الرئيسية / صوتي ومرئي متنوع / 15 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

15 جدال في شهر العسل – السيد حسين الحيدري

الفصل الرابع عشر

استيقظتْ هدى مبكراً عند الفجر، فتعجبتْ حين وجدتْ نفسها نائمة على كرسيّها، ثم التفتتْ إلى زوجها فوجدته نائماً على كرسيّه أيضاً، أدركتْ حينها أنّ التعبَ جعلهما ينامان على كرسيّيهما بعد حوارهما ليلة أمس، جلستْ في محرابها بعد أداء صلاة الصبح، فأطالتْ البكاء عندما شعرتْ أنها غارقة في بحر أمواجٍ متلاطمةٍ تتقاذفها يميناً وشمالا، تقفُ حائرةً بين زوجها مِنْ ناحية، وبين أهلِها وعشيرتِها مِنْ ناحية أخرى، بين موروثٍ نشأتْ عليه، وبين حقائق جديدة تواجهها، لذا توسّلتْ بخالقها أنْ يهديَها إلى الصراط المستقيم والطريق القويم، ثم أجلستْ زوجَها فصلى صلاة الصبح هو أيضاً، وبقي عليٌّ على سجادته كالعادة حتى طلعت الشمس.

هدى: يدور في ذهني منذ فترة سؤال سمعته مِراراً مِنْ أساتذتي الوهابية، وهو أنّ العقائد لابدّ أنْ يَردَ فيها قرآنٌ يُثبتها، ولا يمكن إثباتها عن طريق السنة النبوية فقط، ولمّا كانتْ الإمامة عندكم مِنَ العقائد، فيجب إثباتها مِنَ القرآن الكريم؟

علي: حقاً إنّ هذا هو أعجبُ رأي سمعته لحدِّ الآن، فلو نصّ النبيُّ ص على شخصٍ بأمر مِنَ الله سبحانه، أليس هو كالنصِّ الصادر مِنَ الله في قرآنه؟

هدى: كلامُك صحيحٌ تماماً، لأنّ النبي ص لا يأتي بالأوامر مِنْ عِندِ نفسه أبداً، ولكنْ رغم ذلك قل لي: بماذا تجيبهم عن ذلك؟

علي: قال تعالى: (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) وقال: (وما ينطق عن الهوى إنْ هو إلا وحيٌ يوحى) وقال: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكـِّموك فيما شجرَ بينهم ثمّ لا يجدوا حرجاً مما قضيتَ ويسلمّوا تسليما) وقال: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أنْ يكون لهم الخيرة من أمرهم).

هدى: سبحان الله، كلُّ هذه الآيات تدلُّ على وجوب الأخذ بما يقوله النبي ص ويأمر به أو ينهى عنه، ولكنْ لِنفرض أنّ شخصاً لا يقبل إلا بالقرآن، فماذا ستقول له؟

علي: نفسُ القرآن يَرُدُّ عليه.

هدى: وكيف ذلك؟

علي: ألم يقلْ ربُّنا في وصف النبي ص: (ويُعلـِّمُهم الكتابَ والحِكمة).

هدى: نعم، ولكن كيف تستدلُّ بها على المطلوب؟

علي: الآية تخبرنا عن وظيفة النبي محمد ص، وأنه يُعَلـِّم الناسَ القرآن ومع القرآن شيئاً آخر هو الحكمة، فما هي هذه الحكمة؟

هدى: لا أعلم.

علي: هل الحكمة شيءٌ مغايرٌ للقرآن، أم هي نفس القرآن؟

هدى: بل هي شيءٌ آخر غير القرآن، لأنه لو كانت الحكمة هي القرآن، لكانت الآية تقول: يعلمهم القرآن والقرآن، ومثلُ هذا الكلام لا معنى له.

علي: أحسنتِ، فإذا كانتْ الحكمة غير القرآن، فماذا ستكون؟

هدى: لابدّ أنها كلامٌ آخر يقوله النبي ص للناس فيه حِكمة.

علي: وماذا يُسمّى كلامُ النبي ص الذي يتكلم به غير القرآن؟

هدى: (تبتسم) صحيحٌ صحيح، يُسمّى السنة النبوية.

علي: فوظيفة النبي ص تعليم الناس القرآن والسنة، حسب هذه الآية، ولم تخصّصها بالأحكام دون العقائد، بل تشمل كلّ ما يقوله النبي ص.

هدى: تريدُ أنْ تقولَ بأنّ الحكمة في الآية تشمل كلَّ ما يقوله النبي ص مِنَ الأحكام والأخلاق والعقائد الدينية أيضاً؟

علي: طبعاً، لأنّ كل ما يقوله النبي ص هو مُطابقٌ للحكمة والعقل والمنطق.

هدى: استنتاجك مِنْ هذه الآية متينٌ وقويٌ حسبَ تصوّري، ولكنْ ماذا يقول علماؤنا في الحكمة في آية: (يعلمهم الكتاب والحكمة)؟

علي: يقول ابن قيم الجوزية في كتابه (الروح) ج1 ص218 طبع دار الفوائد بمكة المكرمة: (المسألة الثامنة وهي قَول السَّائِل: ما الحكمة في كون عذاب القَبر لم يُذكرْ في القرآن معَ شدَّة الحاجة إلى معرفَته والإيمان بِهِ ليُحْذَرَ ويُتَّقى؟ فَالْجَوَاب مِنْ وَجْهَيْن مُجمل ومُفصّل، أمّا الْمُجمل فهو أَنّ الله سبحانه وتعالَى أنزلَ على رسولهِ وَحْيَيْن وأوجبَ على عباده الإيمانَ بهما والعملَ بما فيهما وهما الكتاب والحكمة، وقَال تعالَى: وَأنزل الله عليك الكتاب والحكمة، وقَال تعالى: هوَ الذى بعث فِي الأمِّيين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلهم الكتاب والحكمة، وقَال تعالى: واذكرنَ ما يُتلى في بيوتكم مِنْ آياتِ الله والحِكمة، والكتاب هو القرآن والحِكمة هي السُنة باتفاق السّـلف، وما أخبرَ بهِ الرَّسولُ عن الله فهو في وجوب تصديقه والإيمان بهِ كما أخبر به الربُّ تعالَى على لسان رسوله، هذا أصلٌ مُتـَّفقٌ عليهِ بين أهل الإسلام لا يُنكره إِلا مَنْ ليس مِنهم، وقد قَال النبي: إني أُوتيتُ الكتابَ ومثله معه).

هدى: يا سبحان الله، لقد أتى بثلاثة آياتٍ قد جمعتْ القرآنَ مع الحكمة فيها.

علي: ثمّ إنّ هناك أحاديث نبوية أشارتْ إلى أمثال هؤلاء الناس.

هدى: وماذا تقصد بهؤلاء الناس؟

علي: أقصد الذين يطالبوننا بآية قرآنية، عندما نأتيهم بالحديث النبوي.

هدى: وما هي تلك الأحاديث التي أشارتْ إليهم؟

علي: روى أحمد في مسنده ج4 ص132، وابن ماجة في سننه ج1 ص6 حديث 12، وأبو داود في سننه ج4 ص200 حديث 2604، والبيهقي في سننه ج9 ص331، وابن حزم في الأحكام ج2 ص161، أنّ النبي ص قال: (يوشكُ الرجلُ مُتَّكِئاً على أريكته، يُحَدَّثُ بحديثٍ مِنْ حديثي فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه مِنْ حلالٍ استحللناه، وما وجدنا فيه مِنْ حرامٍ حرّمناه، ألا وإنّ ما حرّمَ رسولُ الله مِثلَ ما حرّم الله).

هدى: جميل جداً، فالنبي ص تنبّأ بظهور أمثال هؤلاء المنحرفين في المستقبل، وهل تملك غيرَ هذا الحديث في هذا الباب؟

علي: وروى الشافعي في (الرسالة) ص89، وفي كتابه (الأم) ج7 ص16، وابن ماجة في سننه ج1 ص7 حديث 13، وأبو داود في سننه ج2 ص392 حديث 4605، والترمذي في سننه ج4 ص144 حديث 2800: (لا ألفينّ أحدكم مُتكِئاً على أريكته يأتيه الأمر مِنْ أمري ممّا أمرتُ بهِ أو نهيتُ عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتـّبعناه).

هدى: ولكني أتذكر بأنّ أساتذتي كانوا يستشهدون بآية مِنَ القرآن تؤكـِّد بأنّه لابدّ أنْ يكونَ كلَّ شيءٍ مذكورٌ في القرآن ومِنْ بينها العقائد، وهي قوله تعالى: (ما فرّطنا في الكتاب مِنْ شيء) فهذا دليلٌ قويٌ لا يُمكنكَ رَدَّهُ.

علي: لو كانتْ كلمة (الكتاب) في هذه الآية بمعنى القرآن، لكان كما تقولين.

هدى: وهل هناك معنى آخر لِكلمة الكتاب فيها؟

علي: نعم، مفسّروكم فسّروا كلمة (الكتاب) في الآية باللوح المحفوظ، وليس بالقرآن.

هدى: عجيب، فكيف استدلّ بها أساتذتنا على أنّ الكتاب هنا هو القرآن؟

علي: لا أعلم، لكني أعلم أنّ القرطبي في تفسيره ج8 ص370، وابن كثير في تفسيره ج6 ص31، وابن عثيمين في تفسيره طبع دار ابن الجوزي، قد ذكروا بأنّ المقصود مِنْ كلمة (الكتاب) في هذه الآية هو اللوح المحفوظ وليس القرآن.

هدى: ماذا قلتَ؟ ابن عثيمين له نفس هذا الرأي؟ وهو مِنْ كبار علمائِهم، فماذا يقول؟

علي: يقول بالحرف الواحد: (قوله: ” ما فرّطنا في الكتاب من شيء “، (فرّطنا) أي أهملنا، والمُراد مِنَ (الكتاب) اللوح المحفوظ وليس الكتاب العزيز).

هدى: سبحان الله، إذا كانَ علماؤهم فسّروها باللوح المحفوظ، فكيف يستشهدون بها للردّ على الشيعة في أنّ (الكتاب) بمعنى القرآن؟!

علي: وستتعجبين يا عزيزتي أكثر، إذا عَلِمْتِ بأنّ علماءَهم يُصرّحون ويؤكدون بأنّ حجيّة السنة النبوية في العقائد، مثل حجيّة القرآن الكريم.

هدى: إذا كان حقاً ما تقوله، فسوف أمسح مِنْ دماغي كلَّ ما تعلمتُهُ في هذه الدورة الوهابية، القائمة على التزوير والتحريف.

علي: هاكِ استمعي لأقوال علمائِهم في هذا المجال:

قال الحسن بن علي البربهاري في كتابه (شرح السنة) ص119 – 120 فقرة 135، تحقيق عبد الرحمن الحميزي طبع مكتبة دار المنهاج بالرياض: (وإذا سمعتَ الرجل تأتيه بالأثر [أي الحديث] فلا يريدُهُ ويريدُ القرآن، فلا تشكّ أنه رجلٌ قد احتوى على الزندقة، فقمْ مِنْ عندِهِ ودَعْهُ).

هدى: الله أكبر، قد احتوى على الزندقة !!! ما أقواها مِنْ كلمةٍ، فلماذا يدرِّسونَ الطلابَ خلاف أقوال علمائهم؟

علي: وقال الألباني في (رسالة الحديث حُجّة بنفسه في العقائد والأحكام) ص60 طبع مكتبة المعارف بالرياض، فصل عدمُ الاحتجاج بالحديث الآحاد بدعة مُحْدَثة: (وبالجملة، فأدلة الكتاب والسنة وعملُ الصحابة وأقوالُ العلماء تدلّ دلالة قاطعة – على ما شرحنا – مِنْ وجوب الأخذ بحديث الآحاد في كلّ أبواب الشريعة، سواء كان ذلك في الاعتقادات أو العمليات، وأنّ التفريق بينهما بدعة لا يعرفها السلف).

هدى: أتصوّر بأنّ عنوان الكتاب وعنوان الموضوع كافيان في بيان رأيه، فكيف وقد أوضح كلامه ذاك بأوضح بيان.

علي: ويقول الربيع المدخلي في (شرح أصول السنة) ج2 ص369: (فهي – أي السنة – مَرَدُّ الناس ومرجعهم هي والقرآن على حدٍّ سواء، فهي في الاحتجاج في أبواب العقائد والأحكام والحلال والحرام وسائر شؤون الدين هي مرجعٌ كالقرآن).

هدى: لا ينقضي عجبي من أساتذتنا الوهابية، حيث يدرِّسوننا ما يخالف عقائدهم هم أيضاً، ألا يعلمون أنهم سوف يفتضحون ويسقطون مِنْ أعيننا، حين نطلع نحن التلاميذ على مثل هذا التزوير والتحريف الذي يقومون به؟

علي: وهناك دليلٌ آخر قويٌّ يمكن الاحتجاجُ به عليهم.

هدى: وما هو؟

علي: لو سألناهم وقلنا لهم: إنّ الله أمرنا في كتابه الكريم بالصلاة والزكاة والصيام والحج، ولكنه لم يبيّن لنا تفاصيل كلّ هذه الأمور، ففي الصلاة مثلاً لم يبين القرآن الأذانَ وعدد الركعات وما يُقال في السجود والركوع ووو.

هدى: حقاً إنه دليلٌ جميلٌ جداً، ولكن قد يُقال لك بأنها أحكام وليست عقائد؟

علي: وهكذا في العقائد، فإنهم يؤمنون بكثير مِنْ أشراط الساعة كنزول عيسى وظهور المهدي والدجال ويأجوج ومأجوج، ويؤمنون بضغطة القبر وتفاصيل يوم القيامة مما لم يَردْ ذِكرَها في القرآن الكريم أبداً.

هدى: صدقتَ، ما أكثر العقائد التي يؤمنون بها، ولم يَردْ لها ذِكرٌ في القرآن الكريم.

علي: لكنهم عندما يصل الحوار مع الشيعة حولَ إمامة الإمام علي ع، ويستدلّ الشيعة عليها بأحاديث النبي ص، يقولون: لابدّ مِنْ ذِكرها في القرآن الكريم.

هدى: والآن لدينا موضوع مهم علينا بحثه، وهو دور الشورى في انتخاب الخليفة.

علي: لنؤجِّلَ هذا الموضوع بعد صلاتي الظهر والعصر.

هدى: نعم أحسنت، لنؤجّله بعد أدائهما.

شاهد أيضاً

الجهاد – طريقة العمل

طريقة العمل                                  * العمل  طبق التكليف والأحكام الشرعية                                * كسب محبة الشعب ...