أدعية أهل البيت عليهمالسلام كنزٌ ثمين
ومن التراث الإسلامي الذي وصل إلينا عبر العصور ، هو ما أثر عن النبي وآله البررة عليهمالسلام من أدعية ومناجاة ملأت بطون الكتب الكثيرة ، وبحق أنها كنزٌ ثمين ، والتي منها أدعية مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام ، وكذلك الصحيفة السجادية لمولانا زين العابدين عليهالسلام ، وما ورد عن سائر أئمة أهل البيت عليهمالسلام من أدعية سواء في تعقيبات الصلوات أو في غيرها من المناسبات الأخرى.
ومما لا شك فيه نحن بأمس الحاجة في أن نتعهد قراءتها ، وأن نتدبر معانيها ، ونتبصر مفاهيمها ، فهي بحق ابتهالات روحية ، ودروس قيمة ، وإرشادات نافعة تعلمنا كيف نناجي الخالق تعالى ونتضرع إليه ، وكيف نخاطبه ونبتهل بين يديه.
فهذه أدعيتهم إن سلكت سبلها حلّقت بك تارة في معارف التوحيد والعقائد الحقة ، وتارة في آفاق آيات الله تعالى وعظيم قدرته ، وتارة توقفك على لزوم محاسبة النفس وزجرها عن ارتكاب الآثام والمعاصي ، ولومها على ما أتى
٢٣
عليها من تقصير وتهاون في طاعة الباري تعالى ، وتارة أخرى تذكرنا ما يجب علينا من واجبات وحقوق ، لا سيما حقوق الوالدين والأرحام وسائر المؤمنين ، فإن استرسلت في دعاء منها فسوف تجد نفسك مشغوفةً بإكماله وإتمامه ، وما ذلك إلا للهالة القدسية النورانية التي يضفيها دعاؤهم على النفس ، وتلك النفحات الروحية التي تمنح القلب الخشوع ، فتفيض العيون بعبراتها لتطهّر الجوارح والجوانح من كل درن وشائبة.
شهادات ناصعة في حق أدعية أهل البيت عليهمالسلام
طفحت من هنا وهناك جملة من الشهادات القيمة من بعض المتشيعين وغيرهم ممن استهوتهم أدعية أهل البيت عليهمالسلام فانجذبوا لها ليرتووا من معينها ، فأفصحوا عن بالغ تأثرهم ، وارتياحهم النفسي حين تلاوتها ، وتفاعلوا معها بشكل لم يسبق لهم مثله في غيرها.
نشرت امرأة من السنة كلاماً لها في موقع منتديات نور فاطمة عليهاالسلام باسم محبة أهل البيت عليهمالسلام تحت عنوان (أريد أن أعرف ما هو التشيع) ومما ذكرته أنها سجلت في
٢٤
هذا الموقع لأسباب ثلاثة ، منها أنها تريد أن تتحاور معهم لتتعرف على حقيقة مذهب التشيع ، وأن أصدقاء ولدها كلهم شيعة من البحرين منذ سنة ، وأنهم نعم الأصدقاء وقالت : لم نر منهم أو نسمع شيئاً مما سمعناه عن الشيعة من غرائب حتى أنه أحب الشيعة بسببهم ، وأصبح ولدي يقول أنه سوف يتشيع من محبته لهم ، وأصبح دعاء كميل لا يفارق سمعه ..
أقول : وحدثني من أثق به عن بعض السادة المؤمنين تغمده الله برحمته أنه لما كان في المدينة المنورة أخذ يقرأ بعض الأدعية من كتاب يحوي أدعية وزيارات ، وكان إلى جانبه رجل من اليمن فأخذ ذلك اليماني يصغي باهتمام بالغ إلى الأدعية التي يسمعها منه فاستهوته جداً ، يقول : فلما أردت الإنصراف قال لي : من أين لكم هذه الأدعية فإنه لايوجد عندنا مثلها؟! فقال له : هذه أدعية مروية عن أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان الرجل اليماني عنده كتاب يحوي أدعية فقال : هلا أخذت مني كتابي هذا وأعطيتني كتابك هذا؟! يقول : فاستحييت منه فأعطيته كتابي فأخذه وأعطاني كتابه وانصرف.
٢٥
وأرخي هنا عنان القلم لأترك القول لبعض المستبصرين الذين حكوا انطباعهم الخاص حينما تعرفوا على أدعية أهل البيت عليهمالسلام ، ولمسوا فيها ضالتهم المنشودة ، بينما لم يجدوا لغيرهم أثراً يستحق الذكر!
ومن ذلك ما حدّثني به بعض الثقات وخلاصة حديثه عن بعض أصحابه أنه لما كان في الحج مع حملة تضم جماعة من الحجاج وفي يوم من الأيام كانوا يصلّون صلاة الصبح جماعة ، ولما فرغوا من الصلاة أخذوا يقرأون بعض أدعية التوسل ، فسمعهم رجل سلفي فانهال عليهم بالكلام اللاذع ، وأخذ يرميهم بالشرك! ويوبخهم!
قال : ثم أخذنا في قراءة دعاء الصباح لأمير المؤمنين عليهالسلام فظل الرجل السلفي واقفاً يستمع لنا حتى فرغنا من الدعاء.
قال : وبعد مضي فترة من الزمن رأيت الرجل نفسه في المدينة فدنا مني وأنا لم أعرفه حينها ، فقال : أتعرفني؟! قلت له : لا أعرفك ، قال : أتذكر لما كنتم في مكة وأخذتم تقرؤون
٢٦
بعض الأدعية في التوسل فهاجمتكم؟! قلت : نعم أتذكر ، قال : أنا ذلك الرجل الذي تهجم عليكم ، ولكني أخبرك أني قد تشيعت وذلك بفضل دعاء الصباح الذي قرأتموه في ذلك اليوم فقد استهواني ، إذ أني لأول مرة أسمع دعاءً بهذا النحو ، فقد سمعته منكم وأنا لا أعلم لمن هو ، فحفظت منه بعض العبارات ، فلما ذهبت إلى البيت بحثت عنه في الأنترنيت فوجدته لأمير المؤمنين علي عليهالسلام ومن ذلك الحين وأنا من أتباعه ، والفضل يعود لهذا الدعاء الذي انجذبت له نفسي وتعلقت به ، فهو كلام فوق كلام البشر ودون كلام الخالق تعالى ولا زلت أتعهد قراءته ..
ومن شهادات بعض المستبصرين أيضاً في هذا المجال ما ذكره المستبصر الأستاذ عبد المنعم حسن السوداني في كتابه (بنور فاطمة اهتديت : ص ٢١٠) قال : وقد سعى المفسدون في الأرض إلى تشويه صورة مذهب أهل البيت عليهمالسلام وحاولوا ممارسة التضليل الإعلامي ، ومن جملة ذلك الطعن في نهج البلاغة الجامع لبعض خطب ورسائل وكلمات أمير المؤمنين عليهالسلام وهو هو بمتنه الذي
٢٧
أعجز البلغاء ، وإن ما جاء فيه كاف لبيان صحة النسبة لأمير المؤمنين عليهالسلام ، وعلى هؤلاء أن يأتونا بخطبة واحدة قالها أحد الخلفاء! أو كلمة قصيرة تشبه الخطب الواردة في نهج البلاغة.
قيل لأحد الإخوة أن نهج البلاغة وضعه الشريف الرضي فقال لهم : إذاً هو إمام مفترض الطاعة!!
ولأهل البيت عليهمالسلام تراث عظيم كان من الممكن أن تستفيد منه الأمة ولكنها أبت إلا نفورا ، وإحدى معاجزهم التي بهرتني ، ذلك المنهج في الدعاء ، وكيفية التقرب إلى الله تعالى والأدب الرفيع في مخاطبة الرب سبحانه ، والقارئ للصحيفة السجادية وهي صحيفة كلها أدعية للإمام الرابع علي بن الحسين السجاد عليهالسلام أتعجب لماذا لم يهتم علماء السنة بهذه الصحيفة هل لأنها واردة عن أحد أئمة أهل البيت؟ أم ماذا!!
أحد الإخوة الذين استبصروا ، كان يميل للوهابية بعد أن عملوا على تزريقه أفكارهم ومعتقداتهم ، وقبل أن ينغمس
٢٨
معهم تماماً منّ الله عليه بأحد الأصدقاء والذي أعطاه بعض مؤلفات الشيعة ليقرأها ، ولقد سمع من قبل عن الشيعة وحذّر منهم ، فطلب مني ومن بعض الإخوة جلسة حوار حول التشيع وما إليه فرحبنا به وجلسنا فدار النقاش حول معتقدات الشيعة ، وبعد نقاش طويل تنفس قائلاً : هذا الكلام حق لا لبس فيه ولكن لماذا يقولون عن الشيعة كل هذه الأقاويل؟! قلت له : كما أن للحق أنصاراً يعملون على نصرته ، فإن للباطل جنوداً وشياطين يوحون إليهم ، ولا يمكن أن يعتمد الباطل إلا على باطل.
قال هذا الأخ وعلامات الأسف والتأثر واضحة عليه : لقد قالوا لنا إن الشيعة يخالفون المسلمين في كل شيء حتى الصلاة! كان وقت صلاة المغرب قد حان فقلت : الآن بإمكانك أن تصلي معنا لترى هل صلاتنا تختلف كما يدعون ، توضأنا وصلينا وكان اليوم يوم خميس وبعد الصلاة وكما هو معروف عند الشيعة يستحب قراءة دعاء كميل وهو دعاء علمه أمير المؤمنين علي عليهالسلام لأحد أصحابه وهو كميل بن زياد النخعي والشيعة يواظبون على قراءته.
٢٩
قرأنا ذلك الدعاء وأحسست بانفعال هذا الأخ بالدعاء ، حينها تألمت لهذه الأمة المحرومة من هذه الكنوز التي لم يبخل بها أهل البيت عليهمالسلام خصوصاً فيما يختص بالأدعية التي تجعل الإنسان في عالم آخر وهو يناجي ربه ، بعد الدعاء رأيت الدموع في عينيه وهو يقول بحرقة : خدعونا وقالوا لنا أن الشيعة لا يعرفون الصلاة! والله نحن ما عرفنا الصلاة ولم نفهم الصلاة.
ويقول الدكتور أسعد الفلسطيني أحد المستبصرين يحكي عما اختلج في نفسه وما لمسه في أدعية أهل البيت عليهمالسلام : وأمَّا على صعيد الأخلاق والتربية الروحيّة فما عليك إلاَّ أن تنظر في مفاتيح الجنان ، والصحيفة السجّاديّة ، وغيرها من كتب الأدعية والزيارات المأثورة لترى سموَّ المستوى الذي أراد أهل البيت عليهمالسلام أن يهذِّبوا به نفوس أتباعهم (١).
ويقول الدكتور محمّد المغلي (النمسا) ـ وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة بروكسل في بلجيكا ، وقد تشيَّع وأخذ بمذهب أهل البيت عليهمالسلام ـ : إن أحد الأسباب التي جعلته
__________________
(١) المتحوِّلون ، هشام آل قطيط : ٤٧٦.
٣٠
يتشيَّع هو تأثُّره البالغ بالأدعية المأثورة عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام ، وضرب أمثلة على ذلك وقال : مثل دعاء كميل ، ودعاء الافتتاح الذي يقرأ في كل ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك ، ودعاء الصباح للإمام علي عليهالسلام ، وأدعية الإمام زين العابدين عليهالسلام في الصحيفة السجادية ، وغيرها من الأدعية التي لا مثيل لها عند المذاهب الإسلامية الأخرى (١).
فهذه كلها تُعد شهادة حق فيما لمسوه من خصائص وسمات أدعية أهل البيت عليهمالسلام ، حقاً إنها كنزٌ عظيم وتراث جليل حبانا الله تعالى به من نفحات عترة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم الذين جعلهم خلفاءه على عباده ، وأمناءه في بلاده.
ونقول لكل من يجهل حقيقة أهل البيت عليهمالسلام ومقامهم الشريف ما عليه فقط إلا أن يتلو شيئاً من هذه الأدعية الكريمة التي وردتنا عنهم ليرى صحة ما قدمناه في ذلك ، وأن هؤلاء المستبصرين لم يخطئوا في استنتاجاتهم ، وأنهم شهدوا بالحق ، والحق أحق أن يتبع.
__________________
(١) راجع كتاب المتحولون ، هشام آل قطيط : ٥٥٦ ـ ٥٥٧.
٣١
وإذا استطال الشيءُ قام بنفسه
وصفاتُ ضوء الشمسِ تذهبُ باطلاً
ويقول أبو فراس الحمداني في قصيدته الميمية البديعة ، وقد أجاد حيث يذكر تهجد وتلاوة أهل البيت عليهمالسلام في بيوتهم بينما بيوت بني العباس تتعالى منها أصوات الطرب والغناء ، فأضاعوا الفرائض والسنن ، وتمردوا على الباري تعالى ، قال رحمهالله :
تنشى التلاوة في أبياتهم سحراً
وفي بيوتكم الأوتار والنغمُ
إذا تلوا سورةً غنّى إمامكم
قف بالطلول التي لم يعفها القدمُ
الركنُ والبيتُ والأستارُ منزلهم
وزمزم والصفا والحجر والحرمُ (١)
__________________
(١) راجع الغدير ، الشيخ الأميني : ج ٣ ص ٤٠١.