الرئيسية / شخصيات أسلامية / رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ \ الهاشميون في الجاهلية والإسلام

رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ \ الهاشميون في الجاهلية والإسلام

غزوة تبوك والزحف على بلاد الروم .
في هذا الوقت بالذات تواردت الأنباء إلى الرسول القائد ( ص ) من أن الروم أعدوا العدة
لغزو الأجزاء الشمالية من الجزيرة العربية ، التي تعتبر جزءا من الدولة الإسلامية
فقرر الرسول ( ص ) أن يصدهم بنفسه .
وهكذا أصدر أوامره لاستنفار المسلمين في المدينة المنورة وخارجها ، فلم يدع قوما من
الناس إلا أجابوه لذلك ، إلا أن المنافقين الأوائل من قريش ، ممن أظهروا الإسلام
خوفا من سطوة المسلمين بعد فتح مكة ، راحوا يختلقون الأعذار حتى لا يخرجوا لقتال
الروم ، وكان أهم عذر عندهم في ذلك : شدة الحر وبعد المسافة بين المدينة وبلاد الروم ،
وقد حكى القرآن الكريم ، ما كانوا يتذرعون به من وسيلة ، منددا ومهاجما : ( وقالوا لا
تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ) ( 6 ) .
ولم يقف المنافقون عند هذا الحد ، بل راحوا يدعون الناس إلى التخلف عن الجيش
الإسلامي ، وأعدوا دارا لتجمعاتهم ، فبلغ الرسول ( ص ) ذلك ، فأحرق عليهم الدار أثناء
اجتماعهم ، ففروا هاربين : حيث لقنهم بذلك درسا لقاء خيانتهم للإسلام .
سار جيش الإسلام بقيادة رسول الله ( ص ) ، وكان تعداده ثلاثين ألفا ، وقد سمي ذلك الجيش
( جيش العسرة ) لشدة الحر ، وبعد المسافة ، وقلة المؤونة . وقد استخلف الرسول
( ص ) عليا ( ع ) لإدارة المدينة المنورة ولرعاية أهله ( ص ) ، على أن عليا أراد صحبة
الرسول ( ص ) في غزوته ، إلا أن رسول الله أمره بالبقاء في المدينة المنورة ، وخاطبه
بقوله : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ إلا أنه لا نبي بعدي ( 1 ) .
الفصل الثاني : آل البيت ( ع ) وحادثة المباهلة .
بعد أن تحقق النصر للدعوة ونبيها الكريم محمد ( ص ) في أرجاء الجزيرة ، وتم فتح مكة
والطائف ودمرت معاقل الشرك والوثنية ، وتلاشت سطوة قريش وجبروتها ، وظهر الإسلام
كقوة عقيدية وسياسية وعسكرية : أخذت وفود العرب تفد على رسول الله ( ص ) لتعلن
إسلامها وولاءها ، وكذلك فقد وجه رسول الله ( ص ) كتبه ورسله إلى الملوك والرؤساء ،
يدعوهم إلى الإسلام من منطلق القوة والوثوق بالوعد الإلهي بالنصر ، وكان ممن وجه
إليهم كتبه هم أساقفة نجران يدعوهم إلى الإسلام ، ويعرفهم بدعوته . ونص كتابه
المبارك هو : .
بسم الله ، من محمد رسول الله إلى أساقفة نجران ، بسم الله فإني أحمد إليكم إله
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب : أما بعد ذلكم فإني أدعوكم إلى عبادة الله من
عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية ، وإن
أبيتم أذنتكم بحرب والسلام ( 2 ) .
لقد أحدث هذا الكتاب هزة عنيفة في كيان النصارى في بلاد اليمن ، ورأوا أن يقدموا على
رسول الله ( ص ) بوفد يخوض حوارا عقائديا وفكريا ، توجه الوفد برئاسة أبي حارثة
الأسقف ، ومعه العاقب والسيد وعبد المسيح وكوز وقيس والأيهم ، فوصلوا المدينة المنورة
ودخلوا على رسول الله ( ص ) في مسجده الشريف ، وهم متباهون بزينتهم وحليهم ، ظانين
أن ذلك يؤثر على موقف رسول الله ( ص ) النفسي ، وحين رآهم رسول الله متظاهرين بمظاهر
العظمة المزيفة ، قال لأصحابه : ( دعوهم ) ، ثم التقوا رسول الله وبدأ الحوار
والمسألة طوال ذلك اليوم ، ثم سأل أبو حارثة رسول الله ( ص ) : يا محمد ما تقول في
المسيح ؟ قال : ( هو عبد الله ورسوله ) . فقال أبو حارثة : تعالى الله عما قلت ، وكان يظن
في المسيح ظن الربوبية ، وحين اشتد إصرارهم على عقيدة الشرك وتأليه المسيح ورفض نبوة
محمد ( ص ) : أراد الله سبحانه أن يظهر لهم نبوة محمد ( ص ) بإجابة دعوته وبطلان عقيدتهم
ودعواهم ، فأنزل الله على نبيه آية المباهلة ، قال تعالى : ( فمن حاجك فيه
من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل
فنجعل لعنة الله على
الكاذبين ) ( 1 ) ، وعلى أثر هذا النص السماوي توجه الرسول ( ص ) بالخطاب إلى وفد
النصارى : .
إن لم تؤمنوا بي وتصدقوني ، فتعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذب
، وننتظر من سيقع عليه العذاب والعقاب الإلهي ، فهو على باطل ، فقالوا للنبي :
نباهلك غدا ، ثم اجتمعوا فتحاوروا وتشاوروا بينهم ، فقال أبو حارثة لوفده : .
أنظروا من جاء معه ، وغدا رسول الله ( ص ) آخذا بيديه المباركتين الحسن والحسين ( ع )
تتبعه فاطمة وعلي بن أبي طالب ( ع ) بين يديه . وغدا العاقب والسيد بابنين لهما عليهما
الدر والحلي ، وقد حفوا بأبي حارثة ، فقال أبو حارثة : من هؤلاء معه ؟ قالوا : هذا
ابن عمه ، وهذه ابنته ، وهذان ابناهما ، فجثا رسول الله على ركبتيه ثم ركع ، فقال
أبو حارثة : جثا والله كما يجثو النبيون للمباهلة . . . إلخ ( 2 ) .
قال الزمخشري في سياق تفسير آية المباهلة : وقدمهم في الذكر على الأنفس لينبه على
لطف مكانهم وقرب منزلتهم : وليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس ، مفدون بها . . .
وفي هذا دليل لا شئ أقوى منه على فضل أصحاب الكساء ( 3 ) .
أما المشركون الذين لم يتخلوا عن وثنيتهم ، فقد عزم رسول الله ( ص ) على منعهم من
تأدية طقوسهم حول البيت الحرام : نظرا إلى إعلانهم الشرك ، وسلوكهم غير المحتشم ،
حيث يطوفون ، حول البيت عراة متحللين من الأدب ، فلا مبرر لبقاء ذلك المظهر البشع ،
ولا داعي لبقاء قوم يعبدون الأصنام ، بعد أن أظهر الله الإسلام وأعزه بنصره ، وبعد أن
حطمت الأصنام ، ودخلت مكة دار الإسلام .
في موسم الحج ، في السنة التاسعة من الهجرة ، حيث نزلت سورة التوبة ( البراءة ) التي
ألغت كل مخلفات الشرك ، وأنهت كل وجود للمشركين في مكة ، أمر رسول الله ( ص ) أبا بكر
بتبليغها لمن تبقى من المشركين ، والذين يتواجدون غالبا عند البيت الحرام في الموسم
: لأداء مناسك الحج على طريقتهم البالية ، فلما كان أبو بكر في بعض الطريق ، هبط
الأمين جبرائيل ( ع ) بالأمر من الله لرسوله ( ص ) : أن لا يتولى التبليغ إلا أنت أو
رجل من أهل بيتك ، فبعث رسول الله ( ص ) عليا عليه السلام ، وأعطاه كتابا إلى أبي بكر
يأمره بإعطاء الكتاب الذي يحمل السورة المباركة إلى علي ( ع ) – وهكذا كان – فعاد
أبو بكر إلى رسول الله ( ص ) كئيبا ، فقال له : أنزل في شئ ؟ قال ( ص ) : لا ، إلا أني
أمرت أن أبلغه أنا أو رجل من أهل بيتي ( 4 ) ،
وسار علي ( ع ) حتى إذا وصل مكة وقف بمنى ، وقرأ السورة المباركة ، ثم نادى بأعلى صوته :
لا تدخل الكعبة إلا نفس مؤمنة ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عهد عند رسول
الله فعهده إلى مدته ، ومن لم يكن له عهد ، فأجله أربعة أشهر ( 1 ) .
– الله ورسوله يعدان الأمة لتقبل القيادة الهاشمية – الإعداد لعصر ما بعد
النبوة : .
بمحمد النبي الأعظم ( ص ) صمد البطن الهاشمي المبارك ، وتكسرت على صخرة هذا الصمود
الفذ أعتى موجات الضغط والعداء ، التي عرفتها البشرية خلال مدة ال‍ ( خمسة عشر ) عاما
التي قضاها النبي في مكة قبيل الهجرة .
ومن المسلم به بأن دين الإسلام هو آخر الأديان ، وفق الصيغة التي جاء بها رسول
الله ، وهو خاتم النبيين ، وبوقت يطول أو يقصر ، سينهي الله تعالى دورة الحياة الدنيا
برمتها ، وتقوم القيامة ، حيث ستبدأ دورة الحياة العليا الآخرة ، فاقتضت حكمته أن
يرتب الأمور ترتيبا محكما ، وأن يضع تحت تصرف المسلمين خاصة والبشرية جمعاء نظاما
سياسيا ، يستمر بعمر الحياة الدنيا ، ويلبي كامل الطموحات البشرية الواعية ، ومن
استعراض التاريخ البشري عبر مسيرته الموغلة بالقدم إلى يومنا هذا ، يتبين لنا أن
سبب كل الخلافات والاختلافات في أي مجتمع بشرى تنبع بالضرورة من مصدرين ، أحدهما
الرئاسة ، وثانيهما القانون ، فمن هو المستحق للرئاسة ؟ وما هو القانون الأفضل ؟
فإذا حسمت هاتان المسألتان الرئيسيتان حسما مقنعا : انقطع دابر الخلاف والاختلاف في
المجتمع ، وهناك إجماع في كل المجتمعات البشرية على أن الرئيس أو القائد يجب أن يكون
الأفصل والأعلم بالنواميس التي تسود المجتمع ، وهنالك إجماع آخر على أن القانون
السائد في المجتمع يجب أن يكون موضوعيا ومجردا وساريا على الجميع .
ولا يوجد في الدنيا فرد أو جماعة أو أمة ، تستطيع أن تؤكد لنا على وجه الجزم
واليقين أن هذا أو ذاك هو الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب للقيادة والرئاسة .
إذن فالمطلب الحقيقي للجميع ليس الفرض والتخمين ، إنما الجزم واليقين . لذلك فإن
المؤهل والمختص بإعطاء وتقديم المعلومات اليقينية القائمة على الجزم واليقين هو
الله جل وعلا ، فهو الذي اختار محمدا ( ص ) وقدمه لنا رسولا ورئيسا وقائدا ، وأكد لنا
بأنه الأعلم والأفهم والأفضل والأنسب لقيادتنا ، وحسمها نهائيا يوم حصر تعالى
بنفسه حق اختيار الأفضل والأعلم أمام مشكلة القانون ، فجنب المسلمين محذور الوقوع

شاهد أيضاً

الصحيفة السجادية الجامعة لأدعية الإمام علي بن الحسين عليهما السلام

وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان (صلى) فليستجيبوا لي وليؤمنوا ...