الوقت – أحدثت العملية المفاجئة للمقاومين الفلسطينيين في منطقة جنين ضد جيش الكيان الصهيوني أزمةً في الجيش الإسرائيلي، تجلت بوضوح في ارتباك عناصره وقادته، وكذلك رد فعل الدوائر والمحللين العسكريين لهذا الکيان.
القنبلة التي زرعها شباب المقاومة على طريق عربة مدرعة للکيان الصهيوني يوم الاثنين الماضي(29 حزيران) وأصابت 7 جنود بداخلها، هي إحدى علامات التغيير النوعي للمقاومة الفلسطينية في الصراع المسلح ضد الکيان.
كان لوسائل الإعلام العبرية العديد من التحليلات حول عملية المقاومة الفلسطينية هذه، والأسئلة التي أثيرت بشكل أساسي هي، كيف حصل الفلسطينيون على هذه القنبلة وتعلموا كيفية استخدامها؟
عمليات تفجيرية ضد الصهاينة بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية
هذه العملية تذكرنا بالعمليات التفجيرية داخل فلسطين المحتلة منذ عام 2005 وخمس سنوات بعد الانتفاضة الثانية. حيث شهدت الأراضي المحتلة أكثر من 150 عملية من هذا النوع من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية ضد الکيان الصهيوني، ما خلّف مئات القتلى والجرحى الإسرائيليين وألحق بهم خسائر اقتصادية فادحة.
وبعد عام 2005، حدثت عدة عمليات متفرقة بالقنابل والمتفجرات في الأراضي المحتلة، كان من أبرزها تفجيرين في مطعم “روش هاير” في تل أبيب، وانفجارات في معبر كيدوميم وإيلات وديمونا وكرم بوسالم. لكن خلال الأشهر القليلة الماضية، دارت الكثير من الأحاديث حول إمكانية إحياء العمليات التفجيرية ضد الاحتلال في فلسطين، وظهرت بوادر كثيرة على ذلك.
في تشرين الثاني(نوفمبر) الماضي، انفجرت دراجة كهربائية في محطة حافلات راموت بالقدس المحتلة، ما أدى إلى مقتل مستوطن صهيوني وإصابة عدد آخر. وقد تسببت العملية التفجيرية في مجدو التي نفذت في آذار(مارس) الماضي، بصدمة كبيرة في الأوساط العسكرية الإسرائيلية، وكانت مقدمةً لعمليات مماثلة في المراحل المقبلة.
لكن في الأسابيع الأخيرة، ازداد استخدام المتفجرات والقنابل في العمليات الفلسطينية ضد الکيان الإسرائيلي بشكل ملحوظ، ونشرت مجموعات فلسطينية عدة مقاطع على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها مقاتلون من المقاومة يستخدمون متفجرات في جنين ومناطق أخرى بالضفة الغربية في عمليات ضد الصهاينة.
ولذلك، فإن استخدام المتفجرات والقنابل من قبل المقاومة في جنين ضد الاحتلال ليس مفاجئًا، لكنه كان استمرارًا للطريق الصاعد الذي بدأ في الفترة الماضية، ومهّد الطريق تدريجياً لعودة العمليات التفجيرية.
أبعاد أهمية عملية جنين التفجيرية
من خلال مشاهدة فيديو انفجار القنبلة الذي حدث في طريق عربة الجيش الإسرائيلي المصفحة، يمكن ملاحظة أنه في هذه العملية تم استخدام عبوتين ناسفتين في نفس الوقت، وهو تكتيك فعال في العمليات التفجيرية وقد استخدمه حزب الله من قبل في حرب تموز (يوليو) 2006 مع الکيان الصهيوني.
وبناءً على ذلك، يمكن ملاحظة أن الانفجار الأول وقع بالكامل تحت السيارة المدرعة الإسرائيلية في منتصف نصفها الخلفي، بينما وقع الانفجار الثاني على مسافة 10-15 مترًا من الانفجار الأول. يشار إلى أن إطلاق هذه القنبلة وتفجيرها بمثل هذه الدقة، يتطلب مهارةً وخبرةً عاليةً في السيطرة علی نقطة الانفجار، فضلاً عن هندسة دقيقة في التحكم بالقنبلة عن بعد.
تسبب الانفجار تحت ناقلة الجند المدرعة للجيش الإسرائيلي في إلحاق أضرار جسيمة بهذه السيارة، لأن موجة الانفجار اخترقت أرضية ناقلة الركاب وتأثر بها جميع الركاب وأصيبوا بالجراح.
أيضًا، في المقطع الذي نُشر عن هذا الانفجار، يُلاحظ أن لون الدخان الناتج عنه يتراوح بين الأبيض والأصفر وسرعة انتشاره في الهواء ليست عاليةً جدًا. لذلك، يمكن الاستنتاج أن نوع المتفجرات المستخدمة في هذه القنبلة لم يكن من النوع شديد الانفجار، وفي الحقيقة تم استخدام عدة أنواع من المتفجرات فيها، وهي مصنوعة داخليًا وتشتعل فيها النيران بسرعة.
غالبًا ما تحتوي المتفجرات المصنوعة داخل فلسطين على كميات كبيرة من الكبريت والأسمدة الكيماوية الزراعية، والتي يؤدي تفجيرها إلى إطلاق كمية كبيرة من بخار الماء الذي ينبعث منه دخان أبيض. كما أن الدخان الأصفر ناتج عن احتراق الكبريت، بينما تنتج المواد شديدة الانفجار دخانًا أسود رماديًا وتكون سرعة إطلاقه عاليةً جدًا.
لذلك، يمكن القول إن المواد المستخدمة في القنبلة المذكورة صنعها الفلسطينيون أنفسهم، وإذا تم استخدامها بمفردها فلن يكون لها تأثير كبير، لكن مزيجها فعال للغاية.
تعتبر المتفجرات من أهم المواد التي يتم تعقبها من قبل خدمات البحث والرصد المتخصصة في جيوش العالم المختلفة. ويتمتع جيش الاحتلال أيضًا بخبرة كبيرة في هذا المجال، ويتلقى الكثير من الدعم من أجهزة المخابرات الدولية، التي تساعد الکيان على تعقب مصادر المتفجرات المستخدمة في العمليات المناهضة للکيان الإسرائيلي.
كما أن المتفجرات التي لها القدرة على الانفجار محدودة، ومصادرها معروفة إلى حد كبير. وقد اتخذ الاحتلال عدة إجراءات لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أي نوع من المتفجرات.
طبعاً، المقاومة في غزة طورت بشكل كبير قدراتها في مجال المتفجرات في السنوات الماضية، لكن من الصعب جداً القيام بمثل هذا العمل في الضفة الغربية وداخل الأراضي المحتلة عام 1948 على نطاق واسع وفعال، لأن هذه المناطق تواجه الكثير من القيود من حيث الوصول إلى هذه المواد، وتخضع لرعاية وإشراف صارمين من قبل الجيش الإسرائيلي، والتنسيق الأمني للسلطة الفلسطينية مع الکيان الصهيوني يزيد الطين بلةً.
وبالتالي، فإن تنفيذ عملية من هذا النوع من قبل الشباب الفلسطيني في جنين، الذين يواجهون قيودًا كثيرةً، أمر مهم للغاية وقد فاجأ الجيش والدوائر الأمنية الإسرائيلية.
كما يمكن لأجهزة التتبع التابعة للکيان الصهيوني وشبكات التهريب التابعة لهذا الکيان، اكتشاف مصادر المواد المتفجرة للمجموعات الفلسطينية وخلق العديد من القيود عليها. لذلك، فإن صنع المتفجرات داخل فلسطين ومن قبل شباب الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1949، يعتبر إنجازًا كبيرًا في حد ذاته، ويأتي في إطار تسليح وتعزيز القوة العسكرية للفلسطينيين في هذه المناطق؛ لدرجة أن هذه المتفجرات يمكنها تفجير المركبات المدرعة المتقدمة لجيش الکيان.
أحد العوامل التي تجعل من الصعب وحتى المستحيل تتبع هذه المواد، هو أن المواد اللازمة لصنعها يمكن شراؤها وبيعها بسهولة في مخازن الأسمدة والأدوية الكيماوية وحتى الصيدليات، ويمكن أيضًا الحصول على بعضها في متاجر المنتجات الغذائية والمطهرات. بالطبع، على الرغم من أن هذه المتفجرات لا تكلف الكثير، إلا أن تعبئتها ودمجها حتى تكون فعالةً في العمليات التفجيرية، يتطلب مهارةً عاليةً.
نظرة على ملامح ناقلة الجند المتطورة الصهيونية التي استهدفتها المقاومة
لفهم أهمية عملية شباب المقاومة في جنين، من الأفضل إلقاء نظرة على خصائص حاملة أفراد الجيش الإسرائيلي التي استهدفتها القنبلة الفلسطينية.
هذه المركبة المدرعة التابعة للكيان الصهيوني، هي نوع من ناقلات الجند الحديثة التي دخلت الخدمة عام 2021. ناقلات الأفراد هذه أمريكية الصنع، وطوّرها الجيش الإسرائيلي بتمويل من الولايات المتحدة.
بدأت الصناعة العسكرية للکيان الصهيوني في تطوير وتحسين ناقلات الجند هذه في عام 2019، ويصل وزنها إلى 10 أطنان وقادرة على تحمل حمولات أكثر من وزنها. وتبلغ السرعة القصوى لهذه المدرعات 70 كيلومترًا في الساعة، ويمكن أن تحمل 14 جنديًا بالإضافة إلى 4 إلى 6 جرحى.
حاملات الجند هذه لديها القدرة على المناورة والانعطاف في مناطق صغيرة ومساحات ضيقة، ويمكنها التحرك بسرعة، وهي مضادة للرصاص ولكنها عرضة للإصابة من القنابل وصواريخ الكورنيت.
تم تجهيز هذه المركبات المدرعة بكاميرات مراقبة، تمكّن الركاب بالداخل من رؤية محيطهم بالكامل من الداخل دون الحاجة إلى مغادرتها. ويتم تثبيت مقعد السائق في المقصورة فوق العجلة، مما يمنحه رؤيةً أوسع ومجهز أيضًا بنظام تكييف.
کما تحتوي ناقلات الجند هذه على كميات كافية من الذخيرة والرشاشات المثبتة عليها، وتحتوي على ثقوب تستخدم لإطلاق النار من الداخل، دون الحاجة لنزول العسکريين.
کذلك، أنها مزودة بنظام يسمح للإطارات بالنفخ الذاتي إذا كان هناك نقص في الهواء. وتحتوي هذه المركبات المدرعة على 5 مخارج طوارئ في حال إصابتها بصواريخ دقيقة، وأجسامها مغطاة بطلاء غير قابل للاشتعال لمنع السيارة من الاشتعال في الانفجار.
لم تعد فلسطين آمنةً للمعدات المتطورة للجيش الصهيوني
العملية التفجيرية التي نفذها الفلسطينيون، والتي أصابت جميع ركاب هذه السيارة المصفحة للجيش الإسرائيلي، وبالطبع لم يتم الكشف عن العدد الدقيق للضحايا بسبب الرقابة العسكرية لهذا الکيان، أظهرت أن فلسطين لم تعد آمنةً حتى بالنسبة للمعدات العسكرية الإسرائيلية المتطورة، والقنابل الفلسطينية المصنوعة من متفجرات بسيطة قادرة على مواجهة هذه المعدات وضربها.
كما يرى مراقبو الشؤون العسكرية أنه على الرغم من التكنولوجيا المتقدمة المستخدمة فيها، إلا أن حاملات الجند هذه ليست مقاومةً تمامًا حتى للرصاص والحجارة، وقد تصبح قبورًا لركابها.
يبدو أن التكتيكات التي انتهجها الجيش الصهيوني في حربه ضد المقاومة على مدى العقود الثلاثة الماضية، وإرسال جنوده للقيام بدوريات في مواقع المقاومة، قد فقدت فعاليتها اليوم، وأي خطوة خاطئة يمكن أن تكلف أرواح جنود الاحتلال، وهذا ما يعترف به الخبراء الصهاينة ووسائل الإعلام التابعة للکيان، ويقولون: “إن صور ما حدث في جنين، تذكرنا بالكامل بالحزام الأمني والأيام المؤلمة في جنوب لبنان”.