قادتنا كيف نعرفهم (١)
ساعتين مضت
الاسلام والحياة
5 زيارة
دلالة الموضوع على الامامة
واستند العلّامة الحلّي إلى ما رواه أحمد بن حنبل في (مسنده) عن ابن عبّاس من عدّة طرق، «أنّ عليّاً عليه السّلام أوّل من أسلم» «1» في إثبات إمامة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه الصّلاة والسّلام بعد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بلا فصل، لأنَّ هذه فضيلة اختصّ بها دون غيره من الأصحاب، فيكون الافضل، والأفضل هو المتعيّن للإمامة والخلافة، وقد سلّم بهذه القاعدة العقلية جمهور العلماء حتى مثل ابن تيميّة.
وأمّا المناقشة في ذلك لكونه حديث السن، فمندفعة بقبول النبي صلّى اللَّه عليه وآله وافتخار الإمام بتقدّم اسلامه ولتفضيل أعلام الصحابة إيّاه على غيره لتقدم اسلامه ولما ذكره المأمون كما تقدم.
هذا، وصريح كثير من الروايات ومقتضى كثير من الإطلاقات تقدّم اسلامه على اسلام سيدتنا خديجة عليها السلام أيضاً، لكنَّ المهم في الاستدلال تقدّم اسلامه على اسلام أبي بكر كما هو واضح.
وأمّا روايات أصحابنا في المقام فتجدها في كتاب (غاية المرام) «2».
(1)
كشف الحقّ ونهج الصّدق، باب الأخبار المتواترة عن النّبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم، الدّالة على امامة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام الحديث الثاني ص 101.
(2) الباب الحادي والعشرون ص 499 والباب الثّاني والعشرون ص 504.
(٧٦)
حديث العشيرة والدار
أخرج أحمد باسناده عن عليّ عليه السّلام قال: «جمع رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم- أودعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم- بني عبد المطلب فيهم رهط كلهم يأكل الجذعة ويشرب الفرق، قال فصنع لهم مدّاً من طعام فأكلوا حتّى شبعوا قال: وبقي الطعام كما هو كأنّه لم يمسّ ثم دعا بغمر فشربوا حتّى رووا، وبقي الشراب كأنّه لم يمس أو لم يشرب، فقال: يا بني عبد المطلب، اني بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم فأيكم يبايعني على ان يكون اخي وصاحبي؟ قال: فلم يقم إليه احد، قال: فقمت إليه وكنت أصغر القوم قال:
فقال: اجلس، قالها ثلاث مرات كل ذلك اقوم إليه فيقول لي: اجلس حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدي» «١».
وروى ابن عساكر باسناده عن عليّ بن أبي طالب قال: «لمّا نزلت «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» قال رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم: يا علي، اصنع لي رجل شاة بصاع من طعام، واعد قعباً من لبن، وكان القعب قدر ريّ رجل قال:
ففعلت، فقال لي رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يا علي، اجمع بني هاشم وهم يومئذٍ أربعون رجلًا أو أربعون غير رجل، فدعا رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فوضعه بينهم فأكلوا حتى شبعوا، وان الرجل منهم لمن يأكل الجذعة بإدامها، ثم تناولوا القدح فشربوا حتى رووا وبقي فيه عامته، فقال بعضهم: ما رأينا
(1) مسند أحمد بن حنبل، ج 1 ص 159.
(٧٧)
كاليوم في السحر!!! يقولون انه أبو لهب، ثم قال يا علي، اصنع رجل شاة بصاع من طعام وأعد بقعب من لبن، قال: ففعلت فجمعهم فاكلوا: مثل ما أكلوا بالمرة الأولى، وشربوا مثل المرة الأولى وفضل منه ما فضل المرة الأولى، فقال بعضهم:
ما رأينا كاليوم في السحر!!!.
فقال الثالثة: اصنع رجل شاة بصاع من طعام واعد بقعب من لبن، ففعلت.
فقال اجمع بني هاشم، فجمعتهم فأكلوا وشربوا فبدرهم رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم بالكلام، فقال: أيكم يقضي ديني ويكون خليفتي ووصيي من بعدي؟
قال: فسكت العبّاس مخافة ان يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم الكلام على القوم وسكت العبّاس مخافة أن يحيط ذلك بماله، فأعاد رسول اللَّه الكلام الثالثة قال: واني يومئذٍ لأسوأهم هيئة، اني يومئذٍ احمش الساقين اعمش العينين ضخم البطن، فقلت: أنا يا رسول اللَّه، قال: أنت يا علي، أنت يا علي» «1».
وروى بإسناده عن أبي رافع، قال: «كنت قاعداً بعد ما بايع الناس أبا بكر، فسمعت أبا بكر يقول للعبّاس: أنشدك اللَّه هل تعلم أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم جمع بني عبد المطلب وأولادهم وأنت فيهم وجمعهم دون قريش، فقال:
يا بني عبد المطلب انه لم يبعث اللَّه نبياً الا جعل له من أهله أخاً ووزيراً ووصيّاً وخليفة في أهله، فمن منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في اهلي؟ فلم يقم منكم أحد!! فقال: يا بني عبد المطلب كونوا في الاسلام رؤساً ولا تكونوا أذناباً، واللَّه ليقومنّ قائمكم أو لتكوننّ في غيركم ثمّ لتندمن! فقام عليّ من بينكم فبايعه على ما شرط له ودعاه اليه، اتعلم هذا له من رسول اللَّه صلّى اللَّه
(1) ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب من تاريخ مدينة دمشق، ج 1، ص 87، الحديث 139.
(٧٨)
عليه وآله وسلّم؟ قال: نعم» «1».
ورواه الوصابي بإسناده عن أبي الحسن أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب كما تقدَّم وفيه: «فقال: هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا، فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع وتطيع لعلي» «2».
ورواه الزرندي بإسناده عن البراء … «3».
وروى أبو الفداء في تاريخه مثله «4».
أقول: كانت لدعوة رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله ثلاث مراحل:
الأولى: دعوته الأفراد سراً، وأوّل من أظهر ايمانه وآمن به في هذه المرحلة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وكانت مدة هذه الدعوة ثلاث سنين «5».
الثانية: دعوته بني عبد المطلب وعشيرته الأقربين.
الثالثة: دعوته العامة جهراً كلّ الطوائف إلى يوم القيامة.
أما دعوته عشيرته، فكانت في دار عمه أبي طالب، وفيها قال في حق الإمام علي عليه السّلام كلمته الخالدة.
وقد ذكر المفسرون هذه الحادثة التاريخية الغراء عند تفسيرهم قوله تعالى:
(١) المصدر ص ٨٩، الحديث ١٤٣.
(٢) أسنى المطالب في مناقب عليّ بن أبي طالب، الباب الثّالث ص ١٢، والمتّقي في منتخب كنز العمّال بهامش مسند أحمد ج ٥ ص ٤١، كما أورد الكنجي حديث العشيرة في كفاية الطالب ص ٢٠٥- ٢٠٦.
(٣) نظم درر السمطين ص ٨٢، ورواه الكنجي في كفاية الطالب ص 205.
(4) المختصر في أخبار البشر، ج 1 ص 116.
(5) التاريخ الاسلامي، وتاريخ اسماعيل أبي الفداء، ج 1 ص 116، والطبّقات لابن سعد كاتب الواقدي ج 1 ص 132، التاريخ الاسلامي والحضارة الإسلامية لأحمد شلبي ج 1 ص 144.
(٧٩)
«وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» «١». فمنهم الحاكم الحسكاني ومحمّد بن جرير الطبري وجلال الدين السيوطي واسماعيل بن كثير وعلي بن محمّد بن إبراهيم الخازن البغدادي والآلوسي البغدادي والشيخ الطنطاوي «٢».
وروى حديث العشيرة أئمة الحديث في مسانيدهم وصحاحهم، كالحاكم النيسابوري وغيره.
وأورد المؤرخون هذه الدعوة فيما ألّفوه من التاريخ والسير والفضائل، كالبيهقي والطبري وابن الأثير وابن خلدون وابن كثير «٣» والحلبي «٤» والمسعودي «٥» ومحمّد بن يوسف الشامي «٦» ومحمّد حسين هيكل «٧» والقندوزي الحنفي «٨».
دلالة الحديث
واستدل العلامة الحلّي بهذا الحديث لإثبات إمامة عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قائلًا: «قال صلّى اللَّه عليه وآله: وأنا ادعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان تملكون بهما العرب والعجم، وتنقاد لكم بهما الأمم،
(١) سورة الشعراء: آية ٢١٤.
(٢) روح المعاني ج ١٩ ص ١٢٢.
(٣) السيرة النبوية ج ١ ص ٤٥٧ والبداية والنّهاية ج 3 ص 39.
(4) انسان العيون، المعروف بالسيرة الحلبّية ج 1 ص 460.
(5) مروج الذّهب ج 2 ص 283، واثبات الوصّية ص 115.
(6) سبل الهدى والرّشاد في سيرة خير العباد ج 2 ص 434.
(7) حياة محمّد صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم الطبعة الأولى ص 104.
(8) ينابيع المودّة ص 105، الباب الحادي والثلاثون.
(٨٠)
2025-09-27