آراء وتحليلات
13/04/2023
هل أطلقت بكين المسار العسكري لإنهاء انفصال تايوان؟
شارل ابي نادر
في الوقت الذي تتراكم وتتزايد فيه التحالفات المناهضة للصين في شرق آسيا وفي شمال غرب المحيط الهادي، بقيادة ورعاية اميركية خالصة، ترفع بكين من مستوى اجراءاتها العسكرية بشكل غير مسبوق ولافت .
وحيث كانت الاخيرة حتى ما قبل زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة بيلوسي لتايوان، تثابر على مقاربة ملف انفصال الجزيرة عنها بالتي هي أحسن، مغلّبة استراتيجية الحوار والطرق السياسية والديبلوماسية، يبدو أنها غيرت هذه الاستراتيجية اليوم نحو التشدد المشبع بالإجراءات المتقدمة عسكريا، تجاه الجزيرة ومحيطها ومضيقها.
ففي خطوة لافتة بمضمونها وبتوقيتها، دعا الرئيس الصيني بالامس جيشه الى تعزيز التدريب العسكري من أجل “قتال فعلي”، فيما لا تزال قواته تنتشر في محيط تايوان بما يشبه الطوق الكامل، بعد مناورات تم خلالها محاكاة تطويق وضرب الجزيرة، في الوقت الذي حذر فيه وزير خارجية تايوان من حرب وشيكة على بلاده.
وفيما كان الجو العام حتى ما قبل حركة المناورات والتدريبات العسكرية الصينية الاخيرة حول تايوان، يستبعد قيام الصين بعمل عسكري يستهدف الجزيرة، يبدو ان اغلب المعطيات اليوم حول هذه النقطة قد تغيرت، واصبح واردا وبقوة، قيام الصين بعملية عسكرية خاطفة لانهاء انفصال تايوان، وعلى الاقل، بمعزل عن الاجراءات العسكرية الاستثنائية التي تواصل الوحدات الصينية اتخاذها دون انقطاع، جاءت عبارة الرئيس الصيني بدعوة جيشه للتحضر للقتال الفعلي، لتؤشر وبقوة إلى هذا الأمر.
فما اسباب هذا التغيير في استراتيجية بكين لاستعادة السلطة على الجزيرة، من سياسية الى عسكرية؟
وما هي المعطيات الداهمة قوميا ودوليا، التي دفعت بالصين لاعتماد هذه الاستراتيجية الخطرة، في منطقة من الأكثر حساسية في العالم اليوم، وفي توقيت استثنائي جداً؟
في الواقع، وبمجرد إلقاء نظرة تفصيلية على الطوق الجغرافي الذي يحيط بالصين من المنطقتين الشرقية والجنوبية، والتي تشكل فعليا كامل المناطق المؤثرة على الصين عسكريا وميدانيا وبحريا، يمكن تلمس، وبوضوح، ما استطاعت واشنطن ان تحققه على طريق محاصرة الصين وفي عقر دارها.
من الشمال الشرقي ومن الشرق، بين اليابان وكوريا الجنوبية وجزيرة غوام، تعج كل المساحات البحرية المواجهة للصين، بالقواعد العسكرية الأميركية والحليفة، مع حركة متواصلة لأكثر من حاملة طائرات اميركية، تربط هذه القواعد بشكل دائم دون انقطاع.
من الجهة الجنوبية الشرقية، وتحديدا في وسط هذا القوس الجغرافي، تلعب جزيرة تايوان، وبما تمثله حاليا جغرافيا وعسكريا، دور القاعدة الأميركية الأكثر تاثيرا على الصين، ومع مضيقها المشترك جغرافيا بحدوده الشمالية مع البر الصيني، تساهم (تايوان) وبحجة المرور البحري المفتوح استنادا للقانون الدولي، في إعطاء الفرصة الأكثر حساسية وخطورة للوحدات الأميركية، للمرور المشبوه في أقرب النقاط من السواحل الصينية مباشرة.
من الجنوب، وتحديدا في بحر الصين الجنوبي، تلعب دول البحر المذكور الأخرى: الفيليبين وفيتنام وبرونوي، دورا سلبيا بمستوى مرتفع جدا لمصلحة واشنطن ضد بكين، من خلال الانخراط الكامل في استراتيجية التحريض التي تمارسها الادارة الاميريكة ضد السلطات الصينية، عبر تسعير الخلافات على جزر البحر المذكور (سبراتلي وباراسيل وغيرهما)، ومن خلال ابقاء مستوى التوتر مرتفعا، بشكل تستغله واشنطن لتركيز ونشر أكبر عدد من مدمراتها وسفنها الحربية، بحجة حماية المرور البحري الدولي، الامر الذي تعتبره الصين تعديا على سيادتها في مياهها الإقليمية.
من هنا، وانطلاقا من هذا الحصار الذي تعمل واشنطن لإكماله على الصين، عبر القواعد والقطع العسكرية، او عبر سلسلة الازمات والخلافات الجيوسياسية الضاغطة، وانطلاقا مما تحضر له واشنطن عبر تايوان، كنقطة ضغط وسطية بين شرق الصين وجنوبها، وانطلاقا مما يمكن استنتاجه حول مسار استكمال مخطط تطويق الصين عبر تحالفات آسيوية وغربية، تركز باغلبها على رفع مستوى الضغوط الدولية عليها. انطلاقا من كل ذلك، بالاضافة لما تمثله جزيرة تايوان بالنسبة للصين، قوميا وتاريخيا واستراتيجيا بات لزاما على بكين العمل على إنهاء انفصال تايوان باي وسيلة ممكنة.
وحيث اُقفِلت في وجه بكين، وبرعاية اميركية، كل الوسائل السياسية والديبلوماسية، لم يعد امامها الا تنفيذ عملية عسكرية حاسمة، اولا، تنهي من خلالها ملف انفصال الجزيرة نهائيا، وثانيا، تنزع من يد واشنطن نقطة الضغط الأكثر تاثيرا وخطرا على سيادة الصين وعلى امنها القومي والاستراتيجي.