الرئيسية / شخصيات أسلامية / الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

الامام محمد الجواد عليه السلام سيرة وتاريخ

دور الامام عليه السلام في الحياة العلمية
من المقدمات التي يلزم التذكير بها هنا أن أئمة أهل البيت عليهم السلام جميعاً هم أبواب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يختلفون سعة ، ولا يتميزون عمقاً ، ولا تتباين أهدافهم البتة ، وإنّما الاختلاف والتباين والتنوع في أدوار كل منهم ، تبعاً للظروف السياسية والاجتماعية والاقليمية التي تتحكم في مساحة تحرك كل إمام على الساحة الاِسلامية ، وفي صفوف الاُمّة .
____________
1) روى عن الاِمام الجواد عليه السلام من أهل السُنّة إبراهيم بن عبدالحميد الصنعاني ، وإبراهيم بن عقبة ، وإبراهيم بن محمد بن حاجب ، وإبراهيم بن مهدويه ، واُمية بن علي القيسي الشامي ، وجعفر ابن محمد بن مزيد ، ومنخّل بن علي ، وعمارة بن زيد الاَنصاري ، وعمر بن الفرج الرخجي وغيرهم .

فهناك دور مفروض للاَئمة عليهم السلام في نصّ الشريعة الاِسلامية ، وهو دور صيانة تجربة الاِسلام . . وتعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً في الاَُمة . . والمحافظة على المقياس العقائدي والرسالي في المجتمع الاِسلامي .
ولقد تمثل الدور الاِيجابي لاَئمة أهل البيت عليهم السلام ، في أنّهم استطاعوا الابقاء على المعالم الدينية الاَساسية للاُمّة ، والحفاظ على طابعها الرسالي ، وهويتها الفكرية من ناحية ، ومقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطراً على الرسالة ، وضربها في بدايات تكوينها من ناحية اُخرى . .(1) .
وبعد ذلك فإنّ الرسالة الاِسلامية تعنى بالاِنسان من كلِّ نواحيه ، وتأخذ بيده إلى كلِّ مجالاته ولا تفارقه ، وهو على مخدعه في فراشه ، وهو في بيته بينه وبين ربّه ، بينه وبين نفسه ، بينه وبين أفراد عائلته ، وهو في السوق ، وهو في المدرسة ، وهو في المجتمع ، وهو في السياسة ، وهو في الاقتصاد ، وهو في أي مجال من مجالات حياته (2) ، ومن هنا يتوجب في القائد أن يكون على اطلاع ومعرفة بكلِّ مناحي الحياة ، واستيعاب لمجمل العلوم التي يحتاجها أهل الاَرض ، ولكلِّ ما نزل من السماء ، وهو مالم يتحقق في غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وبمن أودعهم مكنون علومه من أهل بيته المعصومين المنتجبين الاَبرار عليهم السلام .
وقد ورد في الاَخبار أن من صفات الاِمام عليه السلام : « أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وضروب أحكامه ، وأمره ونهيه ، وجميع ما يحتاج إليه
____________
1) أهل البيت عليهم السلام تنوع أدوار ووحدة هدف | السيد الشهيد محمد باقر الصدر : 127 ، 131 ، 144 ، 145 .
2) أهل البيت عليهم السلام تنوع أدوار ووحدة هدف | السيد الشهيد محمد باقر الصدر : 75 .
(92)

الناس . فيحتاج الناس إليه ، ويستغني عنهم » (1) .
من هنا نقف على أن علم الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام واحد ، فعلم أولهم كعلم آخرهم ، علم إلهامي يتوارثونه خلفاً عن سلف ، صغيرهم وكبيرهم فيه سواء ، بل ورد أن الاَئمة عليهم السلام تنتقل إليهم بعض مواريث الاَنبياء عليهم السلام أيضاً ، كالسيف والخاتم والعصا ، وغيرها . إضافة إلى ما يعلمونه من أحكام جميع رسالات السماء السابقة . وحديثهم أيضاً واحد ليس فيه اختلاف وتعارض ، وإن ظهر في ألفاظ ومعان مختلفة؛ لاَنّه صادر من منبع واحد ، فهم عليهم السلام يحدِّثون عن آبائهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى ، وذلك ما جاء في قول الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحديث رسول الله قول الله عزَّ وجلَّ » (2) .
بعد هذه المقدمة نعود إلى ساحة قدس إمامنا الجواد عليه السلام ، كي نستلهم من فيض علومه ما نتمكن من خلاله رسم خط بياني نستطيع به استشفاف واستقراء نشاط الاِمام العلمي خلال حياته القصيرة جداً ، ورغم سني التضييق والاِقامة الجبرية في بغداد ، وإن لم تكن معلومة العدد ، إلاّ أنها بلا شك ليست قليلة بالنسبة إلى المدة التي عاشها عليه السلام .
دوره في الفقه وأحكام الشريعة :
لفقه مدرسة أهل البيت عليهم السلام سمات بارزة متميزة عن سائر الفقه السائد
____________
1) بحار الاَنوار | المجلسي 25 : 64 .
2) اُصول الكافي 1 : 53 | 14 ( كتاب فضل العلم ) . والارشاد | الشيخ المفيد 2 : 186 .
(93)

في مدرسة الرأي ، وخلاصة تلك السمات أنه يستمد مقوماته من القرآن الكريم أولاً ، ثم السُنّة الثابتة ثانياً ، ولهذا أصبح فقه مدرسة أهل البيت عليهم السلام هو الامتداد الطبيعي لفقه القرآن الكريم والسُنّة المطهرة ، وليس فيه شيء من عمل الرأي أو استعمال القياس والاستحسان وما شابه ذلك ، وهناك عشرات بل مئات الروايات المصرّحة بأنّ كل ما لدى أهل البيت عليهم السلام إنّما هو عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توارثوه واحداً بعد واحد وصولاً إلى الاِمام المهدي عليه السلام (1) .
ويتميّز أيضاً بالشمولية فانه لم يدع ملحظاً كلياً أو جزئياً إلاّ وقد بيّنه بمنتهى الدقة والتفصيل ، أما من حيث الامتداد الزماني فهو فقه الاَمس واليوم وغداً ، لصلاحيته لكلِّ زمان وامتداده إلى حلّ كلّ مشكلات الحياة .
ومما تقدم يتبين أن فقه أهل البيت فقه واحد لا يقبل التفكيك والفصل ، فلا يمكننا أن نقول : إنّ هذا هو فقه الاِمام علي عليه السلام وهذا فقه الاِمام الصادق عليه السلام وهكذا بالنسبة إلى جميع أئمة أهل البيت المعصومين عليهم السلام .
فحديثنا إذن عن دور الاِمام الجواد الفقهي هو عين الحديث عن فقه أهل البيت عليهم السلام الذين أُمرنا بطاعتهم والاقتداء بهديهم والتمسك بحبلهم ، وذلك أمان من الضلالة بنصّ حديث الثقلين المتواتر عند جميع فرق المسلمين .
أما عن الموارد الفقهية الكثيرة المروية عن الاِمام الجواد عليه السلام والتي لا تتسع لها هذه الدراسة الموجزة؛ فهي دالة بلا شكّ على أنه عليه السلام ملأ الفراغ الفقهي في عصره وأنه قد أغنى الساحة الاِسلامية ، وشيعته على وجه
____________
1) راجع : اُصول الكافي 1 : 263 | 1 ـ 3 و 265 | 2 و 268 | 9 وفي غير موضع منه .
(94)

الخصوص عن غيره ، فلم يلتمسوا حلول مشكلاتهم واجابات اسئلتهم من أحد غيره ، وهم الطائفة الواسعة الانتشار في شرق بلاد المسلمين وغربها .
ومن خلال قراءة واستعراض لبعض تلك الموارد نستخلص أن الاِمام الجواد عليه السلام كان مبرّزاً على جمهور الفقهاء ، وكبار العلماء والقضاة المعاصرين له . .
فمن حيث مجلسه عليه السلام في ديوان الخلافة ، ما كان ليجلس إلاّ بموازاة مجلس الخليفة ، والعلماء والقضاة في مجلسهم جميعاً كانوا دون مجلسه ، ويمثلون بين يديه ـ هيبة ـ عند محادثته . .
وأما آراؤه في ( العقيدة ، والتفسير ، والفقه ) فهي المقدّمة على بقية الآراء؛ لاَنّها تعكس واقعاً وحقيقة روح الاِسلام ، وذلك إذ يتجلّى من خلال ما مرّ من مناظرات أو من خلال ما أثبته لنا التأريخ في قصة الزواج في عهد المأمون . . أو قصة السارق الذي اعترف على نفسه بالسرقة في عهد المعتصم ، وقد طلب السارق من الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه فأُرجئ الحكم عليه إلى وقت معلوم . واستدعى المعتصم لذلك جمعاً من العلماء والقضاة إلى مجلسه للحكم في القضية ، واستدعى من جملة من استدعى الاِمام الجواد عليه السلام إلى ذلك المجلس الضخم الذي عقده لهذا الغرض ، وكان الاِمام عليه السلام يومذاك الشاب ابن الخامسة والعشرين سنة أو نحوها .
ورغم أن الرواية التي بين أيدينا لم تُسمّ الفقهاء الذين حضروا مجلس الحكم ، ولا عددهم؛ لكن بداهة يمكن الجزم ـ ويشاركنا هذا الرأي كلّ أحد ـ بأن الخليفة ما يستدعي إلى مجلسه إلاّ الطبقة الاُولى من فقهاء بغداد ، ومحدثيها المرموقين ، وقضاتها المتمكنين ، لا ضعافها ومغموريها أو

(95)

أذناب الناس وشذاذهم . وعليه نستطيع أن نشخّص مجموعة من فقهاء تلك المرحلة ، ورؤوس مذاهبها ، وأكابر قضاتها من الذين يمكن أن يُستدعون إلى ديوان الخلافة؛ لاِبداء رأي فقهي ، أمثال : إبراهيم بن سيّار بن النظّام ( ت | 231 هـ ) ، إبراهيم بن المهدي المصيصي ( ت | 225 هـ ) ، أبو ثور إبراهيم ابن خالد الكلبي البغدادي ( ت | 240 هـ ) ، أبو حسّان الزِّيادي الحسن بن عثمان ( ت | 242 هـ ) وقيل : أبو حيّان ، أبو خيثمة زهير بن حرب النسائي ( ت | 234 هـ ) ، أبو معمر الهذلي ( ت | 236 هـ ) ، أبو نصر التمّار ، أبو الهذيل محمد بن الهذيل العلاّف العبدي ( ت | 235 هـ ) كان نسيج وحده وعالم دهره ، لم يتقدمه أحد من الموافقين له ولا من المخالفين ، أحمد بن إبراهيم الدورقي العبدي ( ت | 246 هـ ) ، أحمد بن أبي دؤاد ( ت | 240 هـ ) قاضي قضاة الدولة العباسية ، أحمد بن حنبل ( ت| 241 هـ ) ولو أنه لم يكن يحضر مجالس الخلفاء إلاّ أنه لا يمنع أن يجيب إذا استدعي ، أحمد بن الفرات ( ت | 258 هـ ) ، أحمد بن منيع البغوي ( ت | 244 هـ ) ، إسحاق بن أبي إسرائيل ، إسماعيل بن إسحاق السرّاج ، إسماعيل بن أبي أويس ( ت | 226 هـ ) وهو ابن أخت مالك بن أنس ، إسماعيل بن حمّاد بن أبي حنيفة ولي القضاء للمعتصم بعد ابن سماعة ، بشر بن المعتمر الهلالي رئيس معتزلة بغداد في زمانه ، بشر ابن الوليد الكندي الحنفي ( ت | 238 هـ ) ، ثمامة بن الاَشرس وكان واحد دهره في العلم والاَدب ، جعفر بن حرب الهمداني ( ت | 236 هـ ) ، جعفر ابن عيسى الحسني أحد القضاة ، جعفر بن مبشر الثقفي ( ت | 234 هـ ) ، الحسن ابن عرفة العبدي ( ت | 257 هـ ) ، حفص بن عمر بن عبدالعزيز الدوري البغدادي ( ت | 246 هـ ) إمام القرّاء وشيخ زمانه ، حيّان بن بشر تسلّم قضاء الكرخ سنة ( 237 هـ ) ، خلف بن هشام البزار ( ت | 229 هـ ) ، سجّادة أبو علي

(96)

الحسن بن حمّاد الحضرمي البغدادي ( ت | 241 هـ ) من أجلّة العلماء في زمانه ، سعدويه الواسطي سعيد بن سليمان ( ت | 225هـ ) ، سليمان بن داود العتكي ( ت | 234 هـ ) ، سوار بن عبدالله العبري التميمي ( ت | 245 هـ ) تسلّم قضاء الرصافة سنة ( 237 هـ ) ، شجاع بن مخلد الفلاّس البغوي ( ت | 235 هـ ) ، شعيب بن سهل الرازي الملقّب شعبويه ( ت | 246 هـ ) قاضي الرصافة للمعتصم العباسي ، عبدالرحمن بن إسحاق الشافعي القاضي ، عبدالرحمن ابن كيسان الاَصم ، عبيدالله بن محمد بن الحسن ، علي بن الجعد الجوهري البغدادي ( ت | 230هـ ) الحافظ الحجة مُسند بغداد ، علي بن الجنيد الاِسكافي ، عيسى ابن صُبيح أبو موسى من علماء المعتزلة والمقدمين فيهم ، قتيبة بن سعد ، القواريري عبيدالله بن عمر ، كامل بن طلحة الجحدري ( ت | 231 هـ ) ، المحاسبي الحارث بن أسد ( ت | 243 هـ ) ، محمد ابن بكار بن الريّان البغدادي ( ت | 238 هـ ) ، محمد بن حاتم بن ميمون السمين ( ت | 235هـ ) الحافظ المجوِّد المفسِّر ، محمد بن الحسين البرجلاني الحنبلي ( ت | 238هـ ) ، محمد بن حمّاد وكان مقرباً من المأمون العباسي ، محمد بن سعد ( ت | 230هـ ) صاحب الطبقات الكبرى ، محمد بن سماعة ( ت | 233 هـ ) تولى القضاء للرشيد وبقي فيه إلى أن ضعف بصره في عهد المعتصم فصرفه عنه باسماعيل بن حمّاد وتوفي وله مئة وثلاث سنين ، محمد بن عبدالله بن المبارك المخرّمي ( ت | 254 هـ ) ، محمد بن هارون الورّاق ( ت | 247 هـ ) ، النضر بن شميل ، هارون بن عبدالله الحمّال البغدادي ( ت | 243 هـ ) ، هارون بن عبدالله الزهري ( ت | 232 هـ ) ، يحيى ابن أكثم التميمي المروزي البغدادي ( ت | 242 هـ ) قاضي القضاة الفقيه العلاّمة من أئمة الاجتهاد ، يحيى بن معين أبو زكريا المرِّي البغدادي ( ت | 233 هـ )

(97)

الحافظ شيخ المحدثين وإمامهم ، يعقوب بن إبراهيم الدورقي ( ت | 252 هـ ) محدّث العراق (1) .
وأضراب هؤلاء كثير مما يطول به المقام من الذين كانوا ببغداد يومذاك ويشار إليهم بالمشيخة والتفرّد بالفضل والعلم .
فالرواية التي ينقلها العياشي عن زرقان وهو محمد بن شداد أبو يعلى المسمعي ( ت | 278 أو 279 هـ ) وقد عمّر طويلاً ، وهو أيضاً من الفقهاء والمتكلمين . قال العياشي : عن زرقان صاحب ابن أبي دؤاد وصديقه بشدّة ، قال : رجع ابن أبي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم ، فقلت له في ذلك ، فقال : وددت اليوم أني قد متُّ منذ عشرين سنة ، قال : قلت له : ولِمَ ذاك ؟ قال : لما كان من هذا الاَسود أبا جعفر محمد بن علي ابن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين المعتصم ، قال : قلت له : وكيف كان ذلك ؟ قال : إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة ، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه ، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه ، وقد أحضر محمد بن علي عليه السلام ، فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع ؟ قال : فقلت : من الكرسوع ، قال : وما الحجة في ذلك ؟ قال : قلت : لاَنّ اليد هي الاَصابع والكف إلى الكرسوع؛
____________
1) اعتمدنا في استخلاص هذه الجمهرة من علماء وقضاة بغداد المعاصرين للاِمام الجواد عليه السلام في تلك الفترة : البداية والنهاية 10 : 299 حوادث سنة ( 218 هـ ) . وتاريخ أبي الفداء 1 : 340 . وتاريخ الخلفاء | السيوطي : 309 ـ 312 بتحقيق محمد محيي الدين عبدالحميد . وتاريخ الطبري 7 : 187 ـ 206 حوادث سنة ( 218 هـ ) . وطبقات الفقهاء | أبو إسحاق الشيرازي الشافعي ( ت | 476 هـ ) . والكامل في التاريخ 6 : 3 ـ 6 مراجعة وتصحيح الدكتور محمد يوسف الدقاق . ومحاضرات تاريخ الاُمم الاِسلامية | الخضري 2 : 212 ـ 215 . والوفيات | ابن قنفذ ( ت | 809 هـ ) وغيرها .

شاهد أيضاً

حزب الله وافاق المستقبل – عبد الستار الجابر

الحلقة الثانية – حرب 2006 بعد انتهاء الحرب الاهلية في لبنان، رسمت خطوط المستقبل السياسي ...