5 نيسان المشؤوم ؛ الوداع الأول والأخير !
في مثل يوم 5 نيسان 1980 كان الوداع الاول والأخير للمرجع المظلوم السيد الشهيد الامام محمد باقر الصدر قدس سره الشريف ..
کان يوم السبت ، وکانت الساعة : الثانية والنصف بعد الظهر ؛ إذ جاء مدير أمن النجف ومعه مساعده المدعو أبو شيماء ، فالتقى بالامام الشهید الصدر وقال له : «إنّ المسؤولين يودّون لقاءك في بغداد» ..
فرد السيّد الصدر : «إذا أمروك باعتقالي فنعم ، أذهب معك إلى حيث تشاء»
مدير الأمن : «نعم ، هو اعتقال»
السيّد الصدر : «انتظرني دقائق حتّى أودّع أهلي»
مدير الأمن : «لا حاجة لذلك .. ففي نفس هذا اليوم أو غداً ستعود»
السيّد الصدر : «وهل يضرّكم أن أودِّع أطفالي وأهلي؟»
مدير الأمن : «لا ، لكن لا حاجة لذلك . ومع ذلك فافعل ما تشاء»
إغتسل غُسل الشّهادة ، وصلّى لربّه ركعتين وبدّل ملابسه ، ثم اتّجه إلى والدته المذهولة المكروبة ، وأخذ يدها وضمّها إلى صدره بين يديه ، ثم رفعها إلى فيه يلثمها في حنوّ ، حادباً على أُمّه يرجو الرّضا والدّعاء وطلب التسديد .
ثم احتضن جميع من في البيت يضمّهم ويقبّلهم ، فعلموا حینها من خلال تصرّفه أنّه «الوداع الأخير» .
وعندما أراد احتضان ابنته الثانية – ابنة الخامسة عشرة – لم تحتمل ذلك ، وأشاحتْ بوجهها ، واتّجهت نحو الجدار ، وأحنت رأسها عليه وهي تبكي بكاءً مريراً ، فأحاطها رضوان الله علیه بذراعيه ، وصار يُناجيها :
“حُلوتي ! إبنتي ! إنّ كلّ إنسان يموت ، وللموت أسبابٌ عدّة ؛ فيمكن أن يموت الإنسان بسبب مرضٍ أو فجأة على فراشه أو غير ذلك ، ولكن الموت في سبيل الله أفضل بكثير وأشرف . ولو أنني لم أُقتل بيد صدام وجماعته ، فقد أموت بمرضٍ أو سبب آخر .
إنّ أصحاب عيسى (ع) نُشّروا بالمناشير ، وعُلّقوا بالمسامير على صلبان الخشب ، وثبتوا من أجل موتٍ في طاعة . لا تكترثي يا صغيرتي ، فكلّنا سنموت ، اليوم أو غداً ، وإنّ أكرم الموت القتل . بنيّتي ! أنا راضٍ بما يجري عليّ ، وحتّى لو كانت هذه القتلة ستُثمر ولو بعد 20 سنة ، فأنا راض بها” .
وعندما حان دور زوجته العلويّة فاطمة ، وقف أمامها شاخصاً ببصره إليها ..
وقال لها : «يا أخت موسى ! بالأمس أخوك ، واليوم النديم والشريك والحبيب ، اليوم أنا ..
لك الله يا جنّتي ويا فردوسي …
تصبّري ، إنّما هي البيعة مع الل ه، قد بعناه ما ليس بمرجوع ، وهو قد اشترى سبحانه ….
يا غريبة الأهل والوطن ! حملك ثقيل ، ولك العيال . أسألكِ الحِلّ ..
فأولئك هم سود الأكباد على بابكِ ينتظرون ، وما من مفرّ . أنا ذاهب ، وعند مليك مقتدر لنا لقاء .
انتظري ثلاثة أيّام ، فإن لم أعد : فاذهبي مع والدتي وأطفالي إلى بيت أخي السيّد إسماعيل في الكاظميّة» .
بهذه الكلمات انفجر ما كان مكبوتاً في النّفوس .. وانهمرت الدّموع …
وكانت المرّة الوحيدة التي يُودّع فيها سیدنا وقائدنا ومرجعنا الشهید عائلته ، من بين الاعتقالات التي تعرّض لها من قبل .
سلامٌ علیك یوم وُلدت .. ویوم دعوت الی الله بالحکمة والموعظة الحسنة .. ویوم جاهدت أعداء الله .. ویوم استُشهدت .. ویوم تُبعث حیّا.