الرئيسية / مقالات متنوعة / قادتنا كيف نعرفهم (١)

قادتنا كيف نعرفهم (١)

الإخلاص التي أمر بها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم عمّه أبا طالب عند الموت شهادة أن لا إله إلا اللَّه، وهي الكلمة التي أكرم اللَّه بها محمّداً صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم وأصحابه».
وروى ابن أبي الحديد، عن أبي عبد اللَّه جعفر بن محمّد عليه السّلام إن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم قال: «إن أصحاب الكهف أسرّوا الإيمان وأظهروا الكفر، فآتاهم اللَّه أجرهم مرتين، وأن أبا طالب أسرّ الإيمان وأظهر الشرك فآتاه اللَّه أجره مرتين».
وقد روى بأسانيد كثيرة- بعضها عن العبّاس بن عبد المطلب، وبعضها عن أبي بكر بن أبي قحافة: «إن أبا طالب ما مات حتى قال: لا إله إلا اللَّه محمّد رسول اللَّه».
وروى عن علي عليه السّلام إنه قال: «ما مات أبو طالب حتى أعطى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم من نفسه الرضا».
وروى عن علي عليه السّلام أنه قال: «قال لي أبي: يا بنيّ، الزم ابن عمّك، فإنك تسلم به من كلّ بأس عاجل وآجل، ثم قال لي:
إن الوثيقة في لزوم محمّد فاشدد بصحبته على أيديكا» «١»

وروى الشنقيطي بأسناده عن أبي إسحاق، إن أبا طالب قال لعلي: «أي بني، ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ قال: يا أبت، آمنت برسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم وصدّقت بما جاء به وصلّيت معه للَّه واتّبعته، فزعموا أنه قال: أما أنه لم يدعك إلا إلى خير فالزمه» «2».
قال السيد شهاب الدين أحمد: «إن أبا طالب ما مات كافراً على الصحيح،
(1) شرح نهج البلاغة، بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، ج 14، ص 70، 75.
(2) كفاية الطالب، ص 13.
(٢٤)

والخلاف ضعيف منشأه التعصّب الصّريح، لأنّ بعض أقواله وأفعاله على إيمانه دليل صريح، وقد ذكر الصالحاني عن الأئمة الأعلام ما يدلّ على أنّ أبا طالب مات على الإسلام، كما نقل عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام- واللَّه سبحانه أعلم بالحقائق- أن ميله إلى إسلامه يؤول حتّى قال: كذبوا، كيف يكون كافراً وهو الذي يقول:-
ألم تعلموا أنّا وجدنا محمّداً نبيّاً كموسى خطّ في أوّل الكتب

وكما نقل عن عبداللَّه بن عبّاس الذي لا ريب في فضله أنه قيل له: مات أبو طالب كافراً، فقال: فهذا قوله:
كذبتم وبيت اللَّه نسلم أحمداً ولمّا نقاتل دونه ونناضل
ونتركه حتّى نصرّع حوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل» «١»

وروى اليعقوبي: «لمّا قيل لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: إنّ أبا طالب قد مات، عظم ذلك في قلبه واشتد له جزعاً، ثم دخل فمسح جبينه الأيمن أربع مرات وجبينه الأيسر ثلاث مرات، ثم قال: يا عمّ، ربيت صغيراً وكفلت يتيماً ونصرت كبيراً، فجزاك اللَّه عنّي خيراً، ومشى بين يدي سريره وجعل يعرضه ويقول: وصلتك رحم وجزيت خيراً، وقال صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان، لا أدري بأيهما أنا أشدّ جزعاً. يعني مصيبة خديجة وأبي طالب» «2».
وروى الطبري بإسناده: «لما نثر ذلك السفيه التراب على رأس رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، دخل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بيته، والتراب
(١) توضيح الدلائل في تصحيح الفضائل، القسم الثّاني ص 242 من المخطوطة.
(2) تاريخ اليعقوبي طبعة سنة 1384، ج 2، ص 28.
(٢٥)

على رأسه، فقامت إليه احدى بناته تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقول لها: يا بنية لا تبكي، فإن اللَّه مانع أباك. وقال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب» «1».
وروى ابن سعد: «قال العبّاس: يا رسول اللَّه، أترجو لأبي طالب؟ قال:
كلّ الخير أرجو من ربّي، وتوفي أبو طالب للنصف من شوال، في السنة العاشرة من حين نبّئ رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، وهو يومئذٍ ابن بضع وثمانين سنة وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام، وهي يومئذٍ بنت خمس وستين سنة، فاجتمعت على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم مصيبتان، موت خديجة بنت خويلد وموت أبي طالب عمه» «2».
وروى سبط ابن الجوزي الحنفي، قال علي عليه السّلام: «لمّا توفي أبو طالب، أخبرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فبكى بكاءاً شديداً ثم قال:
اذهب فغسله وكفّنه وواره، غفر اللَّه له ورحمه، فقال له العبّاس: يا رسول اللَّه، إنك لترجو له؟ فقال: اي واللَّه، إني لأرجو له. وجعل رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يستغفر له أيّاماً لا يخرج من بيته.
وقال الواقدي: قال ابن عبّاس: عارض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم جنازة أبي طالب، وقال: وصلتك رحم وجزاك اللَّه يا عمّ خيراً.
وذكر ابن سعد أيضاً عن هشام بن عروة قال: ما زالوا كافّين عن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله حتى مات أبو طالب. يعني قريشاً.
(1) تاريخ الطّبري بتحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، ج 2، ص 344.
(2) الطبقات الكبرى، ج 1، ق 1، ص 79.
(٢٦)

وقال السدي: مات أبو طالب وهو ابن بضع وثمانين سنة، ودفن بالحجون عند عبد المطلب.
وقال علي عليه السّلام يرثيه:
أبا طالب عصمة المستجير وغيث المحول ونور الظلم
لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ فصلّى عليك ولي النعم
ولقّاك ربك رضوانه فقد كنت للطّهر خير عم» «١»

وقال شيخ العلماء الأعلام مفتي الشافعية بمكة المكرمة السيد أحمد بن زيني دحلان: قال العلامة السيد محمّد بن رسول البرزنجي في كتابه نجاة أبي طالب: ذكر الأمام أحمد بن الحسين الموصلي الحنفى المشهور بابن وحشي في شرحه على الكتاب المسمى ب (شهاب الأخبار) للعلامة محمّد بن سلامة القضاعي: إن بغض أبي طالب كفر. ونصّ على ذلك أيضاً من أئمة المالكية العلامة الشيخ علي الأجهوري في فتاويه، والتلمساني في حاشيته على الشفاء فقال عند ذكر أبي طالب: لا ينبغي أن يذكر إلّا بحماية النبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، لأنه حماه ونصره بقوله وفعله، وفي ذكره بمكروه أذية للنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، ومؤذيه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم كافر، والكافر يقتل. وقال أبو الطاهر: من أبغض أبا طالب فهو كافر.
ومن صحيح الأحاديث ما أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن علي كرم اللَّه وجهه قال: أخبرت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بموت أبي طالب، فبكى وقال: إذهب فغسّله وكفّنه وواره، غفر اللَّه له ورحمه.
وفي السيرة الحلبية: إن هذا الحديث أخرجه أيضاً: أبو داود والنسائي وابن
(1) تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص 8.
(٢٧)

شاهد أيضاً

الزهراء الصديقة الكبرى المثل الأعلى للمرأة المعاصرة / سالم الصباغ‎

أتشرف بأن أقدم لكم نص المحاضرة التي تشرفت بإلقائها يوم 13 / 3 في ندوة ...