الرئيسية / القرآن الكريم / قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

قراءة القرآن وآداب تلاوته ومقاصده

المحور الثالث:

دروس في التفسير

 

 

 

الدرس الثالث عشر: تفسير سورة الفاتحة (1)

 

 

أهداف الدرس

على المتعلّم مع نهاية هذا الدرس أن:

1- يتعرّف على خصائص سورة الفاتحة.

2- يفهم معاني آيات السورة إجمالاً.

3- يشرح معاني مفردات، الحمد، الرحمن الرحيم، الرب.

 

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ﴾

 

خصائص سورة الفاتحة

لهذه السّورة مكانة متميّزة بين سور القرآن الكريم. وتبدأ هذه السّورة – بعد البسملة – بحمد الله والثناء عليه، وتستمرّ في إقرار الإِيمان بالمبدأ والمعاد “بالله ويوم القيامة”، وبحصرالعبادة والاستعانة بالله تعالى، وتنتهي بالتضرّع والطلب للهداية، والتبرّؤ من أهل الضلالة والغواية..

 

سورة الحمد أساس القرآن: فقد رويَ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لجابر بن عبد الله الأنصاري: “ألا أُعَلّمُكَ أَفْضَلَ سُورَة أَنْزَلَهَا اللهُ في كِتَابِهِ؟ قَالَ جَابرُ: بَلى بِأَبي أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللهِ، عَلِّمْنِيهَا. فَعَلَّمَهُ الْحَمْدَ أُمَّ الْكِتَابِ، وَقَالَ: “هِي شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاء، إِلاّ السَّامَ، وَالسَّامُ الْمَوْتُ”[1].

 

أمّ الكتاب: وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أيضاً أَنَّهُ قَالَ: “وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْزَلَ اللهُ في التَّوْرَاةِ، وَلاَ في الإنجيل ولا في الزّبُورِ وَلا في الْقُرْآنِ مِثْلَهَا، وَهِيَ أُمُّ الْكِتَابِ”[2].

 

أهمّيّتها

أهمّيّة هذه السّورة تتّضح من محتواها، فهي في الحقيقة عرض لكلّ محتويات القرآن، فجانب منها يختصّ بالتوحيد وصفات الله، وجانب آخر بالمعاد ويوم القيامة، وقسم منها يتحدّث عن الهداية والضلال باعتبارهما علامة التمييز بين المؤمن والكافر، وفيها أيضاً إشارات إلى حاكمية الله المطلقة، وإلى مقام ربوبيّته، ونعمه اللّامتناهية العامّة والخاصّة “الرحمانية والرحيمية”، وإلى مسألة العبادة والعبوديّة واختصاصهما بذات الله دون سواه.

 

إنّها تتضمّن في الواقع توحيد الذّات، وتوحيد الصفات، وتوحيد الأفعال، وتوحيد العبادة.

 

وبعبارة أخرى: تتضمّن هذه السّورة مراحل الإِيمان الثلاث: الاعتقاد بالقلب، والإِقرار باللسان، والعمل بالأركان. ومن المعلوم أنّ لفظ “الأُمّ” يعني هنا الأساس والجذر.

 

محتوى السّورة

ويُمكن تقسيم هذه السّورة، من منظار آخر، إلى قسمين: قسم يختصّ بحمد الله والثناء عليه، وقسم يتضمّن حاجات العبد.

 

وإلى هذا التقسيم يُشير الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

“قَالَ اللهُ عزّ وجلّ: قَسَّمْتُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بَيْني وَبَيْنَ عَبْدِي، فِنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سأَلَ.

 

إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ الله جَلَّ جَلاَلُهُ: بَدَأ عَبدِي باسْمِي وَحَقٌّ عَلَيَّ أنْ اُتَمِّمَ لَهُ اُمُورَهُ وَأُبارِكَ لَهُ فِي أحوَالِهِ.

 

فَإذا قَالَ: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ اللهُ جَلَّ جلالُهُ: حَمَدَنِي عَبدِي وَعَلِمَ أَنَّ النِّعَمَ الَّتِي لَهُ مِنْ عِنْدِي، وَأَنَّ اْلبَلايَا الَّتِي دَفَعْتُ عَنْهُ فبِتَطَوُّلِي، أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أُضِيفُ لَهُ إلى نِعَمِ الدُّنْيَا نِعَمَ الآخِرَةِ، وَأَدْفَعُ عَنْهُ بَلاَيَا الآخِرَةِ كَمَا دَفَعْتُ عَنْهُ بَلاَيَا الدُّنْيَا.

 

وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمنِ الرَّحِيم﴾ قَالَ الله جَلَّ جَلاَلُهُ: شَهِدَ لِي عَبْدِي أَنِّي اَلرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، أُشْهِدُكُمْ لأُوَفِّرَنَّ مِنْ رَحْمَتِي حَظَّهُ وَلأُجْزِلَنَّ مِنْ عَطَائِي نَصِيبَهُ.

 

فَإِذَا قَالَ: ﴿مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ قَالَ الله تَعالى: أُشهِدُكُمْ كَمَا اعْتَرَفَ بِأَنِّي أَنَا مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ لأُسَهِّلَنَّ يَوْمَ الْحِسابِ حِسَابَهُ، وَلأَتَقَبَّلَنَّ حَسَنَاتِهِ، وَلأَتَجَاوَزَنَّ عَنْ سَيِّئاتِهِ.

 

فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ قَالَ اللهُ عزّ وجلّ: صَدَقَ عَبْدِي، إِيَّايَ يَعْبُدُ أُشْهِدُكُمْ لأُثِيبَنَّهُ عَلَى عِبَادَتِهِ ثَوَاباً يَغْبِطُهُ كُلُّ مَنْ خَالَفَهُ في عِبَادَتِهِ لي.

 

فَإِذَا قَالَ: ﴿وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَالَ اللهُ تَعالى: بِيَ اسْتَعَانَ عَبْدِي، وَإلَيَّ اِلْتَجَأَ، أُشْهِدُكُمْ لأُعِينَنَّهُ عَلى أمْرِهِ، ولأُغيثَنَّهُ فِي شَدَائِدِهِ وَلآخُذَنَّ بِيَدِهِ يَوْمَ نَوَائِبِهِ.

 

فَإِذَا قَالَ: ﴿اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ﴾ إلى آخر السّورة قَالَ الله عزّ وجلّ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ وَقَد اسْتَجَبْتُ لِعَبْدِي وَأَعْطَيتُهُ مَا أَمَّلَ وَآمَنْتُهُ مِمَّا مِنْهُ وَجِلَ”[3].

 

في رحاب سورة الفاتحة

1- بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

دأبت الأمم والشّعوب على أن تبدأ كلّ عمل هامّ ذي قيمة باسم كبير من رجالها. والحجر الأساس لكلّ مؤسّسة هامّة يوضع باسم شخصيّة مرموقة في نظر أصحابها، أي أنّ أصحاب المؤسّسة يبدؤون العمل باسم تلك الشّخصيّة.

 

ولكن، أليس من الأفضل أن يبدأ العمل في أُطروحة أُريد لها البقاء والخلود باسم وجود خالد قائم لا يعتريه الفناء؟ فكلّ ما في الكون يتّجه إلى الزّوال والفناء، إلّا الذّات الأبديّة الخالدة… ذات الله سبحانه.

 

إنّ خلود ذكر الأنبياء سببه ارتباطهم بالله وبالقيم الإنسانيّة الإِلهيّة الخالدة كالعدالة وطلب الحقيقة، وخلود اسم رجل في التّاريخ مثل “حاتم الطّائيّ” يعود إلى ارتباطه بواحدة من تلك القيم هي “السّخاء”.

 

صفة الخلود والأبديّة يختصّ بها الله تعالى من بين سائر الموجودات، ومن هنا ينبغي أن يُبدأ كلّ شيء باسمه وتحت ظلّه وبالاستمداد منه. ولذلك كانت البسملة أوّل آية في القرآن الكريم.

 

ولذلك جاء في الحديث النّبويّ الشريف: “كُلُّ أمْرٍ ذِي بَال لا يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ فيه فَهُوَ أَبْتَرُ”[4].

 

وعن أمير المؤمنين عليه السلام بعد نقله لهذا الحديث الشريف: “إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ أَوْ يَعْمَلَ عَمَلاً فَيَقُولُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهُ يُبَارَكَ فيهِ”[5].

 

وعن الإِمام محمّد بن عليّ الباقر عليه السلام: “… وَيَنْبَغي الإتيان بِهِ عِنْدَ افْتِتَاحِ كُلِّ أَمْر عَظِيم أَوْ صَغِير لِيُبَارَكَ فيهِ”[6].

 

بعبارة موجزة: بقاء العمل وخلوده يتوقّف على ارتباطه بالله.

 

2- كلمة: الله

وهي عَلَم للذّات الإلهيّة المقدّسة وهي أشمل أسماء ربّ العالمين، فكلّ اسم ورد لله في القرآن الكريم وسائر المصادر الإِسلاميّة يُشير إلى جانبٍ معيّن من صفات الله. والاسم الوحيد الجامع لكلّ الصفات والكمالات الإِلهيّة أو الجامع لكلّ صفات الجلال والجمال هو “الله”.

 

ولذلك اعتُبرت بقيّة الأسماء صفات لله تعالى مثل: “الغفور” و”الرحيم” و”السميع” و”العليم” و”البصير” و”الرزّاق” و”ذو القوّة” و”المتين” و”الخالق”.

 

3- الرّحمة الإِلهيّة الخاصّة والعامّة

المشهور بين جماعة من المفسّرين أنّ صفة “الرحمن” تُشير إلى الرحمة الإِلهيّة العامّة، وهي تشمل الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، والمحسنين والمسيئين، فرحمته تعمّ المخلوقات، وخوان فضله ممدود أمام جميع الموجودات، وكلّ العباد يتمتّعون بموهبة الحياة، وينالون حظّهم من مائدة نعمه اللّامتناهية. وهذه هي رحمته العامّة الشاملة لعالم الوجود كافّة وما فيه من كائنات.

 

وصفة “الرحيم” إشارة إلى رحمته الخاصّة بعباده الصالحين المطيعين، قد شملتهم بإيمانهم وعملهم الصالح، وَحُرِم منها المنحرفون والمجرمون.

 

وفي رواية عن الإِمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قَالَ: “وَالله إلهُ كُلِّ شَيْء الرَّحْمنُ بِجَمِيعِ خَلْقِهِ، الرَّحِيمُ بِالْمُؤْمِنينَ خَاصَّةً”[7].

 

4- الْحَمْدُ ِللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

بعد البسملة، أوّل واجبات العباد أن يستحضروا دوماً مبدأ عالم الوجود، ونِعَمه اللامتناهية، هذه النِّعم الّتي تُحيطنا وتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة الله من جهة،

 

وتدفعنا إلى طريق العبوديّة من جهة أخرى.

 

وعندما نقول إنّ النِّعم تُشكِّل دافعاً ومحرِّكاً إلى طريق العبوديّة فذلك، لأنّ الإِنسان مفطور على البحث عن صاحب النعمة حينما تصله النعمة، ومفطور على أن يشكر المنعم على إنعامه.

 

من هنا فإنّ علماء الكلام (علماء العقائد) يتطرّقون في بحوثهم الأوّلية لهذا العلم إلى “وجوب شكر المنعم” باعتباره أمراً فطريّاً وعقليّاً دافعاً إلى معرفة الله سبحانه.

 

وإنّما قُلنا إنّ النِّعم تهدينا إلى معرفة الله، لأنّ أفضل طريق وأشمل سبيل لمعرفته سبحانه، دراسة أسرار الخليقة، وخاصّة ما يرتبط بوجود النِّعم في حياة الإنسان.

 

خطّ التوحيد الّذي دعا إليه الأنبياء عليهم السلام يتميّز بنبذ فكرة الأرباب المتعدِّدين، وهداية البشريّة نحو الإله الواحد الأحد، وانطلاقاً من هذه الأهميّة القصوى للقضاء على الآلهة المتعدِّدة جاء التأكيد القرآنيّ بعد آية البسملة بقوله: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

 

وبهذا يرسم القرآن الكريم خطّ البطلان على جميع الأرباب المزيّفين، ويغرس محلّها أزهار التوحيد والاتّحاد.

 

هذا التأكيد يتلوه الإِنسان المسلم عشر مرّات في صلواته اليوميّة – على الأقل – لتترسّخ فكرة التوحيد، وفكرة رفض ربوبيّة كلّ الأرباب المدّعاة، غير ربوبيّة الله ربّ العالمين.

 

ربوبيّة الله طريق لمعرفة الله.

 

كلمة (الربّ)، وإن كانت تعني في الأصل المالك والصاحب، إلّا أنّها تتضمّن أيضاً معنى الصاحب المتعهّد بالتربية والرعاية.

 

وإمعان النظر في المسيرة التكامليّة للموجودات الحيّة، وفي التغييرات والتحوّلات الّتي تجري في عالم الجماد، وفي الظروف الّتي تتوفّر لتربية الموجودات، وفي تفاصيل هذه الحركات والعمليّات، هو أفضل طريق لمعرفة الله. والتنسيق اللاإراديّ بين أعضاء جسدنا هو نموذج حيّ لذلك.

 

يقول تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾[8].

 

المفاهيم الرئيسة

– من خصائص سورة الحمد أنّها أساس القرآن وأمّ الكتاب.

 

– أهمّيّة هذه السّورة تتّضح من محتواها، فهي في الحقيقة عرض لكلّ محتويات القرآن من توحيد ومعاد وهداية وضلال.

 

– تتضمّن هذه السّورة مراحل الإِيمان الثلاث: الاعتقاد بالقلب، والإِقرار باللسان، والعمل بالأركان. ويُمكن تقسيم هذه السّورة، من منظار آخر، إلى قسمين: قسم يختصّ بحمد الله والثناء عليه، وقسم يتضمّن حاجات العبد.

[1] الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 6، ص 232.

[2] الميرزا النوري، مستدرك الوسائل، ج4، ص332.

[3] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج82، ص60.

[4] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 7، ص 170.

[5] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج89، ص243.

[6] الفيض الكاشاني، التفسير الصافي، ج1، ص82.

[7] الكليني، الكافي، ج1، ص114.

[8] سورة فصّلت، الآية 53.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...