الرئيسية / القرآن الكريم / بحوث قرآنية في التوحيد والشرك – أية الله جعفر السبحاني

بحوث قرآنية في التوحيد والشرك – أية الله جعفر السبحاني

بحوث قرآنية في التوحيد والشرك / الصفحات: ٤١ – ٦٠

كما يرى انّ مغفرة الذنوب بيد الآلهة والشاهد على ذلك (وصفه سبحانه) نفسه بأنّه «غافر الذنب».(١)٥.انّ الموحد يرى مصيره عاجلاً و آجلاً بيده سبحانه: وهذا هو إبراهيم الخليل رائد التوحيد يعلن عقيدته أمام الملاَ من المشركين، يقول سبحانه حاكياً عنه: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدين* وَالَّذي هُوَ يُطْعِمُني وَيَسقين* وَإِذا مَرِضْت فَهُوَ يَشْفين* وَالذي يُميتُني ثُمَّ يُحيين) .(٢)

ولكن المشرك يرى كلّ ذلك أو أكثره بيد آلهته وأربابه، كما يعرب عنه قوله سبحانه: (وَمِنَ النّاسِمَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُونَهُمْ كَحُبِّ اللّه)(٣) ويقول تعالى حاكياً عن لسان المشركين يوم الحشر عند ندمهم عن عبادة الآلهة، (تاللّهِ إِنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبين * إِذْ نُسَويكُمْ بِرَبِّ الْعالَمين) .(٤)

٦. انّ الموحد يرى أمر التشريع والتحليل والتحريم بيده سبحانه، ويقول: (إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للّهِ) .(٥)

ولكن المشرك يرى انّ التشريع بيد الاَحبار والرهبان، قال

 

١ ـ راجع غافر/٣.٢ ـ الشعراء/٧٨ـ ٨١.

٣ ـ البقره/١٦٥.

٤ ـ الشعراء/٩٧ـ ٩٨.

٥ ـ يوسف/٤٠.

 

٤١
سبحانه: (اتَّخَذوا أَحْبارَهُمْ وَرُهبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّه)(١) فقد كانوا على اعتقاد انّ الاَحبار والرهبان يملكون مقام التشريع فلهم أن يحلوا الحرام أو يحرموا الحلال بأخذ شيء من حطام الدنيا.إلى غير ذلك ممّا يبين عقيدة المشركين في العصر الجاهلي ويكشف عن أنّ خضوع المشركين لم يكن خضوعاً مجرداً نابعاً عن الحب المجرد بل ناجماً عن عقيدة خاصة في الآلهة والاَرباب، والاعتقاد بأنّ أمر التدبير بعضه أو كلّه بيدهم وانّمصيرهم موكول إليهم.

نعم لم تكن عقيدتهم في ربوبيتهم على درجة واحدة، بل كانت تختلف حسب اختلاف الظروف والشرائط.

فطائفة منهم تعتقد بسعة ربوبية الاَرباب والآلهة كما كان عليه المشركون في عصر إبراهيم حيث كانوا يعتقدون بربوبية النجم والقمر والشمس للموجودات الاَرضية كما حكاه سبحانه عنهم في عدّة من الآيات، قال سبحانه: (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالاََرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنينَ* فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوكَباً قالَهذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَلا أُحِبُّ الآفِلين…) .(٢)

وطائفة أُخرى تعتقد بضيق ربوبية تلك الآلهة وتخصها

 

١ ـ التوبة/٣١.٢ ـ الاَنعام/٧٥ـ٨٠.

 

٤٢
ببعض ما يمتُّ إلى الاِنسان بصلة كاختصاصهم بحقّ الشفاعة والمغفرة والعزّة والنصرة في الحروب إلى غير ذلك، و من أراد التفصيل فليرجع إلى كتب الملل والنحل.(١)والذي كان يجمع المشركين في معسكر واحد هو اعتقادهم بمالكية الآلهة شيئاً من الربوبية وإدارة الكون وحياة الاِنسان.

ونلفت نظر القارىَ إلى بعض النماذج ممّا أثر عن المشركين في مجال عقيدتهم.

قال زيد بن عمرو بن نوفل الذي ترك عبادة الاَصنام قبل أن يبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يحكي عن عقيدته في الجاهلية ويقول:

أرب واحد أم ألف ربّ أدين إذا تُقسِّمت الاَُمور
عزلت اللات والعزى جميعاً كذلك يفصل الجلد الصبور
للا عزّى أدين ولا ابنتيها ولا صنم بني عمرو أزور

ويقول أيضاً: 

إلى الملك الاَعلى الّذي ليس فوقه إله ولا ربّ يكون مدايناً(٢)

 

١ ـ الشهرستاني: الملل والنحل:٢/٢٤٤.٢ ـ الآلوسي: بلوغ الارب: ٢/٢٤٩.

 

٤٣
الصفحة: ٤٤ فارغة
هذه الاَشعار وسائر الكلمات المروية قبل مبعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تثبت أمراً واحداً، و هو انّ آلهتهم كان ت تتمتع حسب عقيدتهم بقوة غيبية مالكة لها موَثرة في الكون ومصير الاِنسان، وانّ هوَلاء آلهة وأرباب واللّه سبحانه إله الآلهة وربّالاَرباب.ويمكن أن نتطرق إلى المواقف التي اتّخذوها أمام أصنامهم وأوثانهم من خلال استعراض الآيات التي تندد بالمشركين وتشجب عملهم.

١. (انَّ الَّذينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) .(١)

٢. (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاتَحويلاً) .(٢)

٣. (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ) .(٣)

٤. (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ) .(٤)

٥. (أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمن إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ في غُرُور) .(٥)

 

١ ـ الاَعراف/١٩٤.٢ ـ الاِسراء/٥٦.

٣ ـ يونس/١٠٦.

٤ ـ فاطر/١٤.

٥ ـ الملك/٢٠.

 

٤٥
كتاب بحوث قرآنية في التوحيد والشرك للأستاذ جعفر السبحاني ص ٤٦ – ص ٦٨

٤٦
الصفحات: ٤٧ – ٥٠ فارغة

٥١
وبمثل هذا البيان تتميز العبادة عن التعظيم، فتقبيل المصحف وضرائح الاَنبياء وما يمتّ إليهم بصلة إذا كان فارغاً عن اعتقاد الاَُلوهية والربوبية والتفويض فهو ليس عبادة للمخضوع له.إذا عرفت تلك الضوابط فلنتناول بالبحث الموضوعات الخاصة التي ربما يتصور انّها شرك وعبادة لغير اللّه أو انّها بدعة دخلت في الدين أو حرام كسائر المحرمات، ويأتي كلّ ذلك في ضمن الفصل الآتي.

 

٥٢
الصفحة: ٥٣ فارغة

٥٤
الصفحات: ٥٥ – ٥٧ فارغة

٥٨
عبادة لهم، فأين التعظيم للشخصيات من عبادتهم؛ فانّالتعظيم تقدير لجهودهم، والعبادة تأليههم واتخاذهم أرباباً. أفهل هناك من يخلط بين الاَمرين منّا أو من غيرنا؟! كلاّ،لا، شريطة الاِمعان في مقوّمات العبادة وتعريفها الماضيتين في الفصلين السابقين.إذا وقفت على الآثار البنّاءة لزيارة مطلق القبور وزيارة قبور الاَولياء والصالحين، نذكر خصوص ما ورد من الروايات التي جاء فيها الحث على زيارة قبر النبي الاَعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).

أخرج أئمّة المذاهب الاَربعة وحفاظها في الصحاح والمسانيد أحاديث جمّة في زيارة قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نذكر شطراً منها:

١. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعاً: من زار قبري وجبت له شفاعتي.

٢. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعاً: من جاءني زائراً لا تحمله إلاّ زيارتي كان حقاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة.

٣. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعاً: من حجّ فزار قبري بعد وفاتي كمن زارني في حياتي.

٤. عن عبد اللّه بن عمر مرفوعاً: من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني.

٥. عن عمر مرفوعاً: من زار قبري أو من زارني كنت له شفيعاً أو شهيداً.

 

٥٩
٦. عن حاتم بن أبي بلتعه مرفوعاً: من زارني بعد موتي فكأنّما زارني في حياتي.٧. عن أبي هريرة مرفوعاً: من زارني بعد موتي فكأنّما زارني وأنا حيّ، ومن زارني كنت له شهيداً أو شفيعاً يوم القيامة.

٨. عن أنس بن مالك مرفوعاً: من زارني في المدينة محتسباً كنت له شفيعاً.

٩. عن أنس بن مالك: من زارني ميتاً فكأنّما زارني حيّاً، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم القيامة، وما من أحد من أُمّتي له سعة ثمّ لم يزرني فليس له عذر.

١٠. عن ابن عباس مرفوعاً: من زارني في مماتي كمن زارني في حياتي، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً، أو قال شفيقاً.

فهذه أحاديث عشرة أخرجها الحفاظ من المحدّثين، وقد جمع أسانيدها وطرقها وصححها تقي الدين السبكي (المتوفّى سنة ٧٥٦هـ) في كتاب شفاء السقام في زيارةخير الاَنام فمن أراد التفصيل فليرجع إليه.(١)

 

 

١ ـ شفاء السقام في زيارة خير الاَنام، الباب الاَوّل في الاَحاديث الواردة في زيارته؛ ولاحظ أيضاً وفاء الوفاء بأحوال دار المصطفى:٤/١٣٣٦.

 

https://t.me/+uwGXVnZtxHtlNzJk

 

شاهد أيضاً

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ

الابحاث العرفانية –  السيّد محمّد الحُسين‌ الحسينيّ الطهرانيّ کتاب الشمس الساطعة منهج‌ المرحوم‌ القاضي‌ قدّس‌ ...