بناء المجتمع في دولة امير المؤمنين عليه السلام
– الحلقة السابعة عشرة
عبد الستار الجابري
3. الغاء الاحكام المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه واله)
الخطوة الاخرى في الاصلاح الاجتماعي التي عمد اليها امير المؤمنين (عليه السلام) اعادة الناس العودة بالناس الى الشريعة الحقة والغاء الاحكام التعسفية التي جاء بها الحكام ورتبوا عليها الآثار ومنها على سبيل المثال الغاء امير المؤمنين (عليه السلام) جميع التصرفات المالية التي قام بها عثمان بن عفان (والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الإماء لرددته فإن في العدل سعة ، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق)
وقال (عليه السلام) مندداً بجهال الامة الذين تصدوا لبيان الاحكام ظلماً وعدواناً: (فإن نزلت به إحدى المبهمات هيأ لها حشوا رثا من رأيه ثم قطع به. فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت. لا يدري أصاب أم أخطأ فإن أصاب خاف أن يكون أخطأ . وإن أخطأ رجا أن يكون قد أصاب)
وهو (عليه السلام) في هذا المقطع من الخطبة يعرض بمن تصدى لاصدار الاحكام في هذه الامة وعمل برايه اذا اعوزه الدليل مع جهله المطبق بالنصوص والروايات حيث يصف (عليه السلام) من هكذا شأنه بانه يذروا الروايات اذراء الرياح للهشيم اي انه بعيد عن فهم الروايات والاخذ بما فيها، بل لا يستند فيما يحكم فيه الى مصادر التشريع بل جعل من نفسه ورأيه حكماً مع انه يعلم انه جاهل فيما بينه وبين نفسه: (جاهل خباط جهالات . عاش ركاب عشوات لم يعض على العلم بضرس قاطع يذري الروايات إذراء الريح الهشيم . لا ملئ والله بإصدار ما ورد عليه . ولا هو أهل لما فوض إليه. لا يحسب العلم في شئ مما أنكره * ولا يرى أن من وراء ما بلغ مذهبا لغيره . وإن أظلم أمر اكتتم به لما يعلم من جهل نفسه . تصرخ من جور قضائه الدماء . وتعج منه المواريث إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهالا ويموتون ضلالا ليس فيهم سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته. ولا سلعة أنفق بيعا ولا أغلى ثمنا من الكتاب إذا حرف عن مواضعه . ولا عندهم أنكر من المعروف ولا أعرف من المنكر)
ومما حفظ التاريخ من الاحكام التي ردها امير المؤمنين (عليه السلام) ما جمعه السيد محسن الامين العاملي (قدس سره) في كتاب عجائب قضايا امير المؤمنين (عليه السلام) التي حفظت جزءاً من التاريخ الفقهي لامير المؤمنين (عليه السلام) خاصة في الفترة التي تليت عصر النبي (صلى الله عليه واله) وكيف انه (صلوات الله عليه) كان يبين الاحكام الصحيحة ويرد الاحكام الباطلة التي كان يصدرها من تصدى لقيادة الامة وزعامتها، فما تقدم عن نهج البلاغة في ذم الجهلة بالاحكام والمتصدين بغير حق لم يكن موجهاً لحالة افتراضية تقع مستقبلاً بل كان النقد فيه موجهاً لحالة موجودة سبقت ايام حكمه (صلوات الله عليه) وعاصرت حكمه ودامت بعد حكمه.