الرئيسية / الاسلام والحياة / الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

تقرير مبادئ الاسلام في واقع الحياة بصورة عملية منظورة ومحسوسة عن طريق:
1 – تفنيد أسس المفاهيم والعقائد الجاهلية: إن غريزة التدين من الغرائز المشتركة بين جميع الأجناس البشرية، وان الاهتمام بمعنى الاله وبما فوق الطبيعة هو (إحدى النزعات العالمية الخالدة للانسانية) (1).
وتختلف مظاهر هذا التدين من انسان إلى آخر ومن مجتمع لآخر. ومن يؤمن بالخالق بالكيفية التي ورثها أو اقتبسها، فإنه يشعر بالانتماء، فيكون عقله وقلبه مشدودين لهذا الايمان وان كان خاطئا، ولهذا يصعب ابعاده عن إيمانه في الوهلة الأولى، وهو بحاجة إلى تفنيد تصوراته الخاطئة، ومتبنياته العقائدية الواهية، عن طريق الأدلة والبراهين والحجج، وتبيان نقاط الضعف في الأسس التي تقوم عليها، عن طريق اللفتات والاضاءات والاثارات التي تخاطب العقل لتوقظه.
وقد كانت سيرة الأنبياء والمرسلين والأئمة والصالحين قائمة على أساس تفنيد أسس المفاهيم والعقائد الباطلة، كالشرك بالله تعالى، والايمان بالأوهام والخرافات، وبالوجودات الوهمية المتحكمة في الكون. فإذا ثبت بطلانها، فإن الانسان سيتخلى عنها ان كان طالبا للحقيقة.
2 – الحيلولة بين الناس ومعتقداتهم الباطلة: الاستئناس بالمعتقدات أمر طبيعي في داخل الشخصية الانسانية، حتى إن عواطف الانسان وأحاسيسه كلها تدور حول محور تلك المعتقدات التي يتبناها، وبذلك
1) الدين / محمد عبد الله دراز: 82، دار القلم – الكويت 1390 ه‍، عن: معجم لاروس للقرن العشرين.
(٦١)

يتم الاستقرار داخل النفس بوحدة الأفكار والعواطف والممارسات.
وتزداد الألفة والانس بمرور الوقت، وخصوصا إذا أصبح الامر جزءا من التراث ومن معتقدات الأسلاف.
قال تعالى: ﴿وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا…﴾ (1).
وتزداد كلما كان المتبني لها من الشخصيات المؤثرة في نفوس الناس، كالرؤساء والقادة والابطال، وتزداد أيضا كلما وجد الانسان أن جمهورا غفيرا من الناس يتبنى نفس معتقداته تأثرا بالعقل الجمعي.
وإذا أطبق الانس على عاطفته، فإنه سيغلق منافذ الهداية، وفي هذه الحالة فان المرحلة الثانية لا بد أن تنحصر بكسر هذا الانس، وتحطيم الأواصر المألوفة بين الانسان ومعتقداته الباطلة.
ويتم كسر الألفة والانس عن طريق استخدام وسائل الامر بالمعروف والنهي عن المنكر – التي تقدمت – والعمل على ابعاد الانسان عن المحيط الذي ألفه، بإحاطته بمجموعة من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ليتأثر بما يسمى بالعقل الجمعي المحيط به .
فإذا آمن بخطأ معتقداته السابقة، فإن كسر الألفة والانس بها سيكون أسهل.
3 – تحطيم الحواجز النفسية بين الناس والعقيدة الاسلامية: حينما يؤمن الانسان بعقيدة جاهلية أو منحرفة ويأنس إليها ويألفها، فإن ذلك يؤدي إلى أن تشكل هذه العقيدة حاجزا نفسيا بينه وبين غيرها، وهو أمر
١) سورة البقرة: ٢ / 170.
(٦٢)

طبيعي، خاصة إذا كانت تحقق رغباته وشهواته.
فعلى المكلف بتحمل مسؤولية الهداية أن يحطم هذه الحواجز النفسية عن طريق التدرج في الحجة والبرهان، والتدرج في التلقين، وزرع الايمان في قلب ذلك الانسان الذي يراد هدايته، عن طريق الشواهد الحسية، ثم تبيان مظاهر التوحيد، وتحريك العقل للايمان بان لطف الله تعالى يتجسد ببعثة الأنبياء، ليؤمن بالنبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، إيمانا حقيقيا من حيث العصمة والتسديد الإلهي، ثم يتم التدرج في اقناعه بضرورة الإمامة في كل زمان، مصحوبا كل ذلك بتركيز البعث والنشور والايمان باليوم الآخر، وبالتدريج تتحطم الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة الاسلامية، فيتقبل ما يقال له بأسلوب شيق وجذاب.
وخير أسلوب على هذا التحطيم هو أسلوب الترغيب والترهيب بالجنة والنار، وبابراز نماذج من الشخصيات التي سعدت واستقرت نفسيا، لايمانها بالله تعالى وبالعقيدة الاسلامية.
4 – إبعاد الناس عن السلوك الجاهلي: السلوك تتحكم به الأفكار والعواطف، فإذا آمن الانسان بخطأ أفكاره ومعتقداته، وانكسرت الألفة معها، وتحطمت الحواجز النفسية بينه وبين العقيدة السليمة، عندها يسهل إبعاده عن السلوك الجاهلي، لأنه سيتبع ما تمليه عليه عقيدته الجديدة وعواطفه اتجاهها. وقد حفلت الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة بالأوامر والنواهي الهادية للانسان في سلوكه وممارساته العملية ، فقد بينت الآثار السلبية للسلوك الجاهلي كالكذب والغيبة والبهتان والتنابز بالألقاب، وبينت مضار الخمر والزنا، ومضار التقاطع والتدابر، ثم زرعت الخوف من العقاب الإلهي في الدنيا والآخرة في نفوس الناس، وقصت
(٦٣)

عليهم قصص الغابرين الذين تعرضوا له.
وأبرز القرآن الكريم والأحاديث الشريفة نماذج من الشخصيات التي يمكن الاقتداء بها في السلوك والخلق الرفيع.
وينبغي على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ان يوجه الناس طبقا للارشادات والتعاليم القرآنية، وتعاليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، وان يوضح لهم آثار الانحراف السلوكي على الفرد والمجتمع الذي يبتعد عن الاسلام، حيث الأمراض البدنية والروحية، من اضطراب وبلبلة وفقدان الاستقرار والاطمئنان والسعادة، وخصوصا في البلدان الغربية.
وإذا عرف الانسان مضرة السلوك الجاهلي، وابتعد عنه فإنه سيتوجه إلى الالتزام بالسلوك الاسلامي.
قال الامام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: من لم يعرف مضرة الشر لم يقدر على الامتناع عنه (1).
لن تتحقق الخير حتى تتبرأ من الشر (2).
من ترك الشر فتحت عليه أبواب الخير (3).
للعادة على كل انسان سلطان (4).
1) تصنيف غرر الحكم: 106.
2) تصنيف غرر الحكم: 106.
3) تصنيف غرر الحكم: 106.
4) تصنيف غرر الحكم: 322.
(٦٤)

غيروا العادات تسهل عليكم الطاعات (1).
لن تهتدي إلى المعروف حتى تضل عن المنكر (2).
5 – تمرين الناس على السلوك الاسلامي: السلوك الاسلامي يستدعي التحرر من ضغط الشهوات، وثقلة المطامع، وتهذيب العواطف والانفعالات، والابتعاد عن المثيرات والمغريات الخارجية التي تدعو إلى اشباع الشهوات والمطامع بأسلوب غير مشروع.
وهذه بدورها تحتاج إلى تمرين متدرج، ورياضة متسلسلة، لكي يكون السلوك الاسلامي جزءا من شخصية الانسان، ويتحقق ذلك عن طريق الدعوة لامتثال التكاليف كالصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر والداعية إلى السلوك الصالح، والصوم الذي يهذب الغريزة ، والزكاة التي تزرع في القلب روح الايثار وحب الانفاق وهكذا في بقية التكاليف، والتي هي تكاليف هينة يسيرة، ثم التدرج لتحمل التكاليف الأكبر للوصول إلى السمو والكمال السلوكي.
وينبغي ربط الانسان بالشخصيات التي جعلها الله تعالى موضع قدوة، وتبيان مظاهر سلوكها وخلقها.
والتركيز على الآثار الايجابية للسلوك الرفيع في دار الدنيا والآخرة، وما يحصل جراؤه من ثواب ورضوان من الله تعالى.
الأجواء المساعدة في المرحلة الوقائية:
إذا ترك الانسان لوحده فإنه قد تهجم عليه الشكوك، وتنتابه
1) تصنيف غرر الحكم: 322.
2) تصنيف غرر الحكم: 322.
(٦٥)

شاهد أيضاً

مصافحة مثيرة للجدل: الجولاني بين تصنيفات الإرهاب ومقاعد المفاوضات

الوقت- أثارت الصور والتقارير الأخيرة عن اجتماع ثلاثي ضم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب ورئيس وزراء ...