واحد من رؤساء البصرة، وكان في يده قلم يكتب به شيئا على قرطاس، فكلما أراد أن يكتب شيئا، أخذ الغلام يده فألقى الرمان حتى يذهب الغلام إليه، ويجيء به، فلما ترك يده يكتب ما شاء ثم فتح أحمد بن إسحاق الكساء ووضع الجراب بين يدي الهادي (عليه السلام) فنظر إلى الغلام وقال: فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك؟ فقال (عليه السلام): يا مولاي أيجوز أن أمد يدا طاهرة إلى هدايا نجسة وأموال رجسة.
ثم قال: يا بن إسحاق أخرج ما في الجراب ليتميز بين الحرام والحلال. ثم أخرج صرة، فقال الغلام: هذا لفلان بن فلان من محلة كذا بقم، يشتمل على اثنين وستين دينارا، فيها من ثمن حجيرة باعها، وكانت إرثا عن أبيه خمسة وأربعون دينارا ومن أثمان سبعة أثواب أربعة عشر دينارا وفيه من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.
فقال مولانا (عليه السلام): صدقت يا بني، دل الرجل على الحرام منها فقال الغلام: في هذه العين دينار بسكة الري تاريخه في سنة كذا، قد ذهب نصف نقشه عنه، وثلاثة قطاع قراضة بالوزن دانق ونصف دانق، في هذه الصرة، الحرام هذا القدر فإن صاحب هذه الصرة في سنة كذا في شهر كذا كان له عند نساج وهو من جملة جيرانه من الغزل من وربع، فأتى على ذلك زمان كثير، فسرق سارق من عنده فأخبره النساج بذلك، فما صدقه، وأخذ الغرامة بغزل أدق منه مبلغ من ونصف، ثم أمر حتى نسج منه ثوب وهذا الدينار والقراضة من ثمنه ثم حل عقدها، فوجد الدينار والقراضة كما أخبر. ثم أخرج صره أخرى.
فقال الغلام (عليه السلام): هذا لفلان بن فلان، من المحلة الفلانية بقم، والعين فيها خمسون دينارا، ولا ينبغي لنا أن ندني أيدينا إليها، فقال: لم؟ فقال (عليه السلام): من أجل أن هذه الدنانير من ثمن الحنطة، وكانت هذه الحنطة بينه وبين حراث له فأخذ نصيبه بكيل كامل وأعطى نصيبهم بكيل ناقص فقال مولانا الحسن (عليه السلام) صدقت يا بني.
ثم قال (عليه السلام) يا بن إسحاق، احمل هذه الصرة وبلغ أصحابها، وأوص بتبليغها إلى أصحابها فإنه لا حاجة بنا إليها ثم قال: جئ إلي بثوب تلك العجوز، فقال أحمد بن إسحاق: كان ذلك في حقيبة فنسيته، ثم مشى أحمد بن إسحاق ليجئ بذلك، فنظر إلي مولانا أبو محمد الهادي (عليه السلام) وقال: ما جاء بك يا سعد؟
فقلت شوقني أحمد بن إسحاق إلى لقاء مولانا قال (عليه السلام): فالمسائل التي أردت أن تسأل عنها، قلت: على حالها يا مولاي.
(٢٤)
قال: فاسأل قرة عيني – وأومأ إلى الغلام – عما بدا لك، فقلت يا مولانا وابن مولانا، روي لنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) جعل طلاق نسائه إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى إنه بعث في يوم الجمل رسولا إلى عائشة وقال:
إنك أدخلت الهلاك على الإسلام وأهله بالغش الذي حصل منك وأوردت أولادك في موضع الهلاك بالجهالة، فإن امتنعت وإلا طلقتك.
فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
فأخبرنا يا مولاي عن معنى الطلاق الذي فوض حكمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)؟
فقال (عليه السلام): إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي (صلى الله عليه وآله) فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا الحسن إن هذا شرف باق ما دمن على طاعة الله، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك فطلقها من الأزواج وأسقطها من شرف أمية المؤمنين.
ثم قلت أخبرني عن الفاحشة المبينة التي إذا فعلت المرأة تلك، يجوز لبعلها أن يخرجها من بيته في أيام عدتها؟ فقال (عليه السلام): تلك الفاحشة: السحق، وليست بالزنا، فإنها إذا زنت يقام عليها الحد، وليس لمن أراد تزويجها أن يمتنع من العقد عليها لأجل الحد الذي أقيم عليها، وأما إذا ساحقت فيجب عليها الرجم، والرجم هو الخزي، ومن أمر الله تعالى برجمها، فقد أخزاها، ليس لأحد أن يقربها.
ثم قلت: أخبرني يا بن رسول الله عن قول الله عز وجل لنبيه موسى (عليه السلام) * (فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى) * فإن فقهاء الفريقين يزعمون أنها كانت من إهاب الميتة.
فقال (عليه السلام):
فقال (عليه السلام):
من قال ذلك فقد افترى على موسى، واستجهله في نبوته لأنه ما خلا الأمر فيها من أخطبين، إما أن كانت صلاة موسى فيها جائزة، أو غير جائزة فإن كانت صلاة موسى جائزة فيه، فجاز لموسى (عليه السلام) أن يكون لابسها في تلك البقعة وإن كانت مقدسة مطهرة،
وإن كانت صلاته غير جائزة فيها، فقد أوجب أن موسى لم يعرف الحلال والحرام، ولم يعلم ما جازت الصلاة فيه مما لم يجز، وهذا كفر.
قلت: فأخبرني يا مولاي عن التأويل فيها قال (عليه السلام) إن موسى كان بالوادي المقدس، فقال:
يا رب، إني أخلصت لك المحبة مني وغسلت قلبي عمن سواك، وكان شديد الحب لأهله فقال الله تبارك وتعالى: * (فاخلع نعليك) * أي انزع حب أهلك من قلبك، إن كانت محبتك لي خالصة وقلبك من الميل إلى من سواي مغسولا. فقلت: أخبرني عن تأويل (كهيعص) *
(٢٥)