8 بُرَيْدَة بن الحُصَيْب
« 1 » ( . . – 62 ، 63 ه ) ابن عبد اللَّه بن الحارث الأسلمي ، في كنيته أقوال : أبو عبد اللَّه ، أبو ساسان ، أبو سهل ، أبو الحُصيب .
قيل : إنّه أسلم عام الهجرة إذ مرّ به النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم مهاجراً بالغَميم ، ثمّ قدم على رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بعد أُحد ، فشهد معه غزوة خيبر ، والفتح ، وكان معه اللواء ( لواء قومه أسلم ) ، واستعمله النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم على صدقات قومه ، وبعثه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم حين أراد غزوة تبوك يستنفرهم إلى عدوّهم ، ولم يزل بعد وفاة رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم مقيماً بالمدينة حتى فتحت البصرة ومُصرت فتحوّل إليها ، ثمّ خرج منها فيما قيل غازياً إلى خراسان في زمن عثمان ، فأقام بمرو ونشر بها العلم حتى مات .
أمّا ابن الأثير فذكر أنّ زياداً ولَّى الربيع بن زياد الحارثي على خراسان أوّل سنة احدى وخمسين وسيّر معه خمسين ألفاً بعيالاتهم من أهل الكوفة والبصرة ، منهم : بُريدة بن الحُصيب ، وأبو برْزة ولهما صحبة ، فسكنوا خراسان « 2 »
وفي الإصابة : انّ الباوردي أورده أي بُرَيْد الأسلمي في الصحابة من طريق ضعيفة عن عبيد اللَّه بن أبي رافع فيمن شهد صفّين من الصحابة مع عليّ وقتل بها .
قال وفيه يقول عليّ :
جزى اللَّه خيراً عصبة أَسلمية
حسان الوجوه صُرّعوا حول هاشمِ
« 1 » بُرَيْد وعبد اللَّه منهم ومنقذ « 2 »
وعروة وابنا مالك في الاكارمِ
قال : وهذا إن صح غير بريدة بن الحصيب الأسلمي لَانّه تأخّر بعد ذلك بزمن طويل .
حدّث بُريدة عن النبيّ – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وعُدّ من المقلَّين في الفتيا من الصحابة .
حدّث عنه ابناه : سليمان ، وعبد اللَّه ، وأبو نَضْرة العبدي ، والشعبي ، وآخرون .
عُدّ من أصحاب الإمام علي – عليه السّلام .
وهو أحد رواة حديث الغدير من الصحابة « 3 » .
روى النسائي بسنده عن بريدة ، قال : بعثنا رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم – إلى اليمن مع
خالد بن الوليد وبعث علياً رضي اللَّه عنه على جيش آخر وقال : إن التقيتما فعليّ كرم اللَّه وجهه على الناس وإن تفرقتما فكل واحد منكما على جنده ، فلقينا بني زبيد من أهل اليمن فظفر المسلمون على المشركين فقاتلنا المقاتلة وسبينا الذريّة ، فاصطفى عليّ جارية لنفسه من السبي ، وكتب بذلك خالد بن الوليد إلى النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وأمرني أن أنال منه ، قال : فدفعت الكتاب إليه ونلت من عليّ رضي اللَّه عنه فتغيّر وجه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وقال : لا تبغضن يا بريدة لي علياً فإنّ علياً منّي وأنا منه وهو وليّكم بعدي « 1 » وروى الحاكم بسنده عنه ، قال : كان أحب النساء إلى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فاطمة ومن الرجال علي « 2 » وقال بريدة : لما كان يوم خيبر أخذ اللواء أبو بكر ، فرجع ولم يفتح له ، فلما كان الغد أخذه عمر ، فرجع ولم يفتح له ، وقتل محمود بن مسلمة ، فرجع الناس ، فقال رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : « لَادفعنّ لوائي غداً إلى رجل يحبُّ اللَّه ورسوله ويحبّه اللَّه ورسوله ، لن يرجع حتى يُفتح له » .
فبتنا طيّبةً أنفسنا أنّ الفتح غداً ، فصلَّى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم صلاة الغداة ، ثمّ دعا باللواء ، وقام قائماً ، فما منّا من رجل له منزلة من رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إلَّا يرجو أن يكون ذلك الرجل ، حتى تطاولتُ أنالها ، فدفعتُ رأسي لمنزلةٍ كانت لي منه ، فدعا عليّ بن أبي طالب وهو يشتكي عينه ، قال : فمسحها ثمّ دفع إليه اللواء ، وقال بريدة : إنّه كان صاحب مَرْحب « 3 » .
توفّي بريدة بمرو – سنة اثنتين وستين ، وقيل : – ثلاث وستين ، ورُوي أنّه أوصى أن يوضع في قبره جريدتان .
9 بلال الحبشي « 1 » ( . . 20 ، 21 ه )
بلال بن رَباح الحبشي ، مولى أبي بكر ، وأُمّه حَمامة .
وفي كنيته أقوال : أبو عبد اللَّه ، وأبو عبد الكريم ، وأبو عمرو .
كان من السابقين إلى الإسلام ، ومن المستضعفين من المؤمنين ، وكان يُعذّب ليرجع عن دينه ، وكان الذي يعذّبه أُميّة بن خلف ، يُلقيه في الرمضاء على وجهه وظهره إذا حميت الشمس وقت الظهيرة ، ثم يأمر بالصخرة العظيمة فتُلقى على صدره ، ويقول له : اكفر بربّ محمّد ، فيقول بلال : أحدٌ أحد .
هاجر إلى المدينة ، وآخى رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم بينه وبين أبي رويحة الخثعمي ، وقيل : آخى بينه وبين عبيدة بن الحارث .
وشهد بدراً وأُحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
وهو أوّل من أذّن لرسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم .
علَّمه رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم الاذان « 1 » ، فكان يؤذن له في السفر والحضر .
ولم يؤذن لَاحد بعد رسول اللَّه – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ، ثمّ خرج بعد وفاة النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم إلى الشام ، فأقام بها .
روي أنّ بلالًا رأى النبي – صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم في منامه وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟ ما آن لك أن تزورنا ؟ فانتبه حزيناً ، فركب إلى المدينة فأتى قبر النبي وجعل يبكي عنده ، ويتمرّغ عليه ، فأقبل الحسن والحسين فجعل يقبّلهما ويضمّهما ، فقالا له : نشتهي أن تؤذن في السحر ، فعلا سطح المسجد ، فلما قال : اللَّه أكبر اللَّه أكبر ، ارتجّت المدينة ، فلما قال : أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه ، زادت رجّتها ، فلما قال : أشهد أنّ محمّداً رسول اللَّه ، خرج النساء من خدورهن ، فما رئي أكثر باكياً ولا باكيةً من ذلك اليوم .
وجاء في تفسير المنار « 2 » أنّ عمر كتب إلى أبي عبيدة ، وهو في جيش خالد على الشام يولَّيه إمارة الجيش ، ويعزل خالداً عنها .
فكتم أبو عبيدة الامر ، ولما أبطأ على عمر الجواب كتب إلى أبي عبيدة ثانية يأمره فيه بأن يقرأه على ملإ من المسلمين ، وفيه الاذن بأن يعتقل خالد بعمامته ويحاسبه ، فهابه أبو عبيدة ، ولكنّه لما قرأ الكتاب ، قام بلال الحبشي ، وحلّ عمامة خالد واعتقله بها وحاسبه .
قال صاحب التفسير : فانظروا ما ذا فعل هدى الإسلام بهوَلاء الكرام ، يقوم مولى من الفقراء إلى السيد القرشي العظيم والقائد الكبير ، فيعقله بعمامته على أعين الملإ . .
عُدّ بلال من المقلَّين في الفتيا من الصحابة .
ونقل عنه الشيخ الطوسي في كتاب « الخلاف » فتوى واحدة ، وهي : الأُضحية سنّة مؤكَّدة لمن قدر عليها وليست بواجبة ، وبها قال من الصحابة : أبو بكر و . . وبلال .
توفّي بدمشق – سنة عشرين ، وقيل : – احدى وعشرين ، وقيل غير ذلك ، وهو ابن بضع وستين سنة ، ولا عقب له .
ودفن عند الباب الصغير .