الوقت- وصل الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة العربية السعودية يوم الجمعة الماضي والتقى الملك سلمان بن عبد العزيز وناقش معه التطورات الإقليمية والقضايا الدولية. وكان أهم سبب لرحلة بايدن إلى الرياض هو النقاش حول الطاقة، لكن كما يبدو من تصريحات المسؤولين الأمريكيين، لم يتمكن الطرفان من التوصل إلى اتفاق في هذا المجال. وفي هذا الصدد، قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، إنه لا يتوقع أن تؤدي زيارة بايدن إلى زيادة إنتاج النفط من السعودية.
هذا بينما اعتقدت وسائل الإعلام والمسؤولون الغربيون قبل أسابيع أن بايدن سيقنع السلطات السعودية بزيادة إنتاجها النفطي خلال زيارته للسعودية. وبعد الأزمة الأوكرانية، حاول الغربيون إقناع السعودية والإمارات بزيادة المنتجات النفطية حتى يعود التوازن والاستقرار إلى الأسواق وينخفض سعر النفط.
يشار إلى أن السلطات السعودية أعلنت في اجتماعها مع بايدن أنه من أجل زيادة إنتاج النفط يجب أن تتفق مع الروس في إطار “أوبك بلس”. لكن بما أن روسيا قد انخرطت بشكل غير مباشر مع الغرب في الأشهر الأخيرة بسبب الحرب في أوكرانيا، فقد عارضت هذا الطلب بشدة ولا يبدو أنها ستوافق على زيادة إنتاج النفط السعودي في الاجتماعات المقبلة. لأن روسيا التي تواجه عقوبات شديدة من الغرب تحاول استخدام نفوذ الطاقة لضرب أمريكا وأوروبا وستحاول جلب السعوديين معها، وقد نجحت في هذا المجال في الأشهر الخمسة الماضية.
قضية أخرى يمكن الإشارة إليها في فشل زيارة بايدن للسعودية هي أنه إضافة إلى عدم زيادة إنتاجها النفطي، ضاعفت السعودية وارداتها النفطية من روسيا في الأشهر الأخيرة. وبين أبريل ويونيو، استوردت السعودية 647 ألف طن من النفط المستخدم في محطاتها الكهربائية من روسيا، بينما كانت هذه الكمية 320 ألف طن في الفترة نفسها من العام الماضي. هذا بينما تقوم روسيا الآن، بعد العقوبات الغربية، ببيع نفطها إلى دول أخرى بسعر أقل، وقد استغل السعوديون هذه الفرصة وقاموا بشراء النفط الرخيص من روسيا، وذلك لأنهم يريدون زيادة احتياطياتهم النفطية حتى يتمكنوا في المستقبل من تزويد الأسواق والتصدير عالميا بسعر مناسب.
ويمثل بيع النفط الروسي الرخيص تحديًا جديدًا لجو بايدن، حيث تسعى إدارته إلى عزل روسيا ومنعها من تحقيق عائدات ضخمة من صادرات الطاقة. لذلك، من أجل الضغط على الروس، اعتمد الأمريكيون على دعم السعودية التي تشتري النفط من الروس. لذلك لا بد من القول إن أمريكا فشلت في إقناع حلفائها في المنطقة بالانحياز إلى الغرب، لأن استمرار وضع الطاقة الحالي في الأسواق العالمية هو في مصلحة السعوديين. لأنه من ناحية، يمكن للسعوديين شراء النفط الروسي الرخيص ومن ناحية أخرى، من خلال زيادة السعر في الأسواق العالمية، يمكنهم بيع نفطهم بسعر باهظ وكسب الكثير من الدخل بهذه الطريقة.
ولقد اعتبر تقرير لوكالة “رويترز” أن الرئيس الأمريكي غادر السعودية بعد حضور “قمة الأمن والتنمية” في مدينة جدة، دون أن يحقق نجاحات حول تأمين الطاقة وإنشاء حلف إقليمي. وقال التقرير الذي نشر مساء السبت، إن بايدن أبلغ الزعماء العرب أن الولايات المتحدة ستظل شريكاً فعالاً في الشرق الأوسط، ولكنه أخفق في الحصول على التزامات بإنشاء محور أمني إقليمي من شأنه أن يشمل “إسرائيل”، أو زيادة إنتاج النفط بشكل فوري. وقدّم بايدن، الذي بدأ أول جولة له بالشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة بزيارة “إسرائيل”، رؤيته واستراتيجيته لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، خلال قمة جدة.
لكن التقرير أشار إلى أن البيان الختامي للقمة كان غامضاً وبددت السعودية، أهم حليف عربي للولايات المتحدة، آمال واشنطن بأن تساعد القمة في إرساء الأساس لتحالف أمني إقليمي يضم “إسرائيل” للتصدي لإيران ومحور المقاومة. كذلك ذكر التقرير أن اجتماع بايدن مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، كان شديد الحساسية بعدما أثار الرئيس مسألة حقوق الإنسان، ما دفع ولي العهد إلى إصدار انتقادات مضادة وأضاف التقرير إنه “ربما يكون من الصعب ترويج خطة لربط أنظمة دفاع جوي لدول عربية ليس لها علاقات مع إسرائيل وترفض أن تكون جزءاً من تحالف يُنظر إليه على أنه ضد إيران”.
المملكة العربية السعودية تدعم الوضع الحالي للأسواق العالمية
من ناحية أخرى، تحتاج المملكة العربية السعودية إلى رؤوس أموال كبيرة لتنفيذ مشاريع اقتصادية كبيرة، وخاصة بناء مدينة الأحلام “نيوم”، وبالتالي فهي ترحب باستمرار الاتجاه التصاعدي في أسعار النفط في الأسواق العالمية، ويبدو أن السعوديين لا يتفقون مع رغبة الولايات المتحدة والأوروبيين في زيادة إنتاج النفط،. ولقد أدى انخفاض سعر النفط في السنوات الأخيرة إلى مستوى 40 دولارًا إلى توجيه ضربة قوية للاقتصاد السعودي، وعلى اعتبار أن السعوديين أنفقوا مئات المليارات من الدولارات في حرب اليمن خلال هذه الفترة المالية للبلاد. فلقد تم تخفيض الاحتياطيات بشكل كبير والآن هناك فرصة لهم، فهم يحاولون الاستفادة القصوى من الأسواق العالمية وزيادة احتياطياتهم المالية.
نقطة أخرى مهمة يمكن الإشارة إليها هي أن السعوديين لم يعودوا يتبعون السياسات الأمريكية في المنطقة والعالم كما كان من قبل، وخاصة في الوضع الحالي حيث ضعفت هيمنة هذا البلد على العالم. ومن الواضح أنه يمكن للسعوديين أن يتعاونوا بشكل أفضل مع الجمهوريين في البيت الأبيض، وبالتالي فهم غير راضين عن إدارة بايدن. وبسبب حقيقة أن بايدن خسر لعبة القافية أمام الروس في حملة أوكرانيا وتعرض لانتقادات الجمهوريين وتراجعت شعبيته في المجتمع الأمريكي بشكل كبير، وبالتالي فإن السعوديين يساعدون أيضًا في استمرار اتجاه أسواق الطاقة بالشكل الحالي حتى أنه ربما في الانتخابات الرئاسية عام 2024، سيتم هزيمة بايدن وسيعود دونالد ترامب أو الجمهوريون إلى السلطة. لأن وجود الجمهوريين وخاصة ترامب في واشنطن سيجعل أيدي السعوديين أكثر انفتاحًا على تنفيذ سياساتهم المدمرة في المنطقة، ومحمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، يعد الدقائق لعودة ترامب، بل قام باستثمارات في هذا المجال.
بشكل عام يمكن القول إن رحلة بايدن إلى السعودية والأراضي المحتلة، والتي تمت بضجة كبيرة، لم تسفر عن أي إنجازات خاصة. ولم يتحقق التحالف المناهض لإيران، ولم يوافق السعوديون أيضا على زيادة إنتاج النفط لتقليل أزمة الطاقة في الغرب، وبعبارة أخرى، عاد بايدن إلى واشنطن بذراعيه الخالية من المنطقة وذلك بعدما فشل في جمع حلفائه ضد روسيا وإيران تحت مظلة واحدة.