القوّة والقدرة والتوفيق واللطف والنصرة.

في هذا العدد من «سلسلة زاد الواعظ»، نُورِد بعضاً من الصفات التي ينبغي للمؤمن الصالح أن يتحلّى بها والأعمال التي يستعين بها حال السير في سبيل الصالحين، التي منها حفظ المجتمع الإيمانيّ ومواساة الإخوان، وحفظ الأنفس والأعراض وأسرار المؤمنين، والحفاظ على وحدة الصفّ واجتناب الفتن…

سائلين المولى -سبحانه- أن ينتفع به الإخوة، وأن يجعلنا وإيّاهم من أهل الصلاح والتقوى.

 

 

والحمد لله ربّ العالمين

مركز المعارف للتأليف والتحقيق

 

 


([1]) سورة آل عمران، الآية 114.

([2]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، مصباح المتهجّد وسلاح المتعبّد، مؤسّسة فقه الشيعة، لبنان – بيروت، 1411هـ – 1991م، ط1، ص596.

 

5


1

الموعظة الأولى: المجتمع القدوة

الموعظة الأولى
المجتمع القدوة

هدف الموعظة

بيان الرؤية الإسلاميّة للمجتمع القدوة.

 

محاور الموعظة

1. شموليّة الإسلام

2. المجتمع الإسلاميّ قدوة

 

تصدير الموعظة

﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾([1]).

 


([1]) سورة آل عمران، الآية 110.

 

6


2

الموعظة الأولى: المجتمع القدوة

شموليّة الإسلام

لا يقف الدين الإسلاميّ في تشريعاته وتوجيهاته على مسائل العبادة، من صلاةٍ وصومٍ وحجٍّ وغيرها، إنّما يُرشد أيضاً إلى كلّ ما يتعلّق بالنهوض بالحياة الاجتماعيّة، الفرديّة منها والجماعيّة؛ لهذا فإنّنا نجد العديدَ من الواجبات الشرعيّة ترتبط ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بالحياة الاجتماعيّة وسبل تطويرها وتنظيمها. وفي الوقت عينه، يُرشد الإسلام بشكل واضح وجليّ إلى النظافة والنظام وحسن اللياقة والمعاملة، وإلى الانضباط والترتيب، وكلّ ما له دور في إرساء حياة اجتماعيّة هانئة وحضاريّة.

 

المجتمع الإسلاميّ قدوة

ممّا تقدّم، ينبغي على كلّ فرد مسلم أن يعمل طبقاً للإرشادات الإسلاميّة، التي تساعد في الدعوة إلى الإسلام، وانجذاب الناس إليه، وذلك من المسؤوليّات التي تُلقى على عاتق كلّ فرد مسلم، بناءً لقول رسول الله-: «كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته»([1])، وقول الإمام الصادق%: «كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم»([2]).

 

 


([1]) المجلسيّ، العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمّة الأطهار، مؤسّسة الوفاء، لبنان – بيروت، 1403هـ – 1983م، ط2، ج72، ص38.

([2]) الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران – طهران، 1363ش، ط5، ج2، ص78.

 

7


3

الموعظة الأولى: المجتمع القدوة

وممّا أرشد إليه في ذلك:

1. النظام

أولى الدينُ الإسلاميّ اهتماماً كبيراً بتنظيم حياة الناس على جميع الأصعدة؛ لما في ذلك من فوائد جمّة، تُسهِم في بناء مجتمع حضاريّ.

عن أمير المؤمنين% لولديه الحسن والحسين’: «أُوصِيكُمَا وجَمِيعَ وَلَدِي وأَهْلِي ومَنْ بَلَغَه كِتَابِي، بِتَقْوَى الله ونَظْمِ أَمْرِكُمْ»([1]).

 

2. النظافة

من المسائل المهمّة التي ترتبط بالحياة الاجتماعيّة النظافة؛ النظافة الشخصيّة والنظافة العامّة، كنظافة الشوارع والبيوت، عن الرسول الأكرم-: «تنظّفوا بكلّ ما استطعتم؛ فإنّ الله -تعالى- بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلّا كلّ نظيف»([2]).

 

وكان- كلّما أراد الخروجَ إلى المسجد، أو زيارةَ بعض أصحابه، يمشّط شعره ويرتّب ثيابه ويتعطّر، ثمّ يقول-: «إنّ الله يحبُّ من عبده إذا خرج إلى إخوانه أن يتهيّأ لهم ويتجمّل»([3]).

 

نظافة الشوارع والبيوت

من المظاهر السيّئة، التي يعاني منها بعض المجتمعات، مظهر الأوساخ المرميّة على قارعة الطرقات وفي الأماكن العامّة، وهذا في الواقع ممّا يذمّه الإسلام ويدعو إلى مواجهته، خاصّة إذا

 


([1]) الرضيّ، السيّد أبو الحسن محمّد بن الحسن الموسويّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، تحقيق وتصحيح صبحي الصالح، لا.ن، لبنان – بيروت، 1387هـ – 1967م، ط1، ج3، ص421.

([2]) الريشهريّ، الشيخ محمّد، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، لا.م، لا.ت، ط1، ج4، ص3303.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج16، ص250.

 

8

 


4

الموعظة الأولى: المجتمع القدوة

أدّى إلى أذى الآخرين، كما عن الرسول الأكرم-: «إنّ على كلِّ مسلم في كلِّ يوم صدقةً»، قيل: من يطيق ذلك؟! قال-: «إماطتك الأذى عن الطريق صدقة»([1]).

 

وعن الإمام الباقر%: «كنس البيوت ينفي الفقر»([2]).

 

3. المعاملة الحسنة

أ. بِشر الوجه

عن الرسول الأكرم-: «إنّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، فالقَوهم بطلاقة الوجه وحُسن البشر»([3]).

 

ب. الوفاء بالعهد والوعد

عن الرسول الأكرم-: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيفِ إذا وعد»([4]).

 

ويجب الوفاء بالعهد حتّى مع العدوّ، كما عن أمير المؤمنين% في عهده لمالك الأشتر، بقوله: «وإِنْ عَقَدْتَ بَيْنَكَ وبَيْنَ عَدُوِّكَ عُقْدَةً أَوْ أَلْبَسْتَه مِنْكَ ذِمَّةً، فَحُطْ عَهْدَكَ بِالْوَفَاءِ وارْعَ ذِمَّتَكَ بِالأَمَانَةِ»([5]).

 

ج. أدب التجارة

كما في خطاب أمير المؤمنين%: «يا معشرَ التجّار […] قدّموا الاستخارة، وتبرّكوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعين، وتزيّنوا بالحلم، وتناهَوا عن اليمين، وجانِبوا الكذب،

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص50.

([2]) الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت(، إيران – قم، 1414هـ، ط2، ج5، ص317.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص103.

([4]) المصدر نفسه، ج2، ص364.

([5]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص442.

 

9


5

الموعظة الأولى: المجتمع القدوة

وتجافَوا عن الظلم، وأنصِفوا المظلومين، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الكيلَ والميزان، ولا تبخسوا الناس أشياءَهم، ولا تعثَوا في الأرض مفسِدين»([1]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص151.

 

10


6

الموعظة الثانية: مواساة الآخرين

الموعظة الثانية
مواساة الآخرين

 

هدف الموعظة

حثّ المؤمنين على الاقتداء برسول الله- ومواساة الآخرين.

 

محاور الموعظة

1. مواساة الرسول الأكرم- للآخرين

2. الرسول- قدوة

3. مواساة المؤمنين

4. رغد العيش غير مذموم

 

تصدير الموعظة

أمير المؤمنين%: «نظام الدّين خصلتان: إنصافك من نفسك، ومواساة إخوانك»([1]).

 


([1]) الليثيّ الواسطيّ، الشيخ كافي الدين أبو الحسن عليّ بن محمّد، عيون الحكم والمواعظ، تحقيق الشيخ حسين الحسينيّ البيرجنديّ، دار الحديث، إيران – قم، 1418هـ، ط1، ص498.

 

11


7

الموعظة الثانية: مواساة الآخرين

مواساة الرسول الأكرم- للآخرين

لو أردنا أن نتّخذ نموذجاً مثاليّاً في كيفيّة مواساة الناس في فقرهم وحاجتهم، فإنّنا لن نجد أفضل من الرسول الأكرم-، فقد كان في حياته كلّها مواسياً للضعفاء والمساكين، سواء أكان في مأكله أم في ملبسه أم في مشربه.

وإنّ هذا الأمر، يصبح أكثر ضرورة، فيما لو وقع المجتمع في حال من الضيق الاقتصاديّ، وانتشر بين أبنائه الفقر والعوز أكثر فأكثر، فيُطلب من المرء إزاء ذلك أن يكون شديد الحرص في مواساة النّاس.

 

الرسول- قدوة

قال الله -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾([1]).

طبقاً لهذه الآية المباركة، ينبغي على جميع المؤمنين أن يتّخذوا الرسول الأكرم- قدوة لهم، فيعمدون إلى ما كان يقوم به من سلوك وفعل، ويلتزمون ما كان يصدر عنه من قول، وقد كان في ذلك كلّه مراعياً هذا الأدب الإنسانيّ، ألا وهو مواساة الآخرين، فلننظر إلى شيء ممّا كان عليه- لنستشعر تواضعه ومواساته، مع أنّه كان قادراً على العيش بأفضل حال:

1. مأكله-

عن العيص بن القاسم، قال: قلتُ للصادق جعفر بن محمّد’: حديثٌ يُروى عن أبيك% أنّه قال: ما شبع رسول الله- من خبز برّ قط، أهو صحيح؟ فقال: «لا،

 


([1]) سورة الأحزاب، الآية 21.

 

12


8

الموعظة الثالثة: حفظ الأنفس

ما أكل رسول الله- خبز برّ قطّ، ولا شبع من خبز شعير قطّ»([1]).

 

2. فراشه-

عن أمير المؤمنين%: «كان فراش رسول الله- عباءة، وكانت مرفقته([2]) أُدم([3])، حشوها ليف…»([4]).

 

مواساة المؤمنين

عن أمير المؤمنين% في كتابه إلى عثمان بن حُنيف الأنصاريّ، وهو عامله على البصرة، وقد بلغه أنّه دُعي إلى وليمة قومٍ من أهلها، فمضى إليها: «ولَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ، ولُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ، ونَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ، ولَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، ويَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الأَطْعِمَةِ، ولَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَه فِي الْقُرْصِ، ولَا عَهْدَ لَه بِالشِّبَعِ، أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وأَكْبَادٌ حَرَّى…»([5]).

وعن الوصافيّ، عن الإمام الباقر%، قال (لي): «يا أبا إسماعيل، أرأيتَ في ما قبلكم، إذا كان الرجلُ ليس له رداءٌ، وعند بعضِ إخوانه فضلُ رداءٍ يطرحه عليه حتّى يصيب رداءً؟»، قلتُ: لا، قال: «فإذا كان ليس عنده إزار، يُوصِل إليه بعضُ إخوانه بفضل إزارٍ حتّى يُصيبَ إزاراً؟»، قلتُ: لا،

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة – مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران – قم، 1417هـ، ط1، ص398.

([2]) المرفقة: المخدّة.

([3]) الأدم: جمع الأديم، وهو الجلد المدبوغ.

([4]) الشيخ الصدوق، الأمالي، مصدر سابق، ص552.

([5]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص418.

 

13


9

الموعظة الثانية: مواساة الآخرين

فضرب بيده على فخذه، ثمّ قال: «ما هؤلاء بإخوة»([1]).

 

رغد العيش غير مذموم

في الوقت الذي يدعو فيه ديننا الحنيف إلى مواساة الآخرين، إلّا أنّه لا ينفي أحقّيّة الإنسان في العيش الرغيد، إذا ما كان حال المجتمع مؤاتياً لذلك، وقد قال الله -تعالى-: ﴿وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْك﴾([2]).

عن مسعدة بن صدقة، قال: دخل سفيان الثوريّ على أبي عبد الله%، فرأى عليه ثياب بيض كأنّها غِرْقِئ البيض([3])، فقال له: إنّ هذا اللباسَ ليس من لباسك، فقال له: «اسمع منّي، وعِ ما أقول لك؛ فإنّه خيرٌ لك عاجلاً وآجلاً، إن أنت مِتّ على السنّة والحقّ ولم تمُت على بدعة، أُخبِرُك أنّ رسولَ الله- كان في زمان مُقْفِر جَدْب([4])، فأمّا إذا أقبلت الدنيا فأحقّ أهلها بها أبرارها لا فجّارها، ومؤمنوها لا منافقوها، ومسلموها لا كفّارها، فما أنكَرْتَ يَا ثَوْرِيُّ فَوَاللَّه إِنّني لَمَعَ ما تَرى ما أَتَى علَيَّ مُذ عَقَلْتُ صباحٌ ولا مساءٌ ولله في مالي حَقٌّ أَمَرَنِي أن أَضَعَه مَوضِعاً إلَا وَضَعْتُه…»([5]).

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، مصادقة الإخوان، إشراف السيّد على الخراساني الكاظميّ، مكتبة الإمام صاحب الزمان العامة، لا.م، لا.ت، لا.ط، ص36.

([2]) سورة القصص، الآية 77.

([3]) الغرقئ -كزبرج-: القشرة الملتزمة ببياض البيض أو البياض الذي يؤكل.

([4]) القفر: خلوّ الأرض من الماء. الجدب: انقطاع المطر ويبس الأرض.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص65.

 

14


10

الموعظة الثالثة: حفظ الأنفس

الموعظة الثالثة
حفظ الأنفس

 

 

هدف الموعظة

إظهار أهمّيّة حفظ الأنفس والدماء في الإسلام.

 

محاور الموعظة

1. عصمة الدماء

2. حرمة قتل النفس

3. عقوبة القتل متعمّداً

4. الإعانة على المسلم

 

تصدير الموعظة

﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾([1]).

 


([1]) سورة النساء، الآية 29.

 

15


11

الموعظة الثالثة: حفظ الأنفس

عصمة الدماء

عن الإمام الصادق%: «إنّ رسول الله- وقف بمنى حين قضى مناسكَها في حجّة الوداع، فقال: أيّها الناس، اسمعوا ما أقول لكم واعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم في هذا الموقف بعد عامنا هذا، ثمّ قال: أيّ يوم أعظم حرمة؟ قالوا: هذا اليوم، قال: فأيّ شهر أعظم حرمة؟ قالوا: هذا الشهر، قال: فأيّ بلد أعظم حرمة؟ قالوا: هذا البلد، قال: فإنّ دماءَكم وأموالَكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقَونه، فيسألكم عن أعمالكم، ألا هل بلّغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهمّ اشهد، ألا من كانت عنده أمانة فليؤدِّها إلى من ائتمنه عليها، فإنّه لا يحلّ دم امرئ مسلم ولا ماله إلّا بطيبة نفسه، ولا تظلموا أنفسَكم، ولا ترجعوا بعدي كفّاراً»([1]).

 

حرمة قتل النفس

﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ مطلقة، تشمل الانتحارَ الذي هو قتل الإنسان نفسَه وقتل الإنسان غيرَه من المؤمنين.

 

وربّما أمكن أن يُستفاد من ذيل الآية: ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾، أنّ المراد من قتل النفس المنهيّ عنه ما يشمل إلقاء الإنسان نفسه في مخاطرة القتل والتسبيب إلى هلاك نفسه المؤدّي إلى قتله؛ وذلك أنّ تعليل النهى عن قتل النفس بالرحمة لهذا المعنى أوفق وأنسب كما لا يخفى، ويزيد على هذا معنى الآية عموماً واتّساعاً، وهذه الملاءمة بعينها تؤيّد كون قوله: ﴿إِنَّ اللّهَ كَانَ

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص273.

 

16


12

الموعظة الثالثة: حفظ الأنفس

بِكُمْ رَحِيمًا﴾ تعليلاً لقوله ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ فقط([1]).

وقال -تعالى-: ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾([2]).

وعن الإمام الصادق%: «لا يزال المؤمنُ في فسحة من دينه ما لم يُصِب دماً حراماً»، قال: «ولا يُوفَّق قاتلُ المؤمن متعمّداً للتوبة»([3]).

 

عقوبة القتل متعمّداً

قال -تعالى-: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾([4]).

قرّرت الآية أربع عقوبات أخرويّة لمرتكب القتل العمديّ، مضافاً إلى القصاص الدنيويّ، والعقوبات الأخرويّة، هي:

1. الخلود الأبديّ في نار جهنم، إذ تقول الآية: ﴿وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَ﴾.

2. إحاطة غضب الله وسخطه بالقاتل: ﴿وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ﴾.

3. الحرمان من رحمة الله: ﴿وَلَعَنَه﴾.

4. العذاب العظيم الذي ينتظره يوم القيامة: ﴿وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمً﴾.

والملاحظ هنا أنّ العقابَ الأخرويَّ الذي خصّصه الله للقاتل في حالة العمد، هو أشدّ أنواع العذاب

 


([1]) الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران – قم، 1417هـ، ط5، ج4، ص320.

([2]) سورة الأنعام، الآية 151.

([3]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج29، ص13.

([4]) سورة النساء، الآية 93.

 

17


13

الموعظة الثالثة: حفظ الأنفس

والعقاب، فلم يذكر القرآن عقاباً أشدَّ منه لذنبٍ آخر.

 

الإعانة على المسلم

عن الإمام الباقر%: «من أعان على مسلم بشطر كلمة، كُتِب بين عينيه يوم القيامة: آيسٌ من رحمة الله»([1]).

 


([1]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج72، ص149.

 

18


14

الموعظة الرابعة: الفتنة ووحدة الصفّ

الموعظة الرابعة
الفتنة ووحدة الصفّ

 

هدف الموعظة

التحذير من خطورة الفتنة وبيان أهمّيّة وحدة الصفّ.

 

محاور الموعظة

1. المؤمنون إخوة

2. الحفاظ على الأخوّة

3. لا للفتنة

4. من مسبِّبات الفتن

 

تصدير الموعظة

﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾([1]).

 


([1]) سورة آل عمران، الآية 103.

 

19


15

الموعظة الرابعة: الفتنة ووحدة الصفّ

المؤمنون إخوة

عمل الإسلام على توحيد صفوف المؤمنين، وعدّهم جسداً واحداً وكياناً واحداً، يجمعهم توحيد الله والإيمان به، مزيلاً أنواع التفرقة كلّها التي كانت سائدة وما تزال في العديد من بقاع الأرض والمجتمعات المنتشرة فيها.

ألغى مبدأ التفرقة على أساس العنصريّة، فلا يُفرِّق بين أسود وأبيض، ولا بين فقير وغنيّ، ولا بين صاحب سلطة ومواطن عاديّ، فــ«الناس كأسنان المشط سواء»([1]) كما ورد عن رسول الله-، إنّ ذلك كلّه قد انتفى بالإيمان، والفرق يكمن فقط في إيمان الإنسان وتقواه.

الحفاظ على الأخوّة

لأجل ضمان استمرار المودّة بين المؤمنين، أمر الله -سبحانه- بكلّ ما يؤدّي إلى التآلف والتكاتف بينهم، ونهى عن كلّ ما يعكّر صفو وحدتهم، فإذا ما وقع نزاع وخلاف، فلا بدّ من المبادرة إلى الإصلاح بينهم، كما في قوله -عزّ وجلّ-: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾([2]).

وأمر بالتزاور والتكافل ومشاركة بعضهم بعضاً في الأفراح والأحزان، وغيرها الكثير من المفردات التي توطّد علاقة المؤمنين في ما بينهم.

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق عليّ أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران – قم، 1414هـ، ط2، ج4، ص379.

([2]) سورة الحجرات، الآية 10.

 

20


16

الموعظة الرابعة: الفتنة ووحدة الصفّ

لا للفتنة

في قِبال ذلك، نهى الإسلام عن إيقاع الفتنة بين المؤمنين، ونهى عن كلّ ما يؤدّي إلى ذلك.

عن أمير المؤمنين%: «أَيُّهَا النَّاسُ، شُقُّوا أَمْوَاجَ الْفِتَنِ بِسُفُنِ النَّجَاةِ، وعَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ الْمُنَافَرَةِ، وضَعُوا تِيجَانَ الْمُفَاخَرَةِ، أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اسْتَسْلَمَ فَأَرَاحَ، هَذَا مَاءٌ آجِنٌ ولُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا، ومُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِه»([1]).

 

من مسبِّبات الفتن

من أبرز ما يشكّل خطراً على المحبّة والمودّة بين المؤمنين، ويؤدّي إلى هدم وحدتهم، ما يأتي:

1. الخوض في كلامٍ مسيءٍ للآخرين

قال الله -تعالى-: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾([2]).

وعن الرسول الأكرم-: «رحِم اللَّه امرءاً قال خيراً فغنِم، أو سكت فسلِم»([3]).

 

2. الشائعات

تلك الشائعات التي يروم أصحابُها من خلالها إيقاعَ الفتنة، فهي من أبرز ما يسبّب البغضاء بين المؤمنين، فلا بدّ إزاء ذلك من نبذها وعدم الاهتمام بها، بصرف النظر عن كونها صحيحة أم باطلة.

 


([1]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص52.

([2]) سورة إبراهيم، الآية 24.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج74، ص146.

 

21


17

الموعظة الرابعة: الفتنة ووحدة الصفّ

قال الله – تعالى – مبيّناً خطورة الشائعة: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾([1]).

 

الإعلام المأجور

إنّ لبعض الوسائل الإعلاميّة دوراً كبيراً في تأجيج الفتن؛ لهذا لا بدّ من مجابهتها بالوعي وعدم التسرّع في تلقّف ما تنشره من أخبار ومعلومات مغلوطة.

 

3. سوء الظنّ بالآخرين

قال الله -تعالى-: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾([2]).

 

وعن الإمام الصادق%: «قال أمير المؤمنين% في كلامٍ له: ضع أمر أخيك على أحسنه حتّى يأتيَك ما يغلبك منه، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً، وأنت تجد لها في الخير محملاً»([3]).

 


([1]) سورة النور، الآية 15.

([2]) سورة الحجرات، الآية 12.

([3]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج12، ص302.

 

22


18

الموعظة الخامسة: إذاعة الخبر

الموعظة الخامسة
إذاعة الخبر

 

هدف الموعظة

تعرّف خطورة الشائعات وإذاعة الخبر وأثر ذلك في المجتمع.

 

محاور الموعظة

1. أنواع الشائعات

2. كيفيّة التعاطي مع الشائعات

 

تصدير الموعظة

﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾([1]).

 


([1]) سورة الإسراء، الآية 36.

 

23


19

الموعظة الخامسة: إذاعة الخبر

أنواع الشائعات

إنّ الشائعات من أخطر الرذائل التي ما إن فشت في أمّة من الأمم‏، اضطربت أحوالها‏، وضَعُفت الثقة بين أبنائها‏، وانتشر فيهم سوء الظنّ المبنيّ على الأوهام لا على الحقائق، وقد تتعدّد أنواعها طبقاً للأساليب التي رآها مُطلِقوها مناسبةً لأهدافهم، ومن تلك الشائعات:

1. شائعات الخوف

هدفها إثارة القلق والرعب في نفوس البشر، قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾([1]).

ذكر العلّامة الطباطبائيّ في تفسير هذه الآية أنَّ كلمة (النَّاس) وردت مرّتين فيها، وأنَّ دلالتها في المورد الأوَّل مختلفة عنها في الثاني؛ فالمقصود في موردها الثاني هو العدوّ الذي كان يجمع الجموع، وأمَّا الأوَّل فالنّاس في الآية هم الخاذلون المثبِّطون الذين كانوا يقولون ما يقولون ويبثّون الشائعات، ليخيفوا المؤمنين فيمنعوهم عن الخروج إلى قتال المشركين([2]).

 

2. الشائعات المتعلّقة بالأعراض

هي الأكثر خطورة على المجتمع؛ لأنّها تَمسُّ أعراض المؤمنين، ويؤدّي نشرها إلى الإساءة وهتك الكرامات والانتقاص منها، وقد تتسبّب هذه الشائعات بقتل الأنفس.

 

وقد نهت الشريعة الإسلاميّة عن الخوض في الأعراض، بل نهت عن إشاعة الفاحشة حتّى مع وقوعها، وتوعّدت بالعذاب الأليم لمرتكبي هذا الذنب.

 


([1]) سورة آل عمران، الآية 173.

([2]) العلّامة الطباطبائيّ، الميزان فى تفسير القرآن، مصدر سابق، ج‏4، ص64.

 

24


20

الموعظة الخامسة: إذاعة الخبر

عن محمّد بن الفضيل، عن الإمام موسى بن جعفر% قال: قلتُ له: جُعِلتُ فداك! الرجل من إخواني بلغني عنه الشي‏ء الذي أكرهه، فأسأله عنه، فيُنكِر ذلك، وقد أخبرني عنه قوم ثقات؟ فقال الإمام% لي: «يا محمّد، كذّب سمعَك وبصرَك عن أخيك، وإن شهد عندك خمسون قسّامة، وقال لك قولاً، فصدّقه وكذّبهم، ولا تُذيعَنَّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مروءته، فتكون من الذين قال الله في كتابه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾([1])»([2]).

 

كيفيّة التعاطي مع الشائعات

1. التبيّن

قال -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾([3]).

 

2. كتمان السرّ

عن الإمام الباقر%: «يُحشَر العبدُ يومَ القيامة، وما ندى دماً([4])، فيُدفع إليه شبهُ المحجمة، أو فوق ذلك، فيُقال له: هذا سهمك من دم فلان! فيقول: يا ربِّ، إنّك لتعلم أنّك قبضتني وما سفكتُ دماً! فيقول: بلى، سمعتَ من فلانٍ روايةَ كذا وكذا، فرويتَها عليه، فنُقِلت حتّى صارت إلى فلانٍ الجبّار، فقتلَه عليها، وهذا سهمك من دمه!»([5]).

 


([1]) سورة النور، الآية 19.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج8، ص147.

([3]) سورة الحجرات، الآية 6.

([4]) أي لم يُصِب منه شيئاً، ولم ينله منه شيء، كأنّه نالته نداوة الدم وبلّله.

([5]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص370-371.

 

25


21

الموعظة الخامسة: إذاعة الخبر

وعن الإمام الصادق%: «المجالس بالأمانة، وليس لأحدٍ أن يُحدِّث بحديث يكتمه صاحبُه، إلّا بإذنه، إلّا أن يكون ثقةً أو ذكراً له بخير»([1]).

 

3. اليقظة والحذر

قال -تعالى-: ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ﴾([2]).

 

4. الإهمال وعدم الاعتناء

قال -تعالى-: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾([3]).

 


([1]) المصدر نفسه، ص660.

([2]) سورة المائدة، الآية 92.

([3]) سورة القصص، الآية 55.

 

26


22

الموعظة السادسة: حفظ الأعراض

الموعظة السادسة
حفظ الأعراض

 

هدف الموعظة

بيان ضرورة حفظ الأعراض وحرمة هتكها.

 

محاور الموعظة

1. ما المقصود بالعرض؟

2. حرمة العرض

3. أشكال هتك الأعراض

 

تصدير الموعظة

الرّسول الأكرم-: «لا تتّبعوا عورات المؤمنين؛ فإنّه من تتبّع عورات المؤمنين، تتبّع الله عورتَه، ومن تتبّع الله عورتَه فضحه ولو في جوف بيته»([1]).

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، ثواب الأعمال، تقديم السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران – قم، 1368ش، ط2، ص241.

 

27


23

الموعظة السادسة: حفظ الأعراض

ما المقصود بالعرض؟

العِرض هو موضع المدح والذمّ في الإنسان، من جسدٍ أو نفسٍ أو حسبٍ أو شرف، ويتجلّى في عدد من الأفعال التي يقدم عليها بعض الناس تجاه الآخرين.

 

حرمة العرض

ورد في خطبة رسول الله- في منى في حجّة الوداع: «أيّ يوم أعظم حرمةً؟»، قال الناس: هذا اليوم. قال: «فأيّ شهر؟»، قال الناس: هذا. قال: «وأيّ بلد أعظم حرمة؟»، قال الناس: بلدنا هذا. قال: «فإنّ دماءَكم وأموالَكم وأعراضَكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا إلى يوم تلقَون ربّكم، فيسألكم عن أعمالكم»([1]).

 

وعنه-: «والله، لَلمؤمن أعظم حرمةً منكِ (من الكعبة)؛ لأنّ الله حرّم منك واحدة، ومن المؤمن ثلاثة: ماله، ودمه، وأن يُظنَّ به ظنّ السوء»([2]).

 

وعن الإمام الباقر%: «قال رسول الله-: من كفَّ نفسه عن أعراض الناس، أقال الله نفسه يوم القيامة»([3]).

 

أي من كفّ نفسه عن هتك أعراضهم بالغيبة، والبهتان، والشتم، وكشف عيوبهم، وأمثال ذلك.

 

أشكال هتك الأعراض

تعدّدت أشكال هتك الأعراض في هذا الزمن؛ نتيجة تشعّب وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعيّ، التي

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج7، ص273.

([2]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج64، ص71.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص305.

 

28


24

الموعظة السادسة: حفظ الأعراض

أصبح بعضها منبراً من منابر هتك أعراض الناس وفضح عيوبهم، وتتبّع عوراتهم.

 

وإنّ الدين الإسلاميّ الحنيف، قد أولى اهتماماً عظيماً في حفظ أعراض الناس وعدم التعرّض إليها بالسوء والأذيّة، وذلك حفظاً وضماناً للأمن الاجتماعيّ في المجتمع الإنسانيّ.

 

وفي طريق ذلك، وضع حدوداً للعلاقات الاجتماعيّة بين الناس، تشكّل بمجملها الحدود الأخلاقيّة والشرعيّة التي سنّها هذا الدين الحنيف، منها:

1. قذف المحصنات

المقصود بقذف المحصنات اتّهام امرأة محصنة ورميها بالفاحشة، وقد ذمّ الله- تعالى- مَن ينال من أعراض الناس في ذلك، وأوعده بالعقاب: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾([1]).

وقد ورد في علّة النهي عن قذف المحصنات ما عن محمّد بن سنان أنّ أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا% كتب إليه في ما كتب من جواب مسائله: «حرّم الله -عزّ وجلّ- قذفَ المحصنات؛ لما فيه من فساد الأنساب ونفي الولد وإبطال المواريث وترك التربية وذهاب المعارف، وما فيه من المساوئ والعلل التي تودي إلى فساد الخلق»([2]).

 

2. تتبّع العورات وفضح الآخرين

من الأمور التي نهى عنها الإسلام، تتبّع عورات الآخرين وفضحهم أمام الناس، وقد حذّر الرّسول الأكرم- من يفعل ذلك بأن يفضحه الله -تعالى-

 


([1]) سورة النور، الآية 4.

([2]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، علل الشرائع، تقديم السيّد محمّد صادق بحر العلوم، المكتبة الحيدريّة، العراق – النجف الأشرف، 1385هـ – 1966م، لا.ط، ج2، ص480.

 

29


25

الموعظة السادسة: حفظ الأعراض

بفضحه الآخرين: «لا تتّبعوا عورات المؤمنين؛ فإنّه من تتبّع عورات المؤمنين، تتبّع الله عورتَه، ومن تتبّع الله عورتَه فضحه ولو في جوف بيته»([1]).

 

ونرى بعض وسائل الإعلام تعتمد هذا الأسلوب المشين في فضح الناس وكشف ما ستره الله عنهم، ابتغاء جذب المشاهدين إليها، ونيل بعض حطام الدنيا الزائلة، وهذا ممّا ينبغي على أفراد المجتمع أن يواجهوه، ولا يتفاعلوا معه.

 

3. البذاءة باللسان

من أشكال هتك الأعراض، ما يكون بالشتم وبذاءة اللسان، خاصّة في ما نراه بين المتخاصمين، بل يصل الأمر عند بعض الناس، إلى أن يشتموا ويتعرّضوا لأعراض غيرهم، لمجرّد اختلافٍ بالرأي السياسيّ، وفي الواقع إن دلّ هذا على شيء إنّما يدلّ على انحطاط خُلُق فاعله، حتّى وإن كان الخصم عدوّاً وظالماً، فلا بدّ إزاء ذلك من أن يبقى المرء محافظاً على استقامة لسانه، ولا يتعدّى في ذلك مروءة الإنسان المؤمن الملتزم.

 

عن رسول الله-: «ألا أخبركم بأبعدكم منّي شبهاً؟»، قالوا: بلى يا رسول الله، فقال: «الفاحش المتفحّش البذيء البخيل […]»([2]).

 


([1])الشيخ الصدوق، ثواب الأعمال، مصدر سابق، ص241.

([2]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج15، ص341.

 

30


26

الموعظة السابعة: إخافة المؤمن

الموعظة السابعة

إخافة المؤمن

 

هدف الموعظة

تعرّف حرمة المؤمن في الإسلام والحثّ على حفظها.

 

محاور الموعظة

1. كرامة الإنسان وحرمته

2. تحريم أذيّته وإخافته

3. إطلاق النار ابتهاجاً

 

تصدير الموعظة

الرسول الأكرم-: «ألا أنبِّئكم لِمَ سُمّي المؤمن مؤمناً؟ لائتمان الناس إيّاه على أنفسهم وأموالهم»([1]).

 


([1]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، صفات الشيعة، انتشارات عابدي، إيران – تهران، لا.ت، لا.ط، ص31.

 

31


27

الموعظة السابعة: إخافة المؤمن

كرامة الإنسان وحرمته

قال -تعالى-: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ﴾([1]).

 تشير هذه الآية وغيرها من الآيات المباركة، إلى عظم المكانة التي يتحلّى بها الإنسان عند الله، وهو الذي جعل قتل إنسان بغير حقّ كمن يقتل الناس جميعهم، ومن يحيي إنساناً كمن أحياهم جميعهم، ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً﴾([2]).

وإنّ حرمة الإنسان هذه تعلو وتعظم كلّما علا الإنسان في تكامله، فإذا وصل إلى مرحلة الإيمان تصل درجة حرمته إلى الحدّ الذي عبّر عنه رسول الله- حينما نظر إلى الكعبة، وقال: «مرحباً بالبيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك على الله! والله، لَلمؤمن أعظم حرمةً منك»([3]).

 

تحريم أذيّته وإخافته

لأجل حفظ الإنسان، حرّم الله -تعالى- كلّ ما يؤدّي إلى أذيّته، من إخافةٍ وترويعٍ وإهانةٍ وتعدٍّ عليه وعلى أهله وماله، وفي ذلك نجد العديد من الأحاديث الواردة عن المعصومين(، التي تبيّن بشكل واضح لا لبس فيه، أنّ على المرء أن يكون حذراً لا يتعدّى حدودَ الله -تعالى- في علاقته مع الآخرين، ليكون مصداقاً لوصف أمير المؤمنين% للمؤمنين: «قُلُوبُهُمْ مَحْزُونَةٌ وشُرُورُهُمْ مَأْمُونَةٌ»([4]).

 


([1]) سورة الإسراء، الآية 70.

([2]) سورة المائدة، الآية 106.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج64، ص71.

([4]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص303.

 

32


28

الموعظة السابعة: إخافة المؤمن

ومن الأحاديث الواردة في النهي عن إخافة المؤمن وترويعه:

عن الإمام الصادق%: «قال رسول الله-: من نظر إلى مؤمن نظرةً ليخيفَه بها، أخافه الله -عزّ وجلّ- يوم لا ظلّ إلّا ظلّه»([1]).

 

وعنه% أيضاً: «من روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه، فلم يصبه، فهو في النار، ومن روّع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه، فأصابه، فهو مع فرعون وآل فرعون في النار»([2]).

 

وعن أمير المؤمنين%: «لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلماً»([3]).

 

ومن مصاديق إخافة المؤمن أن يوجّه المرءُ سلاحَه إلى الآخر، وإنْ من باب المزاح والملاطفة، إلّا أنّ ذلك منهيٌّ عنه؛ لما له من أثار سلبيّة، وعن رسول الله-: «من أشار على أخيه المسلم بسلاحه، لعنته الملائكة حتى ينحّيَه»([4]).

 

إطلاق النار ابتهاجاً

ممّا يندرج ضمن النهي الوارد في هذه الأحاديث ما نشاهده في بعض مجتمعاتنا من إطلاقٍ للنار في الهواء في مناسبات الحزن والفرح؛ ما يؤدّي إلى ترويع الناس وإخافتهم، فضلاً عن الأذيّة التي يتعرّضون لها، حتّى يصل الأمر في بعض الأحيان إلى القتل، فلا بدّ إزاء ذلك من أن نجهد في سبيل

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص368.

([2]) المصدر نفسه، ص368.

([3]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، عيون أخبار الرضا%، تصحيح الشيخ حسين الأعلميّ، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان – بيروت، 1404هـ – 1984م، لا.ط، ج2، ص76.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج76، ص202.

 

33


29

الموعظة السابعة: إخافة المؤمن

مواجهة هذه الظاهرة السيّئة والقبيحة، والتي تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف.

 

34

 


30

الموعظة الثامنة: التنمّر

الموعظة الثامنة
التنمّر

 

هدف الموعظة

بيان مفهوم التنمّر في المفردات الإسلاميّة.

 

محاور الموعظة

1. ما هو التنمّر؟

2. التنمّر في المفردات الإسلاميّة

 

تصدير الموعظة

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾([1]).

 


([1]) سورة الحجرات، الآية 11.

 

35


31

الموعظة الثامنة: التنمّر

ما هو التنمّر؟

درج مؤخّراً مصطلحٌ اجتماعيٌّ جديد، يُعرف بالتنمّر، ويُقصَد به «إيقاع الأذى على فرد أو أكثر، بدنيّاً أو نفسيّاً أو عاطفيّاً أو لفظيّاً، ويتضمّن كذلك التهديد بالأذى البدنيّ أو الجسميّ بالسلاح والابتزاز»([1]).

 

ومكمن سوء التنمّر، هو أنّه «يكون بين فردين لا يملكان القدرات البدنيّة أو العقليّة نفسها، فلا يُتوقّع من الضحيّة أن تردّ الأذى المُلحَق بها، أمّا الصراع فقد يكون الطرفان يمتلكان نفس القدرات البدنيّة أو العقليّة»([2]).

 

التنمّر في المفردات الإسلاميّة

لو أردنا استبيان مفهوم مصطلح التنمّر بما يتضمنّه من مفردات، لوجدناه جليّاً وواضحاً، سواء أكان في الآيات القرآنيّة، أم في الروايات الواردة عن المعصومين(، وتشكّل بمجملها المبادئَ الأخلاقيّةَ التي ينبغي أن تحكم العلاقاتِ بين الناس، منها:

1. النهي عن السخرية

فقد حرّم السخرية من الآخرين، كما في قوله -تعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ﴾([3]).

 

2. النهي عن الأذى

عن الإمام الباقر%: «يا سليمان، أتدري من المسلم؟»، قلتُ: جُعِلتُ فداك! أنت أعلم، قال:

 


([1]) انظر: علي الصبحين – محمّد فرحان القضاة، سلوك التنمّر عند الأطفال والمراهقين، ص8-9.

([2]) انظر: المصدر نفسه، ص9- 12.

([3]) سورة الحجرات، الآية 11.

 

36


32

الموعظة الثامنة: التنمّر

«المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده»، ثمّ قال: «وتدري من المؤمن؟»، قلتُ: أنت أعلم، قال: «[إنّ] المؤمن من ائتمنه المسلمون على أموالهم وأنفسهم، والمسلم حرام على المسلم أن يظلمه أو يخذله أو يدفعه دفعة تُعنِّته»([1]).

 

3. توجيه الاتّهامات الباطلة

عن الإمام الصادق%: «ما من مؤمنَيْن إلّا وبينهما حجاب، فإن قال له: لست لي بوليّ فقد كفر، فإن اتّهمه فقد انماث الإيمان في قلبه، كما ينماث الملح في الماء»([2]).

 

4. المجافاة والعداوة

عن الإمام الصادق%: «إذا قال المؤمن لأخيه: أفٍّ، خرج من ولايته، وإذا قال: أنت عدوّي، كفر أحدهما، ولا يقبل الله من مؤمنٍ عملاً وهو يضمِر على المؤمن سوءاً»([3]).

 

5. إهانة المؤمن

عن الإمام الصادق%: «إنّ الله -عزَّ وجلّ- يقول: من أهان لي وليّاً فقد ارصد لمحاربتي، وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي»([4]).

 

6. إذاعة سرّ المؤمن

عن عبد الله بن سنان: قلتُ لأبي عبد الله%: عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ قال: «نعم»، قلت:

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص234.

([2]) الكوفيّ، حسين بن سعيد، المؤمن، تحقيق ونشر مدرسة الإمام المهديّ. بالحوزة العلميّة، إيران – قم، 1404هـ، ط1، ص67.

([3]) البرقيّ، أحمد بن محمّد بن خالد، المحاسن، تصحيح وتعليق السيّد جلال الدين الحسينيّ، دار الكتب الإسلاميّة، إيران – طهران، 1370هـ – 1330 ش، لا.ط، ج1، ص99.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص351

 

37


33

الموعظة الثامنة: التنمّر

أعني سفليه، فقال: «ليس حيث تذهب، إنّما هو إذاعة سرّه»([1]).

 

7. إخافة المؤمن

عن الإمام الصادق%: «قال رسول الله-: من نظر إلى مؤمن نظرة ليخيفه، أخافه الله -عزَّ وجلّ- يوم لا ظلّ إلّا ظلّه»([2]).

 

8. النهي عن تحقير الناس

عن الإمام الصادق%: «من حقّر مؤمناً مسكيناً، لم يزل الله له حاقراً ماقتاً حتّى يرجع عن محقرته إيّاه»([3]).

 

هذه المفردات وغيرها الكثير، توضح نهي الإسلام عن أشكال الأذى كلّها بحقّ الآخر، وبأنّها مدعاة لغضب الله – تعالى – وسخطه.

 


([1]) الحرّ العامليّ، وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج2، ص37.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص368.

([3]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج69، ص52.

 

38


34

الموعظة الثامنة: التنمّر

الموعظة التاسعة
فضل العلماء

 

هدف الموعظة

تعرّف فضل العلماء ومنزلتهم وحقوقهم.

 

محاور الموعظة

1. منزلة العلماء

2. حقوق العلماء

 

تصدير الموعظة

﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾([1]).

 


([1]) سورة المجادلة، الآية 11.

 

39


35

الموعظة التاسعة: فضل العلماء

منزلة العلماء

إنّ للعلماء منزلة رفيعة، أكّدها لنا الرسول الأكرم- وأهل بيته الأطهار(، من خلال أحاديثهم المباركة، نورد بعضاً منها ضمن العناوين الآتية:

1. ورثة الأنبياء(

عن الإمام الصادق%: «وإنّ العلماءَ ورثةُ الأنبياء(، إنّ الأنبياء لم يورِّثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورَّثوا العلمَ، فمن أخذ منه أخذ بحظٍّ وافر»([1]).

 

2. أقرب الناس من درجة النبوّة

عن رسول الله-: «أقربُ الناس من درجة النبوة أهلُ العلم والجهاد؛ أمّا أهل العلم فدلَّوا الناس على ما جاءت به الرّسل، وأمّا أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل»([2]).

 

3. أمناء الله على خلقه

هم أمناء دين الله، وظيفتهم أن يؤدّوه إلى العباد كما هو، قيّمون عليه، يحفظونه من شبهات الملحدين والمشكّكين، ويحرسونه من أن يمسّه الطغاة بتحييد أو استغلال.

 

عن رسول الله-: «العلم وديعة الله في أرضه، والعلماء أمناؤه عليه، فمن عمل بعلمه أدّى أمانته»([3]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص34.

([2]) الفيض الكاشانيّ، المولى محمّد محسن، المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء، صحّحه وعلّق عليه عليّ أكبر الغفاري، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، إيران – قم، لا.ت، ط2، ج1، ص14.

([3]) العلّامة الحلّي، الحسن بن يوسف، إرشاد الأذهان، الشيخ فارس حسون، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرّفة، إيران – قم، 1410هـ، ط1، ج1، ص15.

 

40


36

الموعظة التاسعة: فضل العلماء

4. مداد العلماء يرجح على دماء الشهداء

العلماء الذين يبذرون في القلوب حبّ الإيثار، وسيرة الأبرار، ويرشدون الناس إلى فضل الجهاد في سبيل الله، عن الإمام الصادق%: «إذا كان يوم القيامة، جمع الله -عزّ وجلّ- الناس في صعيد واحد، ووُضِعت الموازين، فتُوزَن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مدادُ العلماء على دماء الشهداء»([1]).

 

5. النظر إلى وجه العالم عبادة

عن أمير المؤمنين%: «قال رسول الله-: النظر إلى وجه العالم عبادة»([2]).

والعالِم هو الذي يخبر عنه الإمام الصادق% قائلاً: «هو العالم الذي إذا نظرت إليه ذكّرك بالآخرة، ومن كان على خلاف ذلك فالنظر إليه فتنة»([3]).

 

6. أفضل من العبّاد

عن الإمام الباقر%: «عالم يُنتَفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»([4]).

 


([1]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص399.

([2]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة – مؤسّسة البعثة، دار الثقافة للطباعة والنشر والتوزيع، إيران – قم، 1414هـ، ط1، ص454.

([3]) الزمخشريّ، محمود، ربيع الأبرار ونصوص الأخبار، تحقيق عبد الأمير مهنّا، مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، لبنان – بيروت، 1412 – 1992م، ط1، ج4، ص71.

([4]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص33.

 

41


37

الموعظة التاسعة: فضل العلماء

حقوق العلماء

1. مجالستهم‏

جاء في وصيّة لقمان الحكيم لابنه: «يا بُنيّ، جالس العلماء وزاحمهم بركبتك؛ فإنّ الله -عزّ وجلّ- يُحيي القلوبَ بنور الحكمة، كما يُحيي الأرضَ بوابل السماء»([1]).

 

2. تكريمهم وإعظامهم

عن الإمام السجّاد%: «وحقّ سائسك بالعلم التعظيم له»([2]).

 

3. عدم هجر مجالسهم

ورد في دعاء أبي حمزة الثماليّ، عن الإمام زين العابدين%: «أو لعلّك فقدتَني من مجالسِ العلماء فخذلتَني»([3]).

 

4. حفظ حرمة مجالسهم

في رسالة الإمام زين العابدين‏%: «وحقّ سائسك بالعلم التعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحُسن الاستماع إليه والإقبال عليه، وأن لا ترفعَ عليه صوتَك، ولا تجيبَ أحداً يسأله عن شيء حتّى يكون هو الذي يجيب، ولا تُحدِّثَ في مجلسه أحداً، ولا تغتابَ عنده أحداً، وأن تدفعَ عنه إذا ذُكِر عندك بسوء، وأن تسترَ عيوبه، وتُظهِر مناقبه…»([4]).

 


([1]) النيسابوريّ، الشيخ محمّد بن الفتّال، روضة الواعظين، تقديم السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، منشورات الشريف الرضي، إيران – قم، لا.ت، لا.ط، ص11.

([2]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص620.

([3]) الشيخ الطوسيّ، مصباح المتهجّد، مصدر سابق، ص588.

([4]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج2، ص620.

 

42


38

الموعظة العاشرة: اتّباع الحقّ

الموعظة العاشرة
اتّباع الحقّ

 

هدف الموعظة

الحثّ على اتّباع الحقّ ومقارعة الباطل.

 

محاور الموعظة

1. أهل الحقّ وأهل الباطل

2. الإعانة على الحقّ

3. التزام الحقّ والعمل به

4. مقارعة الباطل

5. الشبهات

6. أسس اتّباع الحقّ

 

تصدير الموعظة

﴿وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾([1]).

أمير المؤمنين%: «أيّها الناس، لا تستوحشوا في طريق الهدى لقلّة أهله»([2]).

 


([1]) سورة البقرة، الآية 42.

([2]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص319.

 

43


39

الموعظة العاشرة: اتّباع الحقّ

أهل الحقّ وأهل الباطل

إنّ لأهل الحقّ صفات يُعرَفون بها، وكذلك أهل الباطل، فأهل الباطل أهل خطايا، وأهل الحقّ أهل تقوى وورع، فقد رُوي عن الإمام عليّ%: «أَلَا وإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وخُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ، أَلَا وإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا، وأُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ، حَقٌّ وبَاطِلٌ ولِكُلٍّ أَهْلٌ»([1]).

 

الإعانة على الحقّ

ورد الحثّ على الإعانة على الحقّ وردّ الجور، كما عن أمير المؤمنين%: «رَحِمَ اللَّه رَجُلًا رَأَى حَقّاً فَأَعَانَ عَلَيْه أَوْ رَأَى جَوْراً فَرَدَّه، وكَانَ عَوْناً بِالْحَقِّ عَلَى صَاحِبِه»([2]).

 

التزام الحقّ والعمل به

إنّ التزام الحقّ يعني السعي إليه والعمل به وعدم الخوف من العقبات التي تقف في طريقه، عن أمير المؤمنين%: «أَفْضَلُ النّاسِ عِندَ اللّهِ من كانَ العَمَلُ بِالحَقّ‏ِ أَحَبَّ‏ُ إِلَيهِ، وَإنّ نَقَصَهُ وكَرّثَه، مِنَ الباطِلِ، وَإِنْ جَرَّ إِلَيهِ فائِدَةً وَزادَهُ»([3]).

 

مقارعة الباطل

في موازاة العمل بالحقّ، يجب العمل من أجل مكافحة الباطل والقضاء عليه واستئصال جذروه؛ كي يُمهَّدَ السبيل أمام تحقيق الحقّ ويتّسعَ المجال

 


([1]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص58.

([2]) المصدر نفسه، ص322.

([3]) المصدر نفسه، ص182.

 

44


40

الموعظة العاشرة: اتّباع الحقّ

لتحقّق النضج والتكامل، عن أمير المؤمنين‏%: «وَأَيمُ اللّهِ، لأَبقُرَنّ‏َ الباطِلَ حَتّى أُخرِجَ الحَقّ‏َ مِن خاصِرَتِهِ»([1]). وعنه%: «فَإِنّما أَهَلَكَ مَن كانَ قَبلَكُمْ أَنَّهُمْ مَنعُوا النّاسَ الحَقّ‏َ فاشتَرَوهُ، وَأَخَذُوهُم بالباطِلِ فَافْتَدَوهُ»([2]).

 

الشبهات

إنّ من صفات أهل اليقين، أنّ لهم بصيرة، يسلكون من خلالها طريق الحقّ، وتتّضح أمامهم سبله ونهجه، عن أمير المؤمنين%: «وإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ شُبْهَةً لأَنَّهَا تُشْبِه الْحَقَّ؛ فَأَمَّا أَوْلِيَاءُ اللَّه فَضِيَاؤُهُمْ فِيهَا الْيَقِينُ، ودَلِيلُهُمْ سَمْتُ الْهُدَى، وأَمَّا أَعْدَاءُ اللَّه فَدُعَاؤُهُمْ فِيهَا الضَّلَالُ، ودَلِيلُهُمُ الْعَمَى»([3])؛ وعنه%: «قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لأَهْلِ الْبَصَائِرِ، ووَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا»([4]).

 

أسس اتّباع الحقّ

1. الصبر والثبات

عن أمير المؤمنين‏ّ%: «واعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللَّه- أَنَّكُمْ فِي زَمَانٍ، الْقَائِلُ فِيه بِالْحَقِّ قَلِيلٌ، واللِّسَانُ عَنِ الصِّدْقِ كَلِيلٌ، واللَّازِمُ لِلْحَقِّ ذَلِيلٌ»([5]).

 

2. العقل والفكر

عن أمير المؤمنين%: «ولَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وجَسِيمِ النِّعْمَةِ، لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ»([6]).

 


([1]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص150.

([2]) المصدر نفسه، ص466.

([3]) المصدر نفسه، ص81.

([4]) المصدر نفسه، ص156.

([5]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص354.

([6]) المصدر نفسه، ص270.

 

45


41

الموعظة العاشرة: اتّباع الحقّ

ويقول عن دور العقل في تشخيص الحقّ والباطل: «كَفَاكَ مِنْ عَقْلِكَ مَا أَوْضَحَ لَكَ سُبُلَ غَيِّكَ مِنْ رُشْدِكَ»([1]).

 

3. التمسّك بكتاب الله

قال -تعالى-: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾([2]).

وعن أمير المؤمنين%: «وعَلَى كِتَابِ اللَّه تُعْرَضُ الأَمْثَالُ»([3]).

وعنه%: «إِنَّ اللَّه -سُبْحَانَه- أَنْزَلَ كِتَاباً هَادِياً، بَيَّنَ فِيه الْخَيْرَ والشَّرَّ، فَخُذُوا نَهْجَ الْخَيْرِ تَهْتَدُوا»([4]).

 

4. اتّباع أهل البيت(

عن رسول الله-: «إنّي مخلِّفٌ فيكم الثقلين؛ كتابَ الله وعترتي أهلَ بيتي. ألا وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفون فيهما. أيّها الناس، لا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلم منكم»([5]).

 


([1]) المصدر نفسه، ص550.

([2]) سورة فصّلت، الآيتان 41 و42.

([3]) السيّد الرضيّ، نهج البلاغة (خطب الإمام عليّ%)، مصدر سابق، ص103.

([4]) المصدر نفسه، ص242.

([5]) الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا%، مصدر سابق، ج1، ص208.

 

46


42

الموعظة الحادية عشْرة: آثار المعصية

الموعظة الحادية عشْرة
آثار المعصية

 

هدف الموعظة

تعرّف آثار المعصية والإصرار على الذنب.

 

محاور الموعظة

1. آثار المعاصي

2. إيّاك واستصغار الذنب!

3. الإصرار على الذنب

 

تصدير الموعظة

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾([1]).

 

الإمام الصادق%: «أما إنّه ليس من عِرق يُضرَب، ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلّا بذنب؛ وذلك قول الله -عزّ وجلّ- في كتابه: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾([2])»، ثمّ قال%: «وما يعفو الله أكثر ممّا يؤاخِذ به»([3]).

 

آثار المعاصي

ثمّة العديد من الآثار والتبعات التي تنتج عن ارتكاب المعاصي والخطايا، نذكر منها الآتي:

1. قسوة القلب

قال -تعالى-: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾([4]).

 


([1]) سورة الروم، الآية 41.

([2]) سورة الشورى، الآية 30.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص269.

([4]) سورة المطفّفين، الآية 14.

 

47


43

الموعظة الحادية عشْرة: آثار المعصية

وعن الإمام الصادق%: «كان أبي% يقول: ما من شيءٍ أفسد للقلب من خطيئة، إنّ القلبَ ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتّى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله»([1]).

 

2. حرمان الرزق

عن الإمام الباقر%: «إنّ العبدَ ليذنب الذنب فيزوي عنه الرزق»([2]).

والظاهر أنّه حرمان الزيادة في الرزق؛ لأنّ بعض الرزق مضمونٌ من قِبل الله لكلّ مخلوق، قال -تعالى-: ﴿وَمَا مِنْ دَابةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللهِ رِزْقهَا﴾([3])، فلا حرمان لهؤلاء من أصل الرزق؛ لأنّه يعني قطع أصل الحياة وقبض أرواحهم. وقد يكون الحرمان في رفع البركة من أرزاقهم وأموالهم وطعامهم، كما ورد عن السيّدة الزهراء&: «ويرفع اللهُ البركةَ من رزقه»([4]).

 

3. نقصان العمر

عن الإمام الصادق%: «مَن يموت بالذنوب، أكثر ممّن يموت بالآجال»([5]).

 

4. زوال النِعَم وحلول النِقَم

قال -تعالى-: ﴿وَلَوْ أَن أَهْلَ الْقرَى آَمَنوا وَاتقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذبوا فَأَخَذْنَاهمْ بِمَا كَانوا يَكْسِبونَ﴾([6]).

 

وعن الإمام الصادق%: «ما أنعم الله على عبد نعمةً فسلبها إيّاه، حتّى يذنب ذنباً يستحقّ بذلك السلب»([7]).

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص268.

([2]) المصدر نفسه، ص270.

([3]) سورة هود، الآية 6.

([4]) العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج80، ص22.

([5]) الشيخ الطوسيّ، الأمالي، مصدر سابق، ص305.

([6]) سورة الأعراف، الآية 96.

([7]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص274.

 

48


44

الموعظة الحادية عشْرة: آثار المعصية

5. عدم استجابة الدعاء

عن الإمام الباقر%: «إنّ العبدَ يسأل اللهَ الحاجةَ، فيكون من شأنه قضاؤها إلى أجل قريب، أو إلى وقت بطيء، فيُذنِب العبدُ ذنباً، فيقول الله -تبارك وتعالى- للملك: لا تقضِ حاجتَه، واحرمه إيّاها؛ فإنّه تعرّض لسخطي، واستوجب الحرمان منّي»([1]).

 

6. عدم التوفيق للعبادة

عن الإمام الصادق%: «إنّ الرجلَ ليذنب الذنب فيُحرَم صلاة الليل، وإنّ العمل السيّئ أسرع في صاحبه من السكّين في اللحم»([2]).

 

إيّاك واستصغار الذنب!

عن الإمام الصادق%: «اتّقوا المحقَّرات من الذنوب؛ فإنّها لا تُغفَر»، قيل: وما المحقَّرات؟ قال: «الرجل يذنب الذنب، فيقول: طوبى لي! لو لم يكن لي غير ذلك»([3]).

 

الإصرار على الذنب

عن الإمام الصادق%: «لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار»([4]).

 


([1]) المصدر نفسه، ج2، ص271.

([2]) المصدر نفسه، ج2، ص272.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص287.

([4]) المصدر نفسه، ج2، ص288.

 

49


45

الموعظة الحادية عشْرة: آثار المعصية

الموعظة الثانية عشْرة
آداب التجارة

 

 

هدف الموعظة

التشجيع على التجارة وبيان آدابها وأحكامها.

 

محاور الموعظة

1. استحباب التجارة

2. كراهة ترك التجارة

3. آداب التجارة

4. مستحبّات التجارة

5. مكروهات التجارة

 

تصدير الموعظة

﴿رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾([1]).

 

الإمام موسى الكاظم%: «من طلب هذا الرزقَ من حلِّه، ليعودَ به على نفسه وعياله، كان كالمجاهد في سبيل الله -عزّ وجلّ-»([2]).

 


([1]) سورة النور، الآية 37.

([2]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص93.

 

50


46

الموعظة الثانية عشْرة: آداب التجارة

استحباب التجارة

عن الإمام الصادق%: «من طلب التجارةَ، استغنى عن الناس»، قيل: وإن كان مُعيِلاً؟ قال: «وإن كان مُعيِلاً، إنّ تسعة أعشار الرزق في التجارة»([1]).

 

كراهة ترك التجارة

عن الفضل بن أبي قرّة، قال: سأل أبو عبد الله% عن رجلٍ وأنا حاضر، فقال: «ما حبسه عن الحجّ؟»، فقيل: تركَ التجارةَ، وقلَّ شيئُه، قال: وكان متّكئاً فاستوى جالساً، ثمّ قال لهم: «لا تدعوا التجارةَ فتهونوا، اتَّجِروا، بارك الله لكم!»([2]).

 

مستحبّات التجارة

1. يُستحبّ التفقّه فيها، ليعرفَ صحيحَ البيع وفاسدَه، ويسلم من الربا، ومع الشكّ في الصحّة والفساد لا يجوز له ترتيب آثار الصحّة، بل يتعيّن عليه الاحتياط.

عن الأصبغ بن نباتة، قال: سمعتُ أميرَ المؤمنين% يقول على المنبر: «يا معشر التجّار، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر! والله، لَلرِّبا في هذه الأمّة أخفى من دبيب النمل على الصفا، شُوبُوا أَيْمانَكم بالصدق، التاجر فاجر، والفاجر في النار، إلّا من أخذ الحقّ وأعطى الحقّ»([3]).

2. يُستحبّ أن يساويَ بين المتبايعين، فلا يفرّق بين المماكس([4]) وغيره، أمّا لو فرّق بينهم

 


([1]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص148.

([2]) المصدر نفسه، ج5، ص149.

([3]) المصدر نفسه، ج5، ص150.

([4]) المماكسة: طلب نقصان الثمن.

 

51


47

الموعظة الثانية عشْرة: آداب التجارة

لمرجّحات شرعيّة كالعلم والتقوى ونحوهما، فالظاهر أنّه لا بأس به.

 

3. يُستحبّ إقالة النادم، وهي رفع اليد عن البيع وفسخه عند طلب أحد المتبايعين، فعن الإمام الصادق%: «أيّما عبد أقال مسلماً ندامةً في البيع، أقاله اللهُ عثرتَه يوم القيامة»([1]).

 

4. يُستحبّ ذكر الله -تعالى- في الأسواق، وطلب الخيرة منه، والدعاء بالمأثور، ومنه الشهادتان. كما يُستحبّ عند الشراء التكبير ثلاثاً، والدعاء بالمأثور أيضاً، وأن يستدرّ الرزق بالدعاء، وأن يرجوَ في نفسه الرزقَ من حيث لا يحتسب، ولا يعتمد على حذقه وكدّه، ولا يطمئنّ إليهما.

 

عن الإمام الصادق%: «من ذكرَ اللهَ -عزّ وجلّ- في الأسواق، غفر له بعدد أهلها»([2]).

 

مكروهات التجارة

عن الإمام الصادق%: «قال رسول الله-: من باع واشترى فَلْيحفظ خمس خصال، وإلّا فلا يَشْتَرِيَنَّ ولا يَبِيعَنَّ: الربا، والحلفَ، وكتمانَ العيب، والحمدَ إذا باع، والذمّ إذا اشترى»([3]).

 

1. يُكرَه للبائع أن يمدح سلعتَه، وللمشتري أن يذمَّها، وكذا كتمان العيب إذا لم يؤدِّ إلى الغشّ، وإلا حَرُم، والحلف في البيع والشراء صدقاً، وإن كان كذباً حَرُم.

 

2. يُكرَه للبائع الربح بمثل الثمن فما زاد، ويُستحبّ الرفق في الربح على المؤمن إذا اشترى للتجارة، ويُكرَه الربح عليه في ما يشتريه

 


([1]) الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص196.

([2]) المصدر نفسه، ج3، ص200.

([3]) الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص150.

 

52


48

الموعظة الثانية عشْرة: آداب التجارة

لغيرها إلّا بمقدار الحاجة، كما يُكرَه ربح البائع على من يَعِدُه بالإحسان إن اشترى منه، ويُكرَه أيضاً التفريق بين المشتري المماكس وغيره في الربح.

 

53


49

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...