الرئيسية / بحوث اسلامية / فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

فاسألوا أهل الذكر – الدكتور محمد التيجاني

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله الطاهرين

رسالة مفتوحة إلى السيد أبو الحسن الندوي العالم الهندي السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته وبعد:

أنا محمد التيجاني السماوي التونسي الذي من الله عليه بالهداية والتوفيق فاعتنق مذهب أهل البيت النبوي بعد بحث طويل وبعد ما كنت مالكيا ومن أتباع الطريقة الصوفية المشهورة في شمال إفريقيا وهي التيجانية، وعرفت الحق من خلال رحلة موفقة إلى علماء الشيعة، وكتبت في ذلك كتابا أسميته ثم اهتديت ثم طبعه عندكم في الهند من طرف المجمع العلمي الإسلامي بعدة لغات وبالمناسبة دعيت لزيارة الهند.
سيدي العزيز قدمت إلى الهند في زيارة قصيرة، وكان أملي أن ألتقي بحضرتكم لما أسمعه عنكم ولما أعلمه بأنكم المشار إليه بين أهل السنة والجماعة عندكم. ولكن عاقني عن ذلك بعد المسافة وضيق الوقت، واكتفيت بزيارة مدينة بومباي وبونة وجبل بور وبعض المدن الأخرى في كوجراتي وتألمت كثيرا لما شاهدته في الهند من عداوة وبغضاء بين أهل السنة والجماعة وإخوانهم المسلمين من الشيعة.
وقد كنت أسمع بأنهم يتحاربون ويتقاتلون أحيانا وتسفك دماء بريئة من الطرفين باسم الإسلام.

(١١)

ولم أكن أصدق، معتقدا بأنه مبالغة في التشويه، ولكن ما شاهدته وما سمعته من خلال زيارتي يبعث حقا على الحيرة والاستغراب وأيقنت بأن هناك نوايا خسيسة ومؤامرات خطيرة تحاك ضد الإسلام والمسلمين للقضاء عليهم جميعا سنة وشيعة ومما زاد يقيني وضوحا وعلمي رسوخا تلك المقابلة التي دارت بيني وبين مجموعة من علماء أهل السنة يتقدمهم الشيخ عزيز الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية وكان اللقاء في مسجدهم بومباي وبدعوة منهم.
وما أن حللت بينهم حتى بدأ الازدراء والتهكم والسب واللعن لشيعة آل البيت، وقد أرادوا بذلك استفزازي وإثارتي لعلمهم مسبقا بأني قد ألفت كتابا يدعو للتمسك بمذهب أهل البيت سلام الله عليهم. ولكني فهمت قصدهم وتمالكت أعصابي وابتسمت لهم قائلا: أنا ضيف عندكم وأنتم الذين دعوتموني فجئتكم مسرعا ملبيا، فهل دعوتموني لتسبوني وتشتموني، وهل هذه هي الأخلاق التي علمكم إياها الإسلام؟؟
فأجابوني بكل صلافة بأني لم أكن يوما في حياتي مسلما لأنني شيعي والشيعة ليسوا من الإسلام في شئ وأقسموا على ذلك.
قلت: اتقوا الله يا إخوتي فربنا واحد ونبينا واحد وكتابنا واحد وقبلتنا واحدة، والشيعة يوحدون الله ويعملون بالإسلام اقتداءا بالنبي وأهل بيته، وهم يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة ويحجون بيت الله الحرام، فكيف يجوز لكم تكفيرهم؟؟
أجابوني: أنتم لا تؤمنون بالقرآن، أنتم منافقون تعملون بالتقية وإمامكم قال:
التقية ديني ودين آبائي. وأنتم فرقة يهودية أسسها عبد الله بن سبأ اليهودي.
قلت لهم مبتسما: دعونا من الشيعة، وتكلموا معي أنا شخصيا فقد كنت مالكيا مثلكم واقتنعت بعد بحث طويل بأن أهل البيت هم أحق وأولى بالاتباع، فهل عندكم حجة تجادلوني بها، أو تسألوني ما هو دليلي وحجتي عسى أن نفهم بعضنا بعضا؟

(١٢)

قالوا: أهل البيت هم نساء النبي وأنت لا تعرف من القرآن شيئا قلت: فإن صحيح البخاري وصحيح مسلم يفيدان غير ما ذكرتم! قالوا: كل ما في البخاري ومسلم وكتب السنة الأخرى من حجج تحتجون بها هي من وضع الشيعة دسوها في كتبنا.
أجبتهم ضاحكا: إذا كان الشيعة وصلوا للدس في كتبكم وفي صحاحكم فلا عبرة ولا قيمة لها لمذهبكم القائم عليها!! فسكتوا وأفحموا ولكن أحدهم عمد إلى التهريج والإثارة من جديد فقال: من لا يؤمن بخلافة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا علي وسيدنا معاوية وسيدنا يزيد رضي الله عنه وأرضاه فليس بمسلم!
ودهشت لهذا الكلام الذي ما سمعت مثله في حياتي وهو تكفير من لا يعتقد بخلافة معاوية وابنه يزيد، وقلت في نفسي: معقول أن يترضى المسلمون على أبي بكر وعمر وعثمان فهذا أمر طبيعي أما على يزيد فلم أسمع ذلك إلا في الهند. والتفت إليهم جميعا أسألهم: أتوافقون هذا على رأيه! فأجابوا كلهم: نعم.
وعند ذلك عرفت بأن لا فائدة في مواصلة الكلام، وفهمت بأنهم إنما يريدون إثارتي حتى ينتقموا مني، وربما يقتلوني بدعوى سب الصحابة فمن يدري؟
ورأيت في أعينهم شرا وطلبت من مرافقي الذي جاء بي إليهم أن يخرجني فورا، فأخرجني وهو يتحسر ويعتذر إلي على ما وقع. وهذا الشخص البرئ الذي كان يرمي من وراء هذا اللقاء أن يتعرف على الحقيقة هو الشاب المهذب شرف الدين صاحب المكتبة والمطبعة الإسلامية في بومباي فهو شاهد على كل ما دار بيننا من هذه المحاورة المذكورة ولم يخف استياءه من هؤلاء الذين كان يعتقد بأنهم من أكبر العلماء.

(١٣)

وغادرتهم وأنا ساخط متأسف على ما وصلت إليه حالة المسلمين وخصوصا الذين يتزعمون مراكز الصدارة ويتسمون بالعلماء وقلت في نفسي إذا كان العلماء بهذه الدرجة من التعصب الأعمى فكيف يكون عامة الناس وجهالهم، وعرفت عندئذ كيف كانت تقوم المعارك والحروب التي تسفك فيها الدماء المحرمة وتهتك فيها الأعراض والحرمات باسم الدفاع عن الإسلام، وبكيت على مصير هذه الأمة التعيسة المنكوبة التي حملها الله سبحانه مسؤولية الهداية وحملها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا مسؤولية إيصال النور إلى القلوب المظلمة فإذا بها تصبح بحاجة إلى بصيص من النور، وفي وقت يكون فيه في الهند وحدها سبعمائة مليون نسمة يعبدون غير الله تعالى، ويقدسون البقر والأصنام والأوثان، وبدلا من أن تتوحد جهود المسلمين لهدايتهم وإرشادهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور حتى يسلموا لرب العالمين، نرى أن المسلمين اليوم وخصوصا في الهند هم بحاجة إلى الهداية والتصحيح.
لهذا سيدي أرفع كتابي إليكم داعيا إياكم باسم الله الرحمن الرحيم وباسم رسوله الكريم وباسم الإسلام العظيم ولقوله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا أدعوكم أن تقفوا وقفة المسلم الشجاع الذي لا يخشى في الله لومة لائم ولا تأخذه العصبية ولا الطائفية إلى حيث يحب الشيطان وأولياءه.
أدعوكم لوقفة مخلصة وصريحة، فأنتم من الذين حملهم الله المسؤولية ما دمتم تتكلمون باسم الإسلام في تلك الربوع، فلا يرضى الله منكم أن تقفوا وقفة المتفرج الراضي بما يقع هنا وهناك من مآس يدفع ثمنها الأبرياء من المسلمين سنة وشيعة، والله سائلكم يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة ومحاسبكم عن كل شاردة وواردة لأنه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم.

(١٤)

وما دمتم تتزعمون علماء الهند فمسؤوليتكم عظمي لا شك فيها وكلمة منكم قد يكون فيها صلاح الأمة في الهند كما قد يكون فيها هلاك الحرث والنسل فاتقوا الله يا أولي الألباب!.
وبما أن الله سبحانه أعطى للعلماء المرتبة الأولى بعد الملائكة فقال عز من قائل: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط. وإذا كان سبحانه يأمرنا جميعا بقوله: وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان وإذا كان المفسرون يذهبون إلى ضرورة إقامة العدل في الموازين المادية ذات القيمة المحدودة، فما بالكم بإقامة العدل في القضايا العقائدية التي تتأرجح بين الحق والباطل وتتوقف عليها هداية البشرية ونجاة الإنسانية بأسرها.
قال الله تعالى: وإذا حكمتم فاحكموا بالعدل وقال أيضا: يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قل الحق ولو على نفسك، قل الحق ولو كان مرا.
سيدي العزيز إلى كتاب الله أدعوكم، وإلى سنة رسوله أدعوكم، فقولوها صريحة مدوية ولو كانت مرة تكون لكم شهادة عند الله، بربك هل الشيعة عندكم غير مسلمين.
هل تعتقدون حقا أنهم كفار؟ هل أتباع أهل البيت النبوي الذين يوحدون الله ويعظمونه أكثر من كل الفرق – لقولهم بتنزيهه عن المشابهة والمشاكلة والتجسيم.
ويؤمنون برسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويعظمونه أكثر من كل الفرق – لقولهم بعصمته المطلقة حتى قبل البعثة، هل هؤلاء تحكمون بكفرهم؟؟
هل الذين يتولون الله ورسوله والذين آمنوا، ويهوون هوى عترة النبي

(١٥)

شاهد أيضاً

احتفال تكريمي إحياءً لأربعين شهادة الحاج محمد عفيف النابلسي الجمعة المقبل

لبنان  24/12/2024 احتفال تكريمي إحياءً لأربعين شهادة الحاج محمد عفيف النابلسي الجمعة المقبل إحياءً لأربعين ...