سند حديث عبد الله بن الزبير
بتدريسه، و لعله التقى بابن الزبير خلال فترة ادعائه الخلافة و منازعته الأمويين عليها، فسمعه يقول هذا الكلام.
المشكلة الثانية تخص العلاء بن صالح، إذ هو مختلف فيه، فقد وثقه جماعة منهم ابن معين و أبو داود و أبو حاتم و ابن حبان و يعقوب ابن سفيان و ابن نمير و العجلي. و على العكس من ذلك قال عنه ابن المديني: روى أحاديث مناكير، و قال عنه البخاري: لا يتابع(٥٨).
أضف إلى هاتين المشكلتين الاعتراض على عبد الله بن الزبير نفسه، باعتباره من أعداء آل البيت، و قد حصرهم في شعب أبي طالب في مكة و هدد بتحريقهم بالنار إذا استمروا في الامتناع عن بيعته، لولا أن أنقذهم المختار بن أبي عبيد الثقفي في اللحظة الأخيرة.
إذن نضع علامة استفهام جديدة على هذا الحديث، و الله أعلم.
الحديث الحادي عشر: حديث طاوس اليماني
حصلنا على رواية واحدة لهذا الحديث أخرجها أبو داود(٥٩).
نص الحديث
عن طاوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم يشد بينهما على صدره و هو في الصلاة.
مناقشة السند
المخطط رقم (١١) يوضح سند هذا الحديث.
و في هذا السند ثلاث مشاكل.
الأولى تخص ثور بن يزيد، فقد اختلف فيه علماء الرجال فوثقه جماعة و جرحه آخرون، و لكن المعروف عنه أنه كان قدريا حتى أن أهل حمص نفوه لأجل ذلك، كما إن جده قتل يوم صفين مع معاوية، فكان ثور إذا ذكر عليا قال: لا أحب رجلا قتل جدي(٦٠).
و الثانية تخص الهيثم بن حميد، فهو مثل شيخه مختلف فيه فوثقه جماعة و ضعفه آخرون، و هو أيضا معروف بأنه قدري(٦١).
سند حديث طاووس اليماني
(٦١) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج١١ ص٨١.
الحديث الثاني عشر: حديث عبد الكريم بن أبي المخارق البصري
حصلنا على رواية واحدة لهذا الحديث رواها مالك بن أنس(٦٢).
نص الحديث
عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال: من كلام النبوة (….) و وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة.
مناقشة السند
في هذا السند ثلاث مشاكل.
الأولى تخص الحديث نفسه، فهو مرسل إذ أن عبد الكريم بن أبي المخارق ليس صحابيا و لا نعرف من أين جاء بهذا الكلام.
و الثانية تخص عبد الكريم ابن أبي المخارق نفسه، إذ اتفق علماء الرجال على تضعيفه و تركه، و قالوا إن مالكا ما روى عن أحد أضعف منه، و لم يكن عبد الكريم من أهل المدينة المنورة ليعرفه مالك جيدا فاغتر بسمته (أي هيئته)(٦٣).
و الثالثة تخص مالك بن أنس نفسه الذي رأينا كيف اختلفت الرواية عنه بين ” الموطأ ” و ” المدونة الكبرى “.
فهذا سند ليس فيه شيء مقبول على الإطلاق.
الخلاصة
ناقشنا في هذا البحث ٤٢ رواية تتحدث عن وضع اليد على اليد في الصلاة، و هي كل الروايات الواردة في كتب الحديث السنية التسعة بخصوص هذا الموضوع. و قد توزعت الروايات على ١٢ حديثا. و قد وجدنا أن الجميع تعاني من مشاكل في أسانيدها.
فهناك حديثان مرسلان (حديثا طاوس اليماني و عبد الكريم بن أبي المخارق).
و ثلاثة أحاديث مروية عن رجال متفق على تضعيفهم (أحاديث علي بن أبي طالب (ع) و أبي هريرة و عبد الكريم بن أبي المخارق البصري).
و ستة أحاديث مروية عن رجال مختلف فيهم (أحاديث هلب الطائي و عبد الله بن مسعود و جابر بن عبد الله و غضيف بن الحارث و عبد الله بن الزبير طاوس اليماني).
و ثلاثة أحاديث مروية عن مجهولين أو أقرب إلى أن يكونوا مجهولين (حديث هلب الطائي و الحديثان المرويان عن علي بن أبي طالب (ع)).
و حديثان مرويان عن رجال علاقتهم بشيوخهم غير مؤكدة (حديثا وائل بن حجر و جابر بن عبد الله).
و حديثان مرويان عن رجلين لم يريا رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم إلا فترة محدودة (حديثا وائل بن حجر و هلب الطائي).
و حديثان مرويان عن مالك بن أنس الذي يقول تلاميذه و أتباعه أنه كان يعمل بما يخالفهما (حديثا سهل بن سعد و عبد الكريم بن أبي المخارق).
فكلها إذن أحاديث عليها علامات استفهام، و لا يصح الاعتماد عليها في مجال الحجاج و الجدال، الله إلا إذا كانت حجج الطرف الآخر ليست في حال أفضل منها، و هذا ما يتوجب بحثه بشكل مستقل. و من الله التوفيق.
المصادر و المراجع
١) البخاري، محمد بن إسماعيل (١٩٤ – ٢٥٦ هـ)، صحيح البخاري(*).
٢) مسلم بن الحجاج (٢٠٤ – ٢٦١ هـ)، صحيح مسلم(*).
٣) الترمذي، محمد بن عيسى (٢٠٩ – ٢٧٩ هـ)، سنن الترمذي(*).
٤) النسائي، أحمد بن شعيب (٢١٥ – ٣٠٣ هـ)، سنن النسائي(*).
٥) أبو داود، سليمان بن الأشعث (٢٠٢ – ٢٧٥ هـ)، سنن أبي داود(*).
٦) ابن ماجة، محمد بن يزيد (٢٠٩ – ٢٧٣ هـ)، سنن ابن ماجة(*).
٧) أحمد بن حنبل (١٦٤ – ٢٤١ هـ)، المسند(*).
٨) مالك بن أنس (٩٣ – ١٧٩ هـ)، الموطأ(*).
٩) الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن (١٨١ – ٢٥٥ هـ)، سنن الدارمي(*).
١٠) ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي و محب الدين الخطيب، دار المعرفة بيروت، ١٣٧٩ هـ(**).
١١) ابن حجر العسقلاني، تقريب التهذيب، تحقيق محمد عوامة، دار الرشيد، سوريا، ط١، ١٩٨٦(**).
١٢) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، دار الفكر، بيروت، ط١، ١٩٨٤(**).
١٣) ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق علي محمد البجاوي، دار الجيل بيروت، ط١، ١٩٩٢(**).
١٤) مالك بن أنس، المدونة الكبرى، دار صادر، بيروت، بدون تاريخ(***).
١٥) عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، الجرح و التعديل، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط١، ١٩٥٢(***).
١٦) محمد بن حبان البستي، الثقاة، تحقيق السيد شرف الدين أحمد، دار الفكر، دمشق – بيروت، ط١، ١٩٧٥(***).
١٧) الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، تحقيق شعيب الأرناؤوط و محمد نعيم العرقسوسي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط٩، ١٤١٣ هـ(***).
١٨) أحمد بن حنبل، العلل و معرفة الرجال، تحقيق وصي الله بن محمد عباس، المكتب الإسلامي و دار الخاني، بيروت – الرياض، ط١، ١٩٨٨(***).
١٩) العقيلي، محمد بن عمر، كتاب الضعفاء الكبير، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار المكتبة العلمية، بيروت، ط١، ١٩٨٤(***).
٢٠) أبو بكر بن أبي شيبة، المصنف، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد، الرياض، ط١، ١٤٠٩ هـ(***).
٢١) خليل عبد الكريم، دولة يثرب – بصائر في عام الوفود، دار سينا للنشر و مؤسسة الانتشار العربي، لندن و بيروت و القاهرة، ط١، ١٩٩٩.
٢٢) د. محمد طاهر الجوابي، الجرح و التعديل بين المتشددين و المتساهلين، الدار العربية للكتاب، تونس، ١٩٩٧.
ملاحظات
(*) اعتمدنا على النسخ المنشورة في القرص المضغوط ” موسوعة الحديث الشريف “، الإصدار ١.١، من إنتاج شركة صخر لبرامج الحاسب، و أرقام الأحاديث الواردة في البحث هي حسب ترقيم العالمية في هذا القرص المضغوط.
(**) اعتمدنا على النسخ المنشورة في القرص المضغوط ” مؤلفات الحافظ ابن حجر العسقلاني “، من إنتاج مركز التراث لأبحاث الحاسب الآلي، عمان – الأردن، الإصدار الأول، ٢٠٠١.