الطفل بين الوراثة والتربية
7 ساعات مضت
المرأة في الإسلام
12 زيارة
أردى به الحرص والطمع وطلب الجاه والأنانية إلى هوة سحيقة وعيش أمض من الموت ومصير مؤلم فظيع!..
فالعاقل هو الذي لا يلوث أذياله بأي ذنب، ويظل متحفظا من أي انحراف في سلوكه، وهكذا فإن الرجال العظماء والذين كانوا ولا يزالون مفاخر الانسانية جمعاء في كل عصر ، لم يحصلوا على تلك المنزلة إلا لأنهم عاشوا عيشة طاهرة منزهة من الدنس. فالفضائل والكمالات لا يمكن أن تتفق مع الذنوب، ومن يريد الوصول إلى أوج الكمال والعظمة الروحية، عليه أن يتخلى عن ميوله اللا مشروعة وشهواته وأهوائه التي تقف في طريق تكامله.
يقول الامام علي (ع): «إنك لن تدرك ما تحب إلا بالصبر عما تشتهي» (1).
قد يولد الاعجاب بالشهرة وطلب الجاه أثرا شديدا في نفس الفرد، بحيث يضطره إلى أن يرخي عنان الصبر من يده، ويرتكب كل جريمة في سبيل هدفه… ومع ذلك فالمصيبة العظمى أنه لا يصل إلى ما يريد بالرغم من اتخاذه كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيقه.
البؤس والحرمان:
وتأكيدا لما سبق نورد هنا حديثا عن الامام الحسين (ع) نأمل أن يقع موقع الاهتمام والعناية من قبل المسلمين، وخصوصا: الشبان منهم ويضعوه نصب أعينهم في جميع مجالات نشاطهم مدى الحياة:
«من حاول أمرا بمعصية الله كان أفوت لما يرجو وأسرع لما يحذر» (2).
… إذا كانت في نفسك رغبة ملحة في جمع المال، فاحرص على أن تجمعه من طريق مشروع وبأساليب صحيحة بعيدة عن الخيانة… والسرقة… وإن كنت ترغب في الحصول على شهرة قوية في المجتمع فلا
(1) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 149 ط النجف الأشرف.
(2) بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج 17 / 149.
(٢٥)
تطلب ذلك من طريق الاجرام، لأن النهاية هي البؤس والحرمان.
إن أصدق شاهد على كلمة الامام الحسين (ع) الآنفة الذكر، نجده في تاريخ الطف بصورة جلية، فإن عمر بن سعد بن أبي وقاص كان يميل بشدة للحصول على إمارة (ري)، وكانت أوهام الرئاسة على تلك المدينة وقيادة زمامها قد عاشت في مخيلته، حتى راح يضحي بكل شيء عنده للوصول إلى هدفه. وأخيرا لم يجد بدا من أن يسلك مسلكا غير مشروع لتحقيق أمنيته هذه. فارتكب أشنع الجرائم وأبشعها في تاريخ البشرية وهي قتل الحسين (ع) وأصحابه مع تلك الحالة المفجعة الممضة غير القابلة للوصف. كل ذلك أملا في الحصول على إمارة (ري)… وأخيرا – وبالرغم من ارتكابه تلك الجريمة العظمى – لم يصل إلى هدفه، وخاب ظنه وخسر الدنيا بعد خسرانه الآخرة… هذا غير الوخز المؤلم من الضمير له والايقاع به في شبكة من الأمراض الروحية والعصبية، نتيجة لخيانته الكبرى تلك… وكانت نهاية حياته أن وقع فريسة دسمة بأيدي الثوار الذين نهضوا يطالبون بدم الحسين بقيادة المختار الثقفي، وتحققت فيه قولة الامام عليه السلام: «من حاول أمرا بمعصية الله، كان أفوت لما يرجو وأسرع لما بحذر».
هذه نبذة يسيرة عن الذنب يسيرة عن الذنب وبعض نتائجه وآثاره، تطرقنا إليها كتمهيد للبحث وذلك بمناسبة قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جواب علي عليه السلام: « أفضل الأعمال في هذا الشهر، الورع عن محارم الله».
نسأل الله عز وجل أن يوفقنا في هذا الشهر، وفي سائر أيام السنة للاجتناب عن السيئات والجرائم. وبذلك نجلب رضى الله تعالى بالحصول على السعادة في الدنيا، والنعيم في الآخرة.
وفي نهاية المطاف أود أن أشير إلى أن بحثنا في المحاضرات القادمة سيدور حول أساس السعادة في تربية الطفل. وعليه فلا بد – كتمهيد لفهم الموضوع – من ذكر بعض المقدمات المرتبطة به… فنبحث – أولا – في أصل السعادة، ودور الوالدين في تحقيق سعادة الطفل وشقائه، والمقارنة بين التربية والوراثة. ثم ندخل إلى صلب الموضوع.
ولا يخفى أننا في ضمن بحثنا عن
(٢٦)
التعاليم القيمة التي جاء بها القرآن الكريم والنصوص الواردة عن المعصومين عليهم السلام، بشأن التربية وما يتعلق بها، نستشهد بالبحوث العلمية الحديثة التي توصل إليها علماء الغرب. وغرضنا من ذلك أمران: – أولهما: – إنه يجب الاعتراف بأن للعلماء الغربيين مطالعات دقيقة وبحوثا قيمة في كثير من الموضوعات. وعلى كل عاقل حر أن يستفيد من أفكار العلماء وتجاربهم الصحيحة المعقولة ليستخدمها في حياته العملية. والإسلام دين العقل والمنطق، ولذلك فقد أوصى المسلمين بأن يجدوا في طلب العلوم والحكم ويأخذوها من أي شخص كان وأينما وجدوها، وإن كان الملقي بها منحرفا من ناحية العقيدة أو مأسورا لعبادة الأوثان والشرك بالله. وعلى سبيل المثال نذكر بعض النصوص الواردة بهذا الشأن: – وراء طلب العلم:
1 – قال الامام علي (ع): «خذ الحكمة ولو من المشركين» (1).
2 – وعنه عليه السلام أيضا: «لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال» (2).
ومعناها: أطلب الكلمة الحقة من أي شخص كان.
3 – وعنه (ع): «خذ الحكمة ولو من أهل الضلال» (3).
4 – ويقول أيضا: «الحكمة ضالة المؤمن، فاطلبوها ولو من عند المشرك» (4).
5 – وعنه (ع) أيضا: «أعلم الناس: من جمع علم الناس». (5) الإسلام دين العلم والمعرفة:
الإسلام دين التكامل والتحقيق دين العلم والمعرفة، يراعي موضوع
(1) إثبات الهداة للحر العاملي ج 1 / 49.
(2) المصدر السابق ج 1 / 46.
(3) المصدر نفسه ج 1 / 46.
(4) المصدر نفسه ج 1 / 47.
(5) المصدر نفسه ج 1 / 47.
(٢٧)
2025-05-17