المسجد لغة
المسجد لغة اسم مكان من مادة « سجد » بمعنى طأطأة الرأس وإظهار التذلّل ، يقول ابن فارس :
السينُ والجيمُ والدّالُ أصلٌ واحدٌ مُطَّرِدٌ يَدُلُّ عَلى تَطامُنٍ وذُلٍّ ، يُقالُ : سَجَدَ ؛ إذا تَطامَنَ ، وكُلُّ ما ذَلُّ فَقَد سَجَدَ.۱
وقد أيّد علماء اللغة العربية الآخرون هذا المضمون بعبارات مشابهة ، وبناءً على ذلك ، فإنّ « السجود » يعني في اللغة العربية ـ كما قلنا ـ التذلّل وطأطأة الرأس في مقابل الغير ، والمسجد هو مكان هذا الفعل .
المسجد في الكتاب والسنّة
السجود في مفهوم الكتاب والسنّة لا يعني طأطأة الرأس وحسب ، بل إنّه يعني أيضا وضع الرأس على التراب ؛ ولذلك فقد فسّر السجود بغاية الخضوع . وعلى هذا الأساس ،
فإنّ للمسجد مكانة خاصّة في الثقافة الإسلامية ، حيث يقيم الإنسان العاجز والمحتاج من خلاله العلاقةَ مع الخالق القدير الغني وذلك بالخضوع أمام عظمته . وبالطبع ، فإن بإمكان الإنسان أن يظهر الخضوع أمام العظمة الإلهية في كلّ
1.معجم مقاييس اللغة : ج ۳ ص ۱۳۳ .
تؤكّد الروايات الإسلامية كثيرا على نشر ثقافة بناء المساجد في المجتمع الإسلامي ؛ وذلك لما للمسجد من دورٍ مصيريّ في سيادة القيم الدينية ، وتوصي المسلمين بنشر هذه الثقافة ما استطاعوا من خلال تشييدها في كل مكان تظهر فيه الحاجة إليها من مدنٍ أو قرى ، بل حتّى الطرقات التي يسلكها المسافرون ؛ ۱ حتى روي من باب المبالغة في حديث عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
مَن بَنى مَسجِدا ولَو مَفحَصَ قَطاةٍ ، بَنَى اللّهُ لَهُ بَيتا فِي الجَنَّةِ .۲
3 . عمارة المسجد
رغم أننا لا نجد في الروايات الإسلامية عنوان عمارة المساجد ، وبإمكاننا القول بأنّ كيفية عمارة المسجد تتبع الحاجة والظروف الزمانية والمكانية ، إلّا أنّه يمكننا ومن خلال التدبّر في كلمات أهل البيت عليهم السلام ووصاياهم استنباط بعض الاُمور باعتبارها اُصول ثقافة العمارة الإسلامية للمساجد :
أ ـ الأخذ بنظر الاعتبار حاجة الأجيال القادمة
الأمر الأول الذي وردت الإشارة إليه في بعض الروايات هو الأخذ بنظر الاعتبار في بناء المساجد حاجة الناس الحاليّة ، بل وحاجة الأجيال القادمة أيضا كي لا تدعو الحاجة فيما بعد إلى هدمها بهدف توسيعها ، كما جاء في الرواية :
إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أتى عَلى قَومٍ مِنَ الأَنصارِ وهُم يَبنونَ مَسجِدا لَهُم ،
1.راجع : ص ۳۷ (الفصل الثالث : بناء المسجد) .
2.راجع : ص ۲۵ ح ۲۲ .
مكان ويقيم العلاقة مع اللّه من خلال ذلك ، ولكنّ المكان الذي يخصّص لذلك بقصد القربة ، يسمّى مسجدا . ۱
وقد قدّم القرآن والأحاديث الإسلامية إرشادات مهمّة وقيّمة كي تنعم الاُمّة الإسلامية بشكل كامل ببركات « المسجد » ، وهي في الحقيقة تعتبر بمثابة معجم شامل ومتكامل للانتفاع ببركات المسجد ، وينبغي على مبلّغي الدين أن يسعوا ـ وبالاستعانة بهذا المعجم الشامل ومن خلال التفكّر والتأمّل في تلك الأقوال والإرشادات البنّاءة ـ من أجل تأسيس وتوظيف إمكانيات المساجد على أحسن وجه .
وبغية تحقيق هذا الهدف فنحن نقدّم هذا الكتاب للقرّاء الكرام وبالخصوص الباحثين منهم والمبلّغين والذي يحمل عنوان « رسالة المسجد » ، حاملاً في طيّاته إرشادات القرآن وأهل البيت عليهم السلام في اثني عشر فصلاً ، ولكننا سنشير قبل ذلك إشارة خاطفة إلى أهمّ الملاحظات التي أوليناها الاهتمام في هذا الكتاب .
1 . دور المسجد في سيادة القيم الدينية
يمثل المسجد قلب المجتمع الإسلامي وأهمّ قاعدة ثقافية وسياسية للحكومة الدينية ، ولذلك نجد الروايات تدعو المسلمين إلى الارتباط بهذا المركز وتعبّر عنه بتعابير سامية ؛ مثل : « بيت اللّه » ، « مجلس الأنبياء » ، « بيت كلّ تقي » ، « خير البقاع » و « روضة من رياض الجنّة » ، وتشجّعهم على استلهام بركاته الماديّة والمعنويّة بشكل أتم . ۲