أين سنة الرسول ؟!! وماذا فعلوا بها / الصفحات: ٣٤١ – ٣٦٠
فيبقى السند الوحيد لسنة أبي بكر وعمر، أو سنة الخلفاء هو التأييد الشرعي الجارف لهما، ولا سند لهذه السنة لا من كتاب الله ولا من سنة رسول الله ولا من العقل!!! لأن كتاب الله وسنة رسوله يغنيان عن سنة أبي بكر وعمر وسائر الخلفاء كما حللنا وأثبتنا ذلك.
ويدعي البعض أن هنالك سندا شرعيا آخر لسنة أبي بكر وعمر أو سنة الخلفاء وهو الإجماع!!! بمعنى أن الخلفاء سنوا سننهم على مسمع ومرأى من الصحابة الكرام، فلو كانت سنن الخلفاء غير مناسبة لاعترض عنها الصحابة الكرام، فسكوت الصحابة عنها هو بمثابة إجماع على شرعيتها!!
ولكن هذا الكلام غير صحيح واقعيا وشرعيا، أما من الناحية الواقعية فقد كان القول الفصل للخليفة وعماله وأعوانه، فقد أشار الصحابة جميعا على عمر بكتابة سنة الرسول وتدوينها، ولكن عمر ترك إجماع الصحابة وعمل برأيه الخاص!! فأحرق سنة الرسول المكتوبة والتي أشار عليه الصحابة جميعا بجمعها وتدوينها!! ثم إن الإجماع لم يتحقق ولو في يوم من الأيام،
(٣) البداية والنهاية لابن كثير ج ٨ ص ١٠٧.
(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ج ٣ ص ٥٠١، والحاكم باختصار ج ٢ ص ٣٢٩ وج ٣ ص ٣٠٣.
(٥) المسترشد لابن جرير الطبري ومعالم التفسير ج ١ ص ٥٧.
والخلاصة أن دعوى الإجماع على صحة سنة الخلفاء غير واردة وغير صحيحة، ولا تشكل سندا شرعيا لهذه السنة!!
سنة الخلفاء أهم عند أوليائهم من سنة الرسول
بعد أن منعوا كتابة ورواية سنة الرسول، وأحلوا محلها سنة الخلفاء، صارت سنة الخلفاء عند أوليائهم أولى بالتطبيق من سنة الرسول، ولكن تحت جبة إسلامية، أو شعار إسلامي!!
روى ابن جبير عن ابن عباس قال: تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال عروة بن الزبير: نهى أبو بكر وعمر عن المتعة!!!
فقال ابن عباس: ما يقول عرية؟ قال: يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة “!!
فقال عروة: هما والله كانا أعلم بسنة رسول الله وأشيع لها منك!!
قال الخطيب البغدادي في جواب عروة قلت قد كان أبو بكر وعمر على ما وصفهما عروة إلا أنه لا ينبغي أن يقلد أحد في ترك ما ثبتت به سنة الرسول (٢) حتى عبد الله بن عمر بن الخطاب كان مندهشا من أولياء الخليفتين، فقد كان عبد الله يفتي بالذي أنزل الله عز وجل من الرخصة بالتمتع، وبما سن رسول الله فيه، فيقول بعض الناس لابن عمر: كيف تخالف أباك وقد نهى عن ذلك؟
فيقول لهم عبد الله: ويلكم ألا تتقون الله؟! إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغي فيه الخير؟! فلم تحرمون ذلك وقد أحله الله، وعمل به رسول الله؟!
أفرسول الله أحق أن تتبعوا سنته أم سنته عمر؟! (٣) قال الشافعي: لقد ضل من ترك قول رسول الله لقول من بعده (٤).
وقال ابن حزم: من جاءه خبر عن رسول الله يقر أنه صحيح، وأن الحجة تقوم بمثله أو قد صحح ذلك الخبر في مكان آخر، ثم ترك مثله في
(٣) مسند أحمد ج ٨ ص ٧٧ ح ٥٧٠٠ ط شاكر وإسناده صحيح ونقله ابن كثير في تاريخه ج ٥ ص ١٤١.
وتدوين السنة ص ٢٨٣، والسنة قبل التدوين ص ٩٠.
(٤) الفقيه والمتفقه ج ١ ص ٤٩.
الفصل الثاني
الاستيلاء على منصب الخلافة بالقوة هو الذي أوجد سنة الخلفاء!
في الفصول السابقة عالجنا بالتفصيل مصطلح سيرة الخليفتين أبي بكر وعمر، أو سنتيهما، التي عرفت في ما بعد بسنة الخلفاء الراشدين، وأثبتنا فساد إصرار القوم على قرن سنة الخلفاء بكتاب الله وسنة رسوله، لأن كتاب الله وسنة رسوله غنيان عن سنة الخلفاء وكاملان بدون سنة الخلفاء، ومن غير الجائز ولا من اللائق أن تساق وأن تقرن سنة الخلفاء بكتاب الله وسنة رسوله، لأنه لا مجال للمقارنة أو المساواة بين كتاب الله وسنة رسوله وبين سنة الخلفاء، لأن الخلفاء وإن طاروا ليسوا أكثر من تابعين، وكتاب الله وسنة رسوله متبوعون، فأي منطق هذا الذي يساوي بين التابع والمتبوع ويضعهما في درجة واحدة!! لكن إصرار القوم على قرن سنة الخلفاء بكتاب الله وسنة رسوله يؤكد تأكيدا قاطعا على أن سنة الخلفاء تختلف عن كتاب الله وسنة رسوله، وتتضمن أحكاما ليست واردة لا في كتاب الله ولا في سنة رسوله، ومع هذا يصر القوم على اتباعها مع أنها معارضة لكتاب الله وسنة رسوله!!
سنة الخلفاء صارت عمليا بديلة لكتاب الله وسنة رسوله!!
لقد بين الله في كتابه، والرسول في سنته كافة الأحكام المتعلقة بمن يخلف رسول الله بعد موته كما فعلنا ذلك سابقا، لقد اختار الله تعالى الإمام علي بن أبي طالب ليكون أولى من يخلف النبي بعد موته، وطوال عهد الرسالة الزاهر والرسول يؤكد هذا الاختيار بكل وسائل التأكيد ويبينه بكل طرق البيان، وعندما حج الرسول حجة الوداع، أوحى الله إليه أنه بعد عودته إلى المدينة سيمرض وسيموت في مرضه لذلك أمره الله تعالى بأن ينصب الإمام عليا رسميا خليفة من بعده، وأن يأخذ له البيعة من المسلمين حال حياته، فصدع الرسول بأمر ربه، وفي غدير خم نصب رسول الله الإمام عليا ليكون أول إمام بعده وفاة الرسول، ثم طلب من المسلمين أن يطيعوا ربهم ورسولهم فيبايعوا الإمام، واستجاب المسلمون لأمر الله ورسوله، فبايعوا الإمام عليا، وقدموا له التهاني، وكان على رأس المبايعين والمهنئين الخلفاء الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان، بالإضافة إلى من سماهم عمر في ما بعد بأصحاب الشورى حيث بايعوه وقدموا له التهاني، ورضوا به وعرف المسلمون إمامهم بعد النبي كما وثقنا ذلك بالتفصيل، وكان الرسول الأعظم قد أعلن مرارا وتكرارا بأن الإمام عليا هو أول من يخلفه بعد موته، وبعد موت الإمام الحسين وهكذا تنتقل الخلافة إلى الإمام الحسن، وبعد موت الحسن تنتقل إلى الإمام الحسين وهكذا حتى يكتمل عددهم اثني عشر كلهم من ذرية النبي ومن صلب علي، يتولى كل واحد منهم الإمامة بعهد ممن سبقه، واعتبر المسلمون ذلك ترتيبا إلهيا يحقق مصلحة العباد، ويسند منصب الإمامة إلى الأعلم والأفضل والأقرب لله ولرسوله، ويقطع دابر التنافس على الرئاسة العامة، ويحقق الاستقرار، وبعد أن تم تنصيب الإمام علي في غدير خم نزلت آية الإكمال (اليوم أكملت لكم دينكم…) وعاد الرسول ومن
أهم المبادئ السياسية لسنة الخلفاء
سن الخلفاء مبادئ سياسية استهدفت تحقيق أهداف سياسية أيضا.
١ – لا يجوز أن يجمع الهاشميون النبوة والخلافة معا، هذا مبدأ بل يجب أن تكون النبوة للهاشميين، وأن تكون الخلافة لبطون قريش تتداولها في ما بينها وهذا هو الهدف من المبدأ الأول، وليجعل الخلفاء للناس مصلحة، وطمعا بتأييد الناس، وعزل الهاشميين، أجاز الخلفاء نظريا في ما بعد أن يتولى الأنصار الخلافة، كما أجازوا أن يتولاها العرب، كما أجازوا أن يتولاها الموالي، وهكذا فتحوا شهية الجميع على منصب الخلافة (١).
٢ – تكوين جبهة شعبية عريضة تتكون من بطون قريش وممن والاها وهم أعداء الرسول السابقين، ومن المنافقين، ومن المرتزقة من الأعراب، ومن طلاب الدنيا، وعزل الإمام علي وأهل بيت النبوة والقلة المؤمنة التي تواليهم عزلا تاما بحيث لا يبقى لهم ناصر ولا معين في الدنيا!! وتخويف الجميع منهم وتحريض الجميع عليهم!! وهكذا تفرض الأكثرية إرادتها على الأقلية المؤمنة!!
٣ – تنصيب خليفة في غياب الإمام علي وأهل بيت النبوة والقلة المؤمنة، ثم مواجهتهم بأمر واقع لا طاقة لهم برفعه، واستغلال منصب الخلافة ونفوذها ومواردها وطاقاتها لقمع المعارضين، والبطش بهم وبدون رحمة، وحرقهم وهم أحياء إن اقتضى الأمر، وقد نفذوا هذا المبدأ
٥ – حرمان أهل بيت النبوة ومن والاهم من تولي الإمارات والأعمال والوظائف العامة حتى لا يستغلوها بالاتصال مع الناس، وتعريف الناس بعدالة قضيتهم، وبحجم الظلم الذي لحق بهم.
٦ – منع كتابة ورواية أحاديث الرسول المتعلقة بنظام الحكم أو بمن
كل القواعد التي نظمت دولة الخلافة من سنة الخلفاء
إن تتبعت تاريخ دولة الخلافة، ودرسته دراسة موضوعية ودقيقة ستكتشف أن كافة الأحكام والقواعد التي نظمت دولة الخلاف في كل مراحلها نابعة ومستقاة من سنة الخلفاء ومن مبادئهم التي أجملناها في الفقرة السابقة وفصلناها في البحوث المتقدمة وآية ذلك.
قال ” الماوردي ” (٢) و ” أبو يعلى ” (٣) وهما من ألمع العلماء وأقضى القضاة في كتابيهما ” الأحكام السلطانية ” ما يلي:
الإمامة تنعقد من وجهين
١ – أحدهما باختيار أهل الحل والعقد.
(٣) الأحكام السلطانية لأبي يعلى محمد بن الحسن الفرا الحنبلي ص ٧ – ١١ طبعة مصر ١٣٥٦، وراجع معالم المدرستين ج ١ ص ١٤٥، وما فوق للسيد العسكري.
أ – لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد في كل بلد ليكون الرضا به عاما والتسليم لإمامته إجماعا وهذا مدفوع ببيعة أبي بكر (رض) على الخلافة باختيار من حضرها، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائبها عنها!
ب – وقالت طائفة أخرى: أقل ما تنعقد به الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالا بأمرين:
١ – أحدهما بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها وهم عمر بن الخطاب، وأبو عبيد بن الجراح، وأسيد بن حضير، وبشير بن سعد، وسالم مولى أبي حذيفة.
٢ – أن عمر (رض) جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة.
٣ – قال آخرون تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضى الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين.
٤ – وقالت طائفة أخرى تنعقد بواحد، لأن العباس قال لعلي رضوان الله عليهما امدد يدك أبايعك فيقول الناس: عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان ولأنه حكم وحكم واحد نافذ “.
٢ – وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله، فهو مما انعقد الإجماع على جوازه، ووقع الاتفاق على صحته، لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما.
أحدهما: أن أبا بكر عهد بها إلى عمر فأثبت المسلمون إمامته بعهده.
إمام الحرمين الجويني:
قال: اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأمة على عقدها والدليل إمامة أبي بكر… ” (٢).
ابن العربي:
قال: ” لا يلزم في عقد البيعة للإمام أن تكون من جميع الأنام بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد ” (٣).
القرطبي:
قال القرطبي: ” فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت، ويلزم الغير… ودليلنا أن عمر (رض) عقد البيعة لأبي بكر فلم ينكر أحد من الصحابة ذلك ” (٤).
عضد الدين الإيجي:
” إنها تثبت بالنص من الرسول!! ومن الإمام السابق، وبيعة أهل الحل والعقد… ودليلنا إمامة أبي بكر… بل الواحد والاثنان من أهل
(٣) شرح سنن الترمذي محمد بن عبد الله الإشبيلي المشهور بابن العربي ج ١٣ ص ٢٢٩.
(٤) جامع أحكام القرآن المسألة الثانية من تفسير (إني جاعل في الأرض خليفة).
هؤلاء هم أكابر علماء وفقهاء دولة الخلفاء
فأنت تلاحظ أنهم جميعا قد استندوا في الصحة إلى فعل أبي بكر وعمر، أو إلى سنتيهما، ولم يتطرق أي واحد ولو بكلمة واحدة إلى سنة رسول الله، ولم يذكر أي واحد منهم أي حكم من الأحكام المتعلقة بالخلافة والتي أعلنها رسول الله!! فسنة أبي بكر وعمر هي وحدها القانون النافذ في كل ما يتعلق بالخلافة، وكلهم مجمعون على أن رسول الله قد ترك أمته ولا راعي لها وأنه لم يعهد بالخلافة لأحد من بعده، وكلهم مجمعون بأنه ما من خليفة إلا وعهد بالخلافة لمن بعده، وعللوا ذلك بحرص الخلفاء على وحدة الأمة وتجنيبها الفتنة، وحتى لا تبقى أمة محمد هملا ولا راعي لها!!
مما يعني أن رسول الله هو الحاكم الوحيد الذي لم يحرص على وحدة الأمة، وعلى تجنيبها الفتن، وعلى تركها هملا ولا راعي لها!!! ولذلك لم يعهد لأحد من بعده!!! والمثير حقا أن كل خليفة قد رتب معالم العصر الذي يأتي بعده ليطمئن على أوضاع الأمة!! ولكنهم لم يذكروا بأن الرسول قد تطرق بكلمة واحدة لنظام الحكم من بعده!! حتى أنهم لم يذكروا بأن دين الإسلام قد وضع ولو قاعدة واحدة من قواعد الحكم، غير تلك القواعد التي وضعها الخلفاء!!.
والخلاصة أن سنة الخلفاء هي القانون الوحيد النافذ في كل ما يتعلق بالرئاسة العامة، من حيث التولي، والانتقال، والممارسة، ومن حيث دور الأمة، أما سنة الرسول، فقد أهملت، أو عطلت أحكامها، عمليا، ولم يشركوها
سنة الخلفاء ليست مقتصرة على نظام الحكم بل تمتد أحيانا إلى أمور أخرى!!!
لم يكتف الخلفاء بوضع سنة لنظام الحكم، بل قدروا أن المناسب إجراء تعديلات على بعض الأحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة بحيث تبدو بصورة أصح وأفضل، وحتى يطول بنا البحث فإننا سنسوق أمثلة على بعض المجالات التي تدخلت فيها سنة الخلفاء تبديلا أو تعديلا، وقد فعلنا هذه الأمور في البحوث السابقة لذلك سنكتفي بذكرها مجمله لاستكمال الصورة الفنية للبحث.
١ – في المجال المالي: كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية، ولما تولى عمر الخلافة رأى أنه من الأنسب تقسيم المال بين الناس حسب مراتبهم، وبعد تسع سنوات قال أنه إن عاش السنة فسيعود لسنة الرسول ويقسم بين الناس بالسوية، وقد وثقنا ذلك.
٢ – في المجال الاجتماعي: متعة النساء مكرسة بآية محكمة وبسنة الرسول وجد الخليفة عمر بأنها غير مناسبة، لذلك حرمها وتوعد من يفعلها بالعقوبة.
٣ – متعة الحج: واردة في القرآن الكريم بآية محكمة أيضا، ومكرسة بسنة الرسول ثم اكتشف الخليفة أنها غير مناسبة، لذلك حرمها وتوعد بالعقوبة كل من يفعلها، وقد وثقنا ذلك.
٤ – صلاة التراويح: لم تكن على عهد الرسول، ولا عهد أبي بكر، ولم يشرع الله تعالى الاجتماع لأداء أية نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء، وكان
٦ – أباح الرسول الأعظم البكاء على الميت ولا خلاف بين مسلمين عاقلين على ذلك، والرسول نفسه بكى في مقامات متعددة، وأقر غيره على البكاء أحيانا واستحسنه أحيانا أخرى، لأن حزن الإنسان عند موت أحبته وبكاءه عليهم من لوازم العاطفة البشرية، وهما من مقتضيات الرحمة، لما تولى عمر الخلافة، رأى أن البكاء على الميت ليس مناسبا، لذلك كان ينهى عنه، وكان يضرب من يبكي على ميت (٣)!!! ولك أن تتصور فظاعة هذا الأمر لو رأيت والدا يبكي على ابنه ساعة دفنه فيراه الخليفة أو أحد رجاله فينهال عليه بالضرب، بجرم أنه يبكي على ابنه!!! هذه طائفة من سنن
(٣) راجع النص والاجتهاد ص ٢٧٩ – ٣٠٧ لقد ثبت الإمام العالمي مئات المراجع الدال على ذلك.
سنة الرسول للتجميل والتبرير فقط!!!
رأينا أن سنة الرسول قد استبعدت تماما من كافة الأمور المتعلقة بمنصب الخلافة، أو بمن يخلف النبي، ولم يطبق منها نص واحد، ورأينا أن سنة الرسول المكتوبة والتي تمكن الخلفاء منها قد أحرقت، وأن الخلفاء قد عمموا على كافة البلاد الخاضعة لحكمهم لمحو سنة الرسول، ورأينا أن الخلفاء قد منعوا المسلمين من رواية أي شئ عن رسول الله، وعاقبوا الرواة الذين لا يتقيدون بأوامرهم ولما استقرت سنة الخلفاء، صار المتداول من سنة الرسول كالمتداول من سنة الخلفاء، والمسلمون أحرار باتباع سنة الرسول أو سنة الخلفاء، لأن السنتين بدرجة واحدة ” اتبعوا سنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي “، فسنة الخليفة الراشد كسنة الرسول واجبة الاتباع، أما سنة الرسول غير المتداولة أو بتعبير أدق الممنوعة، فمن غير الجائز العمل بها، فلو أن أحدا من المسلمين قال للإمام علي، أنت وليي يا أبا الحسن لأني سمعت رسول الله يقول: ” من كنت وليه فهذا علي وليه ” فإن سمعه الخليفة يذكر هذا الحديث النبوي، فمن الجائز أن يتعرض هذا المسلم إلى الموت بسبب روايته لهذا النص من السنة النبوية المعارض لسنة الخلفاء!!! ولكن لو قال أحد من المسلمين: إني سمعت رسول الله يقول ” صلاة الصبح ركعتان ” وسمعه الخليفة فلن يسأله!!!.
ولكن لو أن أحد المسلمين قد قال بأن رسول الله قد صلى التراويح في غير جماعة ومات وهو على ذلك، وسمعه الخليفة، فقد يواجه هذا المسلم عقوبة الموت، لأنه يتجه اتجاها معاكسا لسنة الخلفاء.
ومع هذا فقد كان الخلفاء وعمالهم يؤكدون وبكل وسائل التأكيد بأنهم ملتزمون بكتاب الله وسنة رسوله، ويعلنون ذلك وبكل وسائل الإعلان
قال النووي في شرحه بباب لزوم طاعة الأمراء في غير معصية!! ” وقال جماهير أهل السنة من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين: لا ينعزل الإمام بالفسق والظلم وتعطيل الحقوق، ولا يخلع ولا يجوز الخروج عليه بذلك بل يجب وعظه وتخويفه للأحاديث الواردة بذلك، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظافرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع الله السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق ” (١).
والأعظم من ذلك أن أولياء الخلفاء اعتبروا ارتكاب بعض الخلفاء وأوليائهم للجرائم الخطيرة، والخروج الفاضح على كتاب الله وسنة رسوله من قبيل الاجتهاد، وأن الخلفاء وعمالهم مأجورون أجرا واحدا على جرائمهم وخروجهم على كتاب الله وسنة رسوله، لأنهم مجتهدون، ووضعوا أحاديث على رسول الله تثبت هذه المزاعم الكاذبة!! قال أبو الخير الشافعي في حق يزيد بن معاوية الذي قتل الإمام الحسين، وأباد أهل بيت النبوة في كربلاء، واستباح مدينة الرسول، وختم أعناق الصحابة وهدم الكعبة ” ذلك إمام مجتهد ” (٢) ونقل ابن حجر في الصواعق المحرقة عن الغزالي والمتولي القول بأنه ” لا يجوز لعن يزيد وتكفيره لأنه من جماعة المؤمنين ” (٣) وقال ابن حزم ” إن معاوية ومن معه مخطئون مجتهدون مأجورون أجرا واحدا ” (٤).
(٣) معالم المدرستين ج ٢ ص ٧٥.
(٤) الفصل في الملل والأهواء والنحل علي بن حزم الأندلسي ج ٤ ص ٦١.