الرئيسية / شخصيات أسلامية / الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)- ج01 / الصفحات: ١٢١ – ١٤٠

يا أبا الفضل، إن أخاك أبا طالب كثير العيال، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق بنا إليه نخفف عنه من عياله، آخذ من بنيه رجلاً، وتأخذ أنت رجلاً، فنكفلهما عنه.

فقال العباس: نعم.

فانطلقا حتى أتيا أبا طالب، فقالا: إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى تنكشف عن الناس ما هم فيه.

فقال لهما أبو طالب: إذا تركتما لي عقيلاً، فاصنعا ما شئتما.

فأخذ رسول الله “صلى الله عليه وآله” علياً “عليه السلام”، فضمه إليه، وأخذ العباس جعفراً، فضمه إليه، فلم يزل علي “عليه السلام” مع رسول الله “صلى الله عليه وآله”، حتى بعثه الله نبياً، فاتَّبعه وصدقه.

ولم يزل جعفر مع العباس حتى أسلم، واستغنى عنه(١).

١- المستدرك على الصحيحين ج٣ ص٥٦٧ الحديث رقم (٦٤٦٣)، وبحار الأنوار ج١٨ ص٢٠٨ و ٢٠٩ وج٣٥ ص٢٤ و ٢٥ وج٣٥ ص٤٣ وج٣٨ ص٢٣٧ وراجع ص٢٩٤ و ٣١٥ وج٤٢ ص١١٥و ٤٣ و ٤٤ و ٢٤ و ٢٥ وراجع ما يلي: الطرائف لابن طاووس ص١٧ وكنز الفوائد للكراجكي ص١١٧ و (ط دار الذخائر) ص٢٥٥ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص١٩٨ و ١٩٩ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٥٧ والكامل لابن الأثير ج٢ ص٥٨ وكشف الغمة ج١ ص١٥٢ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص١٨١ و ١٨٢ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج١ ص٤١ و ٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج١ ص٤٢٩ ونور الأبصار ص٧٧ ومجالس ثعلب ج١ ص٢٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١ ص١٣٦ وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج٢ ص٣٤٦ = = ومقاتل الطالبيين ص٢٦ والسيرة النبوية لابن هشام ج١ ص١٦٢ وسبل الهـدى والرشاد ج٢ ص٣٠١ ودلائل النبوة للبيهقي ج٢ ص١٦٢ والمناقب للخوارزمي ص٥١ ومطالب السؤول ص٥٨ وعيون الأثر ج١ ص١٢٤ والبداية والنهاية ج٣ ص٢٥ و (ط دار إحياء التراث العربي سنة ١٤٠٨هـ) ج٣ ص٣٤ وعلل الشرائع ج١ ص٢٠١ و ٢٠٢ و (ط المكتبة الحيدرية سنة ١٣٨٥هـ) ج١ ص١٦٩ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٧٩ و ١٨٠ و (ط المكتبة الحيدرية) ص٢٧ عن الطبري، والبلاذري، والواحدي، وتفسير الثعلبي، وشرف النبي “صلى الله عليه وآله” وأربعين الخوارزمي، ودرجات محفوظ البستي، ومغازي محمد بن إسحاق، ومعرفة أبي يوسف الفسوي، وتفسير الثعلبي ج٥ ص٨٤ وخصائص الوحي المبين لابن البطريق ص١٤٨ والجوهرة في نسب الإمام علي وآله للبري ص١٠ وإعلام الورى ج١ ص١٠٥ و ١٠٦ وروضة الواعظين ص٨٦ ونزهة المجالس للصفوري الشافعي (ط سنة ١٣١٠ هـ) ج١ ص١٦٤ والعمدة لابن البطريق ص٦٣ وذخائر العقبى ص٥٨ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٧ و ٤٧ ومناقب أهل البيت “عليهم السلام” للشيرواني ص٣٧ والسيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج١ ص٢٦٨ و (ط دار المعرفة سنة ١٤٠٠هـ) ج١ ص٤٣٢ وغاية المرام ج٥ ص١٥٤.

١٢٢

وقد صرحت بعض نصوص الرواية: بأن ذلك قد حصل، وكان عمر

١٢٣

علي “عليه السلام” ست سنين(١).

ونقول:

أولاً: هناك اختلاف واضح في نصوص الرواية، فلاحظ ما يلي:

ألف: في الرواية: أنه “صلى الله عليه وآله” قال للعباس ما قال، فوافقه، وأخذ العباس جعفراً.

وفي رواية أخرى: أنه “صلى الله عليه وآله” قال ذلك للحمزة والعباس، وأن الذي أخذ جعفراً هو الحمزة. وأما العباس، فأخذ طالباً. وكان معه إلى يوم بدر، ثم فقد(٢).

ب: الرواية المتقدمة ذكرت: أن العباس أخذ جعفراً، لكن رواية أخرى

١- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٢ ص١٧٩ و (ط المكتبـة الحيدريـة) = = ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٤ و ٢٩٥ والأنوار العلوية ص٣٨ وينابيع المودة ج١ ص٤٥٦.

٢- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٢ ص١٧٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٤ و ٢٩٥ ومقاتل الطالبيين ص١٥ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٩ وموسوعة التاريخ الإسلامي لليوسفي ج١ ص٣٥٣ و ٣٥٤ وينابيع المودة ج١ ص٤٥٦ وعقيل ابن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص٢٢ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٩٣ وج٨ ص١٠٠ وج٩ ص١٢٢ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج١٧ ص٧٥.

١٢٤

تقول: إن حمزة هو الذي أخذه، وبقي معه في الجاهلية والإسلام إلى أن قتل حمزة(١).

ج: قد اقتصرت الرواية المتقدمة على استثناء أبي طالب ولده عقيلاً. لكن رواية أخرى ذكرت أنه استثنى طالباً وعقيلاً(٢).

ثانياً: إن عيال أبي طالب لم تكن أكثر من عيال النبي “صلى الله عليه وآله” نفسه، فإنه كان مسؤولاً عن إعالة بنات ثلاث هنَّ: زينب، ورقية، وأم كلثوم ـ حيث تدل الشواهد والأدلة: على أنهن فقدن الكفيل، فأخذهن “صلى الله عليه وآله” وتولى تربيتهن ـ بالإضافة إلى زوجته، وربما أختها أيضاً..

أما عيال أبي طالب، فهم: ولده علي “عليه السلام” وزوجته. وربما أم

١- مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٢ ص١٧٩ و ١٨٠ و (ط المكتبة الحيدرية) ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٥ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٩.

٢- الفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص١٨١ وكنز الفوائد للكراجكي ص١١٧ وبحار الأنوار ج٣٥ ص٤٤ و ١١٨ وكتاب الأربعين للماحوزي ص١٩٧ والسيرة النبوية لابن هشام ج١ ص١٦٢ ومطالب السؤول ص٥٩ وعيون الأثر ج١ ص١٢٤ وسبل الهدى والرشاد ج٢ ص٣٠١ والسيرة الحلبية (مطبوع مع السيرة النبوية لدحلان) ج١ ص٢٦٨ و (ط دار المعرفة سنة ١٤٠٠هـ) ج١ ص٤٣٢ والأنوار العلوية ص١٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص٥٢٥ وج٣٣ ص٢١٥.

١٢٥

هاني وجمانة.

وذلك يدل: على أن أخذ النبي “صلى الله عليه وآله” لعلي “عليه السلام” ليس لأجل التخفيف عن أبي طالب، بل لغرض آخر أعلى وأسمى وأوفق بالصلة الروحية بينهما.. وإنما يريدون طرح الموضوع بهذا الشكل لتضييع هذه الفضيلة لعلي”عليه السلام”.

ثالثاً: لقد كان جعفر، وعقيل، وطالب، رجالاً، قادرين على إعالة أنفسهم، لأن جعفر كان له من العمر آنئذٍ ستة عشر عاماً، وكان عمر عقيل ستة وعشرين، وعمر طالب ستة وثلاثين سنة..

مع تصريح الرواية نفسها: بأن العباس يأخذ رجلاً، والنبي “صلى الله عليه وآله” يأخذ رجلاً.

فما معنى حاجة الرجال إلى المعيل والكافل؟!

ولماذا يحتاج جعفر إلى إعالة العباس له، فهو قادر على العمل، كالبيع والشراء، والزراعة، ورعي الماشية، وممارسة الحرف، والأعمال، وغير ذلك؟!

فما بالك بما ذكرته الرواية الأخرى عن كفالة طالب، الذي كان عمره ستاً وثلاثين سنة؟!

رابعاً: ذكرت بعض نصوص الرواية المتقدمة: أن النبي “صلى الله عليه وآله” أخذ علياً “عليه السلام” وهو ابن ست سنين، كسنه يوم أخذه أبو طالب(١).

١- مناقب آل أبي طالب لابن ج٢ ص١٧٩ ـ ١٨٠ و (ط المكتبة الحيدرية) ص٢٧ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٥ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٩ وموسوعة التاريخ الإسلامي لليوسفي ج١ ص٣٥٢ و ٣٥٦.

١٢٦

ومن الواضح: أن أبا طالب إنما كفل النبي “صلى الله عليه وآله” بعد موت عبد المطلب، وكان عمره ثمان سنين لا ست(١).

مع العلم بأن الروايات تصرح بأنه “صلى الله عليه وآله” أخذ علياً “عليه السلام” إليه منذ الولادة أو بعدها بيسير..

خامساً: إن ما رآه أبو طالب في علي “عليه السلام” من كرامة إلهية، ومن ألطاف وأسرار، وما عرف عن أبي طالب من ارتباط بالله تبارك وتعالى، يمنع من أن نتصوره مهتماً بغير علي “عليه السلام” مطلقاً، أو أكثر من اهتمامه بعلي “عليه السلام”.

كما أن عقيلاً لم يكن أفضل من جعفر في مزاياه، فلماذا يقدِّم أبو طالب عقيلاً عليه؟!

وما هي المزايا التي وجدها في عقيل، وفقدها في جعفر أو في علي “عليه السلام”؟! لا سيما مع ما رأيناه من تعلق له شديد برسول الله “صلى الله عليه وآله” لأجل مزاياه، وما يراه من كرامات له وأسرار..

١- راجع: تذكرة الخواص ج١ ص١٣٦ وشرح الأخبار ج١ ص١٨١ والخرائج والجرائح للراوندي ج١ ص٢١ وتفسير السمعاني ج٦ ص٢٤٤ ومشارق أنوار اليقين للبرسي ص١١٢ وبحار الأنوار ج٢٢ ص.٥٣٠ وراجع: أسد الغابة لابن الأثير ج١ ص١٥ وكشف الغمة للإربلي ج١ ص١٥ وإعلام الورى ج١ ص٥٢ وتاج المواليد (المجموعة) للطبرسي ص٥.

١٢٧

فلماذا لا يكترث بعلي “عليه السلام” صنو النبي “صلى الله عليه وآله”، وحبيبه، ونجيَّه. ويمحض كل حبه واهتمامه لعقيل؟!

سادساً: لماذا بقي جعفر مع العباس كل هذه السنوات حتى أسلم؟!

ولماذا بقي علي “عليه السلام” مع النبي “صلى الله عليه وآله” حتى بعث رسول الله “صلى الله عليه وآله”؟! مع أن سنوات الجدب قد انقضت؟!

ولماذا لم يسترجع أبو طالب أبناءه بعد انفراج الأزمة؟!

ألم يكن الأجدر بجعفر أن يتفقد أباه، ويسأله عن رأيه في العودة، ويبادر هو نفسه إليها، ليكون معه وإلى جانبه، ليعينه، ويقضي حوائجه؟!

ويتأكد هذا الإعتراض إذا أخذنا بالرواية التي تقول: إن طالباً بقي مع العباس إلى بدر، وإن جعفر بقي مع حمزة إلى أن استشهد حمزة. مع أن جعفراً قد هاجر إلى الحبشة في السنة الخامسة من البعثة، وبقي هناك إلى حين فتح خيبر بعد الهجرة!!

الرواية الصحيحة:

ولعل الرواية الصحيحة: هي تلك التي ذكرها “أبو القاسم من ثلاثة طرق: أن النبي “صلى الله عليه وآله” حين تزوج خديجة قال لعمه أبي طالب: إني أحب أن تدفع إليَّ بعض ولدك، يعينني على أمري، ويكفيني. وأشكر لك بلاك عندي.

فقال أبو طالب: خذ أيهم شئت.

١٢٨

فأخذ علياً “عليه السلام”..”(١).

فإن هذه الرواية هي الأوفق بأخلاق رسول الله “صلى الله عليه وآله”، وبوفائه لعمه أبي طالب. والأوفق بأخلاق أبي طالب، وما ظهر من محبته لرسول الله “صلى الله عليه وآله”، وتفانيه في كل ما يرضيه..

وقد تجلى في هذه الراوية أدب الخطاب النبوي مع عمه العظيم والكريم.. كما أنها قد أظهرت إيثار أبي طالب لرسول الله “صلى الله عليه وآله” بولده على نفسه..

على أننا لا نجد غضاضة في أن يستثني أبو طالب ـ وهو شيخ قد يزيد عمره على ستين سنة ـ عقيلاً، لأنه يحتاج إلى من يخدمه، ويقضي له الحاجات التي يتولى الشباب عادة قضاءها..

أما إذا أريد الإستفادة من هذا الإستثناء التعريض بالطعن بجعفر وبأمير المؤمنين علي “عليه السلام”، فلا نرى لذلك أي مبرر معقول أو مقبول..

١- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٨٠ و (ط مطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة ١٣٧٦هـ ـ ١٩٥٦م) ج٢ ص٢٨ وبحار الأنوار ج٣٨ ص٢٩٥ والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” للهمداني ص١٥١ و ٥٢٣ وحلية الأبرار ج٢ ص٢٩.

١٢٩

هذا التجني لماذا؟!:

ولعل الهدف من هذا التجني أمران:

أحدهما: إظهار زهد أبي طالب بعلي “عليه السلام”، إما لعدم وجود مبررات في علي “عليه السلام” لحب أبي طالب له.. وإما لفقدان الإتزان المطلوب في شخصية أبي طالب.. وكلاهما هدف لأعداء علي “عليه السلام”..

الثاني: الإيحاء بأن تربية النبي “صلى الله عليه وآله” لعلي “عليه السلام” لم تكن لأجل حبه له. بل هو أمر فرضته الظروف، وساقت إليه الحاجة.

علي (عليه السلام) في زواج خديجة:

وذكروا: أن علياً “عليه السلام” كان حاضراً حين تزوج النبي “صلى الله عليه وآله” خديجة بنت خويلد، وأنه هو الذي ضمن لها المهر.

وقالوا: وهو غلط، لأن علياً “عليه السلام” لم يكن ولد على جميع الأقوال في مقدار عمره(١).

ونقول:

أولاً: إن كان المعيار في الصحة والفساد هو وجود القول وعدمه، فقد

١- السيرة الحلبية ج١ ص١٣٩ و (ط دار المعرفة) ج١ ص٢٢٦ عن الفسوي في كتاب: ما روى أهل الكوفة مخالفاً لأهل المدينة. وراجع: سيرة مغلطاي ص١٢ والأوائل ج١ ص١٦١.

١٣٠

نجد أن ثمة من يقول: إن علياً “عليه السلام” قد ولد قبل البعثة بعشرين أو بثلاث وعشرين سنة. حتى لقد قال مغلطاي: “وهو غلط، كان علي إذ ذاك صغيراً، لم يبلغ سبع سنين”(١).

غير أننا بدورنا نغلِّط هذه الأقوال، فإن علياً “عليه السلام” قد استشهد وعمره ثلاث وستون سنة، والروايات المعتبرة تؤكد على أنه قد أسلم، وهو ابن عشر سنين، وقد ذكرنا مصادر ذلك حين الحديث عن تاريخ ميلاده صلوات الله وسلامه عليه.

ثانياً: إن الكلام كل الكلام هو في تاريخ زواج خديجة، فإن البعض، وإن ذكر أنها تزوجت بالنبي “صلى الله عليه وآله” قبل البعثة بخمس عشرة سنة..

لكن الأقوال الأخرى تقول: إن هذا الزواج قد حصل قبل البعثة بخمس سنين كما جزم به البيهقي(٢).

وعن ابن جريج: أن هذا الزواج كان قبل البعثة بثلاث سنوات فقط(٣).

١- سيرة مغلطاي ص١٢ وراجع: السيرة الحلبية ج١ ص١٣٩ و (ط دار المعرفة) ج١ ص٢٢٦.

٢- دلائل النبوة (ط دار الكتب العلمية) ج٢ ص٧٢ والبداية والنهاية ج٢ ص٢٩٥ وراجع: الإصابة ج٨ ص٩٩.

٣- راجع: تاريخ الخميس ج١ ص٢٦٤ ومجمع الزوائد ج٩ ص٢١٩ والمعجم الكبير للطبراني ج٢٢ ص٤٤٩ وتاريخ مدينة دمشق ج٣ ص١٨٤ وذكرت بعض الأقوال في التبيين في أنساب القرشيين ص٦٢ وتاريخ اليعقوبي ج٢ ص٢٠ ومختصر تاريخ دمشق ج٢ ص٢٧٥ قيل: تزوجها وهو ابن ثلاثين سنة، وكذا = = في الإستيعاب (بهامش الإصابة) ج٤ ص٢٨٨ وسيرة مغلطاي ص١٢ ومثله في المواهب اللدنية ج١ ص٣٨ و ٢٠٢ والروض الأنف ج١ ص٢١٦ والأوائل ج١ ص١٦١.

١٣١

فالظاهر هو: أنه “عليه السلام” قد قال شيئاً من ذلك، وهو طفل صغير، فاستحسنوه منه، ونقلوه عنه.

فقد ذكر أبو هلال العسكري: أنه لما قيل: من يضمن المهر؟!

قال علي “عليه السلام” وهو صغير: أبي.

فلما بلغ الخبر أبا طالب جعل يقول: بأبي أنت وأمي(١).

ولعله قال: أنا بدل أبي. بدليل نسبة الضمان إليه في أقوال بعض المؤرخين.. فأمضاه أبو طالب له على سبيل التكريم والإعزاز.

لمن الدواء؟! لعقيل أم لعلي (عليه السلام)؟!:

ورووا عن أمير المؤمنين “عليه السلام” أنه قال: ما زلت مظلوماً منذ ولدتني أمي. حتى إن كان عقيل ليصيبه رمد، فيقول: لا تذرّوني حتى تذرّوا علياً “عليه السلام”، فيذرّوني، وما بي من رمد(٢).

١- الأوائل ج١ ص١٦١ وروضة الواعظين ص٨٤.

٢- الإعتقادات في دين الإمامية ص١٠٥ وعلل الشرائع ج١ ص٦١ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٤٥ ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٢ ص١٢٤ و (ط دار الإسلامية) ج٨ ص٤٨٦ وبحار الأنوار ج٢٧ ص٦٢ و ٢٠٨ و ٢٠٩ = = وج٢٩ ص٣١ وج٤١ ص٥ وج٦٤ ص٢٢٨ وجامع أحاديث الشيعة ج١٦ ص٩٦ وأعيان الشيعة ج٥ ص٤٣٤ وعقيل بن أبي طالب للأحمدي الميانجي ص٧٨ والأمالي للشيخ الطوسي ص٣٥٠ ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٢ ص١٢٢ و (ط مطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة ١٣٧٦هـ) ج١ ص٣٨٧.

١٣٢

وقال ابن الحجاج:

وقديــماً كان العقيـل تـداوى وسـوى ذلـك العـلـيـل عليـل
حين كــانت تـذر عـين عـلي كلما التـاث أو تـشـكى عقيل(١)

ونقول:

إن هذه الرواية لا يمكن قبولها، لما يلي:

أولاً: لم يكن عقيل طفلاً حين طفولة علي “عليه السلام”، بل كان رجلاً كاملاً وعاقلاً، حيث إنه كان يكبر علياً “عليه السلام” بعشرين سنة، فهل يعقل أن يقدم على أمر من هذا القبيل؟! إلا إذا فرضناه مختل العقل، أو يعاني من مرض نفسي بلغ به إلى هذا الحد..

والشواهد الكثيرة تدل على خلاف هذا. فهي تدل على كمال الإستقامة،

١- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص١٢٢ و (ط مطبعة الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة ١٣٧٦هـ ـ ١٩٥٦م) ج١ ص٣٨٧ وأعيان الشيعة ج٥ ص٤٣٤.

١٣٣

والإتزان ودقة النظر، وقوة الحجة، والصلابة في الموقف لدى عقيل.

ثانياً: لنفترض: أن عقيلاً أصر على عدم أخذ الدواء إلا إذا أخذه علي “عليه السلام”، فلماذا يطيعه أبواه في ذلك؟! فإن أبوي عقيل كانا من أعقل العقلاء، فلا يعقل أن يوافقوه على طلبه هذا، فضلاً عن أن يشاركا في تنفيذه.. فإن ذلك مرفوض من جهتين:

إحداهما: أنه من موارد الظلم القبيح لصغير لا يستطيع الدفاع عن نفسه..

الثانية: إن ذلك من موجبات استهانة الناس بكل من يوافق على ذلك، فضلاً عن أن يمارسه فعلاً..

علي (عليه السلام) يقتل الحية وهو في المهد:

عن أنس، عن عمر بن الخطاب: أن علياً “عليه السلام” رأى حية تقصده وهو في المهد، وقد شدت (وشدت) يداه في حال صغره.

فحول نفسه، وأخرج يده، فأخذ بيمينه عنقها، وغمزها غمزة(١)، حتى أدخل أصابعه فيها، و أمسكها حتى ماتت.

فلما رأت ذلك أمه نادت واستغاثت، فاجتمع الحشم، ثم قالت: كأنك حيدرة [حيدرة] اللبوة، إذا غضبت، من قبل أذى أولادها(٢).

١- غمزه: حبسه وكبسه باليد، أي شدها وضغطها.

٢- مدينة المعاجز ج٢ ص٣٥ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٨٧ و ٢٨٨ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٢٠ وبحار الأنوار ج٤١ ص٢٧٤ والإمام علي بن أبي طالب “عليه السلام” للهمداني ص٦١١.

١٣٤

ونقول:

١ ـ قد يقال: إن هذه الحادثة غير صحيحة، فقد روى شعبة، عن قتادة، عن أنس، عن العباس بن عبد المطلب. والحسن بن محبوب عن عبد الله بن غالب، عن الصادق “عليه السلام” في خبر، قالت فاطمة بنت أسد:

فشددته وقمطته بقماطٍ، فنتر القماط، ثم جعلته قماطين، فنترهما. ثم جعلته ثلاثة، وأربعة، وخمسة، وستة، منها أديم، وحرير. فجعل ينترها. ثم قال: يا أماه، لا تشدي يدي، فإني أحتاج أن أبصبص لربي بإصبعي(١).

ويجاب: بأن هذه الرواية لا تنافي تلك، إذ المطلوب في هذه الرواية هو: أن لا تشد يده في القماط، بحيث يمنعه ذلك من البصبصة بإصبعه إلى ربه. والرواية الأولى اكتفت بذكر: أن يديه كانتا مشدودتين، فربما يكون شدهما بنحو لا يمنعه من البصبصة بإصبعه.

٢ ـ إن رواية العباس “رحمه الله”، والإمام الصادق “عليه السلام” تضمنت كرامة لأمير المؤمنين “عليه السلام” من ثلاث جهات.

الأولى: هذه القوة التي حبا الله بها علياً “عليه السلام”، حتى كان يقطع

١- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٨٧ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٢٠ ومدينة المعاجز ج١ ص٤٩ وبحار الأنوار ج٤١ ص٢٧٤ وشجرة طوبى ج٢ ص٢١٨ وغاية المرام ج١ ص٥٤.

١٣٥

القماط والإثنين، حتى يبلغ الستة، مع أن منها ما يكون قطعه صعباً للغاية.

الثانية: إنه “عليه السلام” حتى وهو في القماط كان مشغولاً بمناجاة ربه تبارك وتعالى وعبادته. وهو ما لا يتوقعه أحد من مثله، من الأطفال الذين بهذا السن.

الثالثة: إنه “عليه السلام” قد تكلم في المهد صبياً، تماماً كما كان الحال بالنسبة لعيسى عليه وعلى نبينا وآله الصلاة والسلام.

٣ ـ إن رواية عمر بن الخطاب تضمنت أيضاً الإشارة إلى فضله “عليه السلام” من ناحيتين:

إحداهما: ظهور قوته “عليه السلام”، وهو في المهد، حتى إنه يأخذ بعنق الحية ويغمزها غمزة، فتدخل أصابعه فيها.

الثانية: إنه “عليه السلام” بقي ممسكاً بالحية حتى ماتت. بعد أن اختار الأخذ بعنقها، الأمر الذي يمنعها من أن تلحق به أي أذى، ثم هو قد تحرك بالطريقة المناسبة التي تمكنه من تحقيق غرضه، وهذا يدل على كمال الوعي، وكمال التنبه لما يجري، وعلى أنه واقف على الأمور بصورة دقيقة، وعارف بتداعيات ونتائج ما يصدر عنه.

٤ ـ إنه “عليه السلام” قال في مواجهة مرحب اليهودي: “أنا الذي سمتني أمي حيدرة”. فربما يكون السبب في تسمية أمه له بحيدرة هو هذه القضية بالذات.

ويشير إلى ذلك: قول أمه: كأنك حيدرة (وهي) اللبوة إذا غضبت إلخ.. إذ لو كان قد سمي بحيدرة من قبل أمه، فالمناسب هو أن تقول له: أنت حيدرة حقاً كما سميتك.. تماماً كما قال الإمام الحسين “عليه السلام” للحر بن يزيد

١٣٦

الرياحي: أنت حر كما سمتك أمك، حر في الدنيا، وسعيد في الآخرة(١).

من مظاهر قوة علي (عليه السلام) في صغره:

عن جابر، قال: كانت ظئرة علي التي أرضعته امرأة من بني هلال، خلفته في خبائها مع أخ له من الرضاعة، وكان أكبر منه سناً بسنة. وكان عند الخباء قليب (أي بئر). فمر الصبي نحو القليب، ونكس رأسه فيه، فتعلق بفرد قدميه، وفرد يديه. أما اليد ففي فمه، وأما الرجل ففي يديه.

فجاءت أمه فأدركته، فنادت في الحي: يا لَلحي من غلام ميمون، أمسك عليَّ ولدي، فمسكوا الطفل من رأس القليب، وهم يعجبون من قوته، وفطنته، فسمته أمه مباركاً(٢).

وكان أبو طالب يجمع ولده، وولد أخوته، ثم يأمرهم بالصراع. وذلك خلق في العرب، فكان “عليه السلام” يحسر عن ذراعيه، وهو طفل،

١- تاريخ الأمم والملوك ج٣ ص٣٢٥ واللهوف ص١٠٤ و (ط سنة ١٤١٧هـ) ص٦٢ وبحار الأنوار ج٤٥ ص١٤ ومقتل الحسين للخوارزمي ج٢ ص١١ وكتاب الفتوح لابن أعثم ج٥ ص١٠٢ والعوالم ج١٧ ص٢٥٧ وأعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ج١ ص٦٠٤ وج٤ ص٦١٤ ومقتل الحسين “عليه السلام” لأبي مخنف الأزدي ص١٢٢.

٢- مناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٨٨ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٢٠ ومعاني الأخبار ص٦٠ والمحتضر للحلي ص٨٧ وبحار الأنوار ج٣٥ ص٤٧ وج٤١ ص٢٧٥ والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص٢٤٥ ونهج الإيمان ص٦٣١.

١٣٧

ويصارع كبار أخوته وصغارهم، وكبار بني عمه وصغارهم، فيصرعهم، فيقول أبوه: ظهر علي، فسماه ظهيراً(١).

فلما ترعرع “عليه السلام” كان يصارع الرجل الشديد، ويعلق بالجبار(٢) بيده، ويجذبه فيقتله.

وربما قبض على بطنه ورفعه في الهواء.

وربما يلحق للحصان الجاري، فيصدمه، فيرده على عقبيه.

وكان يأخذ من رأس الجبال حجراً، ويحمله بفرد يديه، ثم يضعه بين الناس، فلا يقدر الرجل، والرجلان، وثلاثة على تحريكه، حتى قال أبو جهل:

يـا أهـل مكة إن الذبـح عندكـم هـذا عـلي الـذي قـد جلّ في النظرِ
مـا إن لـه مشبه في النـاس قاطبـة كـأنـه النـار تـرمـي الخلق بالشررِ
كـونـوا على حـذر منـه فـإن لـه يـومـاً سيظهره في البـدو والحـضرِ

وإنه “عليه السلام” لم يمسك بذراع رجل قط إلا أمسك بنفسه، فلم يستطع يتنفس(٣).

١- راجع: مناقب آل أبي طالب ج٢ ص٢٨٨ و ٢٨٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٢١ وبحار الأنوار ج٤١ ص٢٧٥ ومستدرك سفينة البحار ج٦ ص٢٦٩.

٢- الجبار: الرجل القوي.

٣- راجع ما تقدم في: مناقب آل أبي طالب ج٣ ص٢٨٩ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٢١ وبحار الأنوار ج٤١ ص٢٧٥ ومستدرك سفينة البحار ج٨ ص٦٣٦.

١٣٨

ونقول:

١ ـ إن ما جرى لولد تلك المرأة التي يحتمل أن تكون مرضعة لعلي “عليه السلام”، أو أنها كانت تعيش معهم وبجوارهم يشير أولاً إلى: إدراك علي “عليه السلام” ـ وهو في المهد الخطر الـذي يتهدد أخاه من الرضـاعـة، ـ حسب زعمهم ـ لو أنه أفلت من يده، وأن عليه أن يواصل الإمساك به إلى أن يأتي من يخرجه من مأزقه..

هذا.. ولا ندري ما الحاجة إلى المرضعة مع وجود الأم الحقيقية، فهل هي أطهر منها لبناً، أو أنصح منها جسداً، أو هي أكثر بركة، أم ماذا؟!

ويشير ثانياً: إلى القدرة التي منحه الله إياها وهو في هذا السن، وقد أدرك الناس هذين الأمرين فيه، كما صرحت به الرواية، حيث قالت: “وهم يعجبون من قوته وفطنته”.

وقد تركت هذه الحادثة أثرها في الناس حيث قالت ظئره: يا للحي من غلام ميمون، حيث عرفت أن هذا التصرف ليس أمراً عارضاً ولم يأت صدفة، بل هو نتيجة اليمن الذي لا يأتي إلا من الله تبارك وتعالى، لأنه تعبير عن عناياته وألطافه بهذا الطفل، الذي استحق منه ذلك، ولأجل ذلك سمته مباركاً.

كما أن تلك المرأة قد اعتبرت أن هذا اليمن سيترك أثره وبركاته على الحي كله.. ولم تحصره في بيتها. ولذلك قالت: “يا للحي من غلام ميمون”.

٢ ـ لقد كان من الطبيعي أن يثير كل هذا الذي يفعله “عليه السلام” في صغره من استعراض للقوة اهتمام الناس.. لا سيما، وأنه يسجل له تقدماً

١٣٩

عليهم في أمر يعنيهم كلهم، كأفراد، يسعى كل واحد منهم ليكون له حضوره ودوره اللافت في خصوص هذه المجالات..

أما تميزه عليهم في العلم، والإدراك، وفي سائر الفضائل والكمالات التي اختصه الله بها دونهم، فربما لم يكن يعنيهم كثيراً.. ولم يكن لديهم الكثير من الطموح للتحلي به، أو للمنافسة فيه.

٣ ـ إن أبيات أبي جهل قد أوضحت لنا الأمور التالية:

ألف: إنه أعلن عن أنه يعتبر أن ظهور قدرة علي “عليه السلام” مصدر خطر كبير، لا بد من التنبه له، والحذر منه.. مع أن علياً “عليه السلام” كان منهم، فالمفترض أن يكون كل فضل حبا الله به علياً “عليه السلام” مصدر شعور بالأمن والسكينه لهم، ومن موجبات اعتزازهم، ودواعي فخرهم.

ولكن الحقيقة هي: أن الذين لا يؤمنون بالله لا يحبون المؤمنين والصالحين، بل هم لا يحب بعضهم بعضاً أيضاً، وهم كما قال الله سبحانه: {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى}(١) لأنهم لم يجعلوا الله في قلوبهم، ليجمع تلك القلوب على حبه، ويكون هو المحور للحب والبغض، والإلتقاء والإفتراق، والإتفاق والإختلاف.

ولأجل ذلك يخاف الأب من ابنه، وكذلك العكس، والأخ من أخيه. فكيف إذا كان اخوه أو قريبه من أهل الإيمان والصلاح!! فإنه لا يكون بينهم وبينه جامع، ولا عن العدوان على أي كان من الناس، وسائر

١- الآية ١٤ من سورة الحشر.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...