أهل البيت سماتهم وحقوقهم في القرآن الكريم / الصفحات: ١ – ٢٠
أهل البيت (عليهم السلام) للأستاذ جعفر السبحاني ص ١ – ص ٢١
المقدّمة
الحمد للّه بارىَ النسم، وسابغ النعم، والصلاة والسلام على أفضل خليقته،وأشرف بريّته، أبي القاسم محمد، وعلى آله الذين أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.
أمّا بعد؛
لقد حاز أهل البيت (عليهم السلام) على أهمية بالغة في القرآن الكريم،وأشار إليهم في غير واحد من آياته ببيان سماتهم، وحقوقهم، وما يمت إليهم بصلة، لا سيما آية التطهير المعروفة بين المسلمين، أعني: قوله سبحانه: (إِنّما يُريدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجسَ أَهْلَ البَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيراً) .
ولاَجل أهمية الموضوع ألّف غير واحد من علماء الفريقين كتباً ورسائل حوله، أفاضوا فيها الكلام حول هوية أهل البيت ومناقبهم وفضائلهم.
وقد استرعى انتباهي في الفترة الاَخيرة كتابان حول أهل البيت: أحدهما: «حقوق أهل البيت (عليهم السلام)» لابن تيمية (المتوفّى عام ٧٢٨هـ)، والآخر: «الشيعة وأهل البيت» للكاتب المعاصر إحسان إلهي ظهير حيث بذلا الوسع لبيان نزول الآية في نساء النبي ص، و الكتاب الثاني أشدّ بخساً في هذا المجال. وقد أنصف الكتاب الاَوّل بعض الاِنصاف.
هذا وذاك ممّا دعاني إلى تقديم هذا الكتاب الماثل بين يديك الذي يبيّن هوية أهل البيت من خلال القرائن الموجودة في الآية والروايات المتضافرة، مضافاً إلى بيان سماتهم وحقوقهم عسى أن يجبر بعض ما هضم من حقوقهم في ذينك الكتابين خصوصاً الكتاب الاَخير.
وأود أن أشير في الختام إلى نكتة وهي انّ آية التطهير لحنها لحن الثناء والتمجيد على أهل البيت (عليهم السلام) في حين انّ لحن الآيات الواردة في نساء النبي ص النصح والوعظ تارة، والتنديد والتوبيخ أُخرى.
أمّا الاَوّل فكما في الآيات الواردة في سورة الاَحزاب.يقول سبحانه: (يا أَيُّها النَّبيُّ قُل لاََزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الحياةَ الدُّنيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَميلاً) .(١)
(يا نِساءَ النَّبيّ مَنْ يَأتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشة مُبيّنةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَينِ وَكانَ ذلِكَ عَلى اللّهِ يَسيراً) .(٢)
(يا نِساءَ النَّبِيّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ منَ النِّساءِ إِن اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيََطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَولاً مَعْرُوفاً) .(٣)
(وَقَرَنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجاهِليّةِ الاَُولى وَأَقمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وأَطِعْنَ اللّهَ ورَسُولَهُ) .(٤)
وأمّا الثاني أي التنديد و التوبيخ ففي الآيات الواردة في سورة التحريم:
(يا أيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرضاةَ أَزْواجِكَ واللّهُ غَفُورٌ رَحيم) .(٥)
(إِن تَتُوبا إِلى اللّه فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ مَولاهُ وجِبْرِيلُ وصَالِحُ الْمُوَْمِنِينَ والمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِير) .(٦)
(عَسى رَبُّهُ إِنْطَلَّقْكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُوَْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) .(٧)
فأُمّهات الموَمنين كسائر الصحابيات لهنّ من الفضل ما لغيرهنّ، ولكن آية التطهير بلغت من الثناء على أهل البيت بمكان تأبى من الانطباق عليهن بما عرفت لهنّ من السمات في الآيات وستوافيك دلالة الآية على عصمة أهل البيت وتنزيههم من الزلل والخطأ.
١. الاَحزاب: ٢٨.٢. الاَحزاب: ٣٠.
٣. الاَحزاب: ٣٢.
٤. الاَحزاب: ٣٣.
٥. التحريم: ١.
٦. التحريم: ٤.
٧. التحريم: ٥.
الجواب من جانب الرسل الذين كانوا ملائكة وتمثّلوا بصورة الاِنسان، قائلين: (أتعجبين من أمر اللّه رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت انّه حميد مجيد) .وأمّا الآية الثانية فقد وردت في ثنايا الآيات التي نزلت في شأن نساء النبي ص بدعوتهنّإلى التخلّـي عن الدنيا والتحلّـي بالتقوى إلى غير ذلك من الوصايا التي وردت ضمن آيات.(١)
والمهم في هذا المقام هو معرفة أهل البيت في الآية الثانية وما هي سماتهم وحقوقهم في الذكر الحكيم؟
فهناك مباحث ثلاثة:
من هم أهل البيت (عليهم السلام) ؟
و ماهي سماتهم؟
وماهي حقوقهم؟
وها نحن نقوم بدراسة هذه المواضيع في فصول ثلاثة مستمدين من اللّه العون والتوفيق.
١. انظر سورة الاَحزاب، الآيات: ٢٨ ـ ٣٤.
الفصل الاَوَّل
من هم أهل البيت (عليهم السلام)
إنّ المعروف بين المفسرين والمحدّثين، هو انّ المراد من أهل البيت في الآية المباركة، العترة الطاهرة الذين عرّفهم الرسول ص في حديث الثقلين، وقال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه، وعترتي».
غير انّ تحقيق مفاد الآية وتبيين المراد من أهل البيت فيها وانطباقها على حديث الثقلين يستدعي البحث في موردين:
أ. أهل البيت لغة وعرفاً.
ب. أهل البيت في الآية المباركة.
وإليك الكلام فيهما واحداً تلو الآخر.
تعالى عنه ـ أو نساوَه والرجال الذين هم آله.(١)هذه الكلمات ونظائرها بين أعلام أهل اللغة كلّها تعرب عن أنّ مفهوم أهل البيت في اللغة هم الذين لهم صلة وطيدة بالبيت، وأهل الرجل من له صلة به بنسب أو سبب أو غيرهما.
هذا هو الحق الذي لامرية فيه والعجب من إحسان إلهي ظهير الذي ينقل هذه النصوص من أئمّة اللغة وغيرهما ثم يستظهر انّ أهل البيت يطلق أصلاً على الاَزواج خاصة، ثم يستعمل في الاَولاد والاَقارب تجوّزاً، ثم يقول: هذا ما يثبت من القرآن الكريم كما وردت هذه اللفظة في قصة إبراهيم بالبشرى، فقال اللّه عزّ وجلّ في سياق الكلام: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَـقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)(٢) وقال: فاستعمل اللّه عزّ وجلّ هذه اللفظة على لسان ملائكته في زوجة إبراهيم (عليه السلام) لا غير، وهكذا قال اللّه عزّ وجلّ في كلامه المحكم في قصة موسى عليه الصلاة والسلام: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الاَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لاَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً)(٣) ، فالمراد من الاَهل زوجة موسى (عليه السلام)، وهي بنت شعيب.(٤)
نحن نسأل الكاتب من أين استظهر من كلمات أهل اللغة انّ «الاَهل» تطلق
١. القاموس المحيط: ٣|٣٣١.٢. هود: ٧٣.
٣. القصص: ٣٠.
٤. الشيعة وأهل البيت: ١٦ ـ ١٧.
أصلاً على الاَزواج خاصة، ثم تستعمل في الاَولاد تجوّزاً ؟!أليس قد تقدّم لنا كلام ابن منظور: أهل الرجل: أخص الناس به؟ ! أليس الاَولاد أخص الناس بالرجل؟ ومن فسره بقوله: أهل الرجل زوجه لا يريد اختصاصه بالزوج، بل يشير إلى أحد موارد استعماله، ولاَجل ذلك يستدركه ويصرح بقوله: أهل الرجل: أخص الناس به.
ثم نسأله عن دلالة الآيتين على اختصاص الاَهل بالاَزواج وهل في منطق اللغة والاَدب جعل الاستعمال دليلاً على الانحصار ؟ فلا شك انّ الاَهل في الآيتين أُطلق على الزوجة، وليس الاِطلاق دليلاً على الانحصار، على أنه أُطلق في قصة الخليل وأُريد الزوجة والزوج معاً، أي نفس الخليل بشهادة قوله تعالى: (عليكم أهل البيت) والاِتيان بضمير الجمع المذكر، وإرادة واحد منهما وحمل الخطاب العام على التعظيم، لا وجه له في المقام.
وحصيلة الكلام: انّ مراجعة كتب اللغة، وموارد استعمال الكلمة في الكتاب والسنّة تعرب عن أنّ مفهوم «الاَهل» هو المعنى العام وهو يشمل كل من له صلة بالرجل والبيت صلة وطيدة موَكدة من نسب أو سبب أو غير ذلك، من غير فرق بين الزوجة والاَولاد وغيرهم، وانّ تخصيصها بالزوجة قسوة على الحق، كما أنّ تخصيصها لغة بالاَولاد وإخراج الاَزواج يخالف نصوص القرآن واستعمالها كما عرفت في الآيات الماضية.
هذا هو الحق في تحديد المفهوم، فهلّم معي نبحث عما هو المراد من هذا المفهوم في الآية الكريمة، وهل أُريد منه كل من انتمى إلى البيت من أزواج وأولاد أو أنّ هناك قرائن خاصة على أنّ المقصود قسم من المنتمين إليه؟ وليس هذا بشيء غريب، لاَنّ المفهوم العام قد يطلق ويراد منه جميع الاَصناف
الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) .(١)وثالثة تستعمل في العهد باعتبار معهودية مدخولها بين المتكلّم والمخاطب.
ولا يمكن حمل اللام في «البيت» على الجنس أو الاستغراق، لاَنّ الاَوّل انّما يناسب إذا أراد المتكلم بيان الحكم المتعلّق بالطبيعة كما يعلم من تمثيلهم لذلك بقوله تعالى: (إِنَّ الاِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً)(٢) ، ومن المعلوم أنّ الآية الكريمة ليست بصدد بيان حكم طبيعة أهل البيت، كما لا يصح أن يحمل على العموم، أي: جميع البيوت في العالم، أو بيوت النبي، وإلاّ لناسب الاِتيان بصيغة الجمع فيقول: أهل البيوت، كما أتى به عندما كان في صدد إفادة ذلك، وقال في صدر الآية: (وقرن في بيوتكن) .
فتعين أن يكون المراد هو الثالث، أي البيت المعهود، فالآية تشير إلى إذهاب الرجس عن أهل بيت خاص، معهود بين المتكلم والمخاطب، وحينئذ يقع الكلام في تعيين هذا البيت المعهود، فما هو هذا البيت؟ هل هو بيت أزواجه، أو بيت فاطمة وزوجها والحسن والحسين (عليهم السلام) ؟
لا سبيل إلى الاَوّل، لاَنّه لم يكن لاَزواجه بيت واحد حتى تشير اللام إليه، بل تسكن كل واحدة في بيت خاص، ولو أُريد واحداً من بيوتهن لاختصت الآية بواحدة منهم، وهذا ما اتفقت الاَُمّة على خلافه.
أضف إلى ذلك أنّه على هذا يخرج بيت فاطمة مع أنّ الروايات ناطقة بشمولها، وانّما الكلام في شمولها لاَزواج النبي كما سيوافيك بيانه.
١. التوبة: ٧٣.٢. المعارج: ١٩.
هذا كلّه على تسليم انّ المراد من البيت هو البيت المبني من الاَحجار والآجر والاَخشاب، فقد عرفت أنّ المتعيّـن حمله على بيت خاص معهود ولا يصح إلاّ حمله على بيت فاطمة، إذ ليس هناك بيت خاص صالح لحمل الآية عليه.وأمّا لو قلنا بأنّ البيت قد يطلق ويراد منه تارة هذا النسق، كما في قوله تعالى: (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاَُولى) ، وأُخرى غير هذا النمط من البيت، مثل قول القائل: «بيت النبوة» و «بيت الوحي» تشبيهاً لهما على المحسوس، فلا محيص أن يراد منه المنتمون إلى النبوة والوحي بوشائج معنوية خاصة على وجه يصح مع ملاحظتها، عدّهم أهلاً لذلك البيت، وتلك الوشائج عبارة عن النزاهة في الروح والفكر، ولا يشمل كل من يرتبط ببيت النبوة عن طريق السبب أو النسب فحسب، وفي الوقت نفسه يفتقد الاَواصر المعنوية الخاصة، ولقد تفطّن العلاّمة الزمخشري صاحب التفسير لهذه النكتة، فهو يقول في تفسير قوله تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ)(١) ، لاَنّها كانت في بيت الآيات ومهبط المعجزات والاَُمور الخارقة للعادات، فكان عليها أن تتوقر ولا يزدهيها ما يزدهي سائر النساء الناشئات في غير بيوت النبوة، وان تسبح اللّه وتمجّده مكان التعجب، وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولها: (رحمة اللّه وبركاته عليكم أهل البيت) أرادوا انّ هذه وأمثالها ممّا يكرمكم به رب العزة، ويخصّكم بالاَنعام به يا أهل بيت النبوة.(٢)
وعلى ذلك لا يصح تفسير الآية بكل المنتسبين عن طريق الاَواصر الجسمانية لبيت خاص حتى بيت فاطمة، إلاّ أن تكون هناك الوشائج المشار