الإنفاق في سبيل الله \عز الدين بحر العلوم
12 ساعة مضت
زاد الاخرة
9 زيارة
ملكية الفرد للمال :
من الأمور المهمة التي تبناها الإسلام كأساس للنظام الإجتماعي في هذه الحياة هي نقطة
الاعتدال ، والأخذ بالحد الوسط في كل شيء يخص الفرد من أعمال وشؤون ، وقد ساق القرآن
الكريم مثالاً لهذه الصورة فقال سبحانه :
(١) ( ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً )
فلا إسراف ولا تقتير بل أمر وسط بين أمرين ، والآية الكريمة وإن كان موردها الصرف
والانفاق ، ولكن آيات القرآن دستور لايخصص المورد فيها الوارد بل الوارد فيها فقرة من
فقرات الدستور الإسلامي تؤخذ تلك الفقرة كحكم أو كقاعدة تعم جميع الموارد وفي جميع العصور
إلا أن يدل دليل من آيات أخرى ، أو من السنة الكريمة على الاختصاص وعدم الشمول .
واذاَ فالآية الكريمة تشير إلى أن التوازن نقطة أساس لابد من المحافظة عليها وأن الاخلال بها
يضر المجتمع ، ويجر عليه الويلات .
____________
(١) سورة الاسراء | آية .٢٩
===============
( ١٤ )
ومن هذا المنطق تنظر الشريعة المقدسة إلى حرية الفرد في التملك والصرف ، والأخذ ،
والعطاء .
فهي لا تترك الفرد يتمتع بحرية مطلقة في نطاق التملك ، والحصول على الثروة كيف يشاء ،
ومن أي طريق كان ليكون هو المالك الوحيد ، ولاحق فيه لغيره يملك ما يشاء، ينفق حسب ما
يريد من دون قيد أو شرط .
ولكنها في الوقت نفسه لا تحرمه من حقه الطبيعي فتسلب منه الملكية الفردية ، وتجعل ما
يحصل عليه ملكاَ لغيره ، وخاضعاّ للصلطة بحيث يكون الفرد عاملاً لا يملك لنفسه إلا ما يقيم له
حياته المعاشية في أبصط أنواعها .
لاهذا ولا ذاك بل حد وسط بين الأمرين .
الإسلام يحترم الفرد ويأخذ بعين الاعتبار ما يحقق له كرامته ولكن في نطاق المجموعة
وحدود المجتمع الذي يعيش فيه لأنه كما يلحظ المصلحة الخاصة كذلك يضع في حسابه المصالح
العامة ، بل قد تقدم المصالح العامة في بعض الموارد على المصلحة الخاصة لو أقتضت
الضرورة لمثل هذا الاجراء ومن ذلك .
١ ـ لو أسر الكفار بعض المسلمين : وجعلوهم في الصف الأول ، وفي الخط الأمامي من
المعركة ليكونوا عقبة في طريق زحف المسلمين ، فإن الشارع المقدس يأمر المسلمين بالتقدم ،
ولو أقتضى ذلك قتل هؤلاء المسلمين الأسارى وحينئذ فلهؤلاء الجنة ، ولورثتهم الدية تستحصل
من بيت المال .
٢ ـ الاحتكار : وهو حبس السلعة والامتناع عن بيعها لأنتظار
===============
( ١٥ )
زيادة القيمة مع حاجة المسلمين إليها وعدم وجود الباذل لها .
وهذا العمل حرام من حيث المبدأ ، ويجبر المحتكر على البيع من دون أن يعين له السعر .
. (١) نعم إذا كان السعر الذي إختاره مجحفاً بالعامة أجبر على الأقل
ولسنا في صدد تعين ما يختص به هذا الحكم من الأجناس ، والحاجيات ، فهل هو كل ما
يحتاج إليه المسلمون من السلع أم أنها مختصة بالحنطة والشعير والتمر والزبيب والسمن والزيت
لا غير ، ويستحب في الباقي ؟ فلذلك مورده الخاص من كتب الفقه .
بل المهم هو بيان أن ألاحتكار ، ولو في بعض الحاجيات من موارد تقديم المصلحة العامة
على المصلحة الخاصة .
٣ ـ حق المارة : ويتمثل ذلك في الأثمار المتدلية في بعض البساتين على الطريق فإن لم
يكون مرورها عليها لابنحو القصد إليها أن يتناول في ذالك الثمر بشروط تتعرض لها مصادر
الفقه .
وهناك كثير من هذا الموارد لاحظ الشارع المقدس فيها المصلحة العامة فقدمها على المصلحة
الخاصة .
ومن هذا القبيل ما نحن فيه ، وبالنسبة إلى ما يحصل عليه الفرد من الثروة والتصرف فيه فإن
الإسلام يبيح له ذلك ليعمل طاقاته في سبيل الإنتاج ، ولكن لاينافي هذا أن يضع له مقاييس خاصة
لابد من رعايتها حفاظاً منه على التوازن وعقبة في طريق التضخم
____________
(١) منهاج الصالحين للسيد الخوئي ـ ج ٢ | ١٤ ـ ١٥ الطبعة الثامنة .
===============
( ١٦ )
الذي ينشأ من جراء هذه الحرية بدون قيد أو شرط ، ولئلا ينعم بعضهم على حساب الآخرين أو
يتخم بعضهم ، ويجوع آخرون .
وفي هذا الصدد يقول الإمام الصادق ( عليه السلام ) :
. (١) « ولو أن الناس أدوا حقوقهم لكانوا عايشين بخير »
ومن هذا العرض نخلص إلى أن الفرد في حياته المعاشيه حر ومقيد .
حر : في التملك والتصرف في قبال الأنظمة والتي تسلبه الحرية ، وتجعله أداة لغيره .
ومقيد : بالنسبة إلى بعض أسباب التملك ، أو بالقيود التي توضع عليه بعد التملك رعاية
للمصالح التي تقتضيها طبيعة المعايشة في المجتمع الاسلامي .
وقد نواجه ونحن نقول بهذه الأزدواجية من التملك والتصرف المقيدين باشكال يقول فيه
بعضهم :
ان جعل المقاييس من قبل الشارع المقدس ضابطاً لحفظ التوازن ينافي ما تقرره القاعدة
المشهورة ، التي يتفق عليها كلهم من أن الناس مسلطون على أموالهم ، إذ من الواضح أن تقييد
الحرية المذكورة في التملك والصرف معناه الحد من هذه السلطة التي أقرها الشارع ، التي بها
يتمكن الفرد من التصرف بما عليه كيف يشاء !.
والجواب عن ذلك : ان الانسان قد يتصور انه عندما يحصل على شيء ، أو يستولي
____________
(١) وسائل الشيعة ٦ | ٣ .
===============
( ١٧ )
عليه بأحد الطرق المشروعة أنه هو المالك الحقيقي لذلك الشيء ، وليس لأحد أن يتدخل فيما يعود
لحرية التصرف فيه ، وهذا لحدٍ ما صحيح وأن القاعدة المشهورة من الناس مسلطون على
أموالهم أيضاً معترف بها ، ولكن علينا أن نعرف قبل كل شيء أن هذه السلطة ، وهذه الملكية
هما بالنسبة إلى ما يعود إلى الناس فيما بينهم ، وأما بالنسبة إلى الفرد مع خالقه فالقضية تأخذ
طابعاً آخر وشكلاً جديد .
ذلك لأن الملكية الحقيقية إنما هي الله وحده من غير شريك ، وأن السلطة الكبرى له من غير
منازع ، وإنما للأنسان من الملكية ما هو محدود له من قبل االله سبحانه .
وعندما يرزق االله أحداً مقداراً من المال فقد يتخيل الأنسان أن ما حصل له كله ملك له . إلا
أن ذلك خيال محض وتصور فارغ بل هو يملك المقدار المخصص له لاغير .
وعلى سبيل المثال لو حصل الإنسان على مقدار عشرة دنانير ، وقلنا ان للفقراء اثنين من هذه
العشرة حقاً شرعياً فمعنى ذلك أنه من أول الأمر كان قد ملك ثمانية لاأكثر اما ملكه لتمام العشرة
فهو ملك صوري ، وإنما الحقيقي هو الثمانية لاغير .
وليس في هذا أي جور على الفرد فإن من أعطاه المال قيده بهذا النحو من العطاء اعطاه
مقداراً خاصاَ والزائد ليس له ، وغير مسلط عليه .
ان المال كله هبة من االله ، وهو مال االله حتى بعد حصول العبد عليه ، وفي هذا الصدد تقول
الآية الكريمة :
===============
( ١٨ )
. (١) (وآتوهم من مال االله الَّذي آتاكم )
فهو من مال االله ، ولذ أمر بأعطائه منه ، ولو لم يكن ماله لما أمر باعطائه إذ لا معنى لأن
يأمر االله بإعطاء ما ليس له ، بل الحقيقة باقية حتى بعد وصوله إلى الأفراد .
ويقول سبحانه في آية أخرى :
. (٢) ( وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه)
وإذا كانت معاملة االله لعبده على المال معاملة الاستخلاف فهو اذاً أمين على ذلك فلماذا
يتضايق الأنسان من الضوابط التي يجعلها المالك الحقيقي على ما إستخلف عليه .
ولمذا نقتصر في الملكية على هذا التقييد بل المال ، ومن وصل إليه ، والأرض والسماوات
وما فيها كل ذلك مملوك الله .
. (١) ( الله ملك السماوات والارض وما فيهن وهو على كل شيءٍ قدير )
فكل شيء في هذا الوجود بسمائه ، وأرضه ، وما فيها ، وما بينهما مملوك له ملكية مطلقة
وغير محدودة بحدود ، ولا مقيدة بقيود .
وبعد هذا العرض فلا منافاة بين القول بتسلط الفرد على ماله ، وبين القيود والضوابط التي
يجعلها االله على الأموال تملكاً وتصرفاً .
( مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء
____________
(١) سورة النور | آية : ٣٣ .
(٢) سورة الحديد | آية : ٧ .
(٣) سورة المائدة | آية : ١٢٠ .
===============
( ١٩ )
. (١) وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير )
التكافل الإِجتماعي :
التكافل الإجتماعي ، عنوان يراد منه التحام الافراد فيما بينهم في اطار من الود والرحمة يشد
بعضهم بعضاً ، كما يقول الحديث الشريف : « المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضة
بعضاً » .
وللتكافل مظاهر متعددة :
فالجهاد في سبيل االله ـ ينضم الأفراد بعضهم إلى بعض ليقفوا في بوجه العدوا من التكافل .
والمهندس ، والطبيب ، وكل ذي فن وحرفة يقوم بعمله من التكافل ، وتقديم الخدمات الخاصة
، والعامة من التكافل .
ورعاية اليتيم أيضاً من التكافل .
وافراد الأسرة كل يقوم بواجبه الأسروي من التكافل .
واسداء النصح ، والكلمة الطيبة يقدمها الإنسان الى غيره من التكافل .
ومد يد العون إلى الفقراء ، والضعفاء من التكافل .
وبتعير شامل القيام بما يعود إلى المجتمع على نطاق الأفراد ، والمجموعة ككل من التكافل .
____________
(١) سورة آل عمران | آية : ٢٦ .
===============
( ٢٠ )
2025-01-14