الرئيسية / القرآن الكريم / الوجيز في علوم القرآن

الوجيز في علوم القرآن

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آله الطاهرين، وصحبه المنتجبين وبعد.

للقرآن الكريم ما لا يخفى من الدور العظيم في تثبيت الإنسان والمجتمع على صراط النجاة المستقيم. وقد وردت العديد من الآيات القرآنية والروايات المباركة التي أكّدت على أهمية دراسة القرآن الكريم والغور في أسرار آياته. فالتحدّيات العالمية التي تواجهها الأمة اليوم، والغزو الثقافي، كما المادي، الذي يحيط بالأمة من كل اتجاه، يجعل من القرآن الكريم خير قائد ودليل، ومنبعاً للفكر الوضّاء الذي يستطيع أن ينقذ روحانية الإنسان، وكيانه ووجوده، ويبقي على ارتباطه المعنوي بالحق عز وعلا، بل إنّ محور بقاء دولة الحق ووجودها يبقى مرتهناً بالفهم الحقيقي لكتاب الله تعالى تمهيداً لتطبيقه في تربية الإنسان وإدارة المجتمع والناس…

ومن هنا يظهر الهدف من هذا الكتاب، الوجيز في علوم القرآن؛ فإنّه وبسبب الحاجة المتزايدة إلى فهم القرآن فهماً علمياً واعياً وعميقاً، كانت ضرورة دراسة مجموعة من العلوم الموصلة إلى ذلك. ومن أهمّها علوم القرآن.

وتحصيلاً لهذه الغاية تصدّى مركز نون للتأليف والترجمة بتقديم مجموعة من مباحث علوم القرآن بأسلوب مختصر ومبسّط في هذا الكتاب. علماً بأنّنا أصدرنا كتاباً تخصّصيّاً ومفصّلاً في علوم القرآن (دروس في علوم القرآن).

وأما المنهج الذي اتبعناه في هذا الكتاب، فهو يجمع بين الإيجاز، وسلاسة العبارة، والدقة العلمية، والاستدلال والنقد حيث تدعو الحاجة. إضافة إلى وضع الأهداف الخاصة بداية كل درس، والأسئلة والتمارين نهاية كل درس.

على أمل، وبفضل الله تعالى ، أن يكون لهذا الكتاب والجهد أثره العلمي المتميّز في ساحتنا التعليمية والثقافية بشكل خاص، والإسلامية بشكل عام.

والحمد لله رب العالمين
مركز نون للتأليف والترجمة

الدرس الأول: الوحي الرِّسالي

أهداف الدرس:
1- أنْ يتعرَّف الطالب إلى معنى الوحي لغة واصطلاحاً.
2- أنْ يميّز بين أقسام الوحي.
3- أنْ يعدِّد أساليبَ الوحي الرِّسالي.

تمهيد
إن من أهمّ الأبحاث المرتبطة بعلوم القرآن الكريم هي مسألة الوحي، حيث إن الأنبياء سلام الله عليهم كانوا سفراء الخالق إلى المخلوقين، وكانوا يتّصلون بالله سبحانه وتعالى عبر الوحي وبأساليب مختلفة، ومن هنا كان من الضروري أن نُقدّم بحث الوحي وما يتعلّق به من أمور على سائر أبحاث علوم القرآن، كما أن أهمية القرآن الكريم أنه وحي من الله على النبيّ الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، فالبحث عن العلوم المرتبطة بالقرآن متوقّفة على فهم معنى الوحي وكيف كان القرآن وحياً، وكيف اتصل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالله سبحانه، من هنا نبدأ بتعريف الوحي، ثمّ نتعرّف في هذا الدرس إلى أقسامه وأساليبه إن شاء الله تعالى.

الوحي في اللغة والاصطلاح
الذي يُستفاد من تتبّع الاستعمالات القرآنية وأقوال أهل اللّغة أن للوحي معنى واحداً وهو الخطاب الخفي.

ولكن الخفاء يكون على أنحاء متعدّدة، فتارة يكون خفياً في نفسه، يُسرّه المتكلّم إلى المخاطب، وأخرى يكون خفاؤه من جهة كونه يُعبّر عنه بالإشارات والإيماءات التي تخفى على غير المقصود بالخطاب، أو يخفى مدلولها عنه.

ونفس هذا المعنى للوحي ورد استعماله في القرآن الكريم:

فقد قال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ…﴾[1].

وقال تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾[2].

أقسام الوحي
بعد تتبّع استعمالات القرآن الكريم لكلمة الوحي والتي كانت بمعنى الخطاب الخفي، نجد أنها تنقسم إلى قسمين رئيسين مهمّين لا ثالث لهما:
الوحي الرِّسالي، والوحي غير الرِّسالي وسوف نتحدّث في هذا الدرس عن الوحي الرِّسالي وأساليبه، تاركين البحث عن الوحي غير الرِّسالي للدرس القادم إن شاء الله تعالى.

أولاً: الوحي الرِّسالي:
1- المعنى
وهو وسيلة الاتصال بين الباري عزّ وجلّ وبين سفرائه إلى خلقه.

وعن طريق الوحي الرِّسالي يتمّ تلقّي المعارف والأحكام وغير ذلك من شؤون الرسالة. وهذا القسم هو الأكثر استخداماً في القرآن الكريم، وفي الروايات الشريفة، ولذلك أصبح المعنى المتبادر والمنصرف للذهن عند سماع كلمة الوحي، ومن هنا إذا وردت كلمة الوحي وشككنا من أيّ معنى وأيّ قسم هي، هل من الوحي الرِّسالي أم غيره؟ كان المنصرف إلى الذهن هو الوحي الرِّسالي.

2- أغراض الوحي الرسالي
وهذا الوحي الرِّسالي النازل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلمكان يأتي لأغراض عدّة ومضامين شتّى، نذكر منها لا على سبيل الحصر:

أ- لبيان الذكر الحكيم والقرآن الكريم؛ الذي هو نصّ كلام الله سبحانه وتعالى المنزل على رسوله، وهو المتصف بالإعجاز، والوحي النازل به قد يختص باسم الوحي القرآني.

ب- لتأويل وتفسير كلام الله تعالى الوارد في القرآن الكريم.

ج- لبيان الأحاديث القدسية التي لا تدخل في الوحي القرآني.

د- لذكر تفاصيل الشريعة وأحكامها ومعارفها وما يتعلّق بها.

هـ- لبيان ما يرتبط بشؤون الإمامة والتدبير وشؤون الحكم ممّا يحتاجه الرسول في مهمّته القيادية.

و- لذكر ما يرتبط بأخبار العالم والمغيّبات والحوادث السابقة واللاحقة، وهذا أيضاً يدخل في دائرة علوم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم التي قد تقتضيها رسالته وقيادته الإصلاحية على مستوى عمر الدنيا.

3- أساليب الوحي الرِّسالي
والوحي الرِّسالي بشكل عام له أساليب متعدّدة ورد ذكرها في القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة المنقولة لنا عن طريق الرواة الثقاة، أو الواصلة إلينا عبر أئمة الهدى من أهل بيت النبوّة، ومن هذه الأساليب ما يلي:

أ- التكليم المباشر دون توسّط الملاك
هذا الأسلوب من الوحي يتمّ حال اليقظة: كما حصل للنبي آدم عليه السلام: ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾[3].

وما جرى مع النبيّ إبراهيم عليه السلام: ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا..﴾[4].

وفي قصة نبيّ الله موسى عليه السلام: ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا…﴾[5].

ب- الإيحاء بواسطة ملك
وهذا الأسلوب له شواهد عديدة جداً، ولعله الأسلوب الأكثر شيوعاً والأغلب وقوعاً.

قال تعالى في قصة نبيّ الله زكريا عليه السلام: فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ ﴾[6].

وقال سبحانه في الحديث عن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ﴾[7].

ج- الرؤيا في المنام
فإن “رؤيا الأنبياء وحي”[8]  كما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام، وورد عن عبيد بن عمير مقطوعاً[9].

ولهذا الأسلوب من الوحي في القرآن الكريم شواهد عدّة نذكر واحداً منها:

قوله تعالى في قصة النبيّ إبراهيم عليه السلام:
﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى

قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾[10].

فقول النبيّ إسماعيل عليه السلام: ﴿يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾[11] يكشف عن أن رؤيا والده تلك كانت وحياً وأمراً إلهيّاً بُلّغ إياه عن طريق الرؤيا، وما كان النبيّ إبراهيم عليه السلام ليقدم على ذبح ولده لمجرد رؤيا لو لم تكن تلك الرؤيا وحياً وأمراً إلهيّاً لازماً بالنسبة إليه.

د- الإلهام
وقد يُعبّر عنه بالإلقاء في الروع، وهو لا يغاير بقية أنحاء الوحي من حيث النتيجة ومن حيث اليقين والاطمئنان بمصدر الإلهام، وإن غايرها من حيث الأسلوب والشكل.

وقد صرّحت النصوص بأن الإلقاء في الروع كان أحد أساليب الوحي الرِّسالي، منها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: “ألا إنّ الروح الأمين نفث في روعي: إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب…”[12].

لقد جُمِعَتْ أساليب الوحي في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾[13].

النتيجة إذن يمكن إدخال الإلهام والنفث في الروع في القسم الثاني الذي هو الإيحاء بواسطة ملك. فإن إيحاء الملك يكون على أنحاء:
– فتارة يكون بسماع الصَّوت ومشاهدة الصُّورة.
– وأخرى بسماعه من دون مشاهدة.
– وثالثة بالإلقاء في الروع دون توسُّط صوت.

فالوحي هو الإلهام ومن وراء حجاب هو التكليم المباشر، وإنما سمّاه من وراء حجاب لأنه بواسطة صوت دون رؤية المصدر، وإرسال الرسول هو الإيحاء من خلال الملاك.

وربما كان تخصيص النحو الأول باسم الوحي هنا لأنه أشد خفاءً من الثاني فهو بالنسبة إليه مختص باسم الوحي.

فملاحظة الخفاء أمر نسبيّ قد يلاحظ بالنسبة لغير النبيّ، وقد يلاحظ بالنسبة لبعض حواس النبيّ دون بعض.

أسئلة حول الدرس
أجب عن الأسئلة التالية؟
1- عرّف معنى الوحي في اللغة والاصطلاح؟
2- عدّد أقسام الوحي مع توضيح كل قسم بشكل مختصر؟
3- ما هو الوحي الرسالي؟
4- حدّد أهم الأغراض التي من أجلها نزل الوحي؟
5- تحدّث عن أهم أساليب الوحي الرسالي باختصار؟

حدّد أسلوب الوحي المستخدم في الآيات القرآنية التالية:
1- ﴿وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾[14] 2- ﴿وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا..﴾[15] 3- ﴿مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ…﴾[16] 4- ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾[17] 5- ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ﴾[18]

أجب بـ ü أو û:
كل وحي نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو قرآن
ذكر الوحي في القرآن الكريم بمعانٍ عديدة كالتكليم والإلهام
لا يختصّ الوحي الإلهي بالأمور الرسالية
استعملت كلمة الوحي في القرآن بمعنى الخطاب الخفي
الوحي الرسالي هو لأجل تلقّي المعارف والأحكام وشؤون الناس

[1] سورة النساء، الآية: 163.
[2] سورة النحل، الآية: 68.
[3] سورة الأعراف، الآية: 22.
[4]  سورة الصافات، الآيتان: 104و 105.
[5] سورة النساء، الآية: 164.
[6] سورة آل عمران، الآية: 39.
[7] سورة البقرة، الآية: 97.
[8] راجع لسان العرب لابن منظور الأفريقي مادة وحى، وغيره من كتب اللّغة.
[9] المصدر السابق.
[10] سورة الصافات، الآيات: 105-102.
[11] سورة الصافات، الآية: 102
[12] العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج11، ص64.
[13] سورة الشورى، الآية: 51.
[14] سورة الأعراف، الآية: 143.
[15] سورة الصافات، الآية: 104.
[16] سورة البقرة، الآية: 97.
[17] سورة الصافات، الآيات: 102 – 105.
[18] سورة مريم، الآية: 52.

شاهد أيضاً

ثواب الأعمال – الشيخ الصدوق

[ثواب سجدة الشكر] حدثني محمد بن الحسن قال حدثنا محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح عن ...