الرئيسية / بحوث اسلامية / الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / للطبرسي

الإحتجاج (ج1) / الصفحات: ٤٠١ – ٤٢٠

الحق، وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا.

فقام الشامي: صدقت.

قال: وبين السماء والأرض دعوة المظلوم، ومد البصر، فمن قال لك غيرهذا فكذبه.

قال: صدقت يا بن رسول الله.

قال: وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس، تنظر إليها حين تطلع منمشرقها، وتنظر إليها حين تغيب في مغربها.

قال: صدقت. فما قوس قزح؟

قال: ويحك لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم الشيطان، وهو قوس الله،وهذه علامة الخصب، وأمان لأهل الأرض من الغرق.

وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها: ” برهوت “وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها: ” سلمى “.

وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر أم أنثى فإنه: ينتظر به فإن كانذكرا احتلم، وإن كان أنثى حاضت، وبدا ثديها، وإلا قيل له: ” بل على الحايط “فإن أصاب بوله الحايط فهو ذكر، وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعيرفهي امرأة.

وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شئ خلقه الله الحجر، وأشدمن الحجر الحديد يقطع به الحجر، وأشد من الحديد النار تذيب الحديد، وأشدمن النار الماء يطفي النار، وأشد من الماء السحاب يحمل الماء، وأشد من السحابالريح تحمل السحاب، وأشد من الريح الملك الذي يرسلها، وأشد من الملك ملكالموت الذي يميت الملك، وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت،وأشد من الموت أمر الله الذي يميت الموت.

فقال الشامي: أشهد أنك ابن رسول الله حقا، وأن عليا أولى بالأمر من معاويةثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية، فبعثها إلى ابن الأصفر.

٤٠١

فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك، وتجيبني بغيرجوابك، أقسم بالمسيح ما هذا جوابك، وما هو إلا من معدن النبوة، وموضعالرسالة، وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك.

 

* * *

احتجاج الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام على جماعة من المنكرينلفضله وفضل أبيه من قبل بحضرة معاوية.

روي عن الشعبي وأبي مخنف (١) ويزيد بن أبي حبيب المصري (٢) أنهم

(١) أبو مخنف: لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأزدي شيخ أصحابالأخبار بالكوفة، ووجههم، كما عن النجاشي، وتوفي سنة ” ١٥٧ ” يروي عن الصادقعليه السلام، ويروي عنه هشام الكلبي، وجده مخنف بن سليم صحابي، شهد الجمل فيأصحاب على ” ع ” حاملا راية الأزد، فاستشهد في تلك الواقعة سنة ” ٣٦ ” وكان أبومخنف من أعاظم مؤرخي الشيعة، ومع اشتهار تشيعه اعتمد عليه علماء السنة في النقلعنه كالطبري وابن الأثير، وغيرهما، وليعلم أن لأبي مخنف كتبا كثيرة في التاريخوالسير منها: كتاب ” مقتل الحسين ” الذي نقل عنه أعاظم العلماء المتقدمين واعتمدواعليه، ولكن الأسف أنه فقد ولا يوجد منه نسخة، وأما المقتل الذي بأيدينا وينسبإليه، فليس له، بل ولا لأحد من المؤرخين المعتمدين ومن أراد تصديق ذلك فليقابلما في هذا المقتل وما نقله الطبري وغيره عنه حتى يعلم ذلك، وقد بينت ذلك في: ” نفسالمهموم ” في طرماح بن عدي والله العالم.

الكنى والألقاب ج ١ ص ١٤٨ للشيخ عباس القمي

(٢) يزيد بن أبي حبيب: واسمه سويد الأزدي مولاهم أبو رجاء المصري وقيلغير ذلك في ولائه قال ابن سعد: كان مفتي أهل مصر في زمانه وكان أول من أظهرالعلم في مصر والكلام في الحلال والحرام، وقال الليث: يزيد بن أبي حبيب سيدنا وعالمناوذكره ابن حيان في الثقاة، وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث مات سنة ” ١٢٨ “وقال غيره بلغ زيادة على ” ٧٥ ” سنة.

عن تهذيب التهذيب ج ١١ ص ٣١٨ باختصار

٤٠٢

٤٠٣

فقال معاوية: أجل إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقروك: أن عثمانقتل مظلوما، وأن أباك قتله، فاسمع منهم، ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك، فلايمنعك مكاني من جوابهم.

فقال الحسن: فسبحان الله البيت بيتك والإذن فيه إليك! والله لئن أجبتهمإلى ما أرادوا إني لأستحيي لك من الفحش، وإن كانوا غلبوك على ما تريد، إنيلأستحيي لك من الضعف، فبأيهما تقر، ومن أيهما تعتذر، وأما إني لو علمتبمكانهم واجتماعهم، لجئت بعدتهم من بني هاشم مع أني مع وحدتي هم أوحشمني من جمعهم، فإن الله عز وجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم، فمرهم فليقولوافأسمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال: ما سمعت كاليوم أن بقي من بنيعبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان، وكانابن أختهم، والفاضل في الإسلام منزلة، والخاص برسول الله إثرة، فبئس كرامةالله حتى سفكوا دمه اعتداء، وطلبا للفتنة، وحسدا، ونفاسة، وطلب ما ليسوابأهلين لذلك، مع سوابقه ومنزلته من الله، ومن رسوله، ومن الإسلام، فيا ذلاهأن يكون حسن وساير بني عبد المطلب قتلة عثمان، أحياء يمشون على مناكبالأرض وعثمان بدمه مضرج، مع أن لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلي بني أمية ببدرثم تكلم عمرو بن العاص: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أي ابن أبيتراب بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم أبا بكر الصديق، واشترك في قتل عمر الفاروقوقتل عثمان ذي النورين مظلوما، وادعى ما ليس له حق، ووقع فيه، وذكرالفتنة، وعيره بشأنها؟

ثم قال: أنكم يا بني عبد المطلب لم يكن الله ليطيعكم الملك فتركبون فيهما لا يحل لكم، ثم أنت يا حسن تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين وليس عندكعقل ذلك، ولا رأيه، وكيف وقد سلبته، وتركت أحمق في قريش، وذلك لسوءعمل أبيك، وإنما دعوناك لنسبك وأباك.

٤٠٤

ثم إنك لا تستطيع أن تعيب علينا، ولا أن تكذبنا به، فإن كنت تري أناكذبناك في شئ، وتقولنا عليك بالباطل، وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم، وإلافاعلم أنك وأباك من شر خلق الله، فأما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به، وأماأنت فإنك في أيدينا نتخير فيك، والله أن لو قتلناك ما كان في قتلك إثم عند الله،ولا عيب عند الناسثم تكلم عتبة بن أبي سفيان، فكان أول ما ابتدأ به أن قال:

يا حسن إن أباك كان شر قريش لقريش، أقطعه لأرحامها، وأسفكه لدمائهاوإنك لمن قتلة عثمان، وإن في ألحق أن نقتلك به، وإن عليك القود في كتاب اللهعز وجل، وإنا قاتلوك به، وأما أبوك فقد تفرد الله بقتله فكفانا أمره، وأمارجاؤك الخلافة فلست فيها، لا في قدحة زندك، ولا في رجحة ميزانك.

ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط بنحو من كلام أصحابه فقال:

يا معشر بني هاشم كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه، حتىقتلتموه حرصا على الملك، وقطيعة للرحم، واستهلاك الأمة، وسفك دمائها،حرصا على الملك، وطلبا للدنيا الخبيثة، وحبا لها، وكان عثمان خالكم، فنعمالخال كان لكم، وكان صهركم، فكان نعم الصهر لكم، قد كنتم أول من حسدهوطعن عليه، ثم وليتم قتله، فكيف رأيتم صنع الله بكم.

ثم تكلم المغيرة بن شعبة: فكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي عليه السلامثم قال:

يا حسن إن عثمان قتل مظلوما فلن لم يكن لأبيك في دلك عذر برئ، ولااعتذر مذنب، غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان، وإيوائه لهم،وذبه عنهم، أنه بقتله راض، وكان والله طويل السيف واللسان، يقتل الحي ويعيبالميت، وبنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية، ومعاوية خير لك يا حسنمنك لمعاوية، وقد كان أبوك ناصب رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته وأجلب عليه قبلموته، وأراد؟؟ قتله، فعلم ذلك من أمره رسول الله صلى الله عليه وآله ثم كره أن يبايع أبا بكر

٤٠٥

حتى أتي به قودا، ثم دس عليه فسقاه سما فقتله، ثم نازع عمر حتى هم أن يضربرقبته، فعمد في قتله، ثم طعن على عثمان حتى قتله، كل هؤلاء قد شرك في دمهمفأي منزلة له من الله يا حسن: وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزلفمعاوية ولي المقتول بغير حق، فكان من الحق لو قتلناك وأخاك، والله ما دم عليبأخطر من دم عثمان، وما كان الله ليجمع فيكم فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة.

ثم سكت فتكلم أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فقال:

الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا، وآخركم بآخرنا، وصلى الله علىجدي محمد النبي وآله وسلم.

اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم وبك أبدء يا معاوية: إنه لعمر اللهيا أزرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني، ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبونيولكن شتمتني، وسببتني، فحشا منك، وسوء رأي، وبغيا، وعدوانا، وحسداعلينا، وعداوة لمحمد صلى الله عليه وآله، قديما وحديثا، وأنه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرقمشاورين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وحولنا المهاجرون والأنصار ما قدروا أنيتكلموا به، ولا استقبلوني بما استقبلوني به.

فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون علي، ولا تكتموا حقاعلمتوه، ولا تصدقوا بباطل إن نطقت به، وسأبدأ بك يا معاوية ولا أقول فيكإلا دون ما فيك.

أنشدكم بالله هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهماوأنت تراهما جميعا وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى، وبايع البيعتين كلتيهمابيعة الرضوان وبيعة الفتح، وأنت يا معاوية بالأولى كافر، وبالأخرى ناكث.

ثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا، أنه لقيكم مع رسولالله صلى الله عليه وآله يوم بدر ومعه راية النبي صلى الله عليه وآله والمؤمنين، ومعك يا معاوية راية المشركينوأنت تعبد اللات والعزى، وترى حرب رسول الله صلى الله عليه وآله فرضا واجبا، ولقيكميوم أحد ومعه راية النبي، ومعك يا معاوية راية المشركين، ولقيكم يوم الأحزاب

٤٠٦

ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وآله، ومعك يا معاوية راية المشركين، كل ذلك يفلج اللهحجته، ويحق دعوته، ويصدق أحدوثته، وينصر رايته، وكل ذلك رسول اللهيرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك.

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حاصر بني قريضة وبنيالنظير، ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين، وسعد بن معاذ ومعهراية الأنصارفأما سعد بن معاذ فجرح وحمل جريحا، وأما عمر فرجع هاربا وهو يجبنويجبن أصحابه ويجبنه أصحابه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ” لأعطين الراية غدا رجلايحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، ثم لا يرجع حتى يفتحالله عليه يديه ” فتعرض لها أبو بكر وعمر، وغيرهما من المهاجرين والأنصار وعلييومئذ أرمد شديد الرمد، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فتفل في عينيه فبرأ من رمده،وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه وطوله، وأنت يومئذ بمكةعدو لله ولرسوله. فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله، ورجل عادى الله ورسولهثم أقسم بالله ما أسلم قلبك بعد، ولكن اللسان خائف فهو يتكلم بما ليسفي القلب.

أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله استخلفه على المدينة في غزاةتبوك ولا سخط ذلك ولا كراهة، وتكلم فيه المنافقون فقال: لا تخلفني يا رسول اللهفإني لم أتخلف عنك في غزوة قط، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت وصيي وخليفتي فيأهلي بمنزلة هارون من موسى ثم أخذ بيد علي عليه السلام فقال: أيها الناس من تولانيفقد تولى الله، ومن تولى عليا فقد تولاني، ومن أطاعني فقد أطاع الله، ومن أطاععليا فقد أطاعني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أحب عليا فقد أحبني.

ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال في حجة الوداع: أيهاالناس إني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده: كتاب الله وعترتي أهل بيتي فأحلواحلاله، وحرموا حرامه، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا

٤٠٧

بما أنزل الله من الكتاب، وأحبوا أهل بيتي وعترتي، ووالوا من والاهم، وانصروهمعلى من عاداهم، وأنهما لن يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة.

ثم دعا وهو على المنبر عليا فاجتذبه بيده فقال: اللهم وال من والاه، وعادمن عاداه، اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا، ولا في السماءمصعدا، واجعله في أسفل درك من النار؟

وأنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال له: أنت الذائد عن حوضييوم القيامة تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله؟

أنشدكم بالله أتعلمون أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي توفيفيه فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال علي:

ما يبكيك يا رسول الله؟

فقال: يبكيني أني أعلم: أن لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن، لا يبدونهالك حتى أتولى عنك؟

أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين حضرته الوفاة واجتمع عليهأهل بيته قال: ” اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي، اللهم وال من ولاهم وعاد منعاداهم ” وقال: ” إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من دخل فيها نجى،ومن تخلف عنها غرق؟

وأنشدكم بالله أتعلمون: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله قد سلموا عليه بالولايةفي عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وحياته؟

أنشدكم بالله أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه منأصحاب رسول الله، فأنزل الله عز وجل: ” يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيباتما أحل لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين * وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقواالله الذي أنتم به مؤمنون ” (١) وكان عندهم علم المنايا، وعلم القضايا، وفصلالكتاب، ورسوخ العلم، ومنزل القرآن، وكان رهط لا نعلمهم يتممون عشرة،

(١) ٨٧ – ٨٨ – المائدة

٤٠٨

نبأهم الله أنهم مؤمنون، وأنتم في رهط قريب من عدة أولئك لعنوا على لسانرسول الله صلى الله عليه وآله، فأشهد لكم وأشهد عليكم: أنكم لعناء الله على لسان نبيه كلكموأنشدكم بالله هل تعلمون: أن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث إليك لتكتب له لبنيخزيمة حين أصابهم خالد بن الوليد فانصرف إليه الرسول فقال: ” هو يأكل “فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول ” هو يأكل “فقال رسول الله ” اللهم لا تشبع بطنه ” فهي والله في نهمتك، وأكلك إلى يوم القيامةثم قال: أنشدكم بالله هل تعلمون أن ما أقول حقا إنك يا معاوية كنتتسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك هذا القاعد، وهذا: يوم الأحزاب،فلعن رسول الله القائد والراكب والسائق، فكان: أبوك الراكب، وأنت يا أزرقالسائق، وأخوك هذا القاعد القائد؟

أنشدكم بالله هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن أبا سفيان في سبعة مواطنأولهن: حين خرج من مكة إلى المدينة وأبو سفيان جاء من الشام، فوقعفيه أبو سفيان فسبه، وأوعده، وهم أن يبطش به، ثم صرفه الله عز وجل عنه.

والثانية: يوم العير حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله.

والثالثة: يوم أحد قال رسول الله: الله مولانا ولا مولى لكم، وقال أبو سفيانلنا العزى ولا عزى لكم، فلعنه الله، وملائكته، ورسله، والمؤمنون أجمعون.

والرابعة يوم حنين: يوم جاء أبو سفيان يجمع قريش وهوازن، وجاء عينيةبغطفان واليهود، فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا، هذا: قول الله عز وجل أنزلفي سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان وأصحابه كفارا، وأنت يا معاوية يومئذمشرك على رأي أبيك بمكة، وعلي يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى رأيه ودينه.

والخامسة: قول الله عز وجل: ” والهدي معكوفا أن يبلغ محله ” (١)وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول الله، فلعنه الله لعنة شملته وذريتهإلى يوم القيامة.

(١) الفتح – ٢٥

٤٠٩

والسادسة: يوم الأحزاب يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وجاء عينية بنحصين بن بدر بغطفان، فلعن رسول الله القادة والأتباع، والساقة إلى يوم القيامة.

فقيل: يا رسول الله أما في الأتباع مؤمن؟

قال: لا تعيب اللعنة مؤمنا من الأتباع، أما القادة فليس فيهم مؤمن، ولامجيب، ولا ناج.

والسابعة: يوم الثنية، يوم شد على رسول الله صلى الله عليه وآله اثنا عشر رجلا، سبعةمنهم من بني أمية، وخمسة من سائر قريش، فلعن الله تبارك وتعالى ورسول اللهمن حل الثنية غير النبي صلى الله عليه وآله وسائقه وقائده.

ثم أنشدكم بالله هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع فيمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله فقال:

يا بن أخي هل علينا من عين؟

فقال: لا.

فقال أبو سفيان: تداولوا الخلافة يا فتيان بني أمية فوالذي نفس أبي سفيانبيده، ما من جنة ولا نار.

وأنشدكم بالله أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمانوقال: يا بن أخي أخرج معي إلى بقيع الغرقد، فخرج حتى إذا توسط القبوراجتره فصاح بأعلى صوته:

يا أهل القبور! الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم.

فقال الحسين بن علي عليه السلام: قبح الله شيبتك، وقبح وجهك، ثم نتر يدهوتركة، فلو لا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك.

فهذا لك يا معاوية فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا.

ومن لعنتك يا معاوية إن أباك أبا سفيان كان يهم أن يسلم، فبعثت إليه بشعرمعروف مروي في قريش وغيرهم، تنهاه عن الإسلام وتصده.

ومنها أن عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به، وولاك عثمان فتربصت به

٤١٠

ريب المنون، ثم أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله: أنك قاتلت عليا عليه السلاموقد عرفته وعرفت سوابقه، وفضله وعلمه على أمر هو أولى به منك، ومن غيركعند الله وعند الناس، ولأذيته بل أوطأت الناس عشوة، وأرقت دماء خلق من خلقالله بخدعك وكيدك وتمويهك، فعل من لا يؤمن بالمعاد، ولا يخشى العقاب، فلمابلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى، وعلي إلى خير منقلب، والله لك بالمرصاد.

فهذا لك يا معاوية خاصة، وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك فقدكرهت به التطويل.

وأما أنت يا عمرو بن عثمان فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك، أن تتبع هذهالأمور فإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة: استمسكي فإني أريد أن أنزلعنك، فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك، فكيف يشق علي نزولك. وإنيوالله ما شعرت أنك تجسر أن تعادي لي فيشق علي ذلك، وإني لمجيبك في الذيقلت: إن سبك عليا عليه السلام أينقص في حسبه، أو يباعده من رسول الله، أو بسوءبلائه في الإسلام، أو بجور في حكم أو رغبة في الدنيا؟ فإن قلت واحدة منهافقد كذبت.

وأما قولك: إن لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أمية ببدر، فإنالله ورسوله قتلهم، ولعمري لتقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشرثم يقتل من نبي أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد سوى ما قتل من بني أميةلا يحصي عددهم إلا الله، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثينرجلا: أخذوا مال الله بينهم دولا، وعباده خولا، وكتابه دغلا، فإذا بلغوا ثلثمائةوعشر حقت اللعنة عليهم ولهم، فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهمأسرع من لوك تمرة، فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلامفقال رسول الله: أخفضوا أصواتكم فإن الوزغ يسمع، وذلك حين رآهم رسولالله صلى الله عليه وآله ومن يملك بعده منهم أمر هذه الأمة – يعني في المنام – فساءه ذلك وشقعليه، فأنزل الله عز وجل في كتابه، ” وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة

٤١١

للناس والشجرة الملعونة في القرآن ” (١) يعني: بني أمية، وأنزل أيضا ” ليلةالقدر خير من ألف شهر ” فأشهد لكم، وأشهد عليكم، ما سلطانكم بعد قتل علي إلاألف شهر التي أجلها الله عز وجل في كتابه.

وأما أنت يا عمرو بن العاص الشاني اللعين الأبتر، فإنما أنت كلب أولأمرك، أن أمك بغية، وأنك ولدت على فراش مشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش منهم أبو سفيان بن الحرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحرث،والنضر بن الحرث بن كلدة، والعاص بن وايل، كلهم يزعم أنك ابنه، فغلبهم عليكمن بين قريش ألأمهم حسبا، وأخبثهم منصبا، وأعظمهم بغية، ثم قمت خطيباوقلت: أنا شاني محمد، وقال العاص بن وايل: إن محمدا رجل أبتر لا ولد له، فلوقد مات انقطع ذكره، فأنزل الله تبارك وتعالى: ” إن شانئك هو الأبتر ” وكانتأمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية، تأتيهم في دورهم ورجالهم وبطون أوديتهمثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله من عدوه أشدهم له عداوة، وأشدهم لهتكذيبا ثم كنت في أصحاب السفينة: الذين أتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشةفي الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وساير المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكرالسئ بك، وجعل جدك الأسفل، وأبطل أمنيتك، وخيب سعيك، وأكذبأحدوثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العليا.

وأما قولك في عثمان، فأنت يا قليل الحياء والدين الهبت عليه نارا، ثمهربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر، فلما أتاك خبر قتله حبست نفسك علىمعاوية، فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك، ولسنا نلومك على بغضنا، ولم نعاتبكعلى حبنا، وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام، وقد هجوت رسول الله صلى الله عليه وآلهبسبعين بيتا من شعر، فقال رسول الله: ” اللهم إني لا أحسن الشعر، ولا ينبغي لي أن أقولهفالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة ” ثم أنت يا عمرو المؤثر دنياك على دينكأهديت إلى النجاشي الهدايا، ورحلت إليه رحلتك الثانية، ولم تنهك الأولى عن

(١) يراجع المرشد

٤١٢

الثانية، كل ذلك ترجع مغلوبا، حسيرا، تريد بذلك هذاك جعفر وأصحابه،فلما أخطأك ما رجوت وأملت أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد.

وأما أنت يا وليد بن عقبة فوالله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمرثمانين جلدة، وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر، أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنافي عشرة آيات من القرآن، وسماك فاسقا، وهو قول الله عز وجل: ” أفمن كانمؤمنا كمن كان فاسقا لا يستون ” (١) وقوله: ” إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينواأن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ” (٢) وما أنت وذكر قريشوإنما أنت ابن علج من أهل صفورية اسمه: ” ذكوان ” وأما زعمك أنا قتلنا عثمانفوالله ما استطاع طلحة، والزبير، وعائشة، أن يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالبفكيف تقوله أنت، ولو سألت أمك من أبوك إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بنأبي معيط، اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة، مع ما أعد الله لك ولأبيكولأمك من العار والخزي في الدنيا والآخرة، وما الله بظلام للعبيد.

ثم أنت يا وليد والله أكبر في الميلاد ممن تدعى له، فكيف تسب عليا ولواشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك لا إلى من تدعى له، ولقد قالت لذلك أمك” يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة “.

وأما أنت يا عتبة بن أبي سفيان: فوالله ما أنت بحصيف فأجاوبك، ولا عاقلفأعاقبك، وما عندك خير يرجى، وما كنت ولو سببت عليا لأعير به عليك، لأنكعندي لست بكفو لعبد علي بن أبي طالب فأرد عليك، وأعاتبك، ولكن الله عزوجل لك ولأبيك وأمك وأخيك لبالمرصاد، فأنت ذرية آبائك الذين ذكرهم اللهفي القرآن فقال: ” عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية *- إلى قوله – من جوع ” (٣).

وأما وعيدك إياي أن تقتلني، فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع

(١) السجدة – ١٨

(٢) الحجرات – ٦

(٣) الغاشية – ٣ – ٦

٤١٣

حليلتك، وقد غلبك على فرجها وشركك في ولدها حتى الصق بك ولدا ليس لكويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثارك منه كنت جديرا، ولذلك حريا، إذ تسومنيالقتل وتوعدني به، ولا ألومك أن تسب عليا وقد قتل أخاك مبارزة، واشتركهو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك حتى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنموأذاقهما العذاب الأليم، ونفى عمك بأمر رسول الله.

وأما رجائي الخلافة، فلعمر الله إن رجوتها فإن لي فيها لملتمسا، وما أنتبنظير أخيك، ولا بخليفة أبيك، لأن أخاك أكثر تمردا على الله، وأشد طلبالإهراقه دماء المسلمين، وطلب ما ليس له بأهل، يخادع الناس ويمكرهم، ويمكرالله والله خير الماكرين.

وأما قولك: ” إن عليا كان شر قريش لقريش ” فوالله ما حقر مرحوماولا قتل مظلوما.

وأما أنت يا مغيرة بن شعبة! فإنك لله عدو، ولكتابه نابذ، ولنبيه مكذبوأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم، وشهد عليك العدول البررة الأتقياء، فأخررجمك، ودفع الحق بالأباطيل، والصدق بالأغاليط (١) وذلك لما أعد الله لك

(١) أشار الإمام عليه السلام في كلامه هذا إلى ما اشتهر وفاضت به السيروالتواريخ صراحة أو تلميحا، من أن المغيرة بن شعبة زنا بأم جميل حين كان واليا علىالبصرة من قبل عمر بن الخطاب، وكتبوا بذلك إلى الخليفة، فكتب إليه وإلى الشهودجميعا أن يحضروا عنده، فلما قدموا صفهم، ودعا أبا بكرة، فأثبت الشهادة وقال:

إنه رآه يدخل كما يدخل الميل في المكحلة و (قال): لكأني أنظر إلى أثر الجدري بفخذالمرأة، ثم دعا نافعا وشبل بن معبد فشهدا بمثل ما شهد به أبو بكرة ثم دعا زيادا وهوالشاهد الرابع وقال له: ” إني لأرى وجه رجل ما كان الله يخزي رجلا من المهاجرينبشهادته، أو قال: ” أما أني أرى رجلا أرجو أن لا يرجم رجل من أصحاب رسول اللهعلى يده ولا يخزى بشهادته ” يوحي بذلك إلى زياد بالعدول عن الشهادة ليدرأ الحد عنالمغيرة، فقال شبل بن معبد ثالث الشهود: أفتجلد شهود الحق، وتبطل الحد أحبإليك يا عمر؟! فقال عمر – لزياد -: ما تقول؟ فقال: قد رأيت منظرا قبيحا، ونفسا

=>

٤١٤

من العذاب الأليم، والخزي في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أخزى، وأنتالذي ضربت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أدميتها وألقت ما في بطنها، استدلالامنك لرسول الله صلى الله عليه وآله ومخالفة منك لأمره، وانتهاكا لحرمته وقد قال لها رسولالله صلى الله عليه وآله: ” يا فاطمة أنت سيدة نساء أهل الجنة ” والله مصيرك إلى النار، وجاعلوبال ما نطقت به عليك، فبأي الثلاثة سببت عليا، أنقصا في نسبه، أم بعدا منرسول الله، أم سوء بلاء في الإسلام، أم جورا في حكم، أم رغبة في الدنيا؟! إنقلت بها فقد كذبت وكذبك الناس، أتزعم أن عليا عليه السلام قتل عثمان مظلوما؟!

فعلي والله أتقى وأنقى من لائمه في ذلك، ولعمري لئن كان علي قتل عثمان مظلومافوالله ما أنت من ذلك في شئ، فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا، وما زالتالطائف دارك تتبع البغايا، وتحيي أمر الجاهلية، وتميت الإسلام، حتى كان ماكان في أمس.

وأما اعتراضك في بني هاشم وبني أمية فهو ادعاءك إلى معاوية.

وأما قولك في شأن الإمارة وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه، فقدملك فرعون مصر أربعمائة سنة، وموسى وهارون نبيان مرسلان عليهما السلام يلقيان مايلقيان من الأذى، وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر، وقال الله: ” وإن أدري لعلهفتنة لكم ومتاع إلى حين ” وقال: ” وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوافيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا “.

<=

عاليا ولقد رأيته بين فخذي المرأة ولا أدري هل كان خالطها أم لا؟ فقال عمر: اللهأكبر فقال: المغيرة: الله أكبر، الحمد لرب الفلق، والله لقد كنت علمت أني سأخرجعنها سالما. فقال له عمر: اسكت فوالله لقد رأوك بمكان سوء، فقبح الله مكانا رأوكفيه، وأمر بجلد الشهود الثلاثة. فقال نافع: أنت والله يا عمر جلدتنا ظلما، أنت رددتصاحبنا أن يشهد بمثل شهادتنا، أعلمته هواك فاتبعه، ولو كان تقيا لكان رضى اللهوالحق عنده آثر من رضاك فلما جلد أبا بكرة قام وقال: أشهد لقد زنى المغيرة، فأرادعمر أن يجلده ثانيا فقال: أمير المؤمنين علي عليه السلام: إن جلدته رجمت صاحبك.

٤١٥

ثم قام الحسن فنفض ثيابه وهو يقول: ” الخبيثات للخبيثين والخبيثونللخبيثات ” هم والله يا معاوية: أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك، ” والطيبون للطيبات- أولئك مبرؤون مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم ” ثم: علي بن أبي طالب عليه السلاموأصحابه وشيعته.

ثم خرج وهو يقول لمعاوية: ذق وبال ما كسبت يداك وما جنت، ما قدأعد الله لك ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة.

فقال معاوية لأصحابه: وأنتم فذوقوا وبال ما جنيتم.

فقال الوليد بن عقبة: والله ما ذقنا إلا كما ذقت، ولا اجترأ إلا عليك.

فقال معاوية: ألم أقل لكم إنكم لن تنتقصوا من الرجل فهلا أطعتموني أولمرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم، فوالله ما قام حتى أظلم علي البيت، وهممتأن أسطو به فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم.

قال: وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون منالحسن بن علي عليهما السلام، فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت فسألهم:

ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟

قالوا: قد كان كذلك.

فقال لهم مروان: أفلا أحضرتموني ذلك. فوالله لأسبنه ولأسبن أباه وأهلالبيت سبا تتغنى به الإماء والعبيد.

فقال معاوية والقوم: لم يفتك شئ وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحشفقال مروان: فأرسل إليه يا معاوية فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي.

فلما جاء الرسول قال له الحسن عليه السلام ما يريد هذا الطاغية مني؟ والله إنأعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة، فأقبلالحسن فلما جائهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها، غير أن مروانقد حضر معهم في هذا الوقت، فمشى الحسن عليه السلام حتى جلس على السرير معمعاوية وعمرو بن العاص.

٤١٦

ثم قال الحسن لمعاوية: لم أرسلت إلي؟

قال: لست أنا أرسلت إليك ولكن مروان الذي أرسل إليك.

فقال مروان: أنت يا حسن السباب لرجال قريش؟

فقال له الحسن: وما الذي أردت؟

فقال مروان: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الإماء والعبيد.

فقال الحسن عليه السلام: أما أنت يا مروان فلست أنا سببتك ولا سببت أباك، ولكنالله عز وجل لعنك ولعن أباك، وأهل بيتك، وذريتك، وما خرج من صلب أبيكإلى يوم القيامة، على لسان نبيه محمد والله يا مروان ما تنكر أنت ولا أحد ممنحضر هذه اللعنة من رسول الله صلى الله عليه وآله لك ولأبيك من قبلك، وما زادك الله يا مروانبما خوفك إلا طغيانا كبيرا، وصدق الله وصدق رسوله يقول الله تبارك وتعالى:

” والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ” وأنتيا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن، وذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيلعن الله عز وجل.

فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن وقال: يا أبا محمد ما كنت فحاشاولا طياشا، فنفض الحسن عليه السلام ثوبه، وقام فخرج، فتفرق القوم عن المجلسبغيظ، وحزن، وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة.

 

* * *

مفاخرة الحسن بن علي صلوات الله عليهما على معاوية ومروان بن الحكموالمغيرة بن شعبة والوليد بن عقبة وعتبة بن أبي سفيان.

قيل: وفد الحسن بن علي عليهما السلام على معاوية فحضر مجلسه، وإذا عندههؤلاء القوم، ففخر كل رجل منهم على بني هاشم، ووضعوا منهم، وذكروا أشياءساءت الحسن بن علي وبلغت منه.

فقال الحسن بن علي عليه السلام: أنا شعبة من خير الشعب، وآبائي أكرمالعرب، لنا الفخر والنسب، والسماحة عند الحسب ونحن من خير شجرة، انبتت

٤١٧

فروعا نامية، وأثمارا زاكية، وأبدانا قائمة، فيها أصل الإسلام، وعلم النبوة،فعلونا حين شمخ بنا الفخر، واستطلنا حين امتنع بنا العز، ونحن بحور زاخرةلا تنزف، وجبال شامخة لا تقهر.

فقال مروان بن الحكم: مدحت نفسك، وشمخت بأنفك، هيهات هيهاتيا حسن، نحن والله الملوك السادة، والأعزة القادة، لا تبجحن فليس لك عز مثلعزنا، ولا فخر كفخرنا، ثم أنشأ يقول:

 

شفينا أنفسا طابت وقورا * فنالت عزها فيمن يلينا
فابنا بالغنيمة حيث ابنا * وابنا بالملوك مقرنينا

ثم تكلم مغيرة بن شعبة فقال: نصحت لأبيك فلم يقبل النصح، ولولا كراهيةقطع القرابة لكنت في جملة أهل الشام، فكان يعلم أبوك أني أصدر الوارد عنمناهلها، بزعارة قيس، وحلم ثقيف، وتجاربها للأمور على القبائل.

فتكلم الحسن عليه السلام فقال: يا مروان أجبنا، وخورا، وضعفا، وعجزا، زعمأني مدحت نفسي، وأنا ابن رسول الله، وشمخت بأنفي وأنا سيد شباب أهل الجنةوإنما يبذخ ويتكبر ويلك من يريد رفع نفسه، ويتبجح من يريد الاستطالة، فأمانحن فأهل بيت الرحمة، ومعدن الكرامة، وموضع الخيرة، وكنز الإيمان، ورمحالإسلام، وسيف الدين، ألا تصمت ثكلتك أمك قبل أن أرميك بالهوائل، وأسمكبميسم تستغني به عن اسمك، فأما إيابك بالنهاب والملوك أفي اليوم الذي وليتفيه مهزوما، وانخجرت مذعورا، فكانت غنيمتك هزيمتك، وغدرك بطلحة حينغدرت به فقتلته، قبحا لك ما أغلظ جلدة وجهك.

فنكس مروان رأسه، وبقي مغيرة مبهوتا، فالتفت إليه الحسن عليه السلام فقال:

أعور ثقيف ما أنت من قريش فأفاخرك، أجهلتني يا ويحك؟! أنا ابنخيرة الإماء، وسيدة النساء، غذانا رسول الله صلى الله عليه وآله بعلم الله تبارك وتعالى، فعلمناتأويل القرآن، ومشكلات الأحكام، لنا العزة العليا، والفخر والسناء، وأنت منقوم لم يثبت هم في الجاهلية نسب، ولا لهم في الإسلام نصيب، عبد آبق، ما له

٤١٨

والافتخار عند مصادمة الليوث، ومجاحشة الأقران، نحن السادة، ونحن المذاويدالقادة، نحمي الذمار، وننفي عن ساحتنا العار، وأنا ابن نجيبات الأبكار، ثمأشرت زعمت إلى خير وصي خير الأنبياء، وكان هو بعجزك أبصر، وبجورك أعلموكنت للرد عليك منه أهلا لو عزك في صدرك، وبدو الغدر في عينك، هيهات لميكن ليتخذ المضلين عضدا، وزعمك أنك لو كنت بصفين بزعارة قيس، وحلمثقيف، فبماذا ثكلتك أمك؟ أبعجزك عند المقامات، وفرارك عند المجاحشات؟

أما والله لو التفت عليك من أمير المؤمنين الأجاشع، لعلمت أنه لا يمنعهمنك الموانع، ولقامت عليك المرنات الهوالع.

وأما زعارة قيس: فما أنت وقيسا؟ إنما أنت عبد آبق فثقف فسمي ثقيفا،فاحتل لنفسك من غيرها، فلست من رجالها، أنت بمعالجة الشرك وموالج الزرائبأعرف منك بالحروب.

فأما الحلم فأي الحلم عند العبيد القيون؟ ثم تمنيت لقاء أمير المؤمنين عليه السلام فذاكمن قد عرفت: أسد باسل، وسم قاتل، لا تقاومه الأبالسة، عند الطعن والمخالسةفكيف ترومه الضبعان، وتناله الجعلان، بمشيتها القهقري.

وأما وصلتك: فمنكورة، وقربتك فمجهولة، وما رحمك منه إلا كبناتالماء من خشفان الظباء، بل أنت أبعد منه نسبا.

فوثب المغيرة والحسن يقول لمعاوية: اعذرنا من بني أمية إن تجاوزنابعد مناطقة القيون، ومفاخرة العبيد.

فقال معاوية: ارجع يا مغيرة، هؤلاء بنو عبد مناف، لا تقاومهم الصناديد،ولا تفاخرهم المذاويد.

ثم أقسم على الحسن عليه السلام بالسكوت فسكت.

وروي أن عمرو بن العاص قال لمعاوية: ابعث إلى الحسن بن علي فمره أنيصعد المنبر ويخطب الناس، فلعله أن يحصر فيكون ذلك مما نعيره به في كلمحفل، فبعث إليه معاوية فأصعده المنبر، وقد جمع له الناس، ورؤساء أهل الشام

٤١٩

فحمد الله الحسن صلوات الله عليه وأثنى عليه، ثم قال:

أيها الناس من عرفني فأنا الذي يعرف، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بنعلي بن أبي طالب، ابن عم نبي الله، أول المسلمين إسلاما، وأمي فاطمة بنترسول الله صلى الله عليه وآله، وجدي محمد بن عبد الله نبي الرحمة، أنا ابن البشير، أنا ابنالنذير، أنا ابن السراج المنير، أنا ابن من بعث رحمة للعالمين، أنا ابن من بعثإلى الجن والإنس أجمعين، فقطع عليه معاوية فقال، يا أبا محمد خلنا من هذا وحدثنافي نعت الرطب أراد بذلك تخجيله.

فقال الحسن عليه السلام: نعم التمر الريح تنفخه، والحر ينضجه، والليليبرده ويطيبه.

ثم أقبل الحسن عليه السلام: فرجع في كلامه الأول فقال: أنا ابن مستجاب الدعوةأنا ابن الشفيع المطاع، أنا ابن أول من ينفض عن رأسه التراب، أنا ابن منيقرع باب الجنة فيفتح له فيدخلها، أنا ابن من قاتل معه الملائكة، وأحل له المغنمونصر بالرعب من مسيرة شهر فأكثر، في هذا النوع من الكلام، ولم يزل به حتىاظلمت الدنيا على معاوية، وعرف الحسن من لم يكن عرفه من أهل الشام وغيرهمثم نزل فقال له معاوية: أما إنك يا حسن قد كنت ترجو أن تكون خليفة، ولستهناك، فقال الحسن عليه السلام: أما الخليفة فمن سار بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعملبطاعة الله عز وجل، وليس الخليفة من سار بالجور، وعطل السنن، واتخذ الدنياأما وأبا، وعباد الله خولا، وماله دولا، ولكن ذلك أمر ملك أصاب ملكا فتمتعمنه قليلا، وكان قد انقطع عنه، فأتخم لذته وبقيت عليه تبعته، وكان كما قالالله تبارك وتعالى: ” وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ” ” متعناهم سنين ثمجاءهم ما كانوا يوعدون ” ” وما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون ” وأومى بيده إلىمعاوية، ثم قام فانصرف. فقال معاوية لعمرو: والله ما أردت إلا شيني حين أمرتنيبما أمرتني، والله ما كان يرى أهل الشام أن أحدا مثلي في حسب ولا غيره، حتىقال الحسن عليه السلام ما قال، قال عمرو: وهذا شئ لا يستطاع دفنه، ولا تغييره،

شاهد أيضاً

قصص المعصومين (عليهم السلام )

– خديجة .. قالها رسول اللّه (ص ) مندهشا بعد ان راى خديجة تتمتم فرحة ...