يا خير من نزلَ النفوسَ أراحلُ ** بالأمسِ جئتَ فكيفَ كيفَ سترحلُ
بكتِ القلوبُ على وداعك حرقةً ** كيف العيونُ إذا رحلتَ ستفعلُ
من للقلـوبِ يضمهـا في حزنهـا ** من للنفـوس لجرحهـا سيعـلِّّـلُ
ما بال شهر الصومِ يمضي مسرعاً ** وشهورُ باقي العام كم تتمهّـلُ
عشنا انتظـارك في الشهــورِ بلوعــةٍ ** فنزلتَ فينــا زائــراً يتعجّـــلُ
ها قد رحلت أيا حبيبُ، وعمرنا ** يمضي ومن يدري أَأَنتَ سـتـقـبـلُ
فعســاكَ ربي قــد قـبـلـــت صيامنــــا ** وعساكَ كُـــلَّ قيامنــا تتقبَّــلُ
يا ليلة القدر المعظَّــمِ أجرهــا ** هل إسمنا في الفائزيـــنَ مســجّــلُ؟
كـم قائــمٍ كــم راكــعٍ كـم ساجــدٍ ** قـد كــانَ يدعــو الله بـل يتوسـلُ
أعتــقْ رقابــاً قـد أتتــكَ يزيــدُها ** شــوقـاً إليــكَ فؤادُهــا المتوكِّـلُ
فاضت دمــوعُ العيــن من أحداقهـا ** وجرت على كفِّ الدُّعاءِ تُبلِّـلُ
يا مـن تحـبُّ العفــو جئتُكَ مذنبــاً ** هـلا عفوتَ فمـا سواكَ سأسألُ
هــلاّ غـفــرتَ ذنوبـنــا في سابـــقٍ ** وجعلتنــا في لاحــقٍ لا نفعــلُ
يـا سـعـدنـا إن كانَ ذاكَ محقّقــاً ** يـا ويلنــا إن لم نفــزْ أو نُغسَــلُ
بكــت المساجــدُ تشتكي عُمَّارهـــا ** كــم قَــلَّ فيهـــا قارئٌ ومُرتِّــلُ
هذي صلاةُ الفجـرِ تحـزنُ حينمـا ** لم يبـقَ فيهــا الصـفُّ إلا الأولُ
هذا قيــامُ اللِّيــلِ يشكــو صَحْبَــهُ ** أضحى وحيــداً دونــهم يتملمـلُ
كـم من فقيــرٍ قـد بكى متعففــاً ** مَنْ بعـدَ شهر الخير عنهم يسألُ؟
يـا مـن عبدتــم ربــكم في شهــركم ** حتى العبــادةَ بالقَبــولِ تُكَلَّـلُ
لا تهجـــروا فعــلَ العبــادةِ بعــدَه ** فلعــلَّ ربي مـا عبدتــم يقبـــلُ
يـا مـن أتى رمضانُ فيــكَ مطهِّـــراً ** للنَّفـسِ حتى حالــها يتبــدَّلُ
يمحو الذُّنوبَ عن التقيِّ إذا دعا ** ويزيدُ أجــرَ المحسنينَ ويُجزِلُ
هل كنتَ تغفلُ عن عظيمِ مرادِه ** أم معرضاً عن فضلِــه تتغافــلُ
إن كنتَ تغفــلُ فانتبهْ واظفرْ به ** أما التغافلُ شأنُ مـن لا يعقِــلُ
فالله يُمهــلُ إنْ أرادَ لحكمـــةٍ ** لكنَّـــه ، يا صاحبــي ، لا يُهمِــلُ
إن كانَ هذا العامَ أعطى مهلةً ** هل يا تُرى في كُلِّ عامٍ يُمهِلُ ؟
لا يستوي من كان يعملُ مخلصاً ** هوَ والذي في شهره لا يعملُ
رمضانُ لا تمضي وفينــا غافــلٌ ** مـا كان يرجــو الله أو يتذلَّــلُ
حتــى يعــودَ لـربــه متضرِّعــاً ** فهو الرحيــمُ المنعــمُ المُتفضّـلُ
وهو العفوُّ لمن سيأتي نادمــاً ** عن ذنبــهِ في كــلِّ عفــوٍ يأمــلُ
رمضانُ لا أدري أعمري ينقضي ** في قادم الأيامِ أم نتقابـلُ !!
فالقلبُ غايــةَ سعـدِهِ سيعيشُها ** والعين في لقيـاكَ سوف أُكحِّـلُ
اسْكُبِ الدَّمْعَ إنَّ الشَّهْرَ مُرْتَحِلٌ * ولَا يَعِيْبُ بُكَاءً أيُّهَا الرَّجُلُ
كَأنَّ مَطْلَعَهُ فِي يَومِ مَغْرِبهِ * بَرْقُ السَّمَاءِ يَخْبُو وَهْوَ يَشْتعِلُ
يَكَــادُ يَصْرَعُنَا لَولَا تَصَبُّرُنَا * إذَا يَشِيْعُ فِي حَارَاتِنَــا الْأجَــلُ
شَهْرٌ بِأكْمَلَ مِنْهُ نَشْرَ مَغْفِرَةٍ * ولَا بِأخْيَرَ مِنْهُ إذَا دَعَا الْوَجِلُ
إذا يَجِيءُ يَضُوْعُ الذَّكرُ أفْئِدَةً * والأَلْسُنُ الرُّطْبُ مِنْ تَرْدِيدِهِ ثَمِلُ
يَهْدِي نُفُوسَاً قَد أَعْيَا بِهَا السَّفَرُ * بَيْدَاءَ مُوحِشَةٍ مَا فِي جَوْفِهَا دَقَلُ
عَمِيَتَ قُلُوبٌ فِيهِ عَمَّا تُحَصَّلُهُ * جَهْلاً بِخَيْرِ لَيَــالٍ لَيْــلَ مَــنْ تَصِــلُ؟
ومَسجِداً مِثْلَ بَيْتِ النَّحْلِ مُحْتَشِدٌ * لِلنَّاسِ بالسَّحَرِ فِي سَاحَاتِهِ زَجَلٌ
لا يَقُومُ بِــه فِي الظَّلْمَــاءِ يَطْلُبُــه * إلا الذَّيِنَ لَهُم فِيْمَا يَطْلُبُوا أمَــلُ
فِي فِتْيَةٍ بِهَجِيْعِ اللَّيْلِ قَد عَلِمُوا * أنْ لَيْسٍ يَدْفَعُ عَـنْ غُلَوائِهِمْ كَسَلُ
وشِيبةٍ ذَوِي عَزِيْمَاتً لَقَد فَطِنُوا * أنْ لَيْسَ يَمْنَعُ عَنْ ذِيْ الشَّيْبَةِ الْأمَلُ
يُطَالِعُ القَلْبَ مِنْهُم أنْوَارُ لَها شُعَلٌ * وأنفسٌ مِنْهُم بِهَا الْأَرْوَاحُ تشتملُ
وَمَا رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْأُنْسِ عَامِرَةً * كَأنَّ تُرْبَتَهَا بِالْحُبِّ تَغْتَسِلُ
بَادَلْتُهُم حِبَـاَل الْأُنْسِ مُغْتَبِطـاً * وزَفْـرَةً حَسْـرَى مَا تَنْفَـكُ تَعْتَمِـــلُ
إنْ تَرْكَنُوا فَطِلابُ العِزّ بُغْيَتُنَا * أَو تَحْمِلُونَ فَإنَّا خَلْفَ مَنْ حَمَلُــوا
أيَا لَيْلَةً شَرُفَتْ بِالْوَحْيِ مَنْزِلَةً * إنْ عَسَّ طَالِبُهَا فَازَ بِخَيْرِهَا بَــدَلُ
صَفْوُ السَّمَاءِ طِيْبُ النَّسْمِ سَاكِنَةٌ * إذَا صَغَيْتَ يَكَادُ الْهَمْسُ يَتَّصِــلُ
غَرَّاءُ شَهْبَاءُ مَحْشُودٌ مَلَائِكُهَا * تَكْفِي رَوَاحِلُهَا مَا ضَاقَتْ بِهِ الْأُوَلُ
لَمْ تَكُنْ ألْفَاً ولَمْ تَقْرُبْ مِنْ الْألْـفِ * وَمَا تَرَاهَــا لِغَيْــرِ الْلَّهِ تَكْتَمِــلُ
تَنْفِي بِهَــا الآثَــامَ مَـا بَلَغَـتْ ذَنْـبٌ * بِعَبْــدٍ أو خَوَّضَ بِــه الْوَحْــلُ
عَلّقْتُهَا رَغَباً فِي اللهِ قَدْ مَلَأتَ * قَلْبِي وَعَلّقَهُ ذَنْبَاً مَا أَوْهَنَ الرَّجُلُ
وَقَدْ أَقُودُ خُطَايَا إلَيْهَا فَتَسْبِقُنِي * وَقَدْ تُثَاقِلُنِي فَمَا تَرْضَى بِهِ بَدَلُ
وَقَدْ أُخَالِسُ حَظَّ النَّفْسِ غَفْلَتَهَـا * وَقَـدْ تُحَــاذِرُ مِنَّي كَيْفَمَــا تَنَــلُ
وَلَو أَقُومُ إلى الْمِحْرَابِ يَغْمُرُنِي * دَمَـعٌ سَكِيْبٌ بِـهِ الآثَـامُ تَغْتَسِلُ
قَالَ الهِلَالُ لمَّا جِئْتُ أَرْقُبُه * عَهْدِي إلَيْـكَ وعَهْـدَاً مِنْكَ يَـا رَجُــلُ
أَفْطِمْ وَلِيدَ بَنِي الْإنْسَانَ مَوْعِظَةً * ألَّا يَبِيْتَ لِدَارٍ تَحْنُنْ وَهْيَ تَخْتَتِلُ
لا يَسْتَفِيْقُونَ عَنْهَا وَهْيَ خَادِعَةٌ * تُخْفِي نَوَاجِزُهَا مَا أَبْدَتِ المُقلُ
تُغْرِي بِهِمْ فَرْطَ مَأمُولٍ وبُغْيَتَهُ * حُبَّ البَقَاءِ ومِنْ ألْوَانِهِ شَكْلُ
لَتَطْلُبَنّكَ مَا طَابَ المُقَامُ بِهَا * مَا أَبْدَتَ مَفَاتِنَهَا والطَّرْفُ مُكْتَحِلُ
أمَا تَرَاهُمْ صَرْعًى لا نَجَاةَ لَهُمْ * تَجْفُو وتَتْرُكَهُمْ تَبْقَى ويَنْتَقِلُوا
أمَا تَرَاهَا بُيُوتَاً لا عِمَادَ لَهَا * يَبْنُوا فَتَهْدِمُهَا واْلحَالُ مُتَّصِلُ
يَشْقَى بِهَا ذُو عَزيْمَاتٍ لَهُ أنَفٌ * فِي السَّائِريْنَ وَإنْ عَلّوا وَإنْ نَهِلُوا
إنَّا مُنَادُوكَ فَأقْبِلْ أيُّهَا الرَّجُلُ * لَقَدْ بَلَوتَ فَلا يَغْرُرْ بِكَ الْأمًلُ
هَلَّا سَعَيْتَ إلى الْجَنّاتِ تُرْفَلُ فِي * ظِلّ ظَلِيْلٍ دُونَ سَمَائِهِ ظُلَلٌ
والْحُورُ تَبْقَى أبْكَاراً مُنَشّاةً * حَتَّى يُدَافَعُ عَنْ أَزْوَاجِهَا الْمَللُ
القَاصِرَاتُ هِدَابَ الطّرفِ نَظْرَتَهُ * والطَّاهِرَاتُ عَلَا أنْفَاسَهَا خَجَلُ
تَسْقِي كُوُؤسَاً لَهُمْ قَدْ جُنّبَتْ كَدَراً * صَفْواً تَجَانَفَ عَنْهَا شَارِبٌ ثَمِلٌ
ولُؤلُؤا نُثَّرتَ بِالْعَيْنِ تَحْسَبُهُمْ * مِن وَالِدِيْهِمْ إذَا أطْفَالُهُمْ دَخَلُوا
يَا مَنْ بَاتَ رَاغِبَاً فِي الْجَاهِ يَطْلُبُه * وَالْمَالَ يَجْمَعُه فَالْعُمْرُ مُرْتَحِلُ
كَنَاضِحٍ صَخْرَةً يَوْماً لِيَغْسِلهَا * فَلَمْ يُنْقِهَا وأَخْسَرَ فَوقَهَا الْبَلَلُ