الرئيسية / من / الصحة والعافية / الآداب الطبّيّة في الإسلام

الآداب الطبّيّة في الإسلام

الرازي … وبناء مستشفى :

يقول كوستاف لوبون : لقد بنيت المستشفيات الاسلامية موافقة لاصول حفظ الصحة ، وكانت احسن من المستشفيات الموجودة في هذه الايام. وقضية الرازي حينما اراد ان يختار موقعا للمستشفى معروفة ومشهورة ، فان الطريقة التي استعملها ، يؤيدها اليوم المحققون في الامراض المعدية ، فان الرازي امر بعض الغلمان : ان يعلق في نواح مختلفة من بغداد قطع لحم ، ليرى في ايها لا يتفسخ اللحم وينتن في وقت اقصر ، ليكون الموقع الملائم لبناء المستشفى (١) ويقال : ان هذا المستشفى هو المستشفى العضدي.

ولكن ذكر ابن ابي اصيبعة : ان الرازي كان اقدم من عضد الدولة (٢) ، وعليه فلا بد وان يكون الرازي قد اراد بناء مستشفى غير مستشفى عضد الدولة وذلك لان الرازي توفى سنة ٣٢٠ هـ ، وقال الحسن بن سوار بن بابا ، وكان قريب العهد منه : انه توفي في سنة نيف وتسعين وماءتين ، او ثلاثمائة وكسر (٣) وعضد الدولة انما توفى سنة ٣٧٢ هـ ، كما هو معلوم.

ولكن قد ذكر القفطي ان الرازي قد توفي سنة ٣٦٤ وعاش في زمن المكتفي ، وبعض زمن المقتدر (٤) ، وعليه فلا مانع من ان يكون قد شارك في اختيار موضع المستشفى العضدي ، كما ذكروا.

__________________

(١) راجع تمدن اسلام وعرب ص ٦١٤ وقضية الرازي مذكورة ايضا في عيون الانباء ص ٤١٥ وموجز تاريخ الشرق الادنى ص ١٩٢.

(٢) عيون الانباء ص ٤١٥.

(٣) عيون الانباء ص ٤٢٠.

(٤) تاريخ الحكماء ص ٢٧٢ وراجع تاريخ الاطباء والحكماء ص ١٥٣ الترجمة الفارسية.

٦٦

بعض احوال المستشفيات :

اما احوال المستشفيات في العهد الاسلامي ، فقد تقدم : ان كوستاف لوبون يقل : انها كانت موافقة لاصول الصحة ، واحسن من المستشفيات الموجودة في هذه الايام ، كما انهم قد شيدوا في كل مدينة مستشفيات عامة ، كما سنرى (١).

وكان لكل مرض قاعة او قاعات خاصة ، يطوفها الطبيب المختص بها ، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى ، فيتفقد المرضى ، ويصف لهم الادوية ، ويكتب لكل مريض داوءه (٢).

وكانوا يعالجون جميع المواطنين في مستشفياتهم ، سواء اكانوا من المسلمين او من غيرهم ، وكانوا يقومون بعمليات التدفئة للمرضى على اكمل وجه ، ويقدمون لهم المؤمن ، والدثار ، وغير ذلك (٣).

وقال المقريزي عن مستشفى ابن طولون الذي اسسه سنة ٢٥٩ هـ في القاهرة : « وشرط في المارستان ان لا يعالج فيه جندي ، ولا مملوك ، وعمل حمامين للمارستان ، احدهما للرجال ، والاخرى للنساء ، حبسهما على المارستان وغيره ، وشرط : انه اذا جيىء بالعليل تنزع ثيابه ، ونفقته ، وتحفظ عند امين المارستان ، ثم يلبس ثيابا ، ويفرش له ، ويغدى عليه ، ويراح بالادوية والاغذية والاطباء حتى يبرأ ، فاذا اكل فروجا ورغيفا امر بالانصراف ، واعطى ماله وثيابه (٤) ».

__________________

(١) مختصر تاريخ العرب ص ٢٨٣.

(٢) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠٧ ، عن طبقات الاطباء ج ١ ص ١٥٥.

(٣) تاريخ الحكماء ص ١٩٤ ، وعيون الانباء ص ٣٠٢ و ٣٠١.

(٤) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٤٠٥ ، وراجع الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج ٢ ص ٢٠٥ / ٢٠٦ والمستشفى لابن طولون ذكر في كتاب الولاة والقضاة للكندي ص ٢١٦ / ٢١٧.

٦٧

وقال عن المستشفى المنصوري ، الذي بنى في القاهرة سنة ٦٨٣ هـ :

« … ورتب فيه العقاقير والاطباء ، وسائر ما يحتاج اليه من به مرض من الامراض ، وجعل السلطان فيه فراشين من الرجال والنساء لخدمة المرضى وقرر لهم المعاليم ، ونصب الأسرّة للمرضى ، وفرشها بجميع الفرش المحتاج اليها في المرض.

وافرد لكل طائفة من المرضى موضعا ، فجعل اواوين المارستان الاربعة للمرضى بالحميات ونحوها ، وافرد قاعة للرمدي ، وقاعة للجرحى ، وقاعة لمن به اسهال ، وقاعة للنساء ، ومكانا للمبرودين ، وينقسم قسمين : قسم للرجال ، وقسم للنساء ، وجعل الماء يجري في جميع هذه الاماكن.

وافرد مكانا لطبخ الطعام ، والادوية ، والاشربة ، ومكانا لتركيب المعاجين والاكحال ، والشيافات ونحوها ، ومواضع يخرن فيها الحواصل.

وجعل مكانا يفرق فيه الاشربة والادوية ، ومكانا يجلس فيه رئيس الاطباء لالقاء درس طب … الخ. » وكان وقفه عاماً لكل احد (١).

المستشفيات الميدانية

لقد كان لدى المسلمين مستشفيات تستصحبها الجيوش معها ، فقد قال ابن خلكان ، والقفطي عن ابي الحكم عبيد الله بن المظفر المغربي ، المتوفى سنة ٥٤٩ هـ : « وذكر العماد الاصفهاني في الخريدة : ان ابا الحكم المذكور كان طبيب البيمارستان الذي كان يحمله اربعون جملا ، والمستصحب في معسكر السلطان محمود السلجوقي حيث خيم ». ثم ذكر خدمة ابن المرخم فيه ايضا طبيبا وفصادا (٢).

__________________

(١) راجع : الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٤٠٦.

(٢) وفيات الاعيان ج ١ ص ٢٧٤ ط سنة ١٣٠٩ هـ ، وتاريخ الحكماء ص ٤٠٥ وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص ٢٠٧ عن الاول وعن : تراجم الحكماء.

٦٨

ويقول سيد أمير علي. « … وكان يرافق الجيش في ابان المعارك فريق من الاطباء ، ومستشفى حسن التجهيز ، الحقت به نقالات لنقل الجرحى بشكل محفات تنقلها الجمال. وقد استلزم مستشفى الميدان الخاص بكل من الرشيد. والمأمون عدداً كبيراً من الجمال والبغال لنقل الخيام ، والمؤن ، والادوية.

وحتى في العهود التالية ايام الملوك الضعفاء امثال السلطان محمود السلجوقي كانت لوازم مستشفى الجيش تنقل على اربعين جملا » (١).

مستشفيات الطواري :

ولم تقتصر الخدمات الطبية عند المسلمين على ما ذكر ، بل لقد تعدت ذلك الى ايجاد مراكز للطوارىء في الاجتماعات العامة .. فقد :

« قال جامع السيرة الطولونية ، وقد ذكر بناء جامع ابن طولون : وعمل في مؤخرة ميضأة : او خزانة شراب ، جعل فيها الشرابات الادوية ، وعليها خدم ، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصلاة (٢) ».

اول مستشفى في الاسلام :

اننا نستطيع ان نقول : ان اول مكان خصص لنزول المرضى ، ومعالجتهم بعد ظهور الاسلام ، كان مسجد الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة منذ عهد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام.

يقول الدكتور جواد علي وغيره : « وقد كان في مسجد الرسول موضع يعالج فيه المرضى والجرحى ، وكان الرسول والصحابة يتفقدون المرضى النازلين به. (٣) » وسيأتي ان شاء الله في بحث مداواة المرأة للرجل الاشارة

__________________

(١) مختصر تاريخ العرب ص ٣٦٩.

(٢) الخطط للمقريزي ج ٢ ص ٤٠٥ ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج ٢ ص ٢٠٦.

(٣) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج ٨ ص ٤١٢ ، والتراتيب الادارية ج ١ ص ٤٥٣ / ٤٥٤ ، وتاريخ طب در ايران ج ٢ ص ٧٦٣ عن تاريخ البيمارستانات في الاسلام ص ٩.

٦٩

الى خيمة رفيدة ، او كعيبة بنت سعيد : التي كانت في مسجد النبي (ص) تداوى فيها الجرحى.

وما ذكر يدل على ان ما ذكره البعض من ان اول مستشفى في الاسلام هو مستشفى الوليد بن عبد الملك (١).

لا يصح … وانما هو غفلة عن حقيقة الحال ، ولعل الوليد : اول من اهتم بتوسعته لاتساع الحالة المادية في زمنه.

شاهد أيضاً

السيد رئيسي افتتح معرض القدرات التصديرية: قوة الإنتاج لا تقلّ عن القوة العسكرية

لفت رئیس الجمهوریة الإسلامية في إيران السید إبراهیم رئیسي إلى أنّ الحظر شكل من أشكال ...