إيران واليد الممدودة للرياض .. الكرة في ملعب من؟
خليل نصرالله
تنتهج الجمهورية الإسلامية الإيرانية لغة دبلوماسية هادئة، تعكس سياساتها الخارجية الواضحة وتحديد الأولويات. لم يسجل أن استخدم الإيرانيون لغة حادة دون مبرر، ولغتهم اتجاه قضايا العالم ودوله واضحة، وتحاكي واقعية تتسم بالتشخيص الهادئ قبل إطلاق الموقف.
يقرأ الإيرانيون بدقة ما يجري في محيط بلدهم، خاصة أن الجمهورية تتعرض لهجمة شرسة لا تقف عند حد العقوبات بل تتعداه إلى تحريك الإرهاب والشغب داخلها. ينفذ الأمر دول وظيفية في المنطقة وأخرى بعيدة تمارس هيمنة لطالما انتهجتها منذ الحرب العالمية الأولى بل وقبل ذلك.
موقع إيران الجغرافي المؤثر عالميا يضعها في مرمى الأطماع دائما، ناهيك عن طبيعة النظام فيها والذي تبنى قضايا الأمة وعلى رأسها فلسطين، ودعم المستضعفين والمقاومات، وهي قضايا ترى فيها دول الاستعمار وأتباعها من دول وظيفية خطرا على هيمنتها وتوسعها الذي لم يتوقف.
رغم ذلك، ومن يتبع لغة الإيرانيين يلاحظ استخدام أدبيات غير انفعالية مع إبقاء اليد الممدودة خاصة اتجاه دول الجوار وخاصة دول الخليج التي تربطها علاقات “استراتيجية” بالولايات المتحدة الأميركية المعادية لطهران.
في العقد الأخير، تصاعد التوتر في المنطقة لأسباب عدة، خاصة مع بدء الهجمة الكونية على سوريا، التي كان يطالبها الأميركيون ودول عربية بفك تحالفها مع طهران ووقف دعم المقاومات، أمر دفع الإيرانيون إلى الاصطفاف في خندق المواجهة باعتبار أن ما يعد للمنطقة لا يقف عند حد اسقاط الدولة السورية، بل يتعدى ذلك إلى تغيير في الخرائط الجغرافيا والسياسية وتثبيت الكيان الإسرائيلي كحالة طبيعية ومعه تصفية القضية الفلسطينية.
كان واضحا أن معظم دول الخليج لعبت دورا وظيفيا في تنفيذ ما تراه واشنطن، وشرعت بحملة تصعيد ضد الجمهورية الإسلامية الايرانية، واتهمتها بالتدخل في شؤون دول المنطق الداخلية وممارسة سياسة تخريب، وهي اتهامات غير واقعية بل مغلفة وتخبئ خلفها أهدافا أبعد من ذلك. كانت ترى طهران أنها مستهدف أساسي مما يجري وهناك محاولة لخنقها أكثر بل وتطويقها بفوضى على شاكلة ارهاب داعش وغيرهم والعمل على تحريك الأقليات كما يتحدث الأميركيون علانية.
العلاقة مع السعودية
عام ألفين وستة عشر بادر السعوديون ومعهم دول خليجية وأخرى غير خليجية، وفي ذروة الاشتباك في المنطقة ككل، إلى سحب سفرائهم من طهران على خلفية احتجاجات شعبية غاضبة بعد إعدام الشيخ نمر باقر النمر. مذ ذاك الحين والقطيعة مستمرة.
قبل عام ونصف تقريبا، حصلت مبادرات، بينها ما يعرف بمبادرة بغداد للتقريب بين الدولتين، حصلت خمس لقاءات أمنية في بغداد لكنها لم تكن كفية لاتخاذ خطوة نحو الأمام.
لوحظ استخدام طهران لغة دبلوماسية واقعية قائمة على مبدأ حسن الجوار وإدارات ملفات المنطقة فيما بين دوله، وهو وضوح إيراني برفض أي أدوار أميركية.
ونذكّر قبل الانتخابات الرئاسية بإطلاق الرئيس السابق الشيخ حسن روحاني مبادرة إقليمية حول أمن المنطقة، وهي دعوة للحوار والتلاقي حول مختلف القضايا. تعاطى معها السعويون ببرودة، خاصة أنهم كانوا في ذروة هجومهم مستفيدين من سياسية الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد طهران واتباعه سياسة العقوبات القصوى أو الضغوطات القصوى.
مع رحيل ترامب وقدوم إدارة بايدن، لان الحديث السعودي قليلا ولكن دون تغيير في النهج، وهو ما تجلى في تصريح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما أعلن ترحيبه بعلاقات جيدة مع طهران وباستثمارات إقتصادية فيما بينهما، لكنه أردف يتحدث عن دورها في دعم “ميليشيات ارهابية وطائفية” حسب توصيفه، وهو ما فسر على أنه “دعسة ناقصة” وتجميل كلامي دسّ فيه ذات السم المستخدم قديما، أي من أيام التخلي عن القضايا الأساسية في المنطقة والانطفاء.
بعد نجاح السيد ابراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية، شكل تصريحه الأول مفاجأة، بتحديد مبدأ حسن الجوار والحوار مع دول المنطقة ضمن أولويات سياسة بلاده الخارجية وهو ما ترجم فعلا في اللغة الإيرانية الدبلوماسية، التي يحاول البعض تقديمها كتراجع ايراني.
لا يتسع مقالنا لذكر معظم محطات الأشهر القليلة الماضية، وما أعلنه الإيرانيون عن رسائل سعودية مبدية الاستعداد لبدء حوار سياسي، وهو ما لم يبدأ، لكن سنتوقف عند التصريح الأخير لوزير خارجية طهران والذي فسر أيضا في غير موضعه.
يقول حسين أمير عبد اللهيان: “إن طهران ترحب بالحوار والتعاون مع دول المنطقة، بما في ذلك الخليج الفارسي .. إن محادثاتنا مع السعودية ستستمر على مسارها السابق وعلى طريق الدبلوماسية الرسمية، ونحن مستعدون للعودة إلى العلاقات الطبيعية وإعادة فتح السفارات كلما كان الجانب السعودي جاهزًا .. لذلك على الجانب السعودي أن يقرر كيفية اتباع نهج بناء تجاه الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
الواضح من تصريح وزير الخارجية أن طهران لم تبدل من سياساتها الدافعة نحو الحوار، لكنه رمى الكرة في الملعب السعودي بقوله إن على الرياض أن تقرير كيفية اتباع نهج بناء اتجاه بلاده. في هذا الشرط، كما هو واضح، يبين أن هناك ما يجب على السعودية أن تغيره في سلوكها، خاصة أن الرياض متورطة في دعم أعمال التخريب، اعلاميا وغير ذلك، التي شهدتها الأراضي الإيرانية مؤخرا، ناهيك عن أمور أخرى في المنطقة.
يلخص تصريح وزير خارجية طهران سياسة بلاده، بأن اليد الممدودة الايرانية ستتواصل، لكن اليد الممدودة تحتاج إلى يد ممدودة من منطلق حسن النوايا عبر تغيير في السلوك، بالتالي فإن الكرة هي في الملعب السعودي، وان الرياض معنية بمقاربة علاقاتها مع دول المنطقة انطلاقاً من مصالح المنطقة ككل، وليس من منظور التوجهات الأميركية، التي على ما يبدو تشكل العائق الأكبر أمام الرياض لتخطو نحو إعادة ترتيب علاقاتها مع من تخاصم من دول المنطقة وعلى رأسهم طهران.