الرئيسية / الاسلام والحياة / شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – ج ١

في مواضع يسيرة اقتضت الحال ذكرها، وأعرضت عن كثير مما قاله إذ لم أر في ذكره ونقضه كبير فائدة.
* * * وانا قبل ان أشرع في الشرح، أذكر أقوال أصحابنا رحمهم الله في الإمامة والتفضيل، والبغاة والخوارج. ومتبع ذلك بذكر نسب أمير المؤمنين عليه السلام، ولمع يسيرة من فضائله. ثم أثلث بذكر نسب الرضى أبى الحسن محمد بن الحسين الموسوي رحمه الله، وبعض خصائصه ومناقبه. ثم أشرع في شرح خطبه ” نهج البلاغة ” التي هي من كلام الرضى أبى الحسن رحمه الله (1)، فإذا أنهيت من ذلك كله ابتدأت بعون الله وتوفيقه في شرح كلام أمير المؤمنين ع شيئا فشيئا.
* * * ومن الله سبحانه استمد المعونة، واستدر أسباب العصمة، واستميح غمائم الرحمة، وأمتري إخلاف البركة، واشيم بارق النماء والزيادة، فما المرجو الا فضله، ولا المأمول الا طوله، ولا الوثوق الا برحمته، ولا السكون الا إلى رأفته ” ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير. ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا انك أنت العزيز الحكيم ” (2).
(١) ب: ” رضي الله عنه “.
(٢) سورة الممتحنة ٤، 5
(٦)
مفاتيح البحث: الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما ا

اتفق شيوخنا كافه رحمهم الله، المتقدمون منهم والمتأخرون، والبصريون والبغداديون، على أن بيعه أبى بكر الصديق بيعه صحيحه شرعية، وانها لم تكن عن نص وإنما كانت بالاختيار الذي ثبت بالاجماع، وبغير الاجماع كونه طريقا إلى الإمامة.
واختلفوا في التفضيل، فقال قدماء البصريين كأبي عثمان عمرو بن عبيد، وأبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام، وأبى عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، وأبى معن ثمامة بن أشرس، وأبى محمد هشام بن عمرو الفوطي، وأبى يعقوب يوسف بن عبد الله الشحام، وجماعه غيرهم:
ان أبا بكر أفضل من علي عليه السلام، وهؤلاء يجعلون ترتيب الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة.
وقال البغداديون قاطبة، قدماؤهم ومتأخروهم، كأبي سهل بشر بن المعتمر، وأبي موسى عيسى بن صبيح، وأبى عبد الله جعفر بن مبشر، وأبى جعفر الإسكافي، وأبى الحسين الخياط، وأبى القاسم عبد الله بن محمود البلخي وتلامذته ان عليا عليه السلام أفضل من أبى بكر.
وإلى هذا المذهب ذهب من البصريين أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي أخيرا وكان من قبل من المتوقفين، كان يميل إلى التفضيل ولا يصرح به، وإذا صنف ذهب إلى الوقف في مصنفاته. وقال في كثير من تصانيفه: ان صح خبر الطائر فعلى أفضل (1).
(١) يشير إلى ما رواه الترمذي في باب المناقب 13: 170، بسنده عن أنس بن مالك، ولفظه هذا الطير ” فجاء على فأكل معه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا يعرف من حديث السدى إلا من هذا الوجه.
(٧)

ثم إن قاضى القضاة رحمه الله ذكر في شرح ” المقالات ” لأبي القاسم البلخي ان أبا على رحمه الله ما مات حتى قال بتفضيل علي عليه السلام، وقال إنه نقل ذلك عنه سماعا، ولم يوجد في شئ من مصنفاته. وقال أيضا: إن أبا على رحمه الله يوم مات استدنى ابنه أبا هاشم إليه، – وكان قد ضعف عن رفع الصوت – فألقى إليه أشياء، من جملتها القول بتفضيل علي عليه السلام.
وممن ذهب من البصريين إلى تفضيله عليه السلام الشيخ أبو عبد الله الحسين بن علي البصري رضي الله عنه، كان متحققا بتفضيله، ومبالغا في ذلك وصنف فيه كتابا مفردا.
وممن ذهب إلى تفضيله عليه السلام من البصريين قاضى القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد رحمه الله، ذكر ابن متويه عنه في كتاب ” الكفاية ” في علم الكلام انه كان من المتوقفين بين علي عليه السلام وأبى بكر، ثم قطع على تفضيل علي عليه السلام بكامل المنزلة.
ومن البصريين الذاهبين إلى تفضيله عليه السلام أبو محمد الحسن بن متويه صاحب ” التذكرة ” نص في كتاب ” الكفاية ” على تفضيله عليه السلام على أبى بكر، احتج لذلك، وأطال في الاحتجاج.
فهذان المذهبان كما عرفت.
وذهب كثير من الشيوخ رحمهم الله إلى التوقف فيهما، وهو قول أبى حذيفة واصل بن عطاء، وأبى الهذيل محمد بن الهذيل العلاف، من المتقدمين. وهما – وان ذهبا إلى التوقف (1) بينه عليه السلام وبين أبى بكر وعمر – قاطعان على تفضيله على عثمان.
(2) ب ” الوقف “.
(٨)

ومن الذاهبين إلى الوقف الشيخ أبو هاشم عبد السلام بن أبي على رحمهما الله، والشيخ أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري رحمه الله.
واما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون، من تفضيله عليه السلام.
وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل، وهل المراد به الأكثر ثوابا أو (1) الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة، وبينا انه عليه السلام أفضل على التفسيرين معا.
وليس هذا الكتاب موضوعا لذكر الحجاج في ذلك أو في غيره من المباحث الكلامية لنذكره، ولهذا موضع هو أملك به.
واما (2) القول في البغاة عليه (3) والخوارج، فعلى (4) ما أذكره لك:
اما أصحاب الجمل فهم عند أصحابنا هالكون كلهم الا عائشة وطلحة والزبير، (5 رحمهم الله 5) فإنهم تابوا، ولولا التوبة لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي.
واما عسكر الشام بصفين فإنهم هالكون كلهم عند أصحابنا لا يحكم لأحد منهم الا بالنار، لإصرارهم على البغي وموتهم عليه، رؤساؤهم والاتباع جميعا.
واما الخوارج فإنهم مرقوا عن الدين بالخبر النبوي المجمع عليه، ولا يختلف أصحابنا في أنهم من أهل النار.
وجملة الامر ان أصحابنا يحكمون بالنار لكل فاسق مات على فسقه، ولا ريب في أن الباغي على الإمام الحق والخارج عليه بشبهه أو بغير شبهه فاسق، وليس هذا مما يخصون به عليا عليه السلام، فلو خرج قوم من المسلمين على غيره من أئمة الاسلام العدول (6) لكان حكمهم حكم من خرج على على صلوات الله عليه.
(1) ب: ” أم “.
(2) ب: ” فأما “.
(3) ساقطة من أ (4) ب: ” فهو على “.
(5 – 5) ساقط من ب (6) ب: ” من أئمة العدل “.
(7) ب: ” يرى ” تصحيف.
(8) ب: ” كثير “.
(٩)

شاهد أيضاً

على طريق القدس.. المقاومة الإسلامية تزفّ الشهداء إسماعيل المولى وعادل زعيتر وحيدر الترشيشي وجعفر مفلح

لبنان  25/10/2023 على طريق القدس.. المقاومة الإسلامية تزفّ الشهداء إسماعيل المولى وعادل زعيتر وحيدر الترشيشي ...