أعاجيب الأكاذيب / الصفحات: ٤١ – ٦٠
(١٣)
[ردّ مزعمة أن الله قال لعيسى: أنت ابني،
أنا اليوم ولدتك]
هذا بولس الذي يعدّه النصارى من كبار الرسل الموحى إليهم; وعلى تعليمه اعتمادهم في النصرانية، وينسبون إليه كتاباً ورسائل يجعلونها من الوحي الإلهي ; يذكر عنه في الأصحاح الثالث عشر من كتاب أعمال الرسل، في العدد الثالث والثلاثين، أنه قال هكذا:
” إذ أقام يسوع كما هو مكتوب في المزمور الثاني: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك “.
ولا يخفى على القارئ أنّ هذه العبارة جاءت في العدد السابع من المزمور الثاني من قول داود، هكذا: ” أخبر الحقّ، الله قال لي: ابني أنت، أنا اليوم ولتك ” فداود يخبر في وحي المزامير أن الله قال هذا الكلام له، يعني أنه منحه النبوة والوحي ; ولأجل ما حصل لحياته من مجد النبوة والوحي كان ذلك اليوم كأنه يوم ولادته، بل هو اللائق بأن يعدّ أوّل أيام حياته.
فيا للعجب من الانتهاب العلنيّ! هب أنّا فرضنا أنّ هذا الكلام غير صريح في كونه خطاياً لداود، ولكن متى كانت لعيسى ولادة حينما أوحي المزمور الثاني لداود؟! أليست ولادة عيسى من
وإن كاتب الرسالة يريد بذلك ما ذكرناه عن المزمور الثاني لكي يحتجّ به على اليهود.. وقد عرفت الكذب في انتهاب ذلك من داود للمسيح!
ولم تكتف رسالة العبرانيّين بهذا الانتهاب، بل قالت في الأصحاح الأول، في العدد الخامس، في الاحتجاج على اليهود لمجد المسيح وتفضيله على الملائكة بما جاء في كتبهم في العهد القديم، وهذا نصّ ما قالته: ” لمن من الملائكة قال فيما مضى: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك ; وأيضاً: أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً “.
فأما قول الرسالة أنّ قوله: “أنت ابني، وأنا اليوم ولدتك ” قد قيل في المسيح، فقد عرفت أنه كذب وانتهاب وغصب لحقّ داود وما قيل فيه.
وأما دعوى الرسالة أنه قيل في المسيح أيضاً في العهد القديم:
وفي الأصحاح الثاني والعشرين من أخبار الأيام الأول أيضاً، من العدد السابع إلى الحادي عشر، في خطاب داود مع سليمان بكلام الله لداود في شأن سليمان، هكذا: “لأنّ اسمه يكون سليمان، فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه، هو يبني بيتاً لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباً “.
ونحو هذا أيضاً جاء في الأصحاح السابع من سفر صموئيل الثاني، من العدد الثاني إلى الخامس عشر.
فراجع المقامات المذكورة تجد هذا الكلام صريحاً في شأن سليمان وبنائه لبيت المقدس.
ويا للعجب ـ مع هذه التصريحات ـ كيف يجترئ أحد من الناس وينتهب هذا الكلام من سليمان، ويجعله مقولا في المسيح عيسى بن مريم؟!
(١٤)
[ردّ مزعمة أن بولس وأهل كورنتوش لا يموتون]
في الاصحاح الخامس عشر من رسالة كورنتوش الأولى، في العدد الحادي والخمسين والثاني والخمسين، بعد ذكر قيامة الأموات، جاء عن قول بولس ووحيه ما هذا نصّه:
” هو ذا سرّ أقوله لكم، لا نرقد كلّنا (أو: كلّنا لا نرقد) في لحظة في طرفة عين عند البوق الأخير، فإنه سيبوّق ويقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغيّر “.
والمراد: لا نموت كلّنا، أو: كلّنا لا نموت، كما تشهد به التراجم بغير العربية.
ويا للعجب! أين صار هذا الوعد السرّي الغيبي الذي قاله بولس بالوحي لأهل كورنتوش؟!
أليس قد مات بولس وأهل كورنتوش ورقدوا في مضاجع الأموات، وطحنهم البلى، ومضى على موتهم أكثر من ألف وثمان مائة سنة؟!
فيا للأسف على هذا الوعد والسرّ الغيبي الصادر عن الوحي!!
(١٥)
[ردّ مزعمة أن بولس وأهل تسالونيكي لا يموتون]
وفي الأصحاح الرابع من رسالة تسالونيكي الأولى، من أول العدد الخامس عشر إلى الثامن عشر، جاء ما هذا نصّه:
” فإنّا نقول لكم هذا بكلمة الربّ: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الربّ، لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتاف بصوت رئيس ملائكة وبوق الله سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون، ثم نحن الأحياء الباقين سنخطف جميعاً معهم في السحب لملاقاة الربّ في الهواء “.
ويا للأسف لأهل تسالونيكي وبولس! أي حيّ منهم بقي إلى مجيء المسيح وقيامة الأموات؟!
وأين الأحياء الباقون لكي يخطفون في السحب مع الأموات القائمين من الموت في القيامة؟!
نعم، ها هو بولس وأهل تسالونيكي، قد اختطفهم الموت بقبور البلا، فدُرِست رممهم ; وها هم منذ ثمانية عشر قرناً إلى الآن يختطفهم الموت إلى البِلى والاندراس!
فيا للأسف على هذا القول المقول بكلمة الربّ، بل يا
(١٦)
[الكشف عن أن بطرس يكذب ويرائي في دينه]
وفي الأصحاح الثاني من الرسالة إلى أهل غلاطية، من العدد الحادي عشر إلى نهاية الثالث عشر، عن قول بولس ما نصّه:
“ولمّا أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوماً، لأنه قبلما أتى قوم من عند يعقوب كان يأكل مع الأمم(١)ولكن لمّا أتوا كان يؤخر ويفرز نفسه(٢)، وراءى معه اليهود أيضاً، حتى أن برنابا انقاد إلى ريائهم ” انتهى.
ويا للأسف إذا كان بطرس ـ خليفة المسيح عندهم ـ يكذب ويرائي في دينه!! وحاشاه.
(١٧)
[ردّ مزعمة أن يعقوب وجميع المشايخ
أمروا بولس أن يرائي]
وفي الاصحاح الحادي والعشرين من كتاب أعمال الرسل، من العدد الثامن عشر إلى السابع والعشرين، ما حاصله:
إن يعقوب وجميع المشايخ(١) أمروا بولس أن يرائي ويعمل بأحكام التوراة رياءً لليهود وتمويهاً، لإبطال المشايخ والتلاميذ لشريعة التوراة.
فانظر هذا المقام من كتاب أعمال الرسل، ويا للأسف!!
(١٨)
[الكشف عن أن بولس استعمل الرياء وختن تيموثاوس]
وفي الأصحاح السادس عشر من كتاب أعمال الرسل، من العدد الأول إلى الرابع ما حاصله:
إن بولس استعمل الرياء وختن تيموثاوس على خلاف تعليمه، لكي يرائي ويظهر كذباً أنه يعمل بأحكام التوراة وخصـوص الختان!
(١٩)
[الكشف عن أن بولس كذب وخالف وعده للمسيح]
تذكر الأناجيل أنه لما قبض اليهود على المسيح وأخذوه إلى رئيس الكهنة، تبعه بطرس، فقال بعض اليهود: إنّ هذا(١) من أصحاب المسيح ; فأنكر بطرس بقسم قائلا: لست أعرف الرجل(٢)…
ثم قيل له ثانياً، فابتدأ يلعن ويحلف: إني لا أعرف هذا الرجـل..
وتقول الأناجيل: إن المسيح أنذره في تلك الليلة وأخبره بأنه ينكره ثلاث مرات، فقال له بطرس: ولو اضطررت إلى أن أموت معك لا أنكرك..
فانظر إلى ذلك في الأصحاح السادس والعشرين من إنجيل متّى في العدد ٣٤ و ٣٥ و٦٩ إلى آخر الأصحاح المذكور، وانظر إلى الأصحاح الرابع عشر من مرقس.
وليت كاتب الإنجيل يخبرنا صـريحاً أنه لمن صار
(٢٠)
[الردّ على مزعمة أن المسيح من المتنبّئين الكذبة]
في الأصحاح الثاني عشر من إنجيل متّى، في العدد الثامن والثلاثين إلى الحادي والأربعين، عن قول المسيح ما هذا نصّه:
” وقال(١) لهم: جيل شرير يطلب آية ولا تعطي له آية، إلاّ آية يونان النبيّ(٢) لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيـام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان(٣) في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال “.
والمراد: أن معجزته أن يموت ويدفن في القبر، ويبقى فيه ميتاً ثلاثة أيّام وثلاث ليال، ثم بعدها يحيا ويقوم من الموت ويخرج من القبر..
هذا، ولكن الأناجيل تكذّب هذا الخبر، وتصرّح بأنه عند المساء من يوم الجمعة ـ الذي يسمّيه اليهود يوم الاستعداد للسبت ـ جاء رجل وطلب جثّة المسيح من الحاكم، ودفنه ليلة السبت.
٣- يعني نفسه.
وإلى أواخر الأصحاح الخامس عشر، وأوائل السادس عشـر من إنجيل مرقس.
وإلى أواخر الأصحاح الثالث والعشرين، وأوائل الرابع والعشرين من إنجيل لوقا.
وإلى آخر الأصحاح التاسع عشر، وأوّل العشرين من إنجيل يوحـنا.
وحاصل الأمر: أنّ الأناجيل قد اتفقـت على أنّ المسيح لم يبق في قبل الأرض إلاّ سواء ليلتين: ليلة السبت وليلة الأحد، مع بياض يوم واحد وهو يوم السبت.. فأين تكون الثلاثة أيام والثلاث ليالي؟!
وهل تدري ماذا فعلت الأناجيل في هذا المقام في قدس المسيح؟!
فإنها جعلت المسيح ـ وحاشاه ـ بحكم التوراة وعلامتها، وصيّرته من المتنبّئين الكذبة، الذي يقتلون لأجل كذبهم بطغيانهم على الله.
(٢١)
[الردّ على افتراء تعدد الآلهة في الإنجيل]
جاء في المزمور الثاني والثمانين في توبيخ قضاة الجور، الذين يراعون وجوه الأشرار ما نصّه:
” حتى متى تقضون جوراً وترفعون وجوه الأشرار؟! إقضوا للذليل ولليتيم، أنصفوا المسكين والفقـير، نجّوا الذليل والمسكين من يد الأشرار، لا يعلمون ولا يفهمون، في الظلمة يتمشون، تتزعزع كل أُسس الأرض ; أنا قلت: إنّكم آلهة وبنو العليّ كلكم؟! لكن مثل الناس تموتون، وكأحد الرؤساء تهلكون، قم يا الله فاقض على الأرض “.
ومعناه: أيها القضاة الجائرون، الذين لا يعلمون ولا يفهمون، وفي الظلمة يتمشّـون، ماذا غرّكم؟! وبماذا أمنتم بطش الله؟! هل أنا قلت: إنكم آلهة وبنو العلي كلّكم، فأمنتم بذلك من سخطي وزوال النعمة وحسرة الموت؟! لكن لا تغترّوا بالحياة، فإنكم مثل الناس تموتون، ولا تغرّنكم الرئاسة، فإنكم كأحد الرؤساء تهلكون..
ولا يخفى أن كل من يفهم الكلام يفهم ما ذكرناه من المزمور المذكور.
ويا للعجب من كلام هذا الإنجيل! فإنّه في افترائه بتعدد الآلهة يقول: لا يمكن أن ينقض المكتوب، أي لا يمكن أن يخالف ; فإذن فلماذا خالف ما هو مكتوب مكرّراً في التوراة، وباقي كتب العهدين، من توحيد الإله، والنهي عن الشرك، وذكر اسم آلهة غير الله؟!!
أفلا تنظر إلى هذا الكلام كم حوى في الافتراء والشرك والغلط؟!
(٢٢)
[الردّ على افتراء أنّ المسيح قال:
قال الربّ لربّي]
في الأصحاح الثاني والعشرين من إنجيل متّى، من العـدد الثاني والأربعين إلى السادس والأربعين ; وفي الأصحـاح الثـاني عشـر من إنجيل مرقس، من العدد الخامس والثلاثين إلى الثامن والثـلاثين ; وفي الأصحـاح العشـرين من لوقـا، من العـدد الحـادي والأربعيـن إلى الخـامس والأربعـين، ما نصه من الأناجيل الثلاثة:
” قال يسوع: كيف يقولون: إنّ المسيح ابن داود، وداود نفسه يقول: بالروح القدس في كتاب المزامير قال الربّ لربّي: اجلس عن يميني حتى أجعل أعداءك موطئاً لقدميك، فإذا كان داود يدعوه ربّا فكيف يكون ابنه؟! “.
وهذه الأناجيل الثلاثة تنسب إلى المسيح الكذب على المزامير والتحريف لها، فإنه ليس في الأصل العبراني ما معناه: ” قال الرب لربّي ” وليس فيه تكرار لفظ (الربّ) وإنما الموجود في المزمور العاشر بعد المائة ما تعريبه: ” وحي الله لسيّدي ” ولفظه في الأصل العبراني هكذا: ” نأم يهوه لأدناي “… فإنّ (أدناي) بمعنى (سيدي).
(٢٣)
[الردّ على افتراء أنّ داود قال:
قال الربّ لربّي]
ولم يكتف العهد الجديد بنسبة الأناجيل لقدس المسيح هذا الكذب وهذا التحريف الوثنىّ، بل جاء مثل ذلك في كتاب أعمال الرسل، ونسب مثل هذا الكذب والترحيف لبطرس، فذكر في الأصحاح الثاني، في العدد الرابع والثلاثين عن قول بطرس ما هذا نصّه:
” لأن داود لم يصعد إلى السماوات وهو يقول: قال الربّ لربّي: اجلس عن يميني “!