أولاً: أخطأ هذا الشيخ في معنى الإحداث في المدينة المنورة!
نلاحظ أن هذا الخطيب أورد الحديث النبوي الشريف: ” فمن أحدث فيها حدثاً أو آوى محدثاً..الخ”، وهو حديث متفق عليه بين المسلمين، لكن الكلام في تفسير الإحداث في المدينة المنورة، فإن فتاوى فقهاء المذاهب مختلفة، وحتى فتاواهم داخل المذهب الواحد.
فبعضهم قال إن الإحداث الذي يوجب اللعن والقصاص هو الهجوم على المدينة ومحاربة أهلها، كما فعل يزيد في وقعة الحرة صلى الله عليه وآله حيث قتل مئات الصحابة والتابعين، وأباح المدينة لجيشه، فعاثوا فيها فساداً وإجراماً!
وبعضهم قال إن الإحداث المنهي عنه في المدينة كما يشمل مهاجمة أهلها، يشمل أيضاً ارتكاب القتل والسرقة فيها، وبه أفتى ابن تيمية.
وأما مذهب أهل البيت عليهم السلام فقد فسر الإحداث فيها بالقتل خاصة.
وقد شذ هذا الشيخ الخطيب عن الجميع فقال إن الإحداث فيها هو كل إثم! وكان اللازم عليه أن يذكر فتاوى فقهاء المذاهب في المسألة، ومنها فتوى مرجعه ابن تيمية، ويطلب من المسلمين تطبيق ما أفتى به فقهاؤهم، لكنه مع الأسف لم يفعل ذلك، بل ارتكب التدليس في الفتوى فأتى بالحديث النبوي الشريف المتفق عليه ثم وصله بكلام من عنده يتوهم السامع أنه حديث شريف، أو أنه رأي الإسلام المتفق عليه عند الفقهاء! فقال: “ومن أتى فيها إثماً أو آوى من
وقال ابن تيمية في السياسة الشرعية ص٧٧: (من آوى محارباً أو سارقاً أو قاتلاً ونحوهم ممن وجب عليه حدٌّ أو حقٌّ لله تعالى أو لآدمي، ومنعه ممن يستوفي منه الواجب بلا عدوان، فهو شريكه في الجرم، وقد لعنه الله ورسوله (ص) . روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص) : لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً.
ولكن هذا الشيخ وسَّع معنى الإحداث الى كل إثم! فخالف بذلك إمامه، وخالف عامة الفقه الإسلامي!
أما في فقه أهل البيت الطاهرين عليهم السلام، وهم أهل البيت والمدينة، وأهل البيت أدرى بما فيه، فقد فسروا الإحداث في المدينة بالقتل خاصة، روى الكليني في الكافي ج٤ ص ٥٦٥، بسند صحيح عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أحدث بالمدينة حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله. قلت: وما الحدث؟ قال: القتل) .
ثانياً: جعل الإحداث شاملاً للرأي فخالف بذلك إجماع المسلمين!
ارتكب هذا الشيخ خطأ أفظع من الأول حيث وسَّع معنى الإحداث في مدينة النبي صلى الله عليه وآله فجعله يشمل الآراء المخالفة له وسماها بدعة!
مثلاً:
ينوي الحاج من بلده حج بيت الله تعالى وزيارة قبر نبيه صلى الله عليه وآله والتوسل به الى الله تعالى، ويعتقد أن ذلك من أفضل القربات الى الله، فهذه هي فتوى كافة مذاهب المسلمين.
ويزعم هذا الشيخ أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله شرك وأن نيته معصية، فيكون سفر الحجاج كلهم سفر معصية، ويكونون بزعمه مشركين مبتدعين، فهم محدثون في المدينة عليهم اللعنة والعقوبة! مع أنهم بفتوى مذاهبهم مثابون!
فانظر الى هذا الخطيب كيف يتهم المسلمين بالشرك والبدعة والإفساد في مدينة نبيهم صلى الله عليه وآله؟!!
ثالثاً: هل يحق لهذا الشيخ أن يفرض فتواه الشاذة على الحجاج؟!
لو سألنا هذا الشيخ: لقد عممت حكم من أحدث في المدينة حدثاً لكل بدعة وخرافة وخزعبلة، أو نشرمقالة بدعية، أو ارتكاب ما هو مخالف للسنة على حد تعبيرك.. وجعلت ذلك موجباً للعن
فإن قال: الذي يرجع اليه في ذلك هم فقهاء المذاهب، فلماذا أفتى هو برأيه، ولم يُرجع المسلمين الى أئمة مذاهبهم؟!
وإن قال: أنا لي الحق في تحديد ذلك، وأنا أفتي بأنه إحداث في المدينة!
فجوابه: أن كلامك هذا رد على إمامك ابن تيمية! والحجاج لايقلدونك ولا يقلدونه، ولا الحكومة السعودية نصبتك قاضياً لمحاكمة الحجاج!
وحتى لو قلدك أحد من المسلمين في السعودية، أو نصبتك الحكومة مفتياً، فالواجب عليك أن تفتي لمن يقلدك فقط، وتترك ضيوف الرحمان وزوار حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله يعملون بفتوى أئمة مذاهبهم، ويؤدون مناسكهم على فتواهم، ويزورون قبر نبيهم صلى الله عليه وآله ومسجده على فتواهم!
إن مشكلة هؤلاء الشيوخ أنهم متطرفون إرهابيون فكرياً، فهم يتخيلون أشياء، ويريدون فرضها على عامة المسلمين بالعصا والخشونة! والى الآن لم يفيقوا من نومهم، مع أنهم يرون أن المسلمين لايحترمون فتاويهم!
رابعاً: لو طبقنا فتوى البدير عليه نفسه؟!
من الطريف أن هذا (القاضي) حكم على نفسه في خطبته بأنه أحدث حدثاً في مدينة النبي صلى الله عليه وآله، وأنه يستحق اللعن والعقوبة!
فهاتان مخالفتان للسنة على منبر مسجد النبي صلى الله عليه وآله!
خامساً: أخطأ البدير في معنى مؤوي المحدث أيضاً!
إن المؤوي للمحدث ليس من يؤجره بيتاً يسكن فيه مثلاً، بل هو الذي يحميه في مقابل السلطة ليدفع عنه العقوبة الشرعية، لكن هذا الشيخ جعل من يرتكب إثماً محدثاً ومن يؤويه مثله! فصار كل من يؤجر بيته من أهل المدينة محدثاً ملعوناً، لأن الذين أسكنهم يوجد فيهم من يرتكب إثماً!
قال ابن تيمية في السياسة الشرعيةص٦٢:
(وكذلك ذووا الجاه إذا حَمَوْا أحداً أن يقام عليه الحد، مثل أن يرتكب بعض الفلاحين جريمة، ثم يأوي إلى قرية نائب السلطان، أو أمير فيحمي على الله ورسوله، فيكون ذلك الذي حماه ممن لعنه الله ورسوله، فقد روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله (ص) : لعن الله من أحدث حدثاً أو آوى محدثاً. فكل من آوى محدثاً من هؤلاء فقد لعنه الله ورسوله) . انتهى.
وقال ابن تيمية في رسائل وفتاوي في الفقه ج١٠ص٣٢٣:
المسألة الثانية
زعمه أن زيارة قبر النبي غير مستحبة!
قال البدير: (زيارة المسجد النبوي سنة من المسنونات، وليست واجباً من الواجبات ليس لها علاقة بالحج ولاهي له من المتممات. وكل ما يروى من أحاديث في إثبات علاقتها وعلاقة زيارة قبر المصطفى (ص) بالحج، فهو من الموضوعات والمكذوبات. ومن قصد بشد رحله إلى المدينه زيارة المسجد والصلاة فيه، فقصده مبرور وسعيه مشكور، ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور والاستغاثة بالمقبور، فقصده محظور وفعله منكور) !.
وقال: (أيها المسلمون! ويشرع لزائر المسجد النبوي من الرجال، زيارة قبر النبي (ص) وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر (رض) بالسلام عليهم والدعاء لهم. أما النساء فلا يجوز لهن زيارة القبور في أصح قولي العلماء!!)
وقال: (المخالفة السادسة: التكرار والإكثار من زيارة قبره (ص) ، كأن تكون زيارته بعد كل فريضه أو في كل يوم بعد فريضه بعينها، ففي هذا مخالفة لهدي النبي (ص) وفي هذا مخالفة لقوله (ص) : لاتجعلوا قبري عيداً) .
أولاً: أجمع المسلمون على استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله
أفتى المسلمون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، أنه يستحب للمسلم وخاصة الحاج، أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وآله في المدينة، ويصلي في مسجده الشريف، ويزور بقية المساجد والأماكن الطاهرة في المدينة وحولها.
وعلى ذلك جرت سيرتهم من صدر الإسلام الى عصرنا هذا.
لكن ابن تيمية جاء في القرن الثامن وخالف عامة المسلمين، وقال لايستحب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله، ولا زيارة المدينة! ولذلك قال البدير: “يُسَنّ” زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وآله، يقصد المسجد فقط، لاقبر النبي صلى الله عليه وآله ولا المدينة! وهذه نصوص فقهاء مذاهب المسلمين ترد على مقولتهم الشاذة!
١- قال الحافظ الممدوح في”رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة ” ص٥١-٥٤:
(كلام الأئمة الفقهاء في استحباب زيارة القبر الشريف: قال الإمام المجمع على علمه وفضله أبو زكريا النووي: (واعلم أن زيارة قبر رسول الله (ص) من أهم القربات وأنجح المساعي، فإذا انصرف الحجاج والمعتمرون من مكة استحب لهم استحباباً متأكداً أن يتوجهوا إلى المدينة لزيارته (ص) ، وينوي الزائر مع الزيارة التقرب وشد الرحل إليه والصلاة فيه. انتهى. (المجموع: ٨ / ٢٠٤) .
وقال أيضاً في الإيضاح في مناسك الحج:
(إذا انصرف
وعلق الفقيه ابن حجر الهيتمي على الحديث فقال في حاشية الإيضاح:
الحديث يشمل زيارته (ص) حياً وميتاً، ويشمل الذكر والأنثى، والآتي من قرب أو بُعد، فيستدل به على فضيلة شد الرحال لذلك وندب السفر للزيارة، إذ للوسائل حكم المقاصد. انتهى. (ص ٢١٤ حاشية الايضاح) .
وقال الإمام المحقق الكمال ابن الهمام الحنفي في شرح فتح القدير:
المقصد الثالث في زيارة قبر النبي (ص) قال: مشايخنا رحمهم الله تعالى من أفضل المندوبات. وفي مناسك الفارس وشرح المختار: إنها قريبة من الوجوب لمن له سعة، ثم قال بعد كلام ما نصه: والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف تجريد النية لزيارة قبر النبي (ص) ثم إذا حصل له إذا قدم زيارة المسجد، أو يستفتح فضل الله سبحانه في مرة أخرى ينويهما فيها، لأن في ذلك زيادة تعظيمه وإجلاله (ص) . انتهى. (٣ / ١٧٩ – ١٨٠) .
وقال محقق مذهب الحنابلة أبو محمد بن قدامة المقدسي:
(ويستحب زيارة قبر النبي (ص) لما روى الدارقطني بإسناده عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص) : (من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي) . وفي رواية:
(من زار قبري وجبت له شفاعتي) . رواه باللفظ الأول سعيد، ثنا حفص بن سليمان، عن ليث،
٢- وقال الحافظ السقاف في كتابه البشارة والإتحاف ص٥٣:
فصل: ابن تيمية يمنع زيارة قبر سيدنا رسول الله (ص) والذهبي يخالف ذلك في (السير) ويرد عليه:
ذكر الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري شرح صحيح البخاري:٣/٦٦) عند الكلام على حديث: (لاتشد الرحال) : أن ابن تيمية يقول بتحريم شد الرحل الى زيارة قبر سيدنا رسول الله (ص) ! وذكر ابن حجر أنه أنكر ذلك على ابن تيمية، وأن ذلك من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية! وإليك نصه بحروفه من الموضع المشار إليه آنفاً: (والحاصل أنهم الزموا ابن تيمية بتحريم شد الرحل الى زيارة قبر سيدنا رسول الله (ص) وأنكرنا صورة ذلك، وفي شرح ذلك من الطرفين طول، وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية! ومن جملة ما استدل به على دفع ما ادعاه غيره من الإجماع على مشروعية زيارة قبر النبي (ص) ما نقل عن مالك أنه كره أن يقول زرت قبر النبي (ص) ! وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ أدباً لا أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال وأجل القربات الموصلة الى ذي الجلال، وإن مشروعيتها محل إجماع بلا نزاع) . انتهى.
٣- وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: ٤/٤٨٤ راداً على ابن تيمية ما نصه:
(فمن وقف عند الحجرة المقدسة ذليلاً مسلماً مصلياً على نبيه فياطوبى له، فقد أحسن الزيارة وأجمل في التذلل والحب، وقد أتى بعبادة زائدة على من صلى عليه في أرضه أو في صلاته، إذ الزائر له
ثانياً: محاكمة ابن تيمية وحكم قضاة الفقهاء الأربعة بانحرافه!
صورة الفتوى من خط القضاة الأربعة، وكتب في سابع عشرين رجب سنة ست وعشرين وسبعمائة: (الحمد لله. هذا المنقول باطنها) جواب عن السؤال عن قوله (إن زيارة الأنبياء والصالحين بدعة) ، وما ذكره من نحو ذلك، وأنه لايرخص بالسفر لزيارة الأنبياء عليهم السلام!
باطلً مردودً عليه. وهذا المفتي المذكور ينبغي أن يزجر عن مثل هذه الفتاوى الباطلة عند الأئمة والعلماء، ويمنع من الفتاوى الغريبة،
وكذلك يقول محمد بن الحريري الأنصاري الحنفي، لكن يحبس الآن جزماً مطلقاً. وكذلك يقول محمد بن أبي بكر المالكي، ويبالغ في زجره حسب ما تندفع به هذه المفسدة وغيرها من المفاسد.
وكذلك يقول أحمد بن عمر المقدسي الحنبلي.
ووجدوا صورة فتوى أخرى يقطع فيها بأن زيارة قبر النبي (ص) وقبور الأنبياء عليهم السلام معصية بالإجماع مقطوع بها! وهذه الفتوى هي التي وقف عليها الحكام وشهد بذلك القاضي جلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني، فلما رأوا خطه عليها تحققوا فتواه فغاروا لرسول الله (ص) غيرة عظيمة، وللمسلمين الذين ندبوا إلى زيارته، وللزائرين من أقطار الأرض، واتفقوا على تبديعه وتضليله وزيغه، وأهانوه ووضعوه في السجن. انتهى من كتاب ابن شاكر الكتبي) . (التوفيق الرباني لجماعة من العلماء ص٢٠)
ثالثاً: زملاء البدير يحرفون الكتب ويحذفون منها زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله
قال الحافظ الممدوح في رفع المنارة ص ٥٧:
(قال الله تبارك وتعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (النساء:٦٤) ،
نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنُـه * فيه العفافُ وفيه الجودُ والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي، فغلبتني عيني فرأيت النبي (ص) في النوم فقال: ياعتبي إلحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له) . انتهى.
وقال الممدوح في هامشه: (وقد ذكر قصة العتبي الإمام المجمع على فضله وعلمه يحيى بن شرف النووي الشافعي رحمه الله تعالى في كتابه “الأذكار” ولكن خلع “المحقق” ربقة الأمانة! فحذف قصة العتبي في الطبعة التي حققها لحساب دار الهدى بالرياض سنة ١٤٠٩!!
ولم يكتف بهذا التحريف فله نظائر أخرى منها: قال الإمام النووي في الأذكار: (فصل في زيارة قبر رسول الله (ص) وأذكارها:
رابعاً: لماذا التفريق في حكم زيارة القبور بين الرجال والنساء؟!
فتوى مذهب أهل البيت الطاهرين عليهم السلام أنه لافرق في استحباب زيارة القبور بين الرجال والنساء، ومن الطبيعي أنه يجب على النساء والرجال في هذه الحالة وكل الحالات أن يراعوا الأحكام الشرعية في الستر والآداب. وهي فتوى عامة المذاهب الإسلامية، إلا من شذ وندر.
بل هذه هي فتوى إمام المذهب الوهابي الشيخ ناصر الدين الألباني الذي يعتبرونه محدث العصر، ويمدحه ابن باز وغيره من أئمتهم.
قال الألباني في أحكام الجنائز ص ١٨٠:
(والنساء كالرجال في
الثالث: أن النبي (ص) قد رخص لهن في زيارة القبور، في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
١ – عن عبد الله بن أبي مليكة: (أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر، فقلت لها: يا أم المؤمنين من أين أقبلت؟ قالت: من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فقلت لها: أليس كان رسول الله (ص) نهى عن زيارة القبور؟ قالت: نعم ثم أمر بزيارتها. وفي رواية عنها: أن رسول الله (ص) رخص في زيارة القبور أخرجه الحاكم:١/ ٣٧٦ وعنه البيهقي: ٤/ ٧٨ من طريق بسطام بن مسلم، عن أبي التياح يزيد بن حميد، عن عبد الله بن أبي مليكة.
والرواية الأخرى لابن ماجه:١/٤٧٥: قلت: سكت عنه الحاكم، وقال الذهبي صحيح، وقال البوصيري في الزوائد:١/ ٩٨:إسناده صحيح رجاله ثقات. وهو كما قالا. وقال الحافظ العراقي في تخريج
خامساً: تأكيد مذهب أهل البيت على زيارة قبور النبي وآله صلى الله عليه وآله
روى الكليني في الكافي ج٤ص٢٧٢عن الإمام الصادق عليه السلام بسند صحيح قال: (لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده. ولو تركوا زيارة النبي صلى الله عليه وآله لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده، فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين) وروى أيضاً عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: (إن زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وزيارة قبور الشهداء وزيارة قبر الحسين عليه السلام تعدل حجةً مع رسول الله صلى الله عليه وآله) .
وروى في ج ٤ ص٥٤٨: عن الإمام الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
(من أتى مكة حاجاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يُعرض ولم يُحاسب، ومن مات مهاجراً إلى الله عز وجل حُشر يوم القيامة مع أصحاب بدر) .
فتوى المرجع السيد الخوئي (قدس سره) في استحباب الزيارة
قال (قدس سره) في البيان في تفسير القرآن ص٤٧٠:
(وعلى هذا جرت الصحابة والتابعون خلفاً عن سلف فكانوا يزورون قبر النبي صلى الله عليه وآله ويتبركون به ويقبلونه ويستشفعون برسول الله صلى الله عليه وآله، كما كانوا يستشفعون به في حياته. وهكذا كانوا يفعلون مع قبور أئمة الدين عليهم السلام وأولياء الله الصالحين، ولم ينكر ذلك أحدٌ من الصحابة، ولا أحد من التابعين أو الأعلام، إلى أن ظهر أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني، فحرم شد الرحال إلى زيارة القبور، وتقبيلها ومسها والاستشفاع بمن دفن فيها، حتى أنه شدد النكير على من زار قبر النبي صلى الله عليه وآله إن تبرك به بتقبيل أو لمس، وجعل ذلك من الشرك الأصغر تارة، ومن الشرك الأكبر أخرى.
ولما رأى علماء عصره عامة أنه قد خالف في رأيه هذا ما ثبت من الدين وضرورة المسلمين، لأنهم قد رووا عن رسول الله صلى الله عليه وآله حثه على زيارة المؤمنين عامة وعلى زيارته خاصة بقوله: “من زارني بعد مماتي كان كمن زارني في حياتي” وما يؤدي هذا المعنى بألفاظ أخر، تبرأوا منه وحكموا بضلاله، وأوجبوا عليه التوبة، فأمروا بحبسه، إما مطلقاً، أو على تقدير أن لايتوب. والذي أوقع ابن تيمية في الغلط، إن لم يكن عامداً لتفريق كلمة المسلمين، هو تخيله أن الأمور المذكورة شركٌ بالله وعبادة لغيره! ولم يدرك أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأعمال يعتقدون توحيد الله وأنه لا خالق ولا رازق سواه وأن له الخلق والأمر، وإنما يقصدون بأفعالهم هذه تعظيم شعائر الله، وقد علمتَ أنها راجعةٌ إلى تعظيم الله والخضوع له والتقرب إليه سبحانه
وصفوة القول:
أن التقبيل والزيارة وما يضاهيهما من وجوه التعظيم لاتكون شركاً بأي وجه من الوجوه وبأي داع من الدواعي، ولو كان كذلك لكان تعظيم الحي من الشرك أيضاً، إذ لافرق بينه وبين الميت من هذه الجهة. ولا يلتزم ابن تيمية وأتباعه بهذا! للزم نسبة الشرك إلى الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وحاشاه فقد كان يزور القبور، ويسلم على أهلها، ويقبل الحجر الأسود كما سبق! وعلى هذا فيدور الأمر بين الحكم بأن بعض الشرك جائز لامحذور فيه، وبين أن يكون التقبيل والتعظيم لابعنوان العبودية خارجاً عن الشرك وحدوده، وحيث أنه لا مجال للأول لظهور بطلانه، فلا بد وأن يكون الحق هو الثاني) .
المسألة الثالثة
زعمه أن المشي لزيارة النبي صلى الله عليه وآله ولو خطوة واحدة حرام!
وهي المسألة المعروفة بـ”مسألة شد الرحال” ومعناها أن ينوي المسلم من بلده زيارة قبرالنبي صلى الله عليه وآله، فإن ابن تيمية حكم بالشرك والكفر على المسلمين، لأنهم ينوون من بلادهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وآله!
بل شملت فتواه من يقصد زيارة القبر الشريف ويخطو اليه من خارج المسجد، بل من يخطو اليه من داخل المسجد ولو خطوة واحدة! واعتبر ذلك حسب فهمه شداً للرحال! وحكم علىهذا المسلم المخلص لربه ونبيه بأنه بخطوته هذه بنية الزيارة والتوسل، قد أشرك بالله تعالى وكفر!!
وهذا معنى قول البدير:” زيارة المسجد النبوي سنة من المسنونات، وكل ما يروى من أحاديث في إثبات علاقتها وعلاقة زيارة قبر المصطفى (ص) بالحج، فهو من الموضوعات والمكذوبات! “.
وكذلك قوله: “ومن لم يرم بشد رحله إلا زيارة القبور، والاستغاثة بالمقبور، فقصده محظور وفعله منكور “.
وقد أخفى هذا المطوَّع مذهبه باللف والدوران في كلامه، فقال إن ذلك حرام ومنكور، ولم يصرح بشرك فاعله وكفره، لأنه يخاف من حكومته ومن عامة المسلمين، إن أعلن فتواه بتكفيرهم!!
وقد رد جميع علماء المذاهب على شذوذ ابن تيمية، ونكتفي بنقل ردود مختارة مختصرة، مضافاً الى ما تقدم في استحباب أصل الزيارة: