السؤال: من الذين أمر الإسلام بقتالهم؟ وهل يُكره الشخص على الدين أو يُقتل؟
السيّد الخوئي(قدّس سرّه) وتبعاً له الشيخ التبريزي والخراساني وغيرهما(أعلى الله كلمتهم) يذكرون في (المنهاج) بأنّ: الكفّار من غير أهل الكتاب والصابئة كالملحدين والبوذيّين، يجب مجاهدتهم حتّى يُسلموا أو يُقتلوا و((تطهر الأرض من لوثة وجودهم))..
وأعلم بأنّ المسألة خلافية؛ فذهب البعض خلافاً للمشهور إلى تخييرهم بين القتال والإسلام وأخذ الجزية.. والسؤال:
1- كيف يتوافق رأي السيّد الخوئي مع ما يُستدلّ به من أنّ أهل البيت(عليهم السلام) ورسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يأمروا، ولم يقوموا بقتل الكفّار غير الكتابيين، عندما تولّوا الحكم، أو عندما كان لهم تأثير في رأي خلفاء أزمنتهم؟
2- هل تعتقدون بأنّ رأي السيّد الخوئي يمكن تطبيقه عملياً.. مثلاً: دولة كالصين – لو فرضنا عدم دخولها الإسلام عند قيام الدولة الإسلامية القوّية – فلا يمكن القول بأنّ إبادة جميع الشعب واجبة، فهذا لا يتوافق مع كثير من مواقف آل بيت العصمة والنصوص، بل لا يتوافق مع الوجدان.
3- كيف توفّقون بين رأي السيّد الخوئي وبين ما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام): (الناس إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق).
الجواب:
الأخ علي المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء في (فقه الصادق(عليه السلام)) للسيّد محمّد الروحاني، ضمن عنوان: (الجهاد بعد إقامة الحجّة): أنّ الجهاد والقتال مع الكفّار والبغاة إنّما هو بعد الدعاء إلى محاسن الإسلام وإقامة الحجّة عليهم، كما قال تعالى: (( وَلَو أَنَّا أَهلَكنَاهم بعَذَاب مّن قَبله لَقَالوا رَبَّنَا لَولاَ أَرسَلتَ إلَينَا رَسولاً فنَتَّبعَ آيَاتكَ من قَبل أَن نَّذلَّ وَنَخزَى )) (طه:134)، وقال عزّ وجلّ: (( ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )) (النحل:125)، وقال تعالى: (( لّيَهلكَ مَن هَلَكَ عَن بَيّنَة وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيّنَة )) (الأنفال:42).
وكما جرت عليه السُنّة النبوّية والعلوية والحسينية، (أقول: إيّاك أن تغتر بسُنّة غيرهم)، بل المستفاد من الآية الثانية والسيرة النبوّية: أنّ القتال إنّما هو بعد الدعوة إلى الإسلام بأقسامها الثلاثة، أي: الحكمة، والموعظة، والجدال بالتي هي أحسن؛ إذ الإنسان إمّا أن يكون له قدرة على إدراك المطلوب بالبرهان، أو لا، والثاني إمّا أن يكون له قوّة الجدال والمغالبة أو لا..
فوظيفة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن قام مقامه في هداية الخلق مع الفرقة الأولى: إقامة البرهان واتّباع التصديق الجازم في أذهانهم.. ومع الفرقة الثانية: الإلزام؛ ليلتزموا بما أُمروا به. ومع الفرقة الثالثة: إيقاع المقدّمات الإقناعية في أذهانهم؛ لينقادوا للحقّ، لقصورهم عن رتبة البرهان والجدل، فالحكمة إشارة إلى: البرهان، والموعظة الحسنة إلى: الخطابة، وجادلهم بالتي هي أحسن إلى: علم الجدل، وقد روي عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (أُمرنا معاشر الأنبياء أن نكلّم الناس على قدر عقولهم)(1).
وعلى الجملة، لا يبدأ بالقتال إلاّ بعد إتمام الحجّة.
(أقول: لا يشتبه عليك الحال فتقيس على ما وقع من فتوحات بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)! فإنّ قادتها كانوا متغلّبين ولم يكونوا ممّن أهّلهم الله للإمامة، وأمراءهم كانوا أعراباً جفاة، ومع ذلك لا ننكر تأثير تعاليم الإسلام ووجود صحابة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الفتوحات, فأصبحت أنظف فتوحات البشرية).
ثمّ بعد ذلك إن أسلموا فلا كلام، وإلاّ فإن منعوا من الدعوة وهدّدوا الداعي وقتلوه يجب على المسلمين القتال لحماية الدعاة ونشر الدعوة، لا للإكراه في الدين، والتدبّر في آيات القتال والجهاد يرشدنا إلى ذلك، فهذه آيات القتال في سورة البقرة صريحة في ذلك: (( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُم وَلاَ تَعتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعتَدِينَ * وَاقتُلُوهُم حَيثُ ثَقِفتُمُوهُم وَأَخرِجُوهُم مِن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُم عِندَ المَسجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُم فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُم فَاقتُلُوهُم )) (البقرة:190-191)، وآيات سورة آل عمران نزلت في غزوة أُحُد وكان المشركون هم المعتدون، وآيات الأنفال نزلت في غزوة بدر الكبرى وكان المشركون هم المعتدون أيضاً، وآيات سورة البراءة نزلت في ناكثي العهد من المشركين، ولذلك قال بعد ذكر نكثهم: (( أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوماً نَكَثُوا أَيمَانَهُم وَهَمُّوا بِإِخرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ )) (التوبة:13).
وعلى الجملة، كان المشركون يبدؤون المسلمين بالقتال لأجل إرجاعهم عن دينهم، وأخرجوا الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بلده، وآذوا المؤمنين، ومنعوا من الدعوة.
فقتال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان مدافعة عن الحقّ وأهله، وحماية لدعوة الحقّ.
وإن لم يمنعوا من الدعوة ولا هدّدوا الداعي ولم يؤذوا المؤمنين، فإن زاحموهم في تشكيل الحكومة الإسلامية التي هي القوّة المجرية للقوانين الإسلامية يكون القتل واجباً لذلك، وإذا لم يزاحموهم حتّى في ذلك لا يجب القتال والجهاد، وعلى أيّ تقدير: ليس القتال للإكراه في الدين.
وبهذا الذي ذكرناه يظهر الجواب: عمّا ربّما يورد على الإسلام في تشريعه الجهاد: بأنّ الإسلام قام بالسيف، وأنّه ليس ديناً إلهياً؛ لأنّ الإله الرحيم لا يأمر بسفك الدماء، وأنّ العقائد الإسلامية خطر على المدنية، ولذلك ربّما سمّاه بعضهم كالمبلغين من النصارى بـ((دين السيف والدم))، وآخرون بـ((دين الإجبار والإكراه)).
أضف إلى ما ذكرناه: إنّ دين التوحيد مبني على أساس الفطرة، وهو القيّم على إصلاح الإنسانية في حياتها، كما قال الله تعالى: (( فَأَقِم وَجهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لاَ تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ )) (الروم:30)..
فالتحفّظ عليه من أهم حقوق الإنسان، التي قضت الفطرة السليمة بأنّها مشروعة وجائزة، وممّا يوجب التحفظ عليه ويكون دفاعاً عن حقّ الإنسانية في حياتها القتال، كان دفاعاً عن المسلمين أو عن بيضة الإسلام أو ابتدائياً، كما قال تعالى بعد آيات القتال من سورة الأنفال: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا استَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحيِيكُم )) (الأنفال:24).
فجعل القتال إحياءً لهم، فالقتال بهذا المعنى عبارة عن استخدام الإنسان ما يحفظ به حياته الاجتماعية الصالحة، ومن الضروري أنّ الفطرة السليمة قاضية بأنّ للإنسان التصرّف في كلّ ما ينتفع به في حياته.
وإن شئت قلت: أنّه بعدما لا ريب في أنّ للإنسان فطرة، ولفطرته حكم وقضاوة، لا شبهة في أنّ فطرته تقضي قطعياً بأنّه لا بدّ أن يكون للإسلام حكم دفاعي في تطهير الأرض من لوث الشرك بالله، الذي فيه هلاك الإنسانية وموت الفطرة، وفي القتال دفاع عن حقّها، فالقتال مع المشركين إنّما يكون لإماتة الشرك وإحياء التوحيد, وهذه جهة أُخرى في الردّ على ما ذكروه إيراداً على الإسلام(2).
وممّا أوردنا لك من كلام السيّد الروحاني يظهر لك أنّ القتال الذي يدعو له الإسلام من أجل إعلاء كلمته، هو قتال الجماعات التي تكوّن كياناً خاصاً بها، كالدولة والقبيلة والقرية، وهذا ما كان يفعله النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غزواته الكثيرة، وأمّا أن يقتل كلّ فرد بعد إسقاط كيان تلك الجماعة فهذا ما لم يفعله, كما في مشركي قريش, ذلك أنّ أثر هؤلاء الأفراد لا يُعتدّ به على الإسلام، أمّا لو كان هنالك أشخاصاً خطرين على الإسلام كان لا بدّ من قتلهم، كما فعل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مع بعض مشركي قريش؛ إذ أمر بإهدار دمهم حتّى لو كانوا متعلّقين بأستار الكعبة.
والذي يذكره الفقهاء هو هذا المعنى من إسقاط دولة الكفر وتعريضهم للقتل أو للإسلام فإنّه يطبّق على بعض الأفراد الخطرين الذين يحاربون الإسلام.
وقال العلامة الطباطبائي في (الميزان): ((ثمّ القتال الابتدائي الذي هو دفاع عن حقّ الإنسانية وكلمة التوحيد لم يبدأ بشيء من القتال إلاّ بعد إتمام الحجّة بالدعوة الحسنة كما جرت عليه السُنّة النبوية، قال تعالى: (( ادعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلهُم بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ )) (النحل:125)، والآية مطلقة، وقال تعالى: (( لّيَهلكَ مَن هَلَكَ عَن بَيّنَة وَيَحيَى مَن حَيَّ عَن بَيّنَة )) (الأنفال:42).
وأمّا ما ذكروه من استلزامه الإكراه عند الغلبة، فلا ضير فيه بعد توقّف إحياء الإنسانية على تحميل الحقّ المشروع على عدّة من الأفراد، بعد البيان وإقامة الحجّة البالغة عليهم، وهذه الطريقة دائرة بين الملل والدول؛ فإنّ المتمرّد المتخلّف عن القوانين المدنية يُدعى إلى تبعيّتها، ثمّ يُحمل عليه بأي وسيلة أمكنت، ولو انجرّ إلى القتال حتّى يطيع وينقاد طوعاً أو كرهاً، على أنّ الكره إنّما يعيش ويدوم في طبقة واحدة من النسل، ثمّ التعليم والتربية الدينيان يصلحان الطبقات الآتية بإنشائها على الدين الفطري وكلمة التوحيد طوعاً))(3).
ثمّ إنّ الإسلام لا يدعو إلى قتل الأطفال والنساء وضعاف العقول.
ولو فرض مع كلّ ذلك أن كانت هناك مفسدة كبيرة من وراء قتلهم، فهناك رخصة إلى حكم آخر، كالمهادنة والمصالحة، لضرورات يقتضيها ذلك الظرف.
وأمّا قول أمير المؤمنين(عليه السلام)؛ فكان لمالك الأشتر حينما ولاّه على مصر, وأنّه يتحدّث عن صنفين من الرعية: صنف منهم مسلمين، وآخر من غير المسلمين، يقصد بهم: اليهود والنصارى، الذين كانوا في مصر، وهم إخوة بالإنسانية، وهو واضح، وقد عرفت عدم وجوب قتلهم في ظلّ الدولة الإسلامية، خاصّة هؤلاء الذين هم من أهل الكتاب، وقد دخلوا في الذمّة.
وأخيراً يتّضح لك من كلّ ما ذكرنا ما أشكل عليك.
ودمتم في رعاية الله
(1) انظر: أمالي الطوسي: 481 حديث (1050).
(2) فقه الصادق 13: 13.
(3) تفسير الميزان 2: 68.
تعليق على الجواب (1)
من هم الذين امر الرسول بقتلهم?
الجواب:
الأخ المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لعلك تريد بسؤالك عن الذين أمر رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بقتلهم ما ورد في الجواب عن السؤال محلّ التعليق.
فنقول: ذكر المحدّثون أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند فتحه لمكّة أمر بقتل تسعة ولو تعلّقوا بأستار الكعبة، فأسلم منهم ستّة، وقتل ثلاثة، منهم: ابن خطل، وكان ابن خطل قد أسلم فبعثه النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مصدّقاً، وبعث معه رجلاً من الأنصار، وكان معه مولى يخدمه مسلماً، فنزل منزلاً وأمر مولاه أن يذبح له تيساً ويصنع طعاماً، فنام، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً، فعدا عليه فقتله، ثمّ ارتد مشركاً، وكانت له قينتان تغنّيانه بهجاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فأمر بقتلهما معه، فقُتلت إحداهما، واستؤمن للأُخرى فآمنها(1).
وذكر ابن كثير في (السيرة النبوية) عن السُدّي: لمّا كان يوم فتح مكّة أمّن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الناس إلاّ أربعة نفر وامرأتين، وقال: (اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة)، وهم: عكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح.. ثمّ ذكر قصّة كلّ واحد منهم، انظر: المصدر المذكور(2).
ودمتم في رعاية الله
(1) سبل السلام لمحمّد بن إسماعيل الكحلاني 4: 54 (25)، وانظر: صحيح البخاري 2: 216 باب دخول الحرم ومكّة بغير إحرام، مسند أحمد 3: 109 مسند أنس بن مالك.
(2) السيرة النبوية 3: 565 غزوة الفتح الأعظم.
تعليق على الجواب (2)
تقولون: ((وأمّا قول أمير المؤمنين(عليه السلام) فكان لمالك الأشتر حينما ولاّه على مصر, وأنّه يتحدّث عن صنفين من الرعية: صنف منهم مسلمين، وآخر من غير المسلمين، يقصد بهم: اليهود والنصارى)).
على أي أساس تمّ تخصيص غير المسلمين بـ(اليهود والنصارى)، والعبارة مطلقة ولا تخصيص فيها بقوم، أو بزمان، أو مكان؟
الجواب:
الأخ عبد السلام المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العبارة وإن كان يظهر منها الإطلاق بما يشمل كلّ إنسان، إلاّ أنّ العبارة لا يظهر منها المنع من قتل الكفّار في حالات خاصّة معهم، ولو أردنا القول بشمولهم لذلك فيمكن أن يجاب بما ذكرنا من أنّ هذه العبارة تتحدّث عن اليهود والنصارى الذين كانوا في مصر، حتّى لا يحصل تعارض بين الأدلّة التي تجيز قتال الكفّار في حالات خاصّة مع تلك العبارة.
وبعبارة أُصولية: إنّ قول أمير المؤمنين(عليه السلام) وإن كان مطلقاً، ولكنّه لا مانع من ورود التقييد عليه من أدلّة أُخرى.
ودمتم برعاية الله