طوال الاسبوع الماضي، بدا أن اعادة التموضع السعودية في لبنان مستمرة بوتيرة تصاعدية. بعد الغاء المنحة البالغة قيمتها اربعة مليارات دولار لتسليح الجيش اللبناني وقوى الامن، حذرت السعودیة رعاياها من السفر الى لبنان. وكثرت الشائعات هناك وهناك عن وقف الطيران السعودي رحلاته الى بيروت وتسريح لبنانيين يعملون في السعودیة.و تزامن ذلك مع حذو دول الخليجیة الاخرى حذو السعودیة في الطلب من رعاياها مغادرة لبنان وعدم السفر اليه.
هذه الإجراءات التي اتخذت على خلفية امتناع وزير الخارجية اللبناني “جبران باسيل” عن التصويت في كانون الثاني الماضي على قرار في جامعة الدول العربية يُدين إيران، أحدثت تصاعدا سعودیا بکل أجندتها ضد لبنان.
فيما انشغلت مراكز ابحاث غربية في استشكاف التأثير المحتمل للانسحاب السعودي و الخلیجي من لبنان على حزب الله و تفاوتت اراء اكاديميين وباحثين غربيين حيال النتائج المحتملة لهذه الاجراءات الخليجية وانعكاساتها على “حزب الله”.
وفي هذا المجال “ألكسندر كورباي” من كبار المحللين في مجموعة SecDev الكندية والذي يركّز على النزاع السوري وتأثيره على الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حذر من أن تراجع الدعم للجيش اللبناني سيُساهم في تعزيز حجة “حزب الله” بأنه القوة الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان.
ففي مقال نشره في “معهد كارنيغي انداومنت للسلام العالمي” یری “كورباي” بأن تحسُّن تكتيكات حزب الله وتراجع الدعم السعودي للجيش سيُساهمان في تعزيز حجة “حزب الله ” بأنه القوة الوحيدة القادرة على الدفاع عن لبنان من العدوان الإسرائيلي والتهديد من المتطرّفين السنّة. ويضيف أن الحزب الذي حصل في الأصل على جرعة زخم جراء صمود النظام السوري ونجاح جهوده في سوريا سوف يدفع أكثر فأكثر نحو فرض جدول أعماله في القرارات المصيرية المتعلقة برئاسة الجمهورية في لبنان، والتغييرات المنوي إدخالها في قانون انتخاب مجلس النواب، والتعيينات الأمنية”.
من جهة اخری “ديفيد شنكر”، مدير برنامج السياسة العربية في “معهد واشنطن ” يرى أن الغاء الهبة السعودية “خطوة رمزية” ولن يكون لها تأثيرات واسعة من الناحية العملية. فالجيش اللبناني في رأيه عاجز عن صيانة الأنظمة التي في حوزته حالياً (على سبيل المثال، أقل من ثلث مروحيات الـ “يو إتش-1 إركويس” والـ “أس إيه 330 بوما” الـ 30 التي يملكها الجيش اللبناني صالح للطيران)، لذا فمن غير الواضح كيف سيتمكن الجيش من تحمل كلفة استخدام أو صيانة مروحيات الـ”يوروكوبتر كوغار” الجديدة الفرنسية الصنع البالغة قيمتها 23 مليون دولار التي كان من المقرر شراؤها.وبالنسبة اليه ايضا، لم يكن الجيش اللبناني بحاجة حقاً إلى الأسلحة الأخرى الملغاة، مثل أنظمة الدفاع الجوي وثلاثة زوارق عسكرية للدوريات و24 مدفع “قيصر” ذاتي الحركة عيار 155 ملليمتر (فرنسي الصنع). وفي الواقع، دارت الكثير من التساؤلات وشبهات الفساد حول الصفقة إلى درجة أن بعض السياسيين اللبنانيين رحبوا سراً بإلغائها واعتبروها نعمة للجيش اللبناني.
وإذ يلفت “ديفيد شنكر”، الى أنه من السابق لأوانه الحكم على تداعيات هذه الإجراءات الاقتصادية والسياسية، وما اذا كانت انذارا سعوديا للبنان لكي يتخذ حذره بصورة أكثر في علاقته مع كل من طهران والرياض، أم انها المرحلة الأولى من إعادة تموضع خليجي كامل بعيداً عن المشروع اللبناني، يخلص الى أن المسار الحالي يظهر أن السعودية تتجه نحو خفض دورها في لبنان، الأمر الذي من شأنه أن يترك البلاد تحت رحمة إيران و “حزب الله” أكثر من أي وقت مضى.
في السياق نفسه، اعتبر “ارام نيرغيزيان”، الخبير في القدرات الدفاعية للجيش اللبناني في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” ومقره واشنطن أن “الجيش اللبناني وجد نفسه” ثانويا في مجموعة أوسع من القرارات التي اتخذتها السعودية في محاولتها التأثير على الاحداث في المنطقة”. وحذر من أن هذه الاجراءات خطوة ناقصة تخدم مصالح “حزب الله” لان ضعف الجيش هو حجة قديمة للقوة العسكرية ل”حزب الله” وبالتالي لايران.