الرئيسية / تقاريـــر / أمريكا ومصطلح “السكان الأصليين” في تونس.. ما الذي كشفه؟

أمريكا ومصطلح “السكان الأصليين” في تونس.. ما الذي كشفه؟

أمريكا ومصطلح "السكان الأصليين" في تونس.. ما الذي كشفه؟

مواضيع ذات صلة

تونس ترفض دور الشرطي لأوروبا.. سعيد يضع حداً للابتزاز المالي الأوروبي

ما الدوافع الفرنسية المغربية وراء التآمر على الجزائر وتونس؟

الوقت- تواجه السفارة الأمريكية في تونس انتقادات حادة من قِبَل الإعلاميين والنشطاء التونسيين، بسبب استخدامها لمصطلح “السكان الأصليين” في منشور يتعلق بتكريم الناشطة سعدية مصباح، وتمنح وزارة الخارجية الأمريكية جائزة “أبطال مكافحة العنصرية الدولية” سنويًا للنشطاء من المجتمع المدني الذين ساهموا في محاربة العنصرية والتمييز وكراهية الأجانب حول العالم، وقد تم منح هذه الجائزة للناشطة التونسية سعدية مصباح، ومع ذلك، أثار استخدام السفارة الأمريكية لمصطلح “السكان الأصليين” جدلاً وانتقادات كبيرة في تونس، حيث اعتبر البعض أن هذا المصطلح لا ينطبق على الواقع التونسي، وأنه يفتقر إلى الدقة والملاءمة في هذا السياق، ويشعر الإعلاميون والنشطاء التونسيون بخيبة أمل واستياء من استخدام السفارة الأمريكية لهذا المصطلح، ويعتبرونه تجاهلاً للثقافة والواقع التونسي، وقد طالب البعض بتوضيح وتوعية من السفارة الأمريكية بشأن الاستخدام الملائم للمصطلحات في تعاملها مع القضايا الحساسة والمتعلقة بالثقافات المحلية.

غضبٌ واستنكار تونسيّ

بدرجة كبيرة، أثارت تعليقات السفارة الأمريكية في تونس جدلاً واسعًا بعدما استخدمت مصطلح “السكان الأصليين” في تكريم الناشطة التونسية سعدية مصباح، وفي بداية التعليق، أشادت السفارة بتفاني الناشطة في محاربة التمييز العنصري والتعصب والدفاع عن حقوق التونسيين السود، واُعتبرت الجائزة تقديرًا لشجاعتها وقيادتها والتزامها بتعزيز حقوق الإنسان للأفراد المهمشين عرقيًا وإثنيًا، بما في ذلك “الجماعات السكانية الأصلية”.

وعلّق الإعلامي سمير الوافي بغضب على صفحة السفارة الأمريكية في تونس واستخدامهم لعبارة “السكان الأصليين” في بيانهم عن تونس، وانتقد الوافي هذا اللفظ المستفز والخبيث، واعتبره يظهر قلة احترام وقلة ذوق.

وأشار إلى أن حتى الأمريكان أنفسهم لديهم دروسهم المأساوية مع الهنود الحمر وهم أكثر من يعرف معنى “السكان الأصليين”، وأكد أنه يجب أن يتعلموا من تلك التجربة، وعلق شريف خرايفي، القيادي في حزب العمال، قائلاً: “تونس شهدت اندماجًا عرقيًا وإثنيًا للسكان الأصليين على مر آلاف السنين، ولا تزال هناك عدة مجموعات تحتفظ بتفردها وتقاليدها وثقافتها، أما أنتم، يا أمريكان، فلا يمكنكم أن تدركوا أين ذهب سكان أمريكا الأصليين وكيف حدث ذلك”.

من ناحية ثانية، كتب الباحث والمحلل السياسي رفعت الطبيب تعليقًا قائلاً: “في ظل تغيب الصراع السياسي الراهن وهيمنة وسائل الإعلام الفارغة والمرتزقة، مرّت تدوينة السفارة الأمريكية التي تتجاهل كل مكونات سيادتنا وهويتنا الوطنية ووحدة نسيج مجتمعنا بشكل مهين، وتدور التدوينة حول “النهوض بحقوق الإنسان، وخاصة السكان الأصليين” في تونس، البلد الذي يتألف من مجتمعات مهمشة عرقيًا وإثنيًا، وفقًا للبعثة الدبلوماسية الأمريكية!”.، وأضاف: “هكذا، أصبحت بلادنا تشكل فسيفساء من مجموعات تمثلها السيدة سعدية مصباح التي تعتبر رمزًا لشعوبنا الأصلية، وبالتالي، يعتبر الباقون وافدين! ونظرًا لأن جميع مصطلحات الدبلوماسية الأمريكية تستند إلى مرجعيات قانونية، يجب أن نعتمد على الكتابات الأكاديمية التي تفسر لنا المعنى الحقيقي لمثل هذه التسميات”، وأوضح قائلاً: “عندما تتحدث السفارة عن “الشعوب الأصلية”، فإنها تشير إلى القوانين الدولية التي تضمن “حق هذه الشعوب في تقرير مصيرها السياسي وتطورها المستقل (عن الدولة والشعب الآخر) اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا”، لكن أمريكا تخطط لتدمير البنية الوطنية ووحدة التراب والمجال في تونس، والبعض مشغول في أمور تافهة وفارغة”.

إضافة إلى ما ذُكر، كتبت المحامية وفاء الشاذلي: “نحن بانتظار رد وزير الخارجية على بيان السفارة الأمريكية بشأن سعدية مصباح ودورها في تمكين الإفريقيين والإشارة إلى أن الأفارقة هم السكان الأصليون لتونس!”.، وأضافت: “هذا التصريح المضلل بشأن تاريخ تونس يعتبر أمرًا خطيرًا للغاية ويكشف بشكل واضح عن المخطط المُحاك ضد بلادنا، هل سيتم استدعاء السفير أم إننا مجبرون على مواجهة صمت السلطات؟”.، وفي تدوينة لاحقة، رضخت السفارة الأمريكيّة لموجة الاستنكار الواسعة، وتم لاحقًا تعديل التعليق الذي أصدرته السفارة الأمريكية وحذفت عبارة “السكان الأصليين”.، وقد تم تعديل نص بيان السفارة الأمريكية بعد الحملة الواسعة التي قادتها تونس بشأن عبارة السكان الأصليين والتلميحات الخطيرة والمغلوطة بشأن تاريخ تونس، وتوجيه التونسيين عبارة: “يا جوي هود (السفير الأمريكي)، شعب تونس لن تستطيع فهمه بسهولة، نحن طينة من نوع خاص، حاول قدر المستطاع، ومصيرك سيكون الفشل”.

ماذا عن السكان الأصليين في أمريكا؟

في السياق الأمريكي، اصطلاح “السكان الأصليين” يشير إلى الشعوب والقبائل التي كانت موجودة في الأراضي الأمريكية قبل وصول المستوطنين الأوروبيين، ويشمل هذا الاصطلاح الأمريكي الأصليين الأمريكيين، أي الأصليين المعروفين أيضًا بالهنود الحمر، ويشمل مجموعة واسعة من الثقافات والقبائل التي تتمتع بتاريخ وتراث فريد، ويعتبر حفظ واحترام حقوق السكان الأصليين قضية مهمة في النقاشات السياسية والقانونية والاجتماعية، لكن الولايات المتحدة تغض الطرف عن هذه القضية.

بالتأكيد! غالبًا ما يستخدم مصطلح “الأمريكيون الأصليون” أو “الهنود الأمريكيون” كمرادف لمصطلح “الشعوب الأصلية” في سياق الولايات المتحدة، وفيما يلي بعض التفاصيل الإضافية حول الأمريكيين الأصليين في أمريكا، حيث يتألف الأمريكيون الأصليون من مجموعة متنوعة من الثقافات واللغات والتقاليد، وكان هناك المئات من القبائل والأمم المتميزة في جميع أنحاء القارة، لكل منها عاداتها الفريدة وهياكلها الاجتماعية ومعتقداتها الروحية، وللأميركيين الأصليين تاريخ غني يسبق وصول المستوطنين الأوروبيين، ولقد سكنوا الأرض منذ آلاف السنين وطوروا مجتمعات متطورة ذات ممارسات زراعية متطورة وشبكات تجارية معقدة وأشكال فنية مميزة.

وكان لوصول المستعمرين الأوروبيين تأثير عميق على مجتمعات الأمريكيين الأصليين، وأدت عملية الاستعمار إلى النزوح والاستيعاب القسري وفقدان الأراضي والأوبئة المدمرة التي قضت على السكان الأصليين، ويزعم الأمريكيون أن الاعتراف بقبائل الأمريكيين الأصليين كأمم ذات سيادة داخل الولايات المتحدة، وأن لديهم درجة من الحكم الذاتي والحق في تقرير سياساتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وأن هذا الاعتراف منصوص عليه في المعاهدات والقوانين وقرارات المحاكم.

لكن، لا تزال مجتمعات الأمريكيين الأصليين تواجه تحديات مختلفة، وتشمل هذه الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، وعدم كفاية الوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، والحفاظ على التراث الثقافي، وحقوق الأرض، والمخاوف البيئية، والقضايا المتعلقة بالسيادة القبلية، حيث قدمت ثقافات الأمريكيين الأصليين مساهمات دائمة للمجتمع الأمريكي، ولقد أثرى فنهم وأدبهم وموسيقاهم وروحانياتهم النسيج الثقافي للأمة، ولم يتم الاعتراف بمساهماتهم والاحتفاء بها، وكان الأفراد والمنظمات الأمريكية الأصلية في طليعة المدافعين عن حقوقهم والحفاظ على الثقافة والعدالة الاجتماعية، ولعب النشاط دورًا مهمًا في زيادة الوعي بقضايا الأمريكيين الأصليين وتعزيز التغيير الإيجابي.

مصير الهنود الحمر، أو السكان الأصليين الأمريكيين، قد تنوع حسب الفترة التاريخية والمنطقة الجغرافية، ومع وصول المستوطنين الأوروبيين إلى أمريكا أدى إلى تغير جذري في حياة الهنود الحمر، وتمت سرقة أراضيهم وتهجيرهم عنها، وتم فرض الحروب والمعارك عليهم لتوسيع المستوطنات الأوروبية، كما شهدت القرون السابقة تهجيرًا واسعًا للهنود الحمر من أراضيهم الأصلية، وتم تنفيذ سياسات إبادة الهنود الحمر وإجبارهم على التوقيع على المعاهدات التي سلمت أراضيهم للحكومة الأمريكية.

وإضافة إلى ما ذُكر، تم إنشاء المحافظات الهندية كمحاولة لتوفير محميات للهنود الحمر على أراض محدودة، ومع ذلك، تعرضت هذه المحافظات للتهميش والاضطهاد وتدهور الظروف المعيشية، وتم تحميل الهنود الحمر ضغوطًا للاستسلام للثقافة واللغة الأوروبية وتجاهل قيم وتقاليد الهنود الحمر الأصلية، وتم حظر اللغات الأصلية والممارسات الثقافية في مؤسسات التعليم والدين، وفي القرن العشرين، قاد الهنود الحمر حركة قوية للمطالبة بحقوقهم المدنية واحترام هويتهم الثقافية، للتركيز على قضايا مثل حقوق الأراضي والتعليم والتمثيل السياسي، وفي العقود الأخيرة، حققت بعض القبائل الهندية تقدمًا في تحقيق الاعتراف بالسيادة القبلية والحكم الذاتي، وتمت المصادقة على قوانين وتشريعات بسيطة تعزز حقوق القبائل وتمكنها من إدارة شؤونها الداخلية، حيث يعتبر مصير الهنود الحمر موضوعًا معقدًا ومتعدد الأبعاد، والتطورات والتحولات في المجتمع والتشريعات قد تؤثر على حقوقهم وظروفهم، ويتم التعتيم عليه من “الأمريكيين الجدد”، فتخيلوا بعد كل هذا الظلم التاريخيّ، كيف يمكن لأمريكا الحديثة أن تعمل على تعزيز حقوق الهنود الحمر وتعويضهم عن الظلم التاريخي الذي تعرضوا له!.

في الختام، لا شك أنّ مصطلح السكان الأصليين تسبب في انتقادات شديدة للسفارة الأمريكية في تونس، وزرع في نفوس التونسيين حقيقة ونوايا الأمريكيين، فهذه العبارة مزيفة ومثيرة للانقسام، والأميركيون أنفسهم متورطون في هذه القضية في بلادهم ويحاولون التستر عليها، حيث إنّ مصطلح “السكان الأصليين” يشير بكذب بالنسبة للتونسيين إلى السكان الأصليين في إفريقيا في سياق تونس، ويمكن استخدامه زوراً للإشارة إلى الشعوب والثقافات التي كانت متواجدة في المنطقة قبل الاستعمار الأوروبي، ويجب ملاحظة أن هذا المصطلح غير مستخدم أبدا في تونس وقد يكون من ضمن المصطلحات المعادية لها.

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...