تأتي الذكرى التاسعة لانتصار المقاومة على المشروع الإسرائيلي في تموز عام 2006. في الوقت عينه، تكبر التحدّيات وتتشعّب المواجهات وتتعدّد. تبدأً هذه التحدّيات من الميدان ولا تنتهي عند حدود الإعلام والإقتصاد. محاولة نقل “الأعمال القذرة” الى داخل حدود بيئة المقاومة، يجعل التحدي أخطر، وأساليب مواجهته أكثر حسماً.
يكثر الكلام عن إمكانيّات المقاومة وجهوزيتها وديناميكيتها في خضم المعركة المشتعلة مع الإرهابَين التكفيري والصهيوني. لا تتوقف التقارير العربية عن الحديث عمّا تعتبره “إنهاكاً” للمقاومة وبيئتها جرّاء المواجهات المشتعلة على أكثر من جبهة. في المقابل، تنكبّ مراكز الأبحاث والدراسات الإسرائيلية على بحث ودراسة وتحليل تعاظم قدرات المقاومة وتراكم خبراتها الميدانية إثر هذه المواجهات.
تدرك المقاومة حجم المسؤوليات الملقاة على عاتقها جرّاء تعدّد جبهات المواجهة مع الإرهاب. في الأساس، تعتبر المقاومة مواجهتها القائمة اليوم مع الإرهاب التكفيري، على أنها معركة من ضمن حرب قائمة مع الإرهاب الإسرائيلي منذ فترة طويلة. صحيح أن معركة اليوم أشرس وأخطر، غير أنها في عمقها هي امتداد لمواجهة خاضتها المقاومة طويلاً مع أذرع العدوان الإسرائيلي على لبنان. غالباً ما كانت هذه الأذرع عبارة عن جيش لحد عميل، أو خلايا اغتيال وتفجير في العمق الجغرافي للمقاومة. المعركة مع التكفيريين اليوم، وإنْ كانت أشمل وأعمّ من حيث التأثير، إلا أن المقاومة كانت قد ضربت موعداً معها منذ 25 أيار عام 2000، يوم اندحر الإحتلال الإسرائيلي من لبنان مهزوماً على اليد المقاومين، تاركاً خلفه أعوانه والمتعاملين معه.
ادراك المقاومة لحجم المسؤوليات ليس حبراً على ورق، وليس كلاماً تعبوياً لرفع معنويات الجمهور. سبق أن حاولت إسرائيل اختبار مدى جهوزية المقاومة وجدّيتها في الردّ والمواجهة مع أيّ عدوان إسرائيلي في حمأة المعركة مع التكفيريين في سوريا وعلى الحدود اللبنانية وداخلها. في مناسبتين على الأقل، أتى ردّ المقاومة صاعقاً ومذهلاً بالنسبة لإسرائيل.
المرة الأولى كانت في آب 2013. اصطاد رجال المقاومة أربعة جنود من لواء “غولاني” كانوا قد تسلّلوا الى داخل الأراضي اللبنانية من نقطة اللبّونة في القطاع الغربي، حيث كان لغم أرضي في انتظارهم. بقيت القيادة العسكرية الإسرائيلية في حيرة من أمرها وسط تساؤل جوابه مُرّ: هل فعلاً تعرّضت وحدة “غولاني” لكمين مخطّط مسبقاُ نصبته المقاومة؟ وفيما تمنّى الإسرائيليون أن يكون الجواب: لا، كان ثمة بينهم مَن يحلّل ويعلّل ويناقش ويصل الى استنتاج مفاده أن المقاومة جاهزة وحاضرة وتمتلك المعلومات والقدرات التي تمكّنها من المبادرة، رغم خوضها مواجهات ضارية في التكفيريين في سوريا.
الثانية في كانون الثاني 2015. كانت المفاجأة كبيرة بالنسبة للقيادة الإسرائيلية، والصدمة كانت أكبر. بعد اغتيال إسرائيل مجموعة للمقاومة في القنيطرة، أعلنت المقاومة نيّتها الردّ خلال أيام. بالفعل، ردّت المقاومة في اليوم العاشر على عملية الاغتيال، قبل يومين بالتحديد على خطاب مبرمج مسبقاً للسيّد حسن نصرالله. استهدفت المقاومة موكباً عسكرياً إسرائيلياً في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة مؤلفاً من عدد من الآليات، ويضم ضباطاً وجنوداً صهاينة، بالأسلحة الصاروخية المناسبة ما أدًى إلى تدمير عدد منها ووقوع إصابات عدة في صفوف العدو. لاحقاً، إعترفت اسرائيل بمقتل قائد سرية في لواء “غفعاتي” الرائد يوحاي كلينغر والعريف نيني من شيتوليم وإصابة سبعة عناصر. أيقنت إسرائيل أن المقاومة، كما أكّد سيّدها، تملك القرار والإرادة والعزم والجدية والشجاعة أن ترد على أي عدوان.. تكرّست معادلة الردع مع إسرائيل جنوباً على الرغم من المواجهة مع التكفيريين شرقاً.
بعد تسع سنوات على الملحمة الكبرى، أصبحت المقاومة أمتن وأقوى. التضحيات التي تقدّمها بيئة المقاومة في معركة الدفاع المقدّس، تثبت أن الهجمة التكفيرية زادت من التلاحم بين المقاومة وناسها. جيل “الإنترنت والإنفتاح”، جيل ما بعد العام 2006، أثبت أنه امتداد لقافلة شهداء المقاومة منذ انطلاقتها حتى اليوم. هذا الجيل بالتحديد اشتغلت عليه “الميديا” الغربية والعربية بجد ونشاط.
بعد تسع سنوات على الإنتصار، كَبُر الخطر وعَظُم التحدي، لكن المقاومة لم تعد وحدها في الميدان. صارت المقاومة اليوم جزءاً أصيلاً من محور كبير قائم على أسس “العمل المقاوم المشترك”. هذا المحور تجمعه المعارك العسكرية مع التكفيريين على أكثر من جبهة ممتدة من لبنان الى سوريا، فالعراق واليمن. أيضاً يحصد هذا المحور نتائج الإنتصار في المعارك السياسية المتنقلة بين جنيف وطهران وواشنطن ونيويورك.
نقلاً عن موقع العهد