الوقت – بعد التغيرات التي طرأت على العالم بعد الأزمة الأوكرانية، يزور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طهران.
هذه هي المرة الخامسة التي يأتي فيها بوتين إلى إيران، وهي زيارة تتم بذريعة اجتماع قادة عملية أستانة في طهران، لكن قد تثار قضايا أخرى في المحادثات الثنائية بين قادة إيران وروسيا.
تأتي زيارة بوتين لإيران بعد أشهر قليلة من زيارة الرئيس الإيراني السيد إبراهيم رئيسي لموسكو، ويحاول البلدان تعزيز علاقاتهما في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية.
بالنظر إلى أن الولايات المتحدة بمساعدة حلفائها تحاول زيادة الضغط على روسيا وإيران وعزل خصومها، يسعى الروس أيضًا إلى زيادة التعاون مع حلفائهم في المنطقة والعالم، من أجل تحييد التحركات والعقوبات الغربية.
وعلى هذا الأساس، يعتبر الروس إيران إحدى حلفائها الاستراتيجيين، وبمساعدتهم يمكنهم تقوية جبهة الشرق ضد الغرب، والزيارات المتكررة للمسؤولين الروس لإيران في الأشهر الأخيرة تتم أيضًا في هذا الاتجاه.
لطالما كانت اللقاءات المباشرة بين الرئيس الروسي والمرشد الأعلى للثورة في إيران، أحد العوامل الملفتة في زيارات بوتين إلى إيران والتي حظيت بتغطية إعلامية واسعة. ولهذا الغرض، أصبحت هذه الزيارة ذريعةً لمراجعة اجتماعات بوتين السابقة مع المرشد الأعلى للثورة في إيران، بعيداً عن القضايا السياسية.
احترام بوتين لشخصية قائد الثورة
سبق لبوتين أن زار طهران أربع مرات والتقى بقائد الثورة، وهذه اللقاءات تشير إلی الود والاحترام لموقع ومکانة القائد. ويمكن ملاحظة احترام بوتين واهتمامه بقائد الثورة في زيارته الأولى لإيران.
عندما جاء بوتين إلى إيران عام 2007، التقى بقائد الثورة وأبدى إعجابه بخصائصه وإرشاداته، لدرجة أنه بعد عودته من إيران، وفي حديث مع وسائل الإعلام الروسية، وصف شخصية القائد بالقول: “أنا لم أر المسيح، لكني سمعت وقرأت أوصافه في الإنجيل، ورأيت المسيح في قائد إيران. هناك حكيم عظيم في إيران لم أكن أعتقد أن نظرته شاملة إلى هذا الحد. إنه رجل حكيم وعالم يتخذ القرارات ويضبط كل سياسات إيران.”
إن طريقة بوتين في التعامل مع القائد تظهر أن لديه احترامًا خاصًا له وأن سلوكه ليس من نوع العلاقات الرسمية مع سياسي، بل مملوء بنظرة محترمة إلى قائد حكيم وروحي.
کما يمكن ملاحظة الاحترام الخاص الذي يكنه بوتين للمرشد الأعلى، في زيارته الثانية لطهران في عام 2014. حيث توجه فور دخوله إيران وقبل إقامة حفل الاستقبال للقاء قائد الثورة، وانعكس ذلك على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإقليمية والغربية.
بالنظر إلى الطريقة التي يلتقي بها بوتين مع كبار المسؤولين في البلدان الأخرى، فإن الأمر مختلف تمامًا عما نراه عند التعامل مع قائد الثورة في إيران.
عند لقائه بزعماء العالم، يتصرف بوتين ويتحدث من موقع القوة، لكن الطريقة التي يجلس ويتصرف بها بوتين عند لقائه بمرشد الثورة في إيران في الماضي، تُظهر أن لديه اهتمامًا خاصًا به ويتحدث مع قائد الثورة في غاية الاحترام واللطف.
حتى الصور ومقاطع الفيديو المنشورة لاجتماع بوتين مع الرؤساء الأمريكيين، تُظهر أن الرئيس الروسي يعاملهم حتى على أنهم مسؤولون من الدرجة الثانية، ولا يظهر تواضعًا إلا أمام قائد الثورة في إيران.
في عام 2015، عندما زار بوتين طهران، قدَّم للسيد خامنئي خلال اجتماعه به، واحدة من أقدم مخطوطات القرآن الكريم، والتي تم حفظها في متحف هيرميتاج في سانت بطرسبرغ. يعود تاريخ هذا القرآن إلى فترة الخلفاء الأمويين، أي قبل 13 قرناً.
إن إهداء مثل هذا الكنز الروحي لقائد الثورة يرجع إلى حب بوتين الخاص له، لأن هذه الكتب هي إرث دائم لا يوجد بلد على استعداد لتقديمه بسهولة إلى دول أخرى.
لا تقتصر إشادة بوتين بقائد الثورة على اللقاءات الثنائية بين الجانبين، بل يمتدح دائمًا دور ومكانة قائد الثورة في إيران والمنطقة.
في مقابلة أجراها قبل بضع سنوات مع قناة عربية حول دور إيران في انتصارات محور المقاومة في سوريا والعراق ضد الإرهابيين، قال بوتين: “أقول بوضوح إن بإمكان إيران التفاوض على كثير من أهدافها ومثلها في المنطقة في السنوات الماضية وحتى الآن. يمكن لإيران أن تعقد صفقةً مع أعدائها على سوريا وحزب الله والعراق، لكن إيران لم ولن تسير في هذا الاتجاه، ولا شك أن للولي الفقيه دوراً حاسماً في هذا الصدد. أقول بصراحة لولا قرارات إيران وقائد هذا البلد، سواء في العراق وسوريا أو في دعم المقاومة في لبنان وفلسطين، لما استطاع أي منهم المقاومة”.
تعامل أمريكا مع حلفائها علی غرار الملك ورعاياه
إذا قارنا نوع العلاقات بين روسيا وإيران كحليفين كبيرين في الساحة الإقليمية والدولية، باجتماعات المسؤولين الأمريكيين مع مسؤولي الدول العربية الحليفة، وخاصةً السعودية، فسندرك أن هذه اللقاءات هي من نوع تعامل الملك مع رعاياه، حيث لا يوجد احترام، ولا يصدر الأوامر إلا من جانب واحد، والجانب الآخر يستمع ويطيع الأوامر فحسب.
في العقود الأخيرة، سافر المسؤولون الأمريكيون إلى المشيخات العربية في الخليج الفارسي عدة مرات، وعقدوا اجتماعات مع كبار المسؤولين السعوديين والإماراتيين ودول أخرى في المنطقة، لكن في هذه الاجتماعات، حاول الأمريكيون دائمًا التحدث مع حلفائهم من موقع القوة، بسبب موقعهم وقوتهم في الساحة العالمية.
لطالما اعتبر مسؤولو البيت الأبيض العرب رعايا ينفذون خطط واشنطن وسياساتها في الشرق الأوسط، بل يظهرون ازدراءً لقادة هذه الدول. وبعبارة أخرى، يبدو أن العلاقات بين الجانبين هي علاقات مستعمر وتابع.
وبالنظر إلی أن السلطات السعودية تطيع القيادة الأمريكية وتعمل كقوات مشاة لها في المنطقة، ومع ذلك فإن المسؤولين في واشنطن لا يقيمون وزناً لحلفائهم. كما وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب السعوديين بـ “البقرة الحلوب”، التي وظيفتها الوحيدة هي ضخ الدولارات النفطية في الخزائن الأمريكية.
وهکذا، حتى لو قام الأمريكيون بزيارة إلى الدول العربية في الخليج الفارسي، فإن ذلك من أجل حلب المزيد من أموالهم وبيع الأسلحة، وليس لتقوية حلفائهم.
لطالما كانت العلاقات بين إيران وروسيا في أفضل حالاتها خلال العقود الماضية، وفي الأشهر الأخيرة أصبحت هذه العلاقات أقوى بكثير من ذي قبل.
وبصرف النظر عن هذه العلاقات، فإن احترام بوتين الخاص لشخصية قائد الثورة والاستفادة من توجيهاته في الساحات السياسية، کان له تأثير علی تطوير العلاقات الثنائية.